زوزو ماضي : أجمل ألحان (زكريا أحمد) ولدت في بيتي
كتب : عمر أحمد
نحيي هذه الأيام الذكرى الـ 60 لرحيل شيخ الملحنين وأسطورة الطرب الشرقي الأصيل (زكريا أحمد) الذي رحل عن حياتنا يوم 14 فبراير عام 1961، وبهذه المناسبة توقفنا عند مقال كتبته الفنانة الكبيرة (زوزو ماضي) فى مجلة (الكواكب) عام 1970 تتحدث فيه عن الشيخ، فإليكم ما جاء في هذا المقال النادر:
عرفت الشيخ ( زكريا أحمد) قبل أن أظهر فى الحياة الفنية، واستمرت صداقتي به قرابة ثلاثين عاما كنت خلالها أزداد كل يوم تقديرا واحتراما له، كانت بداية علاقتي به في مدينة (بني سويف) وكنت أيامها صبية صغيرة فى مطلع أيام الصبا، وكان والدي من هواة الفن والأدب، وكان يعقد في منزلنا ندوات أدبية وفنية يدعو إليها بعض نجوم الفن من القاهرة، وكان يحضر هذه الندوات عازف الكمان المعروف الأستاذ (يعقوب طاطيوس).
وذات مرة أستأذن والدي في أن يصحب معه صديقا من أشهر الموسيقيين وهو الشيخ (زكريا أحمد) فرحب والدي بدعوته، وجاء الشيخ (زكريا) واحتفلنا به احتفالا كبيرا فقد كانت شهرته كفنان قد سبقته إلينا.
وكنت أحضر هذه الندوات واشترك فى المناقشات الرائعة التى تدور حول الفن والأدب وكان يشترك فيها اثنان من هواة الموسيقى في بني سويف هما الشقيقان (اسماعيل ومحمود رأفت) وكلاهما أسهم في النهضة الموسيقية بالكثير من الجهد، كذلك كان يحضر هذه الندوات الأستاذ (عبدالعزيز النحاس) مدير بني سويف وقتئذ وكان يتمتع بصوت جميل وكثيرا ما كان يغني أشهر الألحان ، ويبدو أن الشيخ (زكريا) ارتاح إلى هذا الجو الفني فكان لا ينقطع عن حضور الندوات الأسبوعية ويترك أعماله ليحضر إلى بني سويف كل أسبوع.
وعندما علم الشيخ (زكريا أحمد) حبي وشغفي بالموسيقى، أبدى تقديره وإعجابه بهذا الإهتمام، وتوطدت صداقتي به كفنان حتى إذا جئت إلى القاهرة لأعمل بالفن كان الشيخ (زكريا أحمد) بمثابة الرائد الذى بسط حمايته ورعايته علي، وقدمني للسيدة حرمه (أم يعقوب) التى كانت نعم الصديقة لي، والتى قامت صداقتنا على الثقة المتبادلة، وأفخر بأنني شهدت مولد أعظم الأعمال الخالدة له، ففي بيتي ولد كثير من الألحان التى غنتها (أم كلثوم) مثل ( الآهات، وأنا في انتظارك).
وكان (زكريا) إلى جانب مواهبه كملحن ذواقة للأدب يطرب للشعر الرصين ويصفق للزجل، ولعل هذا هو سر العلاقة القوية التى كانت تربطه بالمرحوم (بيرم التونسي)، وقبل وفاته بفترة قصيرة زارني ومعه كلمات أغنية (هو صحيح الهوى غلاب) لبيرم التونسي، وقال لي وهو يقرأها بصوت مرتفع: (كلام من السما) وطلب مني فنجان قهوة، ثم أمسك العود وراح يدندن بنغمات على العود حتى استقر على مطلع اللحن، وهلل من شدة الفرح وأمسك بالتليفون يتصل بـ (بيرم التونسي) ليسمعه المطلع، وظل يتحدث معه أكثر من ساعة، ثم استكمل اللحن وطلب منى غلق باب الحجرة عليه، وبعد أن انتصف الليل، دخلت عليه ووجدته لم ينتهي بعد من الأغنية، فاستأذنته لأنام، وطلبت منه عدم مغادرة المنزل حتى يستكمل لحنه، وبالفعل ظل يلحن حتى استيقظت فى الصباح فوجدته على وشك أن ينتهي من اللحن، وأسمعنى ما لحنه فتوقعت النجاح الباهر للأغنية.
وبعد ثلاثة أيام بالضبط من هذا اللقاء زارني زميل من الموسيقيين وأخبرني بوفاة الشيخ زكريا، فأغمى على وجاء الأطباء لعلاجي، حيث كانت وفاة زكريا قد هزتني إلى حد كبير، فقد كان لي أبا وصديقا وراعيا وفنانا أحببت كل ألحانه.
الكواكب العدد969 ، الصادر 24 فبراير 1970 .