أحسن ناس .. من (فاطمة عيد والعزبي ومنير ومنى وحنان) إلى داليدا !
كتب : أحمد السماحي
أدينا بندردش .. ورانا اية، ورانا ايه ؟
بنحكى و نفرفش .. ورانا ايه ؟
نحب نتعرف .. ورانا ايه ؟
نحب نتشرف .. ورانا ايه ؟
ومنين يا بلدينا، وبلدكوا ايه ؟
أحسن ناس، أحسن ناس..
أعتقد أننا جميعا نعرف هذه الأغنية الرائعة التى كتبها بتميز شديد الكاتب والشاعر العبقري (صلاح جاهين)، ولحنها المبدع الكبير (سمير حبيب)، وغنتها المطربة العالمية (داليدا)، ومازالت هذه الأغنية تتردد حتى الآن بقوة في الشارع المصري، وأصبحت من أغنياتنا الخالدة.
لهذه الأغنية (حدوتة) أحلى من حواديت (شهرزاد) لحبيبها (شهريار)، يصحبنا في حكي هذه (الحدوتة) ملحن الأغنية الموسيقار (سمير حبيب)، الذي لحنها في البداية كعمل جماعي يشترك فيه (مين؟) أسماء (تخض) ومفاجأة!، تعالوا بنا نسمع الحكاية من البداية للنهاية.
يقول مبدعنا الكبير الموسيقار (سمير حبيب) فى بداية الثمانينات وبعد انتهائي من تلحين فوازير النجمة المتميزة (نيللي) فوجئت بـ (عم صلاح جاهين) الذي كتب الفوازير يقول لي بحب وعشم وحنو شديد: (خد يا واد! : انته عملت معانا شغل حلو فى الفوازير، لو أنا عملت ليك أغنية تحب أكتبلك إيه؟!)، فقلت بيني وبين نفسي: (يا مصيبة سودا، ايه التواضع ده!)، وبعد ثواني قلت على الفور: (أغنية عن محافظات مصر)، قالي : مين سيغنيها؟! جاوبت بسرعة: (محمد رشدي، ومحمد العزبي، وفاطمة عيد).
وبالفعل غاب عني فترة وبعد أسبوعين قالي تعالى إسمع، فذهبت وجلست معاه، وسمعت صوته وهو يلقي علي كلمات الأغنية، فدخلت في (مود) الأغنية، وأثناء تلحيني لها وجدت مدتها حوالي 22 دقيقة، وعجبني ما لحنته وكنت سعيدا به، فطمعت!، فقلت هجيب (محمد منير، وحنان، ومنى عبدالغني، وعلاء عبدالخالق، ومصطفى قمر) يغنوا هذا العمل الجماعي المتميز، بدلا من (فاطمة عيد والعزبي ورشدي)، وبالفعل حضر النجوم الشباب، وحفظوا الكلمات واللحن، وكانوا سعداء بالأغنية.!
وحددنا يوم للتسجيل في استديو (الدلتا) عند (تيمور كوتة) وأثناء غناء النجوم الشباب تصادف وجود المنتج الكبير (سمير صعب) المسئول عن الشغل العربي لأعمال النجمة العالمية (داليدا) في منطقة الشرق الأوسط، في الاستديو، وكانت تربطني به علاقة صداقة، فنال إعجابه اللحن والكلمات، وقال لي: تحب تعطي هذا اللحن لـ (داليدا)، فسعدت جدا وقلت له بسرعة : فورا!، قالي : والشباب الموجودين في الاستديو؟! قلت له: معرفهمش!!.
واستكمل (حبيب) ضاحكا: هذا ليس تنصلا من النجوم الشباب الموجودين، ولكن لأنهم حبايبي، ويتمنون لي الخير، ودي (داليدا) يا جماعة التى كانت فى هذه الفترة فى أوج نجوميتها، وبالفعل أخذ (سمير صعب) نسخة من الأغنية، وسافر لـ (داليدا)، وبعد شهر ونصف رجع مصر، وخيبة الأمل مرسومة على وجهه، وسألته أيه اللي حصل؟ قالي : داليدا رفضت تغني الأغنية، وقالت لي : أولا لن أغني (ميدلي) مرة أخرى، بعد أن قدمت (ميدلي) عربي لم يحقق نجاحا كبيرا، وأنا لا أحب تكرار تجاربي الفاشلة! لأنى أخاف على اسمي، ثانيا لن أغني مرة أخرى أغنية طويلة، ومدة أغنية (أحسن ناس) 22 دقيقة، ونزل علي (الوش الساقع)! فكنت أضع آمالا وأحلاما على هذه الأغنية!.
لكن ربني ألهمني وقلت له ممكن نختصر مدة الأغنية، فرد بلغة التجار: وايه تاني؟! فقلت له: أنني أستطيع إقناعها عندي حاجة هتقنعها، فقال لي : أيه هيه؟! فقلت له: لن أقول لك!، حتى تأخذ لي موعدا معها، فقال لي مندهشا: هتسافر باريس؟! فرددت عليه: نعم، أنا كده، كده بسافر عدة مرات في السنة لأطلع وأشحن نفسي بمشاهدة الأعمال الموسيقية والمسرحية الكبيرة، وفرصة أقنع (داليدا) بوجهة نظري الفنية.
