كتب : أحمد السماحي
في إطار رد الاعتبار للدراما المصرية التي لعبت دورا مهما كقوى ناعمة في تاريخ مصر والمنطقة العربية العربية على مستوى الشكل والمضمون، نواصل حملتنا التي بدأناها قبل أيام وستمتد بمشيئة الله لتدق جرس إنذار لجهات الإنتاج المصري الحالية، محذرة إياها من ردة الفعل الغاضبة من جانب جمهور بدأ ينتبه إلى مسألة التمادي في إنتاج الغث من المسلسلات الغارقة في الإسفاف والتفاهة تارة، والخرافة والإثارة على جناح الخروج على التقاليد باستخدام تعبيرات ساقطة بغرض لفت الانتباه، ناهيك عن النقل والسرقة من أعمال تخالف القيم المصرية والعربية التي تربينا عليها ، فضلا عن المط والتطويل والتساهل والتمادي في الترهل وغيرها من موبقات أثرت بالسلب شكل وملامح الدراما المصرية التي كانت رائدة في الموضوع الاجتماعي والتاريخي والديني والكوميدى المبهج قبل ان تتراجع وتغوص في وحل التردي الحالي.
بعد نشر موضوعنا (من أسامة أنور عكاشة إلى مي عمر وإنجي علاء .. الدراما المصرية مصابة بكورونا)، وصلتني ردود فعل قوية وإيجابية من معظم نجومنا الكبار على (الواتس والفيس بوك)، مؤيدين لوجهة نظري، رافضين لنكسة الدراما الحالية التى لا يعرفون متى ستنتهي؟!، وحدثتني نجمة كبيرة تشيد بالموضوع وتترحم على كتابنا الكبار (أسامة أنور عكاشة، ومحفوظ عبدالرحمن، ووحيد حامد) وغيرهم من نجوم الكلمة الذين تعاونت معهم منذ شبابها وكانت تشعر وهى تحفظ حوارها أنها تقرأ أبيات شعرية، تغذي روحها ووجدانها وتعمل على تثقيفها، عكس ما يحدث الآن حيث يعطيها الكاتب الورق المليئ بالأخطاء الإملائية! لتكتب وتحذف ما تريد من دورها!.
لم يقتصر التجاوب على النجوم فقط فقد حقق الموضوع تفاعلا كبيرا على صفحتي على موقع التواصل الإجتماعي (الفيس بوك)، وحدثني أحد الكبار في مجال الإنتاج يستنكر ما كتبته!، بحجة أن الكتاب الموجودين الذين ذكرت أسمائهم وهم (يسري الجندي، ومحمد جلال عبدالقوي، وكرم النجار، ومحمد السيد عيد، ومجدي صابر، ومحمد حلمي هلال، ويوسف معاطي) يرفضون في تعنت أن يقترب أحد من نصوصهم سواء بالحذف أو الإضافة عكس الجيل الحالي من الكتاب المتساهلين إلى أبعد الحدود حيث يسمعون الكلام ويكتبون ويحذفون ما يملي عليهم بسعادة بالغة!!
وأضاف هذا المنتج واصفا هجومي أو وجهة نظري بأنه يشبه طعن الخناجر والسكاكين، طلبا للشهرة ربما!، مؤكدا أن الناس سعيدة بالدراما الحالية بدليل أن كثير من المسلسلات يحقق أرقاما كبيرة في المشاهدة على مواقع الإنترنت، وكثير من الحلقات تعمل (تريندات)!. وفى نهاية مكالمته قالها بصريح العبارة وربما بجهل واع: ما ينتج حاليا هو الموجود فى السوق يا أستاذ، ولا تتوفر نصوص غير التى تنتج!.
