سمير صبري الذي خدع توفيق الحكيم بالورد !
* غضبت أم كلثوم على (آمال فهمي) فأجلستها في منزلها، وحل (طاهر أبوزيد) بدلا منها
* محمد سالم حاول أن يقلل من أهمية المذيع الموهوب، وأنصفه محمد عبدالقادر حاتم
* رئيس وزراء حكومة مالطة (دان ينتوف) يغني بالعربية
* السلطان قابوس يدعو المذيع الشاطر إلى زيارته في عمان
* يوسف السباعي وزير الثقافة والإعلام يتأمر مع سمير صبري على عدو المرأة والميكرفون
كتب : أحمد السماحي
ما زالنا مع كتاب (حكايات العمر كله) الذي أصدرته (الدار المصرية اللبنانية) في 304 صفحة لنجمنا الكبير (سمير صبري)، هذا الكتاب الملئ بالقصص الممتعة، التى تؤكد أننا أمام نجم شامل استطاع أن يقدم تنويعات متميزة جدا ومتفردة في كل مجال طرقه، سواء كمقدم برامج لمجموعة من أشهر البرامج التليفزيونية، أو كنجم جمع ما بين التمثيل والإنتاج والغناء.
فى الحلقة الأولى تعرضنا لنشأته فى مدينة الإسكندرية وأثرها عليه وعلى تكوينه وثقافته، كما توقفنا عند مساندة وزير الإرشاد القومي (محمد عبدالقادر حاتم) له، وتقديمه لمهرجان التليفزيون ونجاحه فى رسم صورة حلوة للمذيع المثقف الذي يجيد أكثر من لغة، مما جعله يلفت أنظار نجوم الإنتاج والإخراج السينمائي، فاستعانوا به في بعض الأدوار السينمائية البسيطة التى لم تكشف موهبته الفنية، وأخيرا تقديمه لبرنامج (النادي الدولي) فى إذاعة (الشرق الأوسط) وحماس الإعلامية الكبيرة (آمال فهمي) له.
وهذا الأسبوع نركب مع (سمير صبري) قطار رحلته الفنية والأعلامية ليواصل حكي أبرز المحطات الهامة في مشواره، فإليكم تفاصيل الرحلة بصوت (سمير صبري):
غضب أم كلثوم
يقول نجمنا صاحب حكايات العمر كله: كان الصحفي (مفيد فوزي) يقدم في إذاعة (الشرق الأوسط) في نهاية الستينات أحد برامجه مع الفنانين في شهر رمضان، وكان صديقاً للعندليب الراحل (عبد الحليم حافظ)، وفي إحدى حلقات البرنامج وجه إليه سؤالاً فهمت (أم كلثوم) أن المقصود به تجريحها، فغضبت على (آمال فهمي)، لأنها هي المسؤولة عن إذاعة (الشرق الأوسط)، وطلبت منها أن تبعد (مفيد فوزي) عن الإذاعة، وتتوقف عن تقديم أغاني (عبد الحليم حافظ)، وعندما لم تستجب (آمال فهمي) لرغبة (أم كلثوم) طارت (آمال فهمي) من منصبها وحل مكانها المذيع (طاهر أبو زيد).
نكسة يونيو 1967
تولى (طاهر أبوزيد) بدلا من (آمال فهمي) وتغيرت طبيعة عملي، وطلب مني (طاهر أبو زيد) طلب أن يتحول برنامجي (النادي الدولي) الذي أقدمه فى (الشرق الأوسط) الى برنامج سياسي، أوجه فيه رسائل إلى العالم، وأتناول في كل حلقة منه جانباً من جوانب القضية الفلسطينية، وكان يعد لي الحلقات الصحفي (عبد الستار الطويلة)، ثم حدثت نكسة الخامس من يونيو 1967، وعشت أياماً لا تنسى.
يضيف (سمير صبري) أتذكر أنني غادرت الإذاعة مساء يوم الرابع من يونيو، وكان مفروضاً أن أعود اليها في صباح اليوم التالي، واستيقظت الساعة التاسعة صباحاً على صوت الراديو يعلن أننا أسقطنا 80 طائرة، أصبحت 90 في فترة قصيرة، وعلى الفور ذهبت الى مبنى الإذاعة، ووسط الهرج والمرج قالوا لنا كمذيعين: انتظروا لأن الإذاعة سيتم انضمام موجاتها في موجة واحدة باللغة العربية، كما ستكون هناك موجة واحدة موجهة باللغة الأجنبية..
