بقلم : محمد حبوشة
وظيفة الإعلام في المجتمع المعاصر أن تقوم بدورها في تنشئة الأفراد، وبخاصة أن تأثيره يصل إلى قطاعات واسعة وعريضة من شرائح المجتمع، وقد ساعد على ذلك سرعة اختصاره للزمان والمكان، وسرعة تجاوبه مع المستجدات العلمية والتكنولوجية، مما يؤدي إلى زيادة الرصيد الثقافي للإنسان، وتيسير عملية تبادل الخبرات البشرية، ومن ثم فعلى فللإعلام دور بارز وفعال في عملية التنشئة الاجتماعية لما يملك من خصائص تعزز من دوره، منها: جاذبيته التي تثير اهتمامات النشء، وتملأ جانباً كبيراً من وقت فراغهم، خاصة وأنها تعكس الثقافة العامة للمجتمع، والثقافات الفرعية للفئات الاجتماعية المختلفة، وتحيط الناس علما بموضوعات وأفكار ووقائع وأخبار ومعلومات ومعارف في جميع جوانب الحياة.
كما أن وسائل الإعلام تجذب الجمهور إلى أنماط سلوكية مرغوب فيها، وتحقق له المتعة بوسائل متنوعة على مدار الساعة بما يشبع حاجاته، وفي ظل غزو الإعلام للبيت والشارع والمدرسة فإنه حتما يؤدي إلى تغييرا كبير في القيم، وإذا لم يواجه ذلك بعملية تربوية منظمة تواكب هذا التطور المذهل، فسوف يؤدي إلى التخبط والعشوائية بل والضياع في العملية التربوية، وأمام هذا الدور الإعلامي المؤثر في التفكير والقيم والسلوك والعواطف، أصبح من الضروري أن تتكاتف جهود التربويين والإعلاميين لتعزيز مسيرة الإعلام المهني وتطوير دوره في المجتمع المعاصر، ولايتم ذلك إلا بحسن اختيار المادة الاعلامية وملاءمتها للجمهور المستقبل وتقديمها في ظروف مناسبة.
وإذا اعتبرنا أن الإعلام عمل يدخل في خانة الإبداع في مضمون وهدف الرسالة، فأنه لا يوجد ما يمكن تسميته خروج عن النص في أي عمل إبداعي، لأن الإبداع في جوهره هو عمل متجاوز للأطر السائدة، لكن يوجد ما يمكن تسميته بالخطوط الحمراء في مجتمعات تفرضها وتحددها لنفسها، وبين بعض هذه الخطوط الحمراء خرق القوانين النافذة وتحدي المزاج العام، والانصراف من الحالة الفنية الإبداعية الخاصة إلى النقد الشعبوي والتجريح، تماما كما حدث في حالة الإعلامي (تامر أمين)، وبالمناسبة هو كان إلى وقت قريب يعتبر واحد من الإعلاميين الأكفاء والحرفيين الذين لايشق لهم غبار على المستوى المهني المتطور للغاية والثقة بالنفس والمعلومات المتدفقة بطريقة سهلة وسلسة، قبل أن يقع في بركة آسنة من التردي والإسفاف والعزف على أوتار المتناقضات لركوب قطار (الترند)، ذلك الأخطبوط الذي يقود إعلامنا الوطني إلى حافة الهاويةيوما تلو الآخر.
تامر قال بالحرف الواحد : (يعني للأسف الشديد وأنا بقول هذا الكلام ومتزعلوش مني في الريف وفي الصعيد فيه نسبة كبيرة جدا بيخلفوا أولاد وبنات مش عشان يصرفوا عليهم ولاعشان يدخلوهم التعليم ويتعلموا ويكبروا ويتوظفوا أو يبقى عندهم فرص عمل..لا.. ده بيخلفوهم عشان العيال دي هى اللي تصرف على الأب والأم.. وفيه أسر كتير كتير قوي بيخلف الولد، وأول ما الولد ده يبقى عنده 5 أو 6 سنين 7 سنين بالكتير، يقوم هوب راميه على ورشة ورشة سمكرة .. ورشة حداداة .. ورشة دوكو .. ورشة إصلاح سيارات .. يشتغل فواعلي .. يشتغل في البنا.. يشتغل في المعمار.. المهم يشتغل واللي بنسميه إعلاميا بلية .. عارفين الواد بلية اللي هو صبي المعلم وصبي الأسطى.. فيروح والأسطى آخر الشهر يديله 500 جنيه أو 1000 جنيه أو 700 جنيه.. ماهو واد صغير 7 سنين.. وياخد الواد الصغير الألف جنيه ويعمل إيه.. يروح يرميهم في حجر أبوه.