ولهذا المنتج العزيز أقول: الهجوم لا يكون إلا بتحامل على شخص أو موقف بلا سبب واضح، وفرق كبير بين الهجوم، وبين النقد لأسباب حقيقية وواقعة وموضوعية، خاصة إذا كان الناس قد ملت بالفعل مما يحدث، وبدأت تبتعد عن الدراما المصرية إلى المنصات الإلكترونية ومشاهدة الأعمال الأجنبية التى تناسب عقولهم وفكرهم وثقافتهم، من عدم استخفاف أواستظراف أو ملل أو مط أو تطويل بها إلا أنها ترسخ لثقافة مفتوحة على الأفكار بطريقة متحررة وبلغة ربما تحمل قدرا فيها الجرأة غير المبررة دراميا !.
(محمد علي) حلم حاتم علي
لقد استفزني ما قاله هذا المنتج خاصة جملته التى قال فيها : (أنه لا يوجد موضوعات غير المتاح!)، وعندما أجريت بعض اتصالاتي مع نجومنا الكبار فى مجال الكلمة والإخراج وجدت عند كثير منهم موضوعات رائعة تستحق أن تخرج للنور لكنها تبحث عن منتج، وبعض هذه الأعمال موجودة عند (مدينة الإنتاج الإعلامي، وصوت القاهرة)، أو محبوسة عند أصحابها مثل مسلسل (محمد علي) أحد الأعمال الفنية المهمة جدا، وهو مكتوب وجاهز على دوران الكاميرا، وهذا المسلسل يستعرض سيرة (محمد علي) باني مصر الحديثة، تلك الشخصية المثيرة بتفاصيلها فى تاريخ مصر، إذ مكنه ذكاؤه واستغلاله للظروف المحيطة به أن يستمر فى حكم مصر طويلا، ليكسر بذلك العادة العثمانية التى كانت لا تترك واليا على مصر لأكثر من عامين، المسلسل كتبته الدكتورة (لميس جابر) عام 2005، على أن تتولى إنتاجه شركة (جود نيوز فيلم) التي أسسها الإعلامي (عماد الدين أديب)، وقام وقتها الفنان (يحيى الفخراني) بترشيح المخرج السوري الراحل (حاتم علي) للقيام بإخراج العمل.
وفي عام 2010 أعلنت “لميس جابر” إعادة كتابة السيناريو ليقدم كمسلسل درامي عبر قناة (الحياة) المشاركة في إنتاجه، على أن يتولى إخراجه المخرج السوري (حاتم علي)، وبالفعل فى نهاية شهر رمضان عرضت صورة للنجم (يحيي الفخراني) بملابس شخصية محمد علي، وقام المخرج الراحل بتعيين أماكن التصوير، وبسبب ارتفاع تكلفة تقديمه كمسلسل، توقف المشروع!.
لكن بعد مرور 3 سنوات عادت الفكرة مجددا مرة أخرى على أن يقدم كفيلم سينمائي، ومع تعذر البداية في تصوير المسلسل والفيلم، أعلن المخرج السوري اعتذاره عن تقديم العمل، وكشف عن رفضه لعرض تلقاه من مؤلف سوري لتقديم مسلسل آخر عن شخصية (محمد علي باشا) فى سوريا، وبعد اعتذار (حاتم علي) تولى المخرج (شادي الفخراني) مسئولية الإخراج، وذلك قبل أن تخرج (لميس جابر) في حوار تليفزيوني مع (بسمة وهبة) عبر قناة (القاهرة والناس) في أبريل 2018، وتقول إن هذا العمل (منحوس) نظرا لأنه مكلف.
وأعتقد أن تكلفة (محمد علي) لن تتجاوز تكلفة مسلسل (الملك) الذي سيعرض هذا العام عن الملك أحمس.
طلعت حرب
من الأعمال المهمة جدا أيضا مسلسل (طلعت حرب) تأليف الكاتب المبدع (محمد السيد عيد)، وإخراج (إنعام محمد علي)، والذى يتناول السيرة الذاتية لطلعت حرب، تلك الشخصية المهمةكان ، والتى لها تأثير كبير على اقتصاد مصر، بعد تأسيسه لـ 38 شركة تحمل اسم مصر فى كافة المجالات الاقتصادية والثقافية مثل (مصر للسينما)، وساهمت بدورها فى تنمية الاقتصاد المصري، وما زالت مشاريعه وإنشاءاته موجودة حتى الآن، وحياته والفترة التى ظهر فيها بها الكثير من الأحداث والمواقف التى تصنع دراما مشوقة للمشاهد.
