بقلم : محمد حبوشة
في ظل غياب كامل لكافة وسائل إعلامنا الوطني، أسدل الستار من جانب وزارة قطاع الأعمال العام، على جدل دام لسنوات حول مصير شركة الحديد والصلب، ما بين تصفيتها أو تطويرها، لتنهي وجود الشركة التي تأسست قبل 67 عامًا، وقال هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام، إن الجمعية العامة غير العادية لشركة الحديد والصلب قررت تصفية مصنع حلوان.
ولم توضح أي من قنواتنا المحلية – للأسف – والتي يفترض أنها تعمل لصالح الوطن والمواطن أي من الأسباب التي أدت لتصفية مصنع تابع للشركة التي أسسها وافتتحها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكان من بين أهدافها الأساسية المساهمة في بناء السد العالى، وتم استخدامها في بناء جسم السد من الإنتاج المحلي لمجمع الحديد والصلب، وبعد اكتشاف مناجم خام الحديد في الواحات البحرية، تقرر إنشاء مجمع الحديد والصلب في حلوان، ليكون هدفه بشكل أساسي استغلال خام الحديد المستخرج من المناجم، وإعادة تصنيعه.
ولم يكلف أحد نفسه من مذيعي أو مذيعات تلك القنوات الغارقة في قضايا (عودة المخرج خالد يوسف، وابن رجل كامل أبو على)، وغيرها من قضايا حول سلبيات وسلوكيات المواطن المصري التي لا تليق بعصر المعلومات، في أن يلقي أضواء كاشفة أمام الرأي العام حول شركة الحديد والصلب التي تأسست عام 1954 بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر، وأنها قلعة صناعة الحديد والصلب في مصر لسنوات طويلة، وربما مرت بفترات عصيبة بعدما تقادمت مصانعها ولم يتم تطويرها، وتحولت الشركة لتحقيق خسائر لعدة سنوات متتالية وتراكمت مديونياتها، حيث وصلت مديونيتها بنهاية يونيو 2020 إلى 6 مليارات جنيه، ووصلت الخسائر المتراكمة على الشركة أكثر من 8 مليارات جنيه.
ألم يكن حريا بقنواتنا الدفاع عن أكثر من 7 آلاف موظف يعملون بهذه الشركة الوطنية وأن يوجهوا سهام أسئلتهم عن: لماذا لم يتم محاسبة إدارات متتالية حكمت هذه الشركة طوال السنوات؟، وكيف أعلنت الشركة عن عدد من المحاولات لتطوير المصانع لكن لم يكتمل أي منها، فمثلا : في نوفمبر 2017، طرحت الشركة مناقصة للتطوير تتضمن رفع طاقة المصنع الإنتاجية إلى 1.2 مليون طن سنويا، وإنشاء مصنع حديد تسليح جديد لاستغلال الخردة، لكن هذه المناقصة ألغيت في عهد الوزير السابق خالد بدوي، عام 2018، وهناك محاولات أخرى حيث اتجهت الشركة لدراسة تعظيم استغلال الخام المستخرج من المناجم الأربعة التي تمتلكها من خلال التعاقد مع شركة أوكرانية لتنقية خام الحديد من الشوائب، لكن هذا المقترح أيضًا توقف.
هل تعلم قنواتنا بجيوش إعلاميها الجرارة، أنه في يناير 2019 دعت شركة الحديد والصلب، الشركات العالمية لتقديم عروض لتأهيل وتطوير وإدارة خطوط إنتاجها، مع ضخ استثمارات مناسبة، من خلال اتفاقية مشاركة إيراد تمتد لمدة عشرين عامًا، لضمان ألا يقل حجم الإنتاج من البليت عن 1.2 مليون طن سنويًا؟، وأن تتم الإدارة بالكامل من خلال الشريك المستهدف، وتعظيم استغلال موارد الشركة ومناجمها وعمالتها بشكل مناسب، وأن يلتزم الشريك بسداد حد أدنى من الإيراد المقبول سنويًا؟، ثم في مايو 2019، وأعلنت الشركة نفسها رفض العرض الوحيد الذي تلقته من شركة (ميت بروم الروسية) بإجماع الأراء، لأنه غير مناسب لتطوير شركة الحديد والصلب وغير مطابق مع دعوة الشراكة.