ويستكمل الموسيقار (سمير حبيب) كلامه قائلا: وبالفعل سافرت باريس وبمجرد وصولي، جلست أشاهد التليفزيون، وأثناء مشاهدتي وجدته يذيع خبر عن دخول (داليدا) المستشفى!، فقلت بيني وبين نفسي: يا خبر أسود أيه النحس ده، هو ده وقته؟!، ووجدت الدنيا اتقلبت بسبب مرض (داليدا)، المهم وحتى لا أطيل عليك انتظرت حتى خرجت من المستشفى، وذهبت لمقابلتها، ووجدت فى صحبتها شقيقها (برونو) وملحنها الملاكي (جاف برنل) أو (يوسف برونتي) وهو مصري الجنسية.
بعد السلامات والتعارف، أعطيتها كلمات الأغنية بعد الاختصار مكتوبة بالحروف اللاتينية، وفضلنا نتناقش باللغة الفرنسية التى أجيدها إجادة تامة، حتى جاءت (داليدا) عند كلمة (بحبك) ونطقتها باللغة العربية، فسألتها سؤال خبيث فقلت لها: أنتي خرجتي من مصر وسنك كام؟ فقالت: 18 سنة، فقلت لها: معقولة مافيش حد فى مصر زنقك تحت بير السلم وباسك؟! فوجئت بهذه النجمة العالمية تكاد تصرخ من الضحك، وتخبط في صدري وهى تقول : (يا مجرم، يا مجرم)!! فقلت لها قبل حضوري إلى باريس ذهبت إلى بيتك وقابلت جيرانك القدامى، وحكوا لي كل التفاصيل.
وفوجئت بهذه النجمة التى تجاوزت الخمسين من عمرها بمجرد ذكر مصر وجيرانها وحي شبرا، تحولت إلى طفلة صغيرة، وهذا الموقف قربني منها جدا، وبعد مناقشات وذكريات طلبت مني إضافة كوبليه عن (شبرا) واختصار كلمات من الكلام عن المحافظات لتقصير مدة الأغنية.
ويواصل موسيقارنا المبدع (سمير حبيب) استرجاع ذكرياته الغالية عن هذه الأيقونة الغنائية فيقول: بعد انتهائي من مشكلة غناء (داليدا) ظهرت لي مشكلة أخرى، وهى (عم صلاح جاهين)، حيث اتصلت به من باريس لكتابة كلمات عن حي (شبرا) وأنا طاير من السعادة، فقلت له: يا عم صلاح ممكن تضيف لي كلمات عن حي (شبرا) لكي تغنيها (داليدا) فجاوب بلا مبالاة: شبرا ايه وأغنية ايه؟! فقلت له وأنا سعيد: أغنية (أحسن ناس) داليدا هتغنيها، فقال لي بهدوء شديد: بس أنا لم أكتب هذه الأغنية لـ (داليدا) ولكني كتبتها لـ (فاطمة عيد، والعزبي ورشدي)!.
ويضيف (حبيب) ووجدت شاعرنا الكبير (مش فارقة معاه مين هيغني!) ومصمم على (فاطمة عيد والعزبي ورشدي) لغناء الأغنية، ووقعت في حيرة دقائق أثناء كلامه، وحتى يكتب الكلمات وأقنعه بـ (داليدا) قلت له: (هى بتسلم عليك، وتقول انك عبقري، وكاتب كلمات حلوة، وأول ما تنزل مصر، هتجيلك تبوسك من خدودك)، فوجئت بقلب هذا العملاق يرق، ويقول لي بمنتهى الطيبة: هى عموما بنتنا ومصرية ولابد أن ندعمها، خلاص بعد خمس أيام كلمنى هتجد كلمات عن حي شبرا.
وفى الموعد المحدد كنت اتصل بـ (عم صلاح) ومن اضطرابي وخوفي ليتراجع عن موافقته، نسيت أخذ معي ورق وقلم حتى أكتب خلفه، واتصلت به وقبل أن يقرأ لي ما كتبه، نزعت القلم الموجود في (كابينه التليفونات) وورقة من الدليل الموجود، وكتبت ورائه ما يمليه علي وسط صيحات الإعجاب الكبيرة لما كتبه، وعندما فتحت باب (الكابينة) وجدت زحمة أمامها والبوليس موجود، حيث ارتكبت خطأ ورفعت صوتي ونزعت القلم ومزقت ورقة من الدليل، وهذا كله مخالف، فاضططرت لدفع 400 فرنك للبوليس حتى يخلي سبيلي.
وبعد تسجيل (داليدا) لصوتها واطمئناني لهذا تنفست الصعداء، وأثناء تنفيذ الأغنية وجدت مقدمة موسيقية للأغنية سيئة للغاية، ومختلفة عن مالحنته، فصحت من الحمار الذي وضع هذه المقدمة؟! فرد (برونو) شقيق داليدا قائلا: أنا الذي وضعتها! قلت له: مالك أنت ومال الموسيقى؟!، لو سمحت لا تتدخل في اللحن، وفى الوقت الذي رفضت تداخلات (برونو)، سمحت لـ (جاف برنل) بعمل بعض (التتشات) التى تفيد الأغنية وتقربها للمستمع الغربي، وفى هذه الأغنية كانت عزفت (إيناس عبدالدايم) على الفلوت، وعلى الطبلة التى أذهلتهم (سعيد الأرتيست) وعبدالمنعم الرقاق، وكان الكورس من الأوبرا ويضم (رضا الوكيل، وإيمان مصطفى)، هذه هى حدوتة واحدة من أجمل وأخلد أغنياتنا.