والمسلسل حبيس أدراج شركة (صوت القاهرة) بسبب أن جهة الإنتاج ليس لديها سيولة مالية من أجل خروجه للنور.
مداح القمر
نفس الأمر ينطبق على مسلسل (مداح القمر) الذى كتبه الكاتب الصحفي الراحل (محمد الرفاعي)، وكان من المقرر أن يخرجه (مجدي أحمد علي)، ويحكي قصة حياة الموسيقار العبقري ( بليغ حمدي)، فهذا المسلسل حبيس الأدراج، رغم أن كل العاملين فيه أخذوا أقساطا من أجورهم، وهذه الملايين التى دفعت تعد إهدارا للمال العام، وبعيدا عن الكواليس، والمشاكل التى تعرض لها منذ كان فكرة تقدم بها الفنان (ممدوح عبدالعليم) لمدينة الإنتاج الاعلامي، وبعد خلافات بين (ممدوح) والمدينة انسحب، لترشح المدينة الفنان (هاني سلامه) الذى طلب أجرا عاليا مما جعل الجهة المنتجة تستبدله بالفنان (محمد نجاتي)، ومازال المسلسل نائما في الأدراج!.
شجرة الدر
شجرة الدر، الملقبة بعصمة الدين أم خليل، التى تولت عرش مصر لمدة ثمانين يوماً بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان (الصالح نجم الدين أيوب)، ثم تنازلت عن العرش لزوجها المعز (أيبك التركماني) سنة 648 هجريا، ولعبت دورا تاريخياً هاماً في أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر وخلال معركة المنصورة، كتب سيرتها الذاتية الكاتب الكبير عاشق التاريخ (يسري الجندي)، وتناول الأحداث في إطار شعبي تاريخي، ومن المفترض أن يتولى إخراج المسلسل المخرج (أحمد صقر)، الذي تعاون معه من قبل، في عدد من الأعمال الهامة، منها مسلسل (الطارق) لممدوح عبدالعليم عام 2004.
هذا العمل المهم والضخم مثل باقي زملائه الذين تحدثوا عنهم من قبل، لا يجد جهة إنتاج رغم أنه جاهز أيضا على دوران الكاميرا.
بالحب هنعدي
من الأعمال الاجتماعية الراقية المحبوسة في الإدراج مسلسل (بالحب هنعدي) تأليف يوسف معاطي، إخراج رباب حسين، هذا المسلسل الذي يقوم ببطولته نخبة من أهم نجوم مصر الكبار منهم (سميرة أحمد، حسين فهمي، يوسف شعبان، حسن يوسف، فريال يوسف، ورانيا فريد شوقي)، هؤلاء النجوم الكبار لم تشفع لهم نجوميتهم وسنوات عملهم في الفن المصري لخروج هذا العمل للنور، رغم أهمية القصة التى يناقشها والتى تدور في إطار اجتماعي، يتناول قيم أخلاقية أسرية وعائلية، ويلقي الضوء على قيمة الأب، والذي يجسد دوره (يوسف شعبان)، والقيمة الأخلاقية للأم والتي تجسدها (سميرة أحمد)، فهي أم وجدة، وتواجه مع زوجها مشكلات عدة، خارج إطار الأسرة، حيث يعمل الزوج قاضيا، ويتعرض لبعض المشكلات فى عمله بسبب تمسكه بقول كلمة الحق، وإن عرضته لبعض المشكلات بعد حكمه في قضية ما، ولكنه يعرف تفاصيل تغير مجرى القضية، هذا بخلاف مشكلات الأبناء والأحفاد.
