* عمل كعازف مع (محمد عبدالمطلب، فريد الأطرش، محمد عبدالوهاب) وغيرهم
* سمعته (أم كلثوم) فطلبت منه الانضمام إلى فرقتها وكان عمره فى هذا الوقت 19 سنة
* اكتشف موهبة شقيقته (نجاة) وقدم لها عدة ألحان ناجحة أشهرها: (على طرف جناحك يا حمام، وحقك على وسامح)!
* لحن لنجاة (فى يوم واحد) لعبدالوهاب محمد، وأعادت (لطيفة) غناء نفس الكلام بعد 40 عام بلحن كاظم الساهر!
كتب: أحمد السماحي
هو واحد من الملحنيين الكبار الذين حافظت ألحانه على قواعد الطرب الأصيل، وفى نفس الوقت جاءت مواكبة لإيقاع عصر الرصانة اللحنية، الأمر الذى جعل فنه مرضيا لكل المطربين فأقبلت على ألحانه شقيقته (نجاة الصغيرة، ليلى مراد، سعاد محمد، شادية، محمد قنديل، هدى سلطان، عليا، محمد عبدالمطلب، ماهر العطار، عادل مأمون، هدى زايد، عبداللطيف التلباني)، وغيرهم من الذين تعاون معهم على مدى مشواره الفنى.
أسعدني الحظ بصداقة هذا الملحن الكبير، وأفتخر أنني كنت الصحفي الوحيد الذي أجرى معه عدة حوارات مختلفة نشر أحدهم في جريدة (الأهرام) وآخر فى جريدة (الوطن)، وثالث في موقع (إرم نيوز) حيث لم يكن لديه ثقة في الصحافيين، ولا يحب إجراء الحوارات الصحفية، ويملك مهارة غير عادية فى الهروب من مصيدة أي حوار لأنه يجيد التلحين ولا يجيد الكلام، ويعشق العزلة والانطواء أكثر من جهاز التسجيل، ويحب الوحدة أكثر من الحديث عن حياته، خاصة أن الزملاء الصحافيين وكما ذكر لي ــ لا يعرفون عني غير أني شقيق نجاة الصغيرة وسعاد حسني – لهذا فهو لم يصرح بأي كلام عن فنه إلا معي.
وكان (عز الدين حسني) معجبا جدا بصوت المطربة (لطيفة) ويتمنى أن تغنى دعاء ديني لحنه، وبالفعل اتصلت بصديقتي المطربة (لطيفة) وطلبت مني أن تسمع الدعاء على شريط كاسيت، لكنه كان مصرا أن يسمعه لها بنفسه، وانشغلت عنه ولم أحقق له هذه الأمنية.
أشهر خطاط عربي
بالعودة إلى بداياته نجد أن (عز الدين حسني) ولد فى بيت فني فوالده (حسني البابا) أشهر خطاط عربي عرفته مصر بسبب موهبته الكبيرة فى الخطوط، حيث كان نابغة فى هذا الفن وحصل على شهرة كبيرة لدرجة أنه أصبح محط أنظار كبار القوم الذين كانوا يلجأون له لعمل (كروت) شخصية لهم بخطه الجميل، من هؤلاء (إسماعيل صدقي) رئيس وزراء مصر، و(يوسف ذوالفقار) والد الملكة فريدة وغيرهم.
السلام الملكي
فى هذا الوقت كان (حسني البابا) تربطه علاقة وطيدة بشخص اسمه (خليل الجوهري) أحسن صانع عود فى مصر، وهذا الرجل كان يهدى له عود عندما تنجب زوجته ويكتب على كل عود اسم المولود الجديد، وكان (حسني البابا) حريصا جدا فى كل عيد على عزف السلام الملكى، وكانت هذه هى المناسبة الوحيدة التى يعزف فيها على العود.