وكانت هنالك محاولات أخرى لاستمرار وقف نزيف الخسائر، حين عادت الشركة مرة أخرى لبحث التعاون مع شركة أوكرانية، في آخر تطور لدراسات التطوير، بحسب ما قاله رئيس الشركة القابضة: في أكتوبر 2019، وفي بداية 2020، لاح في الأفق مقترح بفصل نشاط المناجم في شركة مستقلة على أن يتم النظر في موقف مصنع حلوان بشكل منفصل، وقد وقعت الشركة في يوليو 2020 اتفاقا مع شركة (فاش ماش الأوكرانية)، لدراسة إمكانية رفع تركيز خام الحديد بالواحات وإنشاء مصنعين للمكورات بتكلفة تقارب 35 مليون دولار وبطاقة إنتاجية 1.3 مليون طن سنويا من الخام مرتفع التركيز نسبيا.
وفي سياق تطور تلك الأزمة الطاحنة في مجمع الحديد والصلب بحلوان، بعد جدل كبير بين إدارة الشركة ووزير قطاع الأعمال ورفض مقترح تقسيم الشركة، وافقت الجمعية العامة غير العادية، في أكتوبر الماضي، على فصل نشاط المناجم في شركة مستقلة كخطوة أولي في طريق التصفية، وهو ما تحقق بالفعل بعد إقرار التقسيم، حيث قررت الجمعية العامة غير العادية للشركة في 11 يناير 2021، تصفية نشاط مصنع الشركة في التبين، ويتبع قرار التصفية، تشكيل لجنة لبحث تعويض العاملين بالشركة، واستمرار العاملين بقطاع المناجم في مواقعهم ضمن الشركة المنقسمة الجديدة المزمع تأسيسها، وعندئذ سيتم تأسيس شركة مساهمة جديدة للمناجم والمحاجر برأسمال مرخص 500 مليون جنيه وسيتم إدراج أسهمها في البورصة.
ظني أن هذا القرار الظالم كان ينبغي أن تطرحه وسائل إعلامنا المصرية جميعا (مكتوبة ومسموعة ومرئية)، فقد علق خالد الفقي عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية على قرار عدم استمرارية الشركة الحديد والصلب المصرية وتصفيتها، في تصريحات لوكالة (رويترز) – لاحظو هنا أنه لم يصرح لوسيلة إعلام مصرية – قائلا : إنه (تمت الموافقة على فصل نشاط المحاجر بالشركة وتأسيس شركة مساهمة منفصلة له وفي نهاية الاجتماع تمت الموافقة على عدم استمرار شركة الحديد والصلب دون نقاش أو أي شيء).
وقررت الجمعية العامة غير العادية، تصفية شركة الحديد والصلب بعد 67 سنة من تأسيسها، في خبر تلقاه الرأي العام المصري بإحباط شديد، حيث أن الشركة الحديد والصلب المصرية رائدة في المجال ليس مصرياً فقط بل عربياً، بل تعد شركة الحديد والصلب المصرية أولي اللبنات في صرح صناعة الحديد المصرية، ويعود تأسيس الشركة لعام 1954، لكن صناعة الحديد والصلب في مصر، بدا التفكير في انشاء مصنع الحديد والصلب عام 1932 بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان، وفي الاربعينات، أقتصرت الصناعة شركات على استغلال الخردة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، لكن ظلت فكرة إنتاج مصنع للحديد والصلب تراود الصناعة المصرية حتى انتهى العهد الملكي في 1952، وجاء العهد الجمهوري، الآتي بأحلام طموحه حول تحقيق نهضة صناعية مصرية.
لقد تركت قنواتنا وصحفنا وإذاعتنا الحبل على الغرب، حتى التهمت (قناة الجزيرة) خيطا من قلب الحدث المهم للصيد في الماء العكر، وراحت كـ (معددة النحيب في الجنازات) تصرخ وتولول، وبلغة تخاطب العاطفة سردت ذكرياتها الحزينة عن أهم رموز الصناعة المصرية، وضربت إسفينا في حق الحكومة المصرية قائلة تحت عنوان عريض في برامجها وعبر موقعها الألكتروني: بيع (الحديد والصلب يثير موجة غضب وشكوك)، ثم وضعت السم في العسل مستغلة غضب بعض العاملين بالمصنع في تقرير لها يقول: أحدث القرار المفاجئ ببيع مصنع الحديد والصلب المصرية صدمة بين المصريين، لما يمثله المصنع المقام منذ 67 عاما من رمزية ومكانة استراتيجية بين الصناعات المصرية.
وكعادتها في أساليب الفبركة ذهبت نحو السوشيال ميديا مدعية: كشفت تغريدات على مواقع التواصل حالة من الغضب المتصاعد، وانتقاد السلطة الحالية التي تلجأ لما وصفها البعض بالحلول السهلة بالبيع والتصفية لمقدرات البلاد الإنتاجية، في حين تهدر مواردها في مشاريع عقارية بلا جدوى ولا عوائد اقتصادية، وبحسب لعبتها القذرة في الوقيعة بين الشعب والحكومة المصرية ذكرت: أكد مغردون أن تغييب الرقابة الشعبية من ممثلين حقيقيين للشعب في البرلمان والصحافة يهدد بفقدان الثقة في قرارات الحكومة ودوافعها من وراء بيع المصنع، والذي يكشف عن التوجهات الاقتصادية والاجتماعية للدولة حاليا، والتي يدعو إعلامها لتشجيع التصنيع المحلي، فيما تناقض الأفعال الأقوال.
كما ادعت أن مغردين قالوا: إن إمكانات المصنع ورأسماله وحجم إنتاجه تؤكد أن خسائره مفتعلة، مستدلين على ذلك بوجود مصانع خاصة بإمكانيات أقل بكثير ورغم ذلك تحقق مكاسب ضخمة، وأشاروا إلى أن الحكومات المتعاقبة ظلت ترجئ محاولات إنقاذ الشركة حتى وصلت إلى مقصلة البيع، وفي إطار اجترار الماضي قالت (الجزيرة) بأسلوب خبيث: كان لشركة الحديد والصلب دور رئيسي في بناء السد العالي، بعد أن اقترح الاتحاد السوفياتي على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تطوير المجمع، للمساعدة في بناء السد وتوفير الحديد والصلب المطلوب استخدامه في البناء.
وفي إطار التسخين أوسياسة النفخ في النار ذكرت في أحد تقاريرها: قررت إدارة البورصة المصرية إيقاف التعامل بأسهم شركة الحديد والصلب عقب إعلان الجمعية للشركة أن سبب تصفية شركة الحديد والصلب المصرية هو (ارتفاع خسائر الشركة، وعدم قدرتها على العودة إلى الإنتاج والعمل مجددا)، ووافقت الجمعية على تقسيم الشركة إلى شركتين، هما شركة الحديد والصلب التي تمت تصفيتها، وشركة المناجم والمحاجر، ومن المنتظر أن يدخل القطاع الخاص شريكا فيها لتشغيلها خلال المرحلة المقبلة.
وبينما غابت قنواتنا حول حقيقة الأرقام ذهبت (الجزيرة) في غيها وعلى طريقتها الخاصة في تحليل الدلالات قائلة: تكبدت شركة الحديد والصلب المصرية خلال الربع الأول من العام المالي الجاري خسائر بلغت 274.48 مليون جنيه خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى سبتمبر/أيلول الماضي، مقابل خسائر بلغت 367.8 مليون جنيه بالفترة المقارنة من 2019-2020، ووصلت خسائر الشركة وفقا لقرار الجمعية العمومية إلى 8.2 مليارات جنيه منتصف العام 2020، وهى القيمة التي تمثل 547% من حقوق المساهمين، وقالت الجمعية العمومية في بيان تبريرها للقرار إن الشركة (لم تستطع على مدار الفترة الماضية الإيفاء بمستحقات العمال من أجور، كما أنها غير قادرة على التطوير، لذا قررت الجمعية العمومية تصفيتها).
ولأنها درجت على الصيد في الماء العكر فقد قالت بتحليل ماوراء الخبرعلى طريقتها قائلة: الحديث عن الخسائر هو ما استند إليه مغردون للدفاع عن وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، وقالوا إنه يتعرض لحملة ظالمة نتيجة اتخاذه قرارات جريئة بتصفية المشروعات الخاسرة التي تكبد الدولة مليارات الجنيهات من الخسائر سنويا، وبحسب تصريحاتهم لصحف محلية، رفض ممثلو العمال في مجلس الإدارة قرار التقسيم والتصفية، مؤكدين أنهم سبق أن تقدموا بأفكار عديدة إلى مجلس الإدارة والشركة القابضة للصناعات المعدنية من أجل تطوير الشركة ووقف عملية تعمد الخسارة الممنهج التي كانت تهدف من البداية إلى تقسيم الشركة وتصفيتها.
ولزيادة حجم المرارة في (حلق المواطنين البسطاء) قالت الجزيرة بطريقة ضرب الأسافين: يصل عدد عمال الشركة المصرية للحديد والصلب في حي التبين إلى 7300 عامل، ولم يتطرق قرار الجمعية العمومية إلى مصيرهم بعد قرار التقسيم والتصفية – علما بأن القرار شمل تعوضهم جميعا – ووافق مجلس إدارة شركة الحديد والصلب المصرية – وهي أقدم شركة حديد في مصر- في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على تأسيس شركة مستقلة لنشاط المحاجر والمناجم برأسمال مصدر قدره 195.3 مليون جنيه، وذلك في إطار خطة الانقسام المقترحة إلى شركتين، وتستحوذ الشركة القابضة للصناعات المعدنية على 82.4% من أسهم الحديد والصلب بعد بيعها 73.3 مليون سهم في يناير/كانون الثاني 2019 (تمثل 7.51%) لبنك مصر في إطار صفقة مبادلة ديون.
وادعت الجزيرة على موقعها الإلكتروني أنه في محاولة جدية لإنقاذ المصنع، فعلى حد زعمها: طالب مغردون بالمسارعة إلى عمل اكتتاب جماعي لشراء أسهم المصنع لصالح الشعب، إذ إن أصحاب شركة الحديد والصلب هم (الشعب المصري الذي اشترى أسهمها ولم يتقاض أرباحا منذ 1954 حتى الآن)، واصطيادا في الماء العكر مرة أخرى: اقترح كتاب وصحفيون فتح اكتتاب أسهم بقيمة 100 جنيه (الدولار حوالي 16 جنيها) للسهم الواحد، وقال أصحاب الفكرة (بفرض فشل تجميع المبلغ المطلوب فإن جمع عدد ضخم من الأصوات يظهر اعتراض الشعب على بيع المصنع، ويظهر ما الذي يمكن عمله معا)، واعتبر نشطاء أن قرار البيع ينال من الأمن القومي المصري خدمة للمتربصين بالصناعات الاستراتيجية منذ زمن من أجل تحقيق مصالح ضيقة، كما عبر بعضهم عن الخشية من بيع المصنع لأجانب مشبوهين يتخذون من مستثمرين إماراتيين ستارا، مشددين على شعار (مصرية المصنع).
تلك كانت القصة التي استغلتها (الجزيرة ورويترز) وغيرها من وسائل إعلام معادية بينما تعيش وسائل إعلامنا في غفلة تجاة الحقائق حتى ولو كانت مرة، جراء افتقادها للكفاءة والمهنية التي تكفل لها توضيح الحقائق عن قضايا حساسة تهم جموع الشعب المصري الذي يملك كثير من الأصول الثابتة لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال، ومنها بالطبع مجمع الحديد والصلب بحلوان الذي تم تصفيته بقرار يبدو تعسفيا في شكلع العام بينما في جوهره تفاصيل كثيرة غيرمعلومة للشعب المصري.