وربما يكون قد أصاب (أمين) كبد الحقيقة في كلامه هذا، لكنه بالطبع لايرقى إلى مستوى ركوب (الترند)، لأنه يحلل ظاهرة سلبية سبق أن تحدث فيها غيره كثيرون، وبالتالي يصبح كلامه عاديا، لكنه على مايبدو قد غلبه طبعه في التجريح والسخرية التي اعتادها منذ فترة في إسقاط متعمد على بعض الفنانين والفنانات، فذهب إلى حيث يركب (الترند) في غيبة من وعيه قائلا: (ده الولاد.. طب جاني بنت.. هغلب؟.. لا.. هدخلها المدرسة؟.. لا.. أول ما تبقى 8 أو 9 سنين أشحنها تشتغل في البيوت.. وفيه أزمة في القاهرة والإسكندرية والمحافظات الكبرى في الخادمات والعاملات في المنزل.. فاشحن فالبنت لا تستمتع بطفولتها وبالبراءة بتاعتها ويطلع عنيها، وياسلام لو ست البيت بتكهربها ولا بتلسوعها ولا بتعمل بلاوي سودا من اللي بنسمع عنها وبتشغلها 24 ساعة وبتديها آخر الشهر ألف جنيه.. وتجري أخر الشهر تحطهم فين في حجر أبوها).
تسببت هذه الكلمات في حالة غضب عارمة لدى أهل الصعيد وتسببت في فتنة لم ينتبه لها (تامر أفندي) بداية الأمر، حيث انتشرت عشرات الفيديوهات التي ترد على تامر أمين على موقع (يوتيوب) كما علق الآلاف من الصعايدة على الصفحة الرسمية لقناة النهار، مطالبين بإقالة المذيع تامر أمين ومنعه من الظهور على شاشة القناة بعد سبه لفتيات الصعيد، ولأنه أدرك حجم الكارثة التي تسبب فيها فقد رد على قناة النهار بفيديو له على الصفحة الرسمية للقناة على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) قائلًا: (أنا حبيت بس أعمل الفيديو ده بسرعة لأني لقيت حالة من حالات التضخيم والاصطياد في الماء العكر وفيه محاولة للوقيعة بيني وبين الجماهير، خصوصا حبايبنا وأخواتنا وأهالينا في الصعيد والريف، فحبيت أعمل الفيديو ده للتوضيح عشان نقطع الطريق أمام الناس اللي بتصطاد في المية العكرة..
وأردف قائلا: الناس خدوا كلامي اللي بتكلم فيه عن مبادرة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي لوقف الزحف السكاني والتصدي للزيادة السكانية وحاولوا يصوروه على أني بهين أهالينا في الصعيد والريف، وهذه هى الطامة الكبرى حيث تمسح في كلام الرئيس بنظرة قاصرة ظن أنها يمكن أن تنقظه، ناسيا تماما أنه دأب على سب وقذف بعض الفنانات اللاتي لايعجبه سلوكهن، وكأنه قيم على المجتمع، وهنا للأسف جنب المهنية والموضوعية تماما مع أنه ينبغي أن تتوفر في أي مذيع خصيصة أن يعمل بشكل حيادي في إطار وظيفته الأساسية دون إبداء آرائه في القضايا التي يطرحها .. فقط وظيفته الأساسية أن يجرى حوارا بين أطراف قضية دون أن يؤثر على أحدهم أو يفرض وصاية على الجمهور على عكس ما اعتاد فعل (تامر) منذ فترة.
ولأنه فقد اتزانه وهدوئه الذي كان يتميز به فقد فكر في ركوب (الترند) مرة أخري على جثث البسطاء من أبناء هذا الوطن بمزايدة رخيصة وتراجع مهين، حيث أضاف في الفيديو قائلا : أولًا: قبل ما نخش في التفاصيل لا أنا ولا غيري يجرؤ انه يهين الصعايدة أو أهلنا في الريف والفلاحين، لأني مقتنع أن الصعيد ده شرف مصر وعزة مصر وكرامة مصر وأصل مصر وكل القامات الثقافية والشعرية والحضارية والأدبية والسياسية طلعت من الصعيد والريف، متابعًا، ثانيًا: لأن أنا أصلا فلاح من الريف وأبويا أصلا من محافظة ريفية زراعية وبالتالي محدش بيهين نفسه.
