كتب : أحمد السماحي
كان النجم الراحل (عزت العلايلي) يؤمن أن الفن مسؤولية تربوية وثقافية، وأن الفنانين مسؤولون عن المجتمع الذي ساهم في إبرازهم، فالفن هو ظل المجتمع ومرآته الصادقة، دون أن يعني ذلك عنده نقل الواقع بتفاصيله المتدنية، فالفن علم متبحر في أرض الواقع، وثقافة تسعى للتعبير عن جوهر هذا الواقع بالصورة التى ترتقي به، ولذا فهو رغم ديمقراطيته الفكرية كان ضد مقولة (الجمهور عاوز كده).
وكان يقول : جمهور الحاوي أكبر من جمهور الواعظ، ومع ذلك فالحكم هنا غير صحيح، حيث ينسى الناس ألاعيب الحاوي، لكنهم بحاجة لمقولات الواعظ والمرشد والمعلم، ولذا فالجمهور المتلقي بحاجة للفكر المتنور، وأن كان لابد من صياغة هذا الفكر في أبنيه فنية مثيرة للخيال ومنعشة للوجدان، ولذا كان يرى (العلايلي) الفنان مثقف له دور فاعل وسط مجتمعه، دور سياسي عبر الفن وليس عبر العمل السياسي العام، ويتطلب من الفنان وعيا صحيحا بمجتمعه ومتغيرات واقعه.
من وجهة النظر هذه قدم الفنان الراحل (عزت العلايلي) في منتصف الستينات برنامجا تليفزيونيا بعنوان (رحلة اليوم) كان يعرض مساء كل خميس على القناة الأولى، ومن خلال هذا البرنامج طاف كافة محافظات مصر، وقال لي فى أحد الحوارات بيننا: في كل أسبوع كنا نتناول محافظة بالتفصيل نعرف أشهر نجومها في مجال الفن والسياسة والأدب، وما تتميز به من صناعات، وأهم المشاكل التى تعاني منها، أي كل ما يتعلق بهذه المحافظة من خلال الحوار مع مواطنيها في الشوارع، والأماكن المختلفة.
وقد بلغني من رئيس التليفزيون أن الرئيس (جمال عبد الناصر) يتابع هذه الحلقات بشغف ويشيد بها، خاصة في فقرة مشاكل المحافظة، ولا أنكر أن ذلك أصابني بالخوف والغرور أيضا، الخوف من المسئولية، والغرور أن الرئيس (عبدالناصر) حريص كل أسبوع على مشاهدة برنامجي، وفى أحد الأيام فوجئت بالرئيس (جمال عبدالناصر) يتصل بي في المنزل، ويشيد بي وبحلقات البرنامج وقال لي : برافوا يا أستاذ علايلي، نحن كمسئولين نحتاج لمن يرشدنا عن المشاكل الموجودة فى مصر بصورة حقيقية وصحيحة دون رياء أو نفاق)، وقتها شعرت بسعادة بالغة أن رسالة برنامجي وصلت لأكبر المسئولين في بلدي.
والسؤال الذي نطرحه الآن أين ذهب هذا البرنامج؟ وهل يمكن أن نراه هذه الأيام بمناسبة رحيل نجمنا الكبير عزت العلايلي أم تم مسحه مثل مئات من الأعمال التى تم مسحها؟ أوتم سرقته كما سرقت مئات الأعمال الفنية من مكتبة التليفزيون؟!