الفنانة سميرة أحمد فكرت فى الاعتزال بعد تعثر خروج هذا العمل للنور، رغم أنه جاهز أيضا لدوران الكاميرا، والسؤال لماذا نجبر نجمة مصرية كبيرة أعطت الفن المصري زهرة عمرها تفكر فى الإعتزال وهى في نهاية مشوارها؟! أليس فى هذا ظلما كبيرا لهذه النجمة الراقية التى أمتعتنا طوال مشوارها الفني بكل ما هو جميل وراقي.
زين الحسنى
بعد غياب 11 عاماً عن الساحة الفنية، أعلنت (الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية) في ديسمبر 2019، عن عودة السيناريست الكبير محمد جلال عبد القوي، صاحب الروائع التليفزيوينة أبرزها (المال والبنون، حياة الجوهرى، سوق العصر، نصف ربيع الآخر، الليل وأخره، المرسى والبحار، حضرة المتهم أبى) وغيرها من الأعمال المهمة التى حققت نجاحا جماهيريا عربيا كبيرا، وجاء التعاقد الذي أثلج صدورنا – في حينه – بين (المتحدة للخدمات الإعلامية) متمثلة فى رئيسها المنتج الكبير تامر مرسى، وأديب الدرما المصرية والعربية محمد جلال عبد القوى، على مسلسل بعنوان (زين الحسنى)، على أساس أن تعيده بعد سنوات طويلة غاب فيها عن الشاشة التليفزيوينة منذ أن قدم مسلسل (شرف فتح الباب) من بطولة النجم الكبير يحيى الفخرانى ، والذى عرض عام 2008 .
ومر عام 2020 بمواسمه الدرامية في رمضان وغيره من مواسم موازية صيفا وشتاء، ووضعت خريطة المتحدة للخدمات الإعلامية وفي القلب منها (سينرجي للإنتاج) لعام 2021 ولم يظهر مسلسل (زين الحسني) لمحمد جلال عبد القوي للنور، ليطرح تساؤلات عديدة تبحث عن إجابة شافية عن مصير هذا المسلسل الذي من المؤكد أنه سيكون نقطة مضيئة تضاف إلى الأعمال الجادة التي تقدمها هذه الشركة الوطنية.
ليه الحياة حلوة
من الأعمال الاجتماعية التى تناقش قضية هامة عانينا ومازالنا نعاني منها وهى قضية الإرهاب مسلسل (ليه الحياة حلوة) تأليف وإخراج المخرج العالمي (أنور القوادري)، وبحكم صداقتي لمخرجنا الكبير اطلعت على السيناريو ووجدته رائعا وسيضيف لمكتبة الدراما خاصة أن القضية التى يناقشها مازالت تطاردنا بصفة منتظمة.!
هذه بعض الأعمال الهامة والكبيرة، ويوجد أعمال أخرى لمؤلفين آخرين لا تقل أهمية عن هذه الأعمال، فضلا عن أفكار وقصص يمكن أن تستمد من الأعمال الروائية من ناحية، ومن ناحية أخرى قصصا تحمل موضوعات تصب في خانة التنوع على المستوى الاجتماعي الجاد والإثارة الهادفة والأكشن الذي يرسخ للبطولات، والكوميدي المبهج في ثوب محبب، وكلها في حاجة لجهة الإنتاج، فهل من منتج واع وحريص على عودة الدراما المصرية لسابق عهدها بعد أن تراجعت لحساب درامات أخرى ناضجة من جانب دول عربية تحيط بنا، وهذا بدوره ربما سينقذنا من حالة التفاهة والسطحية التى نعيش فيها هذه الأيام؟! .. نتمنى الخير لمصر والله كريم.
المنتج يبحث عن النص الذي يتوافق مع متطلعات وشروط المحطات، وبدوره يشترط على الكاتب أن له الحق بالمساس بالورق كما يحلو له. لذلك عزف كتاب كبار عن التأليف ودخل المجال كتاب متوافقون مع الشروط الانتاجية الحديثة والتي أغلبها مواضيع عن الخيانات الزوجية