وفي تبرير غير مقنع بقدر ما يعبر عن أسلوب المرواغة والالتفاف على الحقائق الواضحة، قال: ثالثا: وده الأهم لو بصيتو على الفيديو أنا ماليش دعوة بالحاجات اللي بيتم استقطاعها ونزولها على اليوتيوب، لو جبتوا الفيديو الأصلي بتاع الحلقة أنا بتكلم أن فيه فئة قليلة من اللي بتخلف 8 و9 و10 لحد دلوقتي بيبقى هدفهم أنهم يعملوا وسيلة لكسب الرزق عشان يشحنوا أولادهم وبناتهم يشتغلوا في مشاغل ومصانع ويشتغلوا في ورش اللي هو الواد بلية ويشتغلوا في البيوت وكده، والفئة اللي بتعمل كده اللي احنا بندينها وعلى فكرة فيه ناس عندنا في القاهرة والإسكندرية وباقي المحافظات بيعملوا كده كمان، فده اللي أنا قولته وأحنا بندين هذه الفئة اللي للأسف مبتديش للطفولة حقها.
وعلى طريقة (يقول المريب خذوني) عاد للمزايدة مرة أخرى في نهاية الفيديو حيث قال تامر أمين: (لكن فيه كمان في الصعيد والريف ناس محترمة جدا وقبائل كبيرة وعزيزة وكلها فهم ووعي ووطنية وانتماء فأرجوكم واحنا بنتكلم عن الهدف والصالح العام أرجوكم بلاش فكرة الاصطياد والوقيعة دي لأني أعتقد أن الشعب المصري والصعايدة والريف أوعى من كل اللي بيصطادوا، في إشارة لقناة الجزيرة، قائلا: أنا بقول لقناة الجزيرة اللي نزلت هذا الكلام، هيهات الناس كويسة قوي والصعايدة والريف وأهل الريف والفلاحين عارفين مين هو تامر أمين وأنا كمان عارف أهلي وبلدي واللي جزمتهم على راسي من فوق.
عند هذا الحد ظن تامر أمين أن القضية انتهت ودفنت برمتها في دهاليز النسيان نظا لعدم ثقتي في المجلس الأعلى للإعلام ، لكن هيهات ياتامر فقد دأبت على تلك السقطات وأذكرك بقضية تشبيهك لعارضة أزياء بالرجال، وقضت محكمة جنح مدينة نصر، بمعاقبتك بالحبس لمدة سنتين، وكفالة 50 ألف جنيه، لاتهامك بسب وقذف عارضة أزياء وتشبيهها بالرجال، كما شمل الحكم إلزامك بدفع مبلغ 40 ألف جنيه، على سبيل التعويض المؤقت، وسبق أن حقق المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فيما صرحت به تعقيبا على انتقالات اللاعبين بين الأندية، حيث قلت: (إن الأهلي رقبته فوق الجميع)، وأن جزمة الأهلى فوق الكل – إيه حكاية جزمتك التي تنقلها على الرؤس كما يروق لك ياتامر – وقال مصدر مسئول بالمجلس في تصريح خاص لإحدى الصحف وقتها إن مجموعة الرصد والمتابعة بلجنة تقارير الحالة الإعلامية التابعة للمجلس، رصدت التصريح باعتباره مخالفة للمعايير والأكواد تستوجب التحقيق فيها.
وبغض النظر عن تحقيق المجلس الإعلى للإعلام الذي لا أراه يقوم بدوره المنوط به على الإطلاق، لأن القضية ليست خروج تامر أمين وحده عن النص، بل اختصار شديد ودون مواربة هى قضية عامة، هى أزمة إعلامنا بصفه عامة و ليس تامر وحده ، هو صدقونى معذور لأنه وجد كل من حوله يفعل ذلك، لأن الإعلامى عندنا للاسف حول برنامجه إلى برنامج رأى وليس معلومة، و بالتالى كل واحد يخرج علينا برأيه و يجبرنا أن ننحاز له، نعم كل الإعلاميين الذين يظهرون على الشاشة لايفهمون معنى (التوك شو) عندما أعطى الواحد منهم لنفسه حق الحساب وإصدار الأحكام فهو القاضى و الجلاد و أحيانا يكون المحامى لو المتهم على هواه.
برامج التوك شو فى العالم كله ياسادة تناقش القضايا دون أن ينحاز مقدمها إلى طرف من الأطراف، أما عندنا فمقدم البرنامج هو الكل فى الكل، هو المشكلة وهو الحل هو اللغز وهو المفتاح، ناهيك عن الصراخ الذى يذكرنا بصوت أبو جهل فى فيلم (فجر الاسلام)، وفى النهاية لو منع المخطئ من الظهور على الشاشة كما حدث مع آخرين لتغير الأمر، لكن الكل تعود أن يخطئ و يجد من يدافع عنه، وهنا لا أتساءل عن دور المجلس الأعلى للإعلام الذي لم يتخذ حتى الآن قرارا واحدا رداعا لإعلامي يمكن أن يكون عبرة لغيره، بل وجب علي كل إعلامي نصب نفسه للحديث إلي الجمهور في أمور السياسية أو أتيحت له مساحة من الوقت لمناقشة أمور وقضايا مصيرية، أن يعي كيف يتحدث، كيف يتناول هذه القضايا بمهنية.
وفوق كل ذلك أن يراعى ضمير، و أن يعرف جيدا مواثيق الشرف الإعلامي وأعراف المهنية الإعلامية، وأن يحترم الجمهور وتقاليده وأعرافه، وأن يحرص علي توصيل رسالته دون تجريح للوصول إلي ثقة المشاهد، وأن لا يضع علي طاولة قنوات الشر مواد إعلامية دسمة يروجون بها لإثارة الغضب بين فئات المجتمع، ومن ثم أهمس في أذن الجمهور: لا تقتلو تامر أو غيره ولا ترجموه لعنصريته.. بل ناقشوا بهدوء تلك العنصرية البغيضة المتفشية في العقول والنفوس تجاه أبناء الوطن (الآخرون) .. نظرة الاستعلاء والدونية التي ننظر بها جميعا لأبناء (الصعيد، الريف) تأمل مليا في النكات والأمثال والصورة الذهنية المستدعاة عند ذكر لفظ ( فلاح أو صعيدي)، تدبر عزيزي المشاهد والمواطن والمسئول في سياسات التنمية والتطوير وتوفير مقومات الحياة في كل العصور ثم تحلى بالحياد والتقييم.
وخير ختام لي هو ما كتبه الشاعر والكاتب الكبير فاروق جويدة في مقال كاشف له بعنوان (إنقاذ الإعلام المصري .. مسئولية من؟) حيث قال : (كل ما يقال عن جوانب القصور فى الإعلام المصرى الواجهة والدور ليس جديدًا؛ لأن ملف الإعلام من أكثر الملفات التى تم تداولها بين مؤسسات الدولة وأصبحت معروفة للجميع، ولكى يستعيد الإعلام المصرى مسئولياته لابد أولاً أن نراجع جوانب القصور فيه، إن الدولة استبدلت بإعلامها الرسمى الذى تنفق عليه وتعرف مساره من عشرات السنين بدائل أخرى لم تخضع لما ينبغي من الدراسات والبرامج والأهداف؛ بل إنها سطت على رصيد ما يملك الإعلام الرسمى من الأعمال التاريخية ذات القيمة؛ خاصة المسلسلات وحاولت أن تملأ الفراغ، ولكن البدائل كانت دون المستوى فى برامج خاصة بالفنانين وكتاب المناسبات.
ويلخص (جويدة) المشكلة برمتها قائلا: ثم كانت لعبة الإنتاج وقد خضعت لمجاملات كثيرة أبعدت البعض وفتحت الأبواب لمواهب ضعيفة، وقد أنفقت الدولة أموالا باهظة على المشروعات الجديدة التى عجزت عن تعويض إعلام الدولة أو إضافة إنجازات جديدة، ولعل أسوء أسوأ ما تعرض له الإعلام المصرى من وجهة نظر (جويده) هو (احتكار الإنتاج)؛ بحيث يسيطر الآن على سوق الإنتاج أسماء وشركات معينة يغلب عليها منطق الربح والتجارة، وهذه الأسماء سيطرت على السينما وقدمت أسوأ النماذج فيها ثم احتكرت الدراما، وهى الآن ليست أقل إسفافًا من السينما، وفى كل عام يتراجع مستوى الأعمال حتى وصلت إلى أسواق الجريمة والمخدرات والاغتصاب، فضلا عن ذلك فإن إعلاميونا الذين يخضعون لنفس الشركة المحتكرة يمارسون حالة من الانفلات التي حتما ستقود الأمة المصرية إلى حافة الهاوية.