وأصبح المذيع (أحمد سعيد)، مدير إذاعة (صوت العرب) هو المشرف على كل البرامج، وطبعاً الإذاعة كانت مزودة (بالتيكرز)، فكان يصلها كل ما ترسله وكالات الأنباء العالمية، وكنت أقرأ ما تذكره هذه الوكالات فأتعجب، لأنها كانت تذكر أن العريش سقطت وغزة، ورفح، والقوات الإسرائيلية على بعد كيلومترات من مدينة السويس، وطبعاً كانوا يحضرون لي نشرة أخبار أقرأها بالانجليزية فأجدهم يقولون :(تقدمت قواتنا) و(أسقطنا) و(عملنا)، ولم يكن أمامي مفر من الدخول الى (أحمد سعيد) في مكتبه، والذي حوله الى ما يشبه غرفة العمليات في ذلك الوقت، وعرفت منه ومن خلال إذاعات العالم أننا هزمنا، وكان إحساس مرير.
عودة عبدالقادر حاتم
يواصل سمير صبري تذكر أهم محطات مشواره فيقول : على امتداد سبع سنوات، من عام 1964، الى 1971، ظلت علاقتي حسنة وجيدة بالوزير الدكتور (محمد عبد القادر حاتم)، حتى في الفترة التي ترك فيها الوزارة، لأنني اعتبرته أبا روحيا لي لأنه هو الذي مهد لي الطريق للوصول الى أول نجاح لي في التلفزيون، وقد عاد الدكتور (حاتم) وزيراً للإعلام في عام 1971، وقال لي إنه يريد أن يعيد للتلفزيون أمجاده، وحيويته وحركته.
النادي الدولي
كان المسؤول عن برامج المنوعات في التلفزيون يومها هو المخرج (محمد سالم)، فاقترح أن أقدم برنامج (ما يطلبه المشاهدون) إلا أن الوزير الدكتور (حاتم) قال له: (إن سمير أكبر بمواهبه من أن يقدم برامج يقتصر دوره فيها على ذكر أسماء الذين يطلبون الأغنيات)، ثم التفت إلى وقال: (برنامجك الإذاعي النادي الدولي حلو قوي، إعمله في التلفزيون)، وكانت البداية من هنا، وقد قدمت حلقة تجريبية كانت مدتها ساعتين.
داليدا وسامية جمال وكوكا
تضمنت حلقة (النادي الدولي) لقاءات مع (سامية جمال)، ولاعب الدفاع في نادي الزمالك (يكن)، و(عبده نصحي)، اللاعب في نفس النادي، وطبعاً عملت التوليفة التجارية المشابهة لما تقدمه الأفلام العربية والهندية، والتي تشمل الكرة، والفن، والثقافة، و… إلخ، وكانت داليدا (مكسرة الدنيا) في ذلك الوقت، ولما كنت أعرف أنها قامت ببطولة فيلم (سيجارة وكاس) فإني بحثت في مكتبة التلفزيون وقدمت مشهداً من الفيلم، وأجريت لقاء بين (داليدا، وسامية جمال وكوكا)، وقد نجحت هذه الحلقة.
سلمى الشماع وفريدة الزمر
قضى الدكتور (حاتم) على المحاولات التي بذلت داخل التلفزيون لعدم استمرار البرنامج، وقال: (البرنامج لازم يستمر)، ولكي لا أكون أنا نجم البرنامج لوحدي، فإن المخرج محمد سالم أفتى بأن تشاركني في تقديمه مذيعتان، أختارهما أنا من بين مذيعات جديدات، كان عددهن يزيد على العشرة وفعلا، وكما كانت تشاركني في تقديم البرنامج إذاعيا مذيعتان هما (سناء منصور، وإيناس جوهر)، فقد اخترت لتشاركني تقديم (النادي الدولي) تلفزيونياً المذيعتان (سلمى الشماع، وفريدة الزمر)، وكانتا جديدتين ولا تعرفان شيئاً عن الإذاعة والتلفزيون، ولكن كان عند كل منهما تصميم على النجاح.
