كتب : محمد حبوشة
بالتأكيد طالت الانتقادات مسلسل (عروس بيروت) – ومع كل منتقديه كل الحق – بسبب تطابق قصته مع المسلسل التركي (عروس اسطنبول)، من حيث الأحداث والديكورات وحتى اسم البطلة، فقد كان الجمهور يرغب بالطبع في أن يتم تغيير الأحداث قليلاً لتعبر أكثر عن القضايا المجتمعية في العالم العربي، وربما أرجع البعض السبب في هذا الإخفاق إلى عدم وجود كيمياء بين بطلي العمل (ظافر العابدين وكارمن بصيبص)، برغم إجادة كلا منهما لأداء شخصيته إلا أن ظهورهما معا على مسرح الأحداث لم يحمل نفس التوهج الذي كان يظهر به البطلان التركيان (أوزجان دينيز وأصلي إينف).
يبدو لي أن العمل غير واقعي، ولم يحقق النجاح المتوقع في هذا الجزء الثاني من المسلسل، فيمكننا القول بأن (عروس بيروت) هو مدرسة في المبالغة بالتمثيل، Over acting، مع وجود بعض استثناءات جيدة، وإذا ما كان هنالك سبب في تلك المبالغة، فهو ربما يرجع إلى أن مخرج العمل تركي الجنسية، وخاصة أن هذا المخرج التركي هو الذي طلب عمل نسخة عربية من المسلسل، حتى تصل مثل تلك الأعمال للعالم العربي بعد ما أوقفت غالبية الدول العربية كافة الأعمال التركية على قنواتها الفضائية.
وبغض النظر عن الضعف العام الذي يبدو واضحا في عالم الدراما العربية على مستوى الكتاب أو النصوص التي تقدم للتصوير، إذ يعاني بعض المنتجين من نقص المعرفة بأصول نجاح الرواية التلفزيونية وتفاصيله، بعيدا عن المنحى التجاري التسويقي الذي تتخذه شركات الإنتاج وتضعه على سلم الأولويات، فإنه من المؤكّد أن المسلسل التركي الذي تحول إلى نسخة عربية عالج القصة بطريقة بسيطة لا تتماشى مع الرؤية العربية، ولو أن فريق التنفيذ في الجزء الأول كان تركياً، واستنسخ ما بإمكانه من مشاهد مطابقة تماما لأصل المسلسل، بخلاف الجزء الثاني الذي تحول إلى ما يشبه (اختراعا) واضحا للأحداث من دون مراعاة أي قيمة لطريقة طرحها أو توجهها.
بالمجمل تبدو أحداث (عروس بيروت) ضعيفة للغاية، فقد مرّ عليها الزمن كما يقولون، من خلافات عائلية فاض بها الجزء الأول، وحاول فرق العمل التغلب عليها بطريقة أفضل من ما يحصل في الجزء الثاني، كما يبدو من الواضح أن نجاح الجزء الأول كان محفزا لشركة الإنتاج على إتمام العمل من دون التدقيق في نوع النص أو السيناريو الذي كتبه الممثل اللبناني (طارق سويد) الذي أقحم فيه – على ما يبدو – حشوا من التعابير والجمل المستغربة، وهذا يبدو لي بمثابة ضعف واضح لمساحات أحداث ظهرت في الجزء الأول، كالفوارق الاجتماعية بين الحماة الصارمة والكنّة (الحماة) البسيطة.
وعلى الرغم من المحاولات من جانب المحطات مثل (mbc) في استنزاف المشاهد العربي، واستغلال أي نجاح سابق لضمان توظيف إنتاج آخر في سبيل تحقيق متابعة أو أرباح مالية، بعيدا عن المحتوى، فقد وقع (عروس بيروت) في فخ اللعب على عواطف المشاهد بعيدا عن أي هدف يعيد الدراما العربية لتألقها ويدفع إلى المزيد من المتابعين وتوأمتها بالدراما التركية التي تحقق أعلى نسبة مبيعات ومشاهدة في العالم مع المشاهد العربي الذي يتابعها أصلا وعن كثب.
ومع كل مامضى من سلبيات في الجزء الثاني من (عروس بيروت) يبقى هنالك مشهدا في منتصف الحلقة الثانية من أقوى المشاهد في الحلقات حيث تفوق فيه النجم السوري (محمد الأحمد – آدم) على نفسه بمساعدة الموسيقى التصويرية والديكور المبهج حقا، حين ذهب (الأحمد) فيما يشبه المونودراما بالعزف على أوتار المشاعر الإنسانية بحرفية عالية في تبرير عنفه لحبيبته (سارة) التي لعبتها بنعومة وبراعة فائقة (مايا سعيد) مستخدما لغة خاصة بالغة خاصة بالغة الأثر في الأداء.
