الاختيار .. فيلم رفضه العندليب ورشدي أباظة واكتشف عزت العلايلي
* كان من المقرر أن يخرج العلايلي الفيلم، ويقوم بالبطولة يوسف شاهين
* العندليب رفض بطولة الفيلم بسبب الأغاني، ورشدي أباظة لم يفهمه!
* العلايلي رشح محمود ياسين لكن فيلم (نحن لا نزرع الشوك) منع بطولته للاختيار.
* الجمهور سب وقذف نجوم الفيلم في العرض الخاص
* حسن عطية : نجح العلايلي فى تقديم كل جانب من جوانب شخصية المثقف المنفصم بحرفية تقنية عالية، وبصدق أدائي يبلغ به قامة كل ممثلي العالم.
كتب : أحمد السماحي
يعد فيلم (الاختيار) واحدا من أهم أفلام النجم الراحل (عزت العلايلي)، والذي يحتل رقم عشرة في سلسلة أفلامة التى تجاوزت الـ 75 فيلما، وثاني الأفلام التى جمعته بالمخرج (يوسف شاهين) بعد رائعتهما (الأرض)، وفى (الاختيار) قدم بنجاح باهر نموذجا للمثقف المنقسم على نفسه فى زمن هزيمة يونيو 1967، حيث لم يستطع أن يواجه ذاته، وأن يتمرد على القيم المقيدة لحريته.
القصة
حاول (شاهين) فى الفيلم تصوير التمزق الذي كان يعانيه المثقف المصري بعد الهزيمة، وسعى للبحث عن جذور هذه الحالة، من خلال بطله (سيد) الكاتب الكبير الشهير الذي يتمتع بنفوذ واسع في أوساط السلطة، الباحث عن الصعود الاجتماعي بأي ثمن، المتنكر لأصوله الطبقية كابن من أبناء الطبقة الوسطى، والذي يدفع ثمن تطلعاته خيانة لذاته، وقتلا لشقيقه، وانفصاما يؤدي به إلى الجنون.
فى هذا الفيلم الذي يعتبر أول فيلم يتطرق فيه (شاهين) للهزيمة أدان بقوة وقسوة مجموعة المثقفين الذين تعلقوا بأهداب السلطة ففسدوا وأفسدوها، وحمل المثقفين المصريين مسئولية الهزيمة، كما كشف عن زيف الواجهة البراقة لهولاء المثقفين، ونزع الغطاء عن تشوههم النفسي والأخلاقي.
كواليس الفيلم
عن كواليس الفيلم حكى النجم الراحل (عزت العلايلي) ما حدث في أكثر من برنامج إذاعي وتليفزيوني فقال: جاءت فكرة الفيلم بعد التراكمات التي حدثت عقب نكسة 1967، وكان على الممثلين أن يقدموا الشخصية المصرية وما تعرضت له، وقتها بدأت أنا و(شاهين) كتابة الفيلم، وبعد فترة عرضت عليه أن يشرك معنا الأديب العالمي (نجيب محفوظ)، وفعلا ذهبت له وعرضت عليه الفكرة، وبعد أيام كتب القصة.
وفى الفيلم انتقد (شاهين ونجيب محفوظ) مواقف المثقفين، وكأنهما يمارسا بذلك نقدا ذاتيا، حيث ناقش الفيلم قضية ازدواجية المثقف ودوره في التفاعل مع قضايا الجماهير، وتناول الشعور بالفقد والقلق والارتباك الذي عم العالم العربي بعد هزيمة 1967، من خلال قصة كاتب عزل نفسه عن المجتمع، ويصوره الفيلم كشخص مشوش، قتل أخاه الذي يعيش ببساطة وحرية، وانتحل شخصيته.
يوسف شاهين بطلا
أضاف النجم الراحل : كان من المقرر أن يقوم (يوسف شاهين) ببطولة الفيلم، وأقف أنا خلف الكاميرا لكي أخرج الفيلم، لكن بعد فترة رشح (جو) العندليب الأسمر (عبدالحليم حافظ) لبطولة الفيلم، لكن (حليم) طلب إضافة أغنيات للفيلم، مما جعل (شاهين) يقابل طلبه بالرفض، وذهب بالفيلم إلى النجم (رشدي أباظة) لكنه لم يستوعب القصة، وحدثت بينه وبين (شاهين) نقاشات ساخنة، بعدها رشحت أنا زميلي النجم الصاعد (محمود ياسين) خاصة بعد أن شاهده (شاهين) فى مسرحية (وطني عكا) ونال اعجابه جدا، لكن (ياسين) كان مرتبطا ببطولة أول أفلامه كبطل فيلم (نحن لا نزرع الشوك)، وكان من الصعب أن يجمع بين الاثنين، فرفض (شاهين) إسناد البطولة له، وأثناء ذلك عرض على بطولة الفيلم ورحبت جدا على أن يقوم هو بمهمة المخرج.
شاشة سيئة
تابع النجم الراحل تم تصوير الفيلم في كواليس ممتعة وجميلة، وعرض في سينما (ريفولي) وفى العرض الخاص للفيلم الذي حضره فريق عمل الفيلم فضلا عن كبار المثقفين والسياسيين، كانت الشاشة سيئة ومكنة العرض أسوأ، والدنيا زحمة، فوجئنا أن الجمهور لم يتقبل الفيلم، و(شتمنا) لأنه كان يتوقع رؤية فيلم آخر بعد معرفة أسماء المشاركين فيه.
اختفاء شاهين
يستكمل العلايلي ذكرياته عن كواليس الفيلم ويقول : كنت جالسا وبجواري من ناحية (بدر الدين أبو غازي) وزير الثقافة، ومن الناحية الثانية زوجتي الله يرحمها، وسعيد جدا أنها ستشاهد نجاحاتي، لكن رد فعل الجمهور وسبه وقذفه لنا بأبفظع الشتائم، جعلنا نخرج (متنكدين)، ويومها دورت على (يوسف شاهين) لكني اكتشفت أنه اختفى، فأعدت زوجتي للبيت، وذهبت للبحث عن (جو) وكنت أعلم جيدا أين يختفي، فذهبت إليه في مكان فى حي (الحسين) وجلسنا نتذكر ما حدث ونبكي ونضحك!، وفجأة قال لي : ارمي كل هذا من ورا ضهرك، غدا لدينا موعد مع كوكب الشرق أم كلثوم، لنتناقش في فيلم جديد بعنوان (ثومه) عن قصة حياتها يكتبه (سعد الدين وهبه) ورشحتك لدور فى الفيلم، وسعدت جدا بالخبر، وذهبنا إلى (ثومة) في الفيلا التى تملكها في حي الزمالك.
ثومة تخرجه من همومه
ظل يوسف شاهين يتحدث عن مشروعه الجديد (ثومه) وماذا سيفعل مع (أم كلثوم) التى التفتت إلي فوجدتني صامتا، فقال لـ (جو) هو صحبك ساكت ليه؟! فحكى لها ما حدث أمس فى العرض الخاص لفيلم (الاختيار)، وقتها تحدثت معي أم كلثوم قائلة: (أنا عايزة اسألك سؤال؟! أنت مين اللي خلق فيك الموهبة دي؟ فرددت عليها ربنا سبحانه وتعالى، فردت قائلة : تفتكر ربنا يخلق في حد حاجة ويتخلى عنه).
وخرجت من عندها وأنا سعيد جدا، حيث أزالت الهم والحزن من نفسي.
النقد
كتب الناقد المسرحي الكبيرالراحل (حسن عطية) نقدا رائعا وطويلا عن هذا الفيلم فى تحليله لفيلم (الإختيار) حيث قال في جزء من نقده : يلعب (العلايلي) فى هذا الفيلم دوري التوءم المتناقضين بفهم عميق وحرفية عالية، فيخرج من إيهاب الفلاح (عبدالهادي) المتصالح مع نفسه، المنكسر دون تنازل عن مبادئه ليدخل عالم مليئ بالتناقض، يتطلب منه أن يجسد كل تفاصيل أوجه التناقض المتمثلة في شخصيتين من أبناء هذا المجتمع عقب هزيمة عسكرية أدت لوضع شائن لا هو بالحرب ولا هو بالسلم، وهزت بنيان المجتمع الفكري، وأغتالت في طريقها الزعيم النموذج، بعد أن شككت فى مصداقية أقواله وطريقه نحو العدالة الاجتماعية، فاهتزت الرؤية، وتفتت الجبهة السياسية.
مما سمح للقوى القديمة أن تخرج من جحورها، وأن تنتهز ذلك التفتت وضباب الرؤية، فتنقض على الثورة وتفرغها من محتواها، ثم تنقلب انقلابا كاملا عليها، وتعود بالطريق إلى ما كان عليه الحال قبل ما يقرب من عقدين كاملين من الزمان، خاصة وأن الفيلم عرض قبل شهرين فقط من حركة 15 مايو الانقلابية عام 1971.
وفى هذا الفيلم نجح العلايلي فى تقديم كل جانب من جوانب شخصية المثقف المنفصم بحرفية تقنية عالية، لا تجعلنا طوال الفيلم نشك لحظة فى أنه هذا أو ذاك، حتى مشهد النهاية الذي قدمه بصدق أدائي يبلغ به قامة كل ممثلي العالم المتميزين.
………………………………
أهم الأحداث السينمائية عام 1971
كان عام 1971 مليئ بالأحداث السينمائية كما رصدها الناقد السينمائي الراحل علي أبوشادي فى كتابه (وقائع السينما المصرية فى مائة عام)، ومن أهم هذه الأحداث ما يلي :
** رشح فيلم (المومياء) لشادي عبدالسلام لجائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي 1971 ، وعرض فيلم (نحن لا نزرع الشوق) في مهرجان موسكو.
** فاز فيلم (الأرض) بجائزة أحسن فيلم وست جوائز أخرى عن السيناريو والموسيقى والممثل الأول (محمود المليجي)، وأحسن ممثل وممثلة دور ثاني، والمونتاج مناصفة مع (أوهام الحب)، وفازت (سعاد حسني) بأحسن ممثلة عن فيلم (غروب وشروق) لكمال الشيخ، وأحسن تصوير عبدالحليم نصر عن (أوهام الحب)، وأحسن ديكور أنسي أبويوسف فى (أوهام الحب)، ومنح كمال الشيخ جائزة التحكيم الخاصة عن مجموع أعماله وخاصة (غروب وشروق).
** قدم القطاع العام مخرجين جديدين وهو شفيق شاميه الذي أخرج فيلم (حادثة شرف) ليوسف إدريس، وسعيد مرزوق في فيلمه (زوجتي والكلب) الذي عرض في مهرجان موسكو، كما قدم أشرف فهمي أول أفلامه كمخرج روائي وهو (القتلة)، وقدم النجم حسن يوسف أول أفلامه كمخرج (ولد وبنت والشيطان)، وعادل صادق (شباب في العاصفة).
** توفى هذا العام المخرج (حلمي حليم) الذي بدأ حياته ناقدا فنيا، كما توفي الناقد السينمائي الكبير سعد الدين توفيق صاحب كتابي (قصة السينما في مصر)، و(فنان الشعب … صلاح أبوسيف).
** أقامت الثقافة الجماهيرية المهرجان القومي الأول للأفلام الروائية فى مدينة بلطيم في الفترة من 1 إلى 11 أغسطس 1971، عن الأفلام التى عرضت عام 1970 وتم تصفيتها إلى 11 فيلما.
** أقام المركز الفني للصور المرئية المهرجان الثاني للأفلام التسجيلية والقصيرة في مايو 1971، وحصل فيلم (الفلاح الفصيح) لشادي عبدالسلام على الجائزة الذهبية، وجائزة الإخراج والسيناريو والتصوير والموسيقى والصوت والمونتاج.
** تقرر تصفية القطاع العام، وصدر قرار بإنشاء هيئة السينما والمسرح لتحل محل المؤسسة المصرية العامة للسينما، والهيئة العامة للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية.
………………………………
الأفلام التى عرضت عام 1971
عرض عام 1971 وحسب موسوعة الناقد السينمائي (محمود قاسم) 46 فيلما سينمائيا هي (فجر الإسلام، شيئ في صدري، الخيط الرفيع، الإختيار، ابنتي العزيزة، ثرثرة على النيل، زوجتي والكلب، عشاق الحياة، سبع الليل، البيوت أسرار، ولد وبنت والشيطان، مدرستي الحسناء، نحن الرجال طيبون، بنات في الجامعة، برئ في المشنقة، ملكة الليل، شباب في العاصفة، الإختيار، حسناء المطار، لمسة حنان، القتلة، موعد مع الحبيب، الحسناء واللص، رجال في المصيدة، أختي، إعترافات إمرأة، 5 شارع الحبايب، الحب والفلوس، مذكرات الآنسة منال، الظريف والشهم والطماع، خطيب ماما، البعض يعيش مرتين، أدم والنساء، إمرأة ورجل، رحلة لذيذة، الحب المحرم، لعبة كل يوم، عصابة الشيطان، الغفران، حياة خطرة، غرام في الطريق الزراعي، بلا رحمة، ثم تشرق الشمس، واحد فى المليون، موسيقى وجاسوسية وحب، المتعة والعذاب.
………………………………
بطاقة الفيلم :
إنتاج : المؤسسة العامة للسينما
قصة : نجيب محفوظ، ويوسف شاهين
سيناريو وحوار : يوسف شاهين
مساعدا المخرج : صالح فوزي ومحمد حسونه
ملاحظ السيناريو : نجوى محروس
مساعد المخرج : علي بدرخان
مراقب الحوار : محمد تركي
كلاكيت : سمير الحكيم
مديرا الانتاج : يوسف حلمي وناجي أبوالخير
مساعد الانتاج : صلاح خطاب
مراقب التنفيذ : مختار أمين
المكياج : عبدالحكيم أحمد، وسيد محمد
مساعد المكياج : كمال عبدالحق
كوافير : محمد عبدالله
ريجسير : سيد علي
تصوير فوتوغرافي : صبحي بسطا
اكسسوار : بهيج حسين، وجابر حسن
المصور : مصطفى إمام
مساعد المصور : محمد رمضان، وكمال عبدالحميد
مهندس الديكور : صلاح جبل
مهندس الصوت : حسن التوني
تصوير : أحمد خورشيد
مونتاج : رشيدة عبدالسلام
موسيقى : علي اسماعيل
اخراج : يوسف شاهين
بطولة ( سعاد حسني، عزت العلايلي، سيف الدين، يوسف وهبي، هدى سلطان، محمود المليجي، سهير فخري، كمال مرسي، محمود صبحي، رشاد حامد، وضيوف الشرف مديحة كامل، سعد أردش، عبدالرحمن أبوزهره).