خروج الكاميرا إلى النور
خلال سنة واحدة كان (النادي الدولي) هو أشهر برنامج يقدمه التلفزيون المصري، وساعدنا تشجيع الدكتور(عبد القادر حاتم) على عمل (خبطات) تلفزيونية كبيرة جداً، وشجعنا على عمل العديد من الرحلات الى الخارج لمتابعة الأحداث الهامة وتسجيلها لإذاعتها على جمهور الشاشة الصغيرة.
وأول مهمة خارجية لي في هذا البرنامج كانت سفري الى معرض (توت غنخ آمون) في لندن، والذي افتتحته ملكة بريطانيا بنفسها، فذهبت وأجريت تغطية تلفزيونية للمعرض داخل المتحف البريطاني، وكانت هذه أول مرة تخرج فيها كاميرا التلفزيون المصري من نطاق الاستديوهات، ولم تكن تخرج حتى إلى الشوارع، وقد أخذت أيضاً أحد المصورين الإنجليز، وطلبت منه تصوير تغيير الحرس الملكي البريطاني حول قصر (باكنغهام)، وفعلاً تم تصويررجال الحرس بملابسهم التاريخية.
رئيس وزراء مالطة يغني بالعربية
أثناء تصوير إحدى الحلقات في الاستديو ذات يوم دخل الدكتور حاتم وبصحبته (دان ينتوف) رئيس وزراء حكومة مالطة، بهدف إطلاعه على إمكانات الاستديوهات المصرية، فقلت للدكتور حاتم: (بعد إذنك يا افندم سأسجل لقاء معه)، ووافق رئيس الوزراء المالطي، وأخذت أتحدث إليه، فوجدت أن كلماته تتضمن ألفاظا عربية كثيرة، فبدأت أكلمه بالعربية، وأخذ يغني، وأذيعت الحلقة وكان من الواضح أن رئيس الوزراء أحس بالسعادة لحدوث ذلك، فطلب من أسرة (النادي الدولي) زيارة مالطة لتصوير أحد المهرجانات هناك، ووجه لنا دعوة فذهبنا وصورنا في مالطة لمدة ثمانية أيام، ثم توجهنا الى روما، وتعددت السفريات ومن هنا ازدادت نجوميتي كمذيع تلفزيوني.
السلطان قابوس
عندما اشتهر البرنامج، وأصبحت له جماهيرية عريضة بدأت الملامح السياسية للبرنامج تتشكل مع الدكتور(حاتم)، فعندما يزوره ضيف مهم جداً ويريد شخصاً يجيد اللغات فإنه كان يستدعيني، فسجلت في البرنامج لقاء مع اللورد (هيوم) وزير خارجية بريطانيا، في ذلك الوقت، كما التقيت بشخصيات سياسية عربية بارزة، أذكر منها لقائي بالسلطان (قابوس)، في أولى زياراته لمصر، وأذكر أنني صورت حديثي مع جلالته بقصر (الطاهرة) في مصر الجديدة، وكان يتناول العشاء الرسمي مع كبار رجال الدولة وبينهم الدكتور (حاتم)، والحقيقة أن السلطان (قابوس) كان شخصية عظيمة جداً، وليس مجرد إنسان عادي، وكنت أعرف أنه تعلم في كلية (سانت هيرست) العسكرية الملكية في انجلترا، فتحدثت اليه بالإنجليزية، ورد على بالإنجليزية أيضاً ببساطة شديدة، وأنا دائماً أفضل إجراء أحاديثي مع ضيوف البرامج بطريقة طبيعية لرفع حاجز الفصل بين الضيف والمشاهدين.
وقد أجاب السلطان على أسئلتي بمنتهى التلقائية والطبيعية، وأذكر أنه أجاب عن أسئلتي حول ذقن جلالته، وما إذا كان يحلقها بنفسه أم أن هناك من يقوم بذلك، وأجاب أيضاً عن سؤالي فيما يتعلق بمحافظة جلالته على إطلاق لحيته وما إذا كان قد استمر يطلقها رغم تقاليد الكلية العسكرية البريطانية التي درس فيها، واندمج أكثر في الحديث، وأخذ يتحدث عن ذكريات الكلية، وعن إنجلترا، وتفضل بتوجيه دعوة رسمية لي لزيارة عُمان.