معهد فؤاد الأول للموسيقى
فى إحدى الأيام وكان (عز الدين) طفلا فى السادسة وجد عود مكتوب عليه اسمه ففرح به جدا، وبدأ يعزف عليه، وعندما شعر والده بموهبته أحضر له مدرس متخصص فى العود ليعلمه العزف، وهذا الأستاذ نصحه بدراسة آلة الكمان لأن لها مستقبل، فالتحق بعد انتهاء تعليمه فى مدرسة (الدواوين) بالسيدة زينب، وبعدها بمعهد فؤاد للموسيقى، ودرس الموسيقى دراسة متخصصة، وكان يجيد العزف على القانون والعود، اإشتهر كعازف كمان موهوب، ويستطيع أن يعزف أي دور بعد سماعه مرة واحدة.
الرسم
في صباه أحب (عز الدين حسني) الرسم وكان (عبدالمنعم رخا) فنان الكاريكاتير القديم الشهير صديق والده وشجعه علي الرسم، وكان يرسم سيارات، ووجوها، ومناظر طبيعية، لكنه كان يحب السيارات أكثر حتي أنه – وعلى حد قوله لي – اخترع قبل رحيله بسنوات قليلة سيارة تتحمل الصدامات بنسبة 90%.
اكتشاف نجاة
فى أحد الأيام أثناء دراسته فى معهد (الموسيقى العربية) كان يمسك العود ويدرب شقيقه (سامي) الذى يعيش حاليا فى أمريكا على غناء أغنية معينة، ووجد صعوبة فى تحفيظه الجملة اللحنية التى يريده أن يحفظها، وفجأة وجد والده يلفت نظره إلى موهبة (نجاة) التى كانت فى هذا الوقت طفلة لا يتعدى عمرها الأربع سنوات، ومع ذلك كانت (ماسكه الإيقاع) بساقيها بطريقة صحيحة، ولا تشذ عن الجملة التى يحفظها لشقيقها، فاختبرها وحفظها الجملة التى كان يحاول تحفيظها لـ (سامي) فحفظتها على الفور، ومن يومها تنبه لموهبة نجاة، وبدأ يعلمها الغناء، وتحفيظ أغنيات أم كلثوم.
وكون فرقة صغيرة من أشقائه (نجاة، وسميرة، وفاروق، وسامي) كانت (نجاة) هى مطربة الفرقة التى تغني أغنيات أم كلثوم، و(عز) يعزف على الكمان، و(فاروق) على القانون، و(سميرة) تعزف على الكمنجة والعود، والقانون، و(سامي) يتولى مهمة (الرقاق) ويجيد اللعب على الكمان، وحققت الفرقة نجاحا كبيرا، وبدأت الجرائد والمجلات الفنية تكتب عن فرقة المطربة الطفلة (نجاة الصغيرة).
غني يا كروان
فى هذه الفترة أي عام 1942 قدم (عز الدين حسني) لشقيقته (نجاة) أول لحن فى حياتها وهو (يا كروان غني)، تأليف محمد عرابي، وغنته الطفلة (نجاة) فى حفلة للإذاعة بمعهد فؤاد الأولى للموسيقى العربية، وحقق اللحن نجاحا كبيرا، بعدها قدم لها فى برنامج (حديث الأطفال) فى الإذاعة المصرية أغنية (أنا عيزة ألعب وأغني)، وبدأت (نجاة) تحقق شهرة كبيرة كطفلة، وفي صباه البكر كان (عز الدين) متأثر جدا بلحن الموسيقار (رياض السنباطى) لقصيدة (سلوا قلبى) الذى غنته أم كلثوم، ولم تكن شخصية (عز) اللحنية تبلورت بعد فقدم لنجاة لحن شبيها به لأغنية بعنوان (هلال العيد) من كلمات (عارف الهودينى)، ولحسن الحظ تم إذاعة هذا اللحن على الهواء مباشرة من حفل فى دار الحكمة بالقصر العينى، وحقق نجاحا مذهلا وكان المستمعين يتصلون من كل أنحاء العالم العربي يتسألون عن الطفلة نجاة الصغيرة.
العمل مع أم كلثوم
بعد الشهرة الكبيرة التى حققتها (نجاة) كطفلة بدأت تقبل عليها السينما، ومتعهدي الحفلات، وأثناء ذلك ونظرا لمهارته في العزف على آلة الكمان، عمل (عز الدين حسني) عازفا في فرق (محمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش، ومحمد عبدالمطلب) وغيرها من الفرق، وهو في سن التاسعة عشر كان يعزف وراء (محمد عبدالمطلب) فى مصيف رأس البر، واستمعت إلى عزفه (أم كلثوم) فاتصلت به وطلبت منه الانضمام إلى فرقتها الموسيقية، وبالفعل عمل في فرقتها لسنوات.
على طرف جناحك يا حمام
أثناء عمله مع (أم كلثوم) كان يلحن لزملائه المطربيين فغنت نجاة من ألحانه عام 1959 لحنه الجميل (حقك على وسامح)، ثم (نصرك يا جزاير) كلمات عبدالفتاح مصطفي، (أنا مازلت أهواه) تأليف الشاعر اللبناني خازن عبود، (فى يوم واحد) عبدالوهاب محمد، (على طرف جناحك يا حمام) كلمات محمد البحطيطي، وغنت له شادية رائعته المشغولة بالعذوبة والشجن (الأسمر في كل مكان).
كما لحن (يا بخت المرتاحين و أحلف لك وأشكيلك) لسعاد محمد، (أنا حرة، وكلموه وفهموه) لهدى سلطان، و(لأ ما تغيرش) لليلى مراد، (بيقولولي حب) عبداللطيف التلباني، (أروي الشجرة معايا) لمحمد عبدالمطلب، (غالي والله غالي، مهما يغيب عنى غالي) عليا التونسية، (عندية) ماهر العطار، (عايز اصحى الشوق، وصوت مصر) لعادل مأمون، (ظالم وبتقولي ظلمتك) هدى زايد، (فى أرضك يا إله الكون) محمد قنديل، (إزاي قلبك يطاوعك) نجاة علي، وكما غنى له المطرب كمال حسني أغنيته الجميلة، (عيونها الجميلة خدوني، وفى أجمل غرام شغلوني) كلمات محمد زكي الملاح.
التلحين لأم كلثوم
فى بداية السبعينات طلب من السيدة (أم كلثوم) أن يلحن لها، فطلبت منه أن يعلمها بموعد إذاعة لحن من ألحانه فى الإذاعة لتتعرف على قدراته، وتم ذلك بالفعل ووافقت أن يلحن لها، وطلبت منه أن يبحث عن كلام مناسب لها، لكنه سافر أولا إلى لبنان، وهناك لحن لعدد من الأصوات اللبنانية والسورية منهم (هناء الصافي) شقيقة مطربنا الكبير (وديع الصافي)، وفى عام 1975 جاءه عرض مغري للعمل في المملكة العربية السعودية كمدرس للموسيقى فى مدارس الرياض، وظل هناك لسنوات طويلة وعاد إلى مصر عام 1999 ليلحن للإذاعة المصرية بعض الألحان الدينية منها (بكل الشوق في قلبي) لغادة رجب، (ربي أحبك) لمها البدراي.
لطيفة وثروت والحجار
وإليكم جزء من حواري معه والذي نشر في جريدة الأهرام:
* لحنت لمطربين ومطربات كثيرين من جيل الستينات لماذا لم تلحن للعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ؟
** رجع بظهره إلى الخلف مطلقا الخيال وقال: كنت أتمني أن يكون عازف القانون الشهير الراحل (أحمد فؤاد حسن) موجودا حتي يكذبني لو أنا أقول غير الحقيقة، والحكاية ببساطة أن (حسن) عندما بدأ يفكر في تكوين الفرقة الماسية كنت أعزف معه، وكان يصاحب بفرقته بعض المطربين الجدد أثناء اختباراتهم في الإذاعة مجانا، وكانت حجته في ذلك أن هذه الأصوات بعضها سيصبحون نجوما، ووقتها سيتذكرون دور الفرقة، وبالتالي ستعمل الفرقة بصفة منتظمة ولن تتوقف عن العمل.
وفي يوم كنا نجلس أنا و(كمال الطويل وأحمد فؤاد وعبدالحليم شبانة) وطلبوا مني أن أعزف مع (عبدالحليم) في اختبارات الإذاعة فرفضت لارتباطي بعمل آخر سأحصل منه علي فلوس، ومن يومها لم ينس (عبدالحليم حافظ) لي هذا الموقف، ورغم شهرة ألحاني لم يطلب مني في يوم من الأيام أي لحن، رغم أن (أم كلثوم) نفسها كانت ستغني من ألحاني!.
* ما اللحن الذي ندمت علي تلحينه؟
** لم أندم علي لحن قدمته علي مدى مشواري لأنني كنت أدقق جدا في كل اختياراتي، وأشتغل بمنطق الهواة، أي لا ألحن بانتظام، ولكن عندما أجد كلاما جيدا ينال إعجابي، لكني أتمني أن أعيد تسجيل قصيدة (ما زلت أهواه) لنجاة، لأن مقدمتها الموسيقية بطيئة واللحن ملئ بالحزن!.
* بماذا تعلل قلة ألحانك حيث لا يزيد رصيدك اللحني عن الـ100 أغنية؟
** لأنني وكما ذكرت لك أعمل بمنطق الهواة وليس المحترفين، وكنت صاحب (مزاج) أي أشتغل بدقة شديدة، فضلا عن سفري للبنان لسنوات، ثم سفري بعد ذلك السعودية للعمل هناك كمدرس للموسيقي في بعض المدارس الخاصة، منها مدرسة الملك فهد – رحمة الله عليه – التي كانت خاصة بالأمراء فقط، وكان من ضمن تلاميذي ابن الملك عبدالله، وظللت هناك أكثر من 30 سنة رغم أنني سافرت وأنا نجم في مجال التلحين وبدأت الجرائد والصحف تتبع وتنشر أخباري.
* من يعجبك الآن من المطربيين الموجودين علي الساحة؟
** لطيفة، وآمال ماهر، وعلي الحجار، وريهام عبدالحكيم، ومحمد ثروت، وأعتبر الأخير خامة صوتية نادرة هو والموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب وسمير الاسكندراني وعبدالحليم حافظ، ومن المطربات أعتبر (أم كلثوم، أسمهان، فيروز، نجاة، ليلي مراد) أصوات فريدة وخامة صوتية نادرة.
* هل اعتزلت التلحين؟
** من زمان! لكن لدي حوالي أربعة ألحان وجدتهم عندي كاملين أتمني أن أسمعهم بصوت (لطيفة) قبل رحيلي، وما يحزنني أن ألحاني التي قدمتها لكبار المطربين والمطربات لا تذاع في الإذاعة، وهذا ليس حالي فقط، ولكن حال كثير من أساطين النغم مثل (محمود الشريف، أحمد صدقي، منير مراد، محمد فوزي) وغيرهم للأسف الإذاعة لا تركز إلا علي ثلاثة أو أربعة ملحنيين فقط، وباقي الملحنين يتعرضون للظلم.
* تحدثنا عن نجاة كثيرا ونريد نعرف منك ما الذي كان يميز سعاد حسني الإنسانة؟
** الصدق والوضوح والصراحة وحب الخير لكل الناس خاصة للقريبين منها، كل شئ رائع كانت تتميز به سعاد، لدرجة أنني أحيانا عندما أتذكرها وأتذكر ما كنت تفعله إنسانيا معي ومع باقي أشقائي أطلب لها الرحمة والمغفرة الكبيرة بقدر عطائها الكبير والفياض، فهي من كثرة ما كانت رقيقة وحنونة كان خيرها لغيرها وليس لها، ويؤسفني القول إننا علي ما يبدو أصبحنا نعيش زمنا سيئا للغاية، لهذا ترحل البلابل والعصافير والطيبين، من زمن كل ما تبقى فيه كل من هو مادي وجشع ولا يتمتع بأخلاق، طبعا باستثناء قلة قليلة.
الرحيل الصامت
في شهر أكتوبر عام 2013 يرحل في صمت ودون أن يشعر برحيله أحد، حتى أنني لم أعرف الخبر إلا عندما اتصلت بي ابنته (سماح) وأخبرتني برحيل والدها الملحن الكبير (عزالدين حسني) الذي منعت ظروفه الشخصية وشهرة شقيقتيه (نجاة وسعاد حسني) عنه النجومية التى يستحقها.