(ثلاث سقطات في الإعلام)
بقلم : محمد شمروخ
خلال الأيام القليلة الماضية، سقط الإعلام المصري بجناحيه العام والخاص، فى ثلاثة اختبارات على التوالى، كانت معالجتها الإعلامية صفر، ولو كان يمكن الحساب بالسلب لفعلناها.
أولها كان السقوط المدوي في طرح ومناقشة بيع أصول مصانع الحديد والصلب بحلوان وثانيها كان هذا التعامل الحنون مع جريمة حفيد رجل أعمال ارتكبها بقتل مهندسة شابة وهو يسير في الاتجاه المخالف وتحت تأثير المخدر، أما السقوط الثالث فكلن الفشل الذريع في إقناعنا بعودة الأستاذ خالد يوسف كرمز ثورى وكأنه سيعود من المنفى الإجباري.
أما السقطة الأولى، فقد فقد فيها الإعلام بشقيه التقليديين، القدرة على مواجهة القضية واكتفى بالاستماع لتصريحات السيد المحترم وزير قطاع الأعمال الذي تعامل مع القضية من خلال الأرقام فقط، وبعقلية رجل أعمال ناجح ليس له فيما وراء ذلك إلا حسابات المكسب القريب أو الخسارة البعيدة، فهاتان هما القيمتان الوحيدتان الجديرتان بالاهتمام دون غيرهما وهو منطق مقبول في شرع السوق الذي فرض قراره مستندا لمرجعية برجماتية قحة لا تقيم للاعتبارات التاريخية والاجتماعية والنفسية وزنا، بل لا يرى في هذه المصطلحات الغامضة سوي (شغل عواطف) لا يزيد عن هجر وغدر وجرح في قلبى داريته.
وفي هذا الأمر أثبت السيد المحترم وزير قطاع الأعمال أنه رجل عملى وجاد ويستند إلى ظهر غير قابل للكسر – وسايق عليكم النبى ما تفهمونيش غلط – فهذا الظهر ليس ظهرا محليا، بل عالميا تعاضده قوى دوليه لا سبيل لمراجعتها أو التصدى لها، فالاتجاه بالقيم الاقتصادية نحو هذا الطريق وتطبيق قواعد آليات السوق وتسييل كل شيء قابل للتحويل إلى حسابات مالية وأرباح تجارية، هو عين النجاح، ثم إن هذا الاتجاه يسحق في طريقه كل شيء، قيم، مثل، مجتمعات، حضارات، دول.
وهو تطبيق ناجح لمبادئ (مدرسة شيكاجو) الاقتصادية الأمريكية، تلك التى وضع معالمها الاقتصادي الشهير والمخطط الأول لاقتصاد الصدمة والمفجر لعمليات (رأسمالية الكوارث) وهى المدرسة التى انفردت بعمل منظومة توجيهية لكل اقتصايات العالم ولا تسمح بأى اتجاه مغاير وهى تستخدم كل السبل الممكنة وغير الممكنة للتمكين والهيمنة!
كلام كبير يا صاحبي، فنحن كعالم مواز لعالم الكبار لا يروننا إلا صغارا تافهين ومهما أثرنا الغبار فلن يسمعنا أحد ولن يؤذي غبارنا إلا عيوننا.
فلو صدق السيد الوزير ومنظروه من الإعلاميين الذين انقلبوا على مبادئهم بين يوم وليلة في رفع قيمة الدولة ودعم مشروعاتها، لواجهوا الحقيقة المريرة التى كان يجب أن تقال وهو أن الجريمة الحقيقية كانت في قيام مصانع حديد حلوان، بل وكل مصانع حلوان خصوصا الأسمنت، حتى تحولت المنطقة التى كانت أشهر منتجع صحي طبيعى في الشرق الأوسط، إلى بؤرة تلوث هوائي وسمعى وبصري وحضاري، فقد كان يتحتم أن يطرح الأمر كدعوة لتصحصح الأخطاء التاريخية في التخطيط الصناعي وأن تقوم الدولة (بنقل) مصانع حلوان من مكانها ووجوب تحمل مسئوليتها في هذا القطاع المهم والخطيرولا تتركه نهبا لمنافسات المستثمرين، خاصة من مندوبي (شيكاجو) في السوق المصرية.
والوزير قالها (وش – اخبطوا راسكم في الحيط) بلا إعلام بلا رأي عام، وزاد أن اتهم نواب الشعب بأنهم عاطفيين على نفسهم وفي كل هذا لم يقم له إعلامي واحد يواجهه بالحقيقة في أن البيع كان يمكن طرحه كتصحيح لوضع تاريخي خاطئ، ذلك أنه فيما يبدو لا التاريخ ولا الجغرافيا ولا التربية القومية، لهم أى أهمية عند السيد الوزير ولا عند السادة الإعلاميين أنفسهم، فالإعلانات التى تزحم الفواصل، كلها لشركات قطاع خاص ويمكن وقفها بجرة قلم أو تكة على موبايل، ولاتقولى إعلام ولا تجارة إنجلش، فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف وقضى الأمر.
وتأكد هذا الاتجاه كذلك في تناول واقعة المهندسة الشابة ضحية حفيد رجل الأعمال الكبير، لأن الباشا مرتبط بعلاقات وثيقة مع زملائه من أصحاب القنوات وكبار الإعلاميين (خاصة اللي بيخبطوا جامد)، فلم يثقل الإعلام في التغطية وكاد يتجاهل الأمر برمته برغم ضجته الكبرى على الإعلام البديل في السوشيال ميديا، لكن قرارات السيد المستشار النائب العام جاءت لتريح الصدور وتعلن قيام العدل الذي لا يهاب في الحق شيئا، رضوا أو لم يرضوا، ودون حاجة لضجيج الشاشات.
أما في قضية السيد المخرج خالد يوسف، فلا أدرى بأى عين سيواجه المطالبون بعودته، ففيديوهاته الـ (هاردكور) مازالت تبث على مواقع السكس المنتشرة على الشبكة العنكبوتية ولو استطاع أن يزيلها بنفوذه، فأنى له مواجهة ملايين الموبايلات والتابات واللابات والفلاشات المحمل عليها المجموعة الكاملة لأعماله السرية؟!.
ليت هروبه كان لأسباب سياسية أو حتى جنائية، لكنه هرب لأسباب أخلاقية، ثم إنه كان يمكن له أن يعود بدون هذا الضجيج (ولا هى القصة حرق دم وبس)، أما كونه محسوبا على ثورة يناير أو ثورة يونيو أو أنه من المعارضة الوطنية المعتدله، فما فعله (خالد يوسف) مع نسائه وعرض أجسادهن العارية للعلن، أمر يلوث أى محيط به أي كان هذا قدر المحيط، فابحثوا عن معارض آخر بدون سجل فيديوهاتى، ثم إن البلد مليانة ريجسيرات يمكن يدلونا على ألف ألف معارض معتدل بدون وجع قلب كل شوية والتانية.