توفيق الحكيم
من المحطات التى يفتخر بها (سمير صبري) تسجيله مع الكاتب والمفكر الكبير (توفيق الحكيم) حيث يقول: حاولت عدة مرات أن أسجل لـ (توفيق الحكيم)، وذهبت إلى مكتبه بجريدة (الأهرام) وفي كل مرة كان يقول لي: أبداً، وأسأله: ليه؟، فيقول: (أنا صوتي وحش مش زي قلمي)، وحاولت أكثر من مرة أن أوضح له أن الناس لا ينظرون إليه على أنه مطرب!، فالصوت إذن لا يهم، لكنه أصر!.
مؤامرة يوافق عليها يوسف السباعي
كان لا بد أن أتصرف! وفي ذلك الوقت كان الأديب الراحل (يوسف السباعي) هو وزير الثقافة والاعلام، فعرفت منه أنه سيحضر مع باقة من المفكرين والأدباء افتتاح فرن جديد بمصانع الحديد والصلب، وقال لي الوزير إن (توفيق الحكيم) سيحضر، فاتفقت معه على أن أحضر معي الكاميرا والميكروفون، وألا يخبر (الحكيم) بذلك، وكانت الجولة منظمة بحيث تبدأ من عند الفرن وتنتهي في استراحة نتناول فيها كلنا طعام الغداء.
وعلى إحدى الموائد الموضوع فوقها ورد، وضعت الميكروفون داخل الورد، ووجهته بحيث ينقل كلام (توفيق الحكيم) ويتم التسجيل، واتفقت مع الوزير (يوسف السباعي) على أن يتم جلوس الأديب الكبير أمام هذه المائدة بالذات، أما الكاميرا فهي لم تكن مشكلة، فطوال جولته الكاميرا تصوره من دون أن يسبب له ذلك أية حساسية.
وأضاف سمير صبري: عندما رآني (الحكيم) قال لي: أوعى يكون معك ميكروفون، فقلت له: (أنت شايف الكاميرا أهي بتصور بدون الميكروفون)، وانتهت الجولة، ودخل (توفيق الحكيم) مع وفد المفكرين والأدباء إلى الاستراحة، وكان من بين الحاضرين أيضا الكاتب والشاعر الراحل (عبد الرحمن الشرقاوي، والكاتب الصحفي أنيس منصور، والأديب الدكتور يوسف أدريس، والأديب ثروت أباظة.
وأشار الوزير (يوسف السباعي) إلى المائدة الموضوع فوقها الميكروفون وقال للحكيم: (اتفضل هنا يا توفيق بيه في الركن ده)، وأنا اتجهت لأقف في مواجهته، وقلت له: أنت خايف من الميكروفون ليه؟، فقال: لأني لا أحب الميكروفون، قلت: أنا فاهم أنك عدو المرأة لكن عرفت الآن إنك عدو الميكروفون، فقال لي: إيه رأيك بقى أنا مش عدو المرأة، وأنا طول عمري أحب المرأة وأقدرها وأفهم فيها، وبدأ يتكلم براحته، ليسألني فجأة: (ما فيش ميكروفون) قلت له: (لا)، فقال: (الكاميرا دي ايه؟)، فقلت له: (انت شايف في إيدي ميكروفون).
أيهما أكثر بخلا الحكيم أم عبدالوهاب
مضت نصف ساعة وأنا (أنكش) توفيق الحكيم، وأسأله عن سبب تسميته بـ (عدو المرأة) وهل هو أكثر بخلا أم أن الموسيقار(محمد عبد الوهاب) أبخل منه؟، ومن حسن حظي أن تسجيل الصوت كان جيدا بالرغم من أن الميكروفون لم يكن قريباً!.
وفوجىء توفيق الحكيم وهو جالس في بيته برؤية نفسه على شاشة التلفزيون، وهو يتحدث أيضاً، وجن (توفيق الحكيم) واتصل بصديقه الوزير (يوسف السباعي) الذي قال له : معلهش يا أستاذ توفيق، أصل الواد سمير صبري ضحك علي، وأذاع مقابلة معاك بدون علمي.
فرد عليه: طيب، خللي الولد سمير صبري يجي عندي!.
وذهبت إليه بعد أيام فقال لي: شوف، طول عمري أرفض الكلام في الميكروفون، وأبعد عني الاذاعة والتلفزيون، وأنت الوحيد اللي خلتني أنطق أمام الكاميرا.
ومن يومها (انفكت)عقدة توفيق الحكيم مع الميكروفون، وصار يوافق على إجراء المقابلات الإذاعية والتلفزيونية!.
…………………………….
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة