الأسطى حسن .. بين بولاق والزمالك
بقلم : سامي فريد
يبدأ الفيلم الذي يحمس لإنتاجه المخرج الكبير صلاح أبوسيف بداية دائرية.. فكما بدأ ينتهي لكنه في البداية والنهاية يكون بطله الأسطى حسن العامل الفقير في ورشة الحدادة ببولاق قد تحول إلى إنسان آخر بعد أن عبر كوبري أبوالعلا من بولاق.. إلى الزمالك.. وهى نقلة واسعة تعرض لها الأسطى حسن (فريد شوقي) الذي دخل الزمالك من أجل تركيب البوابة الحديدية في بيت كوثر هانم (زوزو ماضي) التي أعجبتها فتوته وشبابه وقوته فبدأت في غوايته بالمال والخمر والملابس والمال الذي راحت تعرضه عليه بلا حساب حتى استسلم لها تماما فنسى الورش وبيته في بولاق وزوجته عزيزة (هدي سلطان) وابنه الطفل محروس (سليمان الجندي) وزميله وصديقه الأسطى شلاطة (محمود شكوكو) وعم بدوي (عبدالوارث عسر) والأسطى أبو شنب (السيد بدير) وباقي سكان الحارة الذين يحبونه.
الفيلم أخرجه صلاح أبوسيف وكتب له السيناريو والحوار السيد بدير. يبدأ الفيلم بأغنية تشرح لنا الحب المتبادل بين حسن وعزيزة في الحنطور الذي يقوده السيد بدير، تغني عزيزة لزوجها: (ما أحلى جمال الليل يا عزيزة.. وأنتي معاكي حسن وعزيزة..) فنستريح لهذا الحب الذي نرجو أن يستمر حتى دخلت كوثر هانم حياة الأسطى حسن الذي يشكو من ضعف راتبه فيكره اللافتة التي تطارده في الورشة والتي تقول إن (القناعة كنز لا يفنى) .. لكنه جشع حب المال ويستسلم لإغرائه ويبدأ حياة مختلفة في الزمالك مع كوثر هام بعد أن حولته بالبذلة الجديدة وحياة السهر في الكباريهات وحياة الخمر والميسر إلى حسن بك، لكنه يبدأ يلاحظ أن حب كوثر هانم ليست له وحده بعد أن لاحظ دخول عصمت بك ليشاركه هذه الحياة.
ويبدأ عصمت بك (رشدي أباظة) في السخرية من الأسطى حسن ويصفه ساخراً بأنه سباك حرب! فيضربه حسن أمام حشد من الطبقة الاستقراطية وتبدأ كوثر هانم تنزعج من تصرفات الأسطى حسن التي تبدو غريبة أمام طبقتها الاستقراطية..
وفي بولاق لا تكف حماته الست أم عزيزة (ماري منيب) عن السخرية منه ومن فقره ونعلم فيما بعد أنها كاذبة مع ناصح زوج لبيبة شقيقة عزيزة وما يقدمه زوجها لها من ملابس ومال وعز. ويبدأ غياب الأسطى حسن عن بيته في بولاق حتى يذهب أخيرا في سيارة كوثر هانم إلى هناك ويصاب كل أهل الحارة بالدهشة ويبدأ هو في معاملة أهل حارته معاملة مختلفة فيها الكثير من الكراهية والسخرية من فقرهم.
وفي البيت الفقير لعزيزة وابنها محروس تبدأ مطالبات عبدالمنعم إسماعيل صاحب البيت بإيجار الشقة المتأخر فيدفعه جيرانها الملتفين حولها في محنتها
شلاطة وأبو شنب وعم بدوي ويفاجئهم الأسطى حسن بالمال الكثير في بداية الفيلم لا يجيب على تساؤلاتهم عن مصدر المال، والحقيقة أنهم يريدون هذا المال فليس لهم أن يسألوا عن مصدره.
وليلة ختان الولد محروس لا يحضر حسن الختان الذي يحضره كل الحارة. ويبدأ كل شيء في التغير من حول الأسطى حسن بعد دخول عصمت بك حياة كوثر هانم وبعد أن تراجعت صحة حسن جراء السهر والخمر.. ونرى مشهدا في الفيلم لأحد عشاق كوثر هانم (سعد أردش) الذي يهددها بأنه سوف ينتخر لو لم ترضى بالعودة إليه فلا تهتم.. ويلاحظ حسن دخول وخروج عصمت بك إلى منزل كوثر هانم وأنها تفضله عليه ويلاحظ ذلك أيضا ابراهيم بك حمدي (حسين رياض) المريض بالشلل والذي يلازم غرفته من فوق كرسي العجلات في غرفته..
ويتوسط شلاطة لدي أحد معارفه في إحدى ورشات الخياطة التي تعمل فيها عزيزة من أجل مواصلة الحياة مع ابنها محروس بعد أن فقدت الأمل في عودة حسن الذي لا تعرف أين ذهب حتى يراه أحد أبناء الحارة مع الهانم في سيارتها عائدة إلى بيتها في الزمالك، فيحكي الواقعة وما شاهده للأسطى شلاطة الذي يحكيها بدوره للمعلم أبو شنت الذي يسأله أمام الست عزيزة ان كان قد اخبرها بما سمعه عن علاقة الأسطى حسن مع الهانم.. وبعد أن تتضح الحقيقة أمام عزيزة تقرر اصطحاب ابنها محروس لتذهب للقاء كوثر هانم في الزمالك لكي تستعطفها لتترك لها حسن ليعود إليها وإلى طفلها ويصرخ الابن ويبكي مطالبا أباه بالعودة لكنه يطردها بعد أن يصفعها بتعديها على الهانم بعد أن وصفتها عزيزة بأنها شيطان قد سرقت منها زوجها فيكون رد كوثر هانم بأنه سيكلفها ويدفع لها المبلغ الذي تريده لكن عزيزة ترفض لأن الحياة ليست هي مجرد المال وإنما هي القناعة والرضى بالمقسوم والشرف.
وينجح شلاطة في إلحاق الطفل محروس بالعمل في الورشة لكن سيارة كوثر هانم تصدم الطفل أمام مسجد سيدي أبي العلاء إثر مشاجرة بينها وبين حسن الذي يهتمها بالخيانة مع عصمت وتتهمه هي بالجهل والغباء بعد أن حولته إلى إنسان آخر له مظهر البكوات وأخلاق الطبقة الفقيرة.
ويزور شلاطة الأسطى حسن في بيته يرجوه أن يعود معه إلى البيت في بولاق بعد أن ساءت حالة ابنه الطفل الذي يحتاج إلى جراحة عاجلة لساقه المكسور ويسأله حسن ملهوفا عن تفاصيل تلك الحادثة.. ويعلم من شلاطة أنها كانت صباحا قبل الكوبري فيعرف أنه ابنه ويعود مسرعا إلى بيته ويرى الطبيب الذي يقرر إجراء الجراحة مجانا، لكنهم لابد أن يدفعوا أجر دخول المستشفى وهو لا يقل عن خمسين جنيها فيعود الأسطى حسن ليطالب المبلغ من كوثر هانم التي تكون قد سئمت من مطالباته الكثيرة للمال، وأصبحت تكره حياته فتنهره وتطرده من البيت، أما عصمت بك فتدور معركة بين الرجلين لنسمع صوت انطلاق الرصاصة في البيت وإصابه كوثر هانم إصابة قاتلة ويهرب عصمت بك، كما يهرب الأسطى حسن بعد أن فوجئ بما حدث وفي ذهنه آخر كلمات إبراهيم بك الذي كان قد نصحه بالعودة إلى بيته وأسرته لأن الهانم أصبحت تحب الكلاب وأنه لابد أن يرضى بما قسمه الله له مع الشرف وحياة الأسرة.
وتلقى الشرطة القبض على الأسطى حسن أمام أسرته بعد اتهامه بقتل كوثر هانم وتنكر الجميع له.
وفي شهادة ابراهيم ب حمدي نبدأ نعرف أنه زوج كوثر هانم التي كتب لها كل ثورته بعد وفاة زوجته وسقط مخدوعا بحب كوثر هانم ويصب للمحكمة والنيابة التي يمثلها عدلي كاسب تفاصيل ما حدث ليلة مصرع كوثر هانم.. وتصرخ عزيزة في المحكمة ويصرخ الطفل مناديا أباه فتطردهما المحكمة ويشق الأمر على ضمير ابراهيم بك وهو يرى هذه الأسرة التي كانت كوثر هانم السبب في انهيارها الوشيك فيفاجئ الجميع بأنه هو القاتل بعد أن أطلق رصاصة من مسدس كوثر هانم ليصل إلى أمام مقعده فيميل ليلتقطها، ويطلق عليها الرصاص بعد أن عاش معها حياة الكلاب.. لكنه يخرج المسدس الذي تطالب المحكمة بأن تراه فيطلقه على نفسه ويموت بعد أن أدي شهادته التي برأت الأسطى حسن.. ليعود الحياة به إلى اسرته وينتهي الفيلم بنفس الأغنية التي بدأتها (ما أحلى جمال الليل يا عزيزة.. وانتي معاك حسن وعزيزة).
هذه المسافة القصيرة بين بولاق والزمالك والتي عبرها حسن ذات يوم من ورشة الحدادة إلى بيت كوثر هانم ليبدأ مشوار غيابه عن أسرته وانحلاله.. هذه المسافة هي التي بلاشك قد لفتت نظر صلاح أبوسيف إلى موضوع الفيلم..
وهي قصة تكررت في أكثر من فيلم كان منها فيلم فاتن حمامة مع أحمد رمزي وكانت هى من سكان بولاق ورمزي من سكان الزمالك حتى تتضح حقيقة معدتها وأهل بولاق أمام المظاهر الكاذبة لأهل الزمالك.. ليسير الجميع بالطبع.. لكن ما كان يمكن أن يكون .. وهو دفع صلاح أبو سيف ابن بولاق إلى إنتاجه الفيلم وإخراجه أيضا، فكانت تلك المجموعة العجيبة والمدهشة من الممثلين أبناء الحارة في عطفهم وكافلهم ونقاء سريرته وطيبة معدنهم.