وهذا ما يؤكد فهمه العميق بأن اللغة هى الأسس والقاعدة والمحرض الأكبر في العمل الدرامي، فإذا أجاد الممثل دوره في الإلقاء مع لغة جسد قوية وحساسة لاستطاع تهييج المشاهدين وإثارة عواطفهم إثارة جياشةً، كما يستطيع أن يجعل الخبر العادي خبرا دراميا مثيراً في قلب الأحداث، ويلفت الانتباه في ذات الوقت، ومن ثم فقد أكد (الأحمد) على إن استخدام اللغة في الإداء بإتقان هو في الحقيقة فن قائم بذاته كما فعل مع شخصية (آدم) الذي يعاني من تراكمات نفسية بالغة التعقيد.
قد جاء هذا المشهد الرائع حقا على النحو التالي : بعد أن تعدى عليها بالضرب للمرة الأولى ندم على رد فعله العنيف وذهب إلى المدرسة التي تعمل بها ليصحبها ويجلسان للتفاهم حول شكل العلاقة بينهما في المستقبل، وخاصة أنه قام بتأجير فيلا جديدة تتمتع بالفخامة حيث يجمعهما المكان الجديد على الود والمحبة.
سارة وهى خارجة من المدرسة بطريقة انفعالية : مابدي شوف صورة وجك مرة تانية!!.
آدم : خلينا نروح على شي مكان نحكي هلا.
سارة : شو بدك تحكي؟
آدم : سارة انتي بتعرفي عن شو بدي أحكي .. هاون قدام العالم وكل الناس بدي أترجاكي هاون ؟! .. ثم يهز رأسه في انفعال : سارة باعملها .. والله باعملها .. اسمعي لاقلك بدي تسمعيني للآخر.
سارة : لا انت مفكر إنك إذا اترجيتني راح يمشي الحال كأنه ولاشيئ صار؟ .. هدا كله ما بقى يفيد.
آدم : بيفيد لاكان .. قولي شي اللي يفيد .. شو لازم أعمل أنا أقتل حالي موت حالي .. شو أعمل .. فهميني شو أعمل أترجاكي بوس رجيلك شو أعمل؟
سارة : أوعك .. أوعك تنقيزني قدام ثريا فهمت .. حاجيب جرزاني (شنطتي) وأجيي .. ثم تتوقف وتقول له : أكيد ماني جايي كرمالك .. أنا آجي بس كرمال ما أتجرس !.
وبعد فترة يدخلان الفيلا التي استأجرها لها، ويقترب من النافذة الزجاجية المطلة على حمام السباحة مشيرا بيده : هاون فيه جنينة وفيه مسبح .. انتي بتحبي المسبح .. مرة قولتيلي انتي .. ويقف متأملا وجهها وردة فعلها على المفاجأة، ولما لم تجيب على سؤاله أخرج موبايله من جيبه قائلا : إذا البيت ما عجبك أنا أتصل مع السمسار يلاقيلي بيت تاني؟ .. فيه بيوت تاني؟.
سارة : المفروض أنا هلا شو بقولك .. ان البيت حلو كتير .. فيه فيو وواسع خرج (تقدر) تضربني فيه؟
آدم والدموع وعينه تزرف بعضا منها وبصوت مكتوم : هاد مات .. هاد مات ، ماراح رد .. طول الليل وأنا واقف بره في البرد بس ما حسيت بالبرد .. ما حسيت بشيئ!!.
سارة ترد بصوت مكتوم : انته كنت راح تقتلني .. ليك أنا هلا خايفة إني لحالي معك .. خايفة لأقولك كلمة تعصب وترجع تضربني.
آدم : ما حسيت بحالي والله ما بعرف ليش هيك عملت .. قعدت أتطلع بالمرايا؟.
يقترب من سارة قائلا : سارة .. سارة ما عرف ليش هيك .. اضريبني اقتليني .. موتيني .. أنا أساسا ربيت ميت .. أنا فيه شيئ ميت هاون في قلبي .. ميت من جوه .. وحياتك أنا خايف .. اللي بيخوفك بيخوفني خايف أكتر منك .. أنا حيوان خايف .. حيوان واقف قدامك ماباعرف شي بدي اقول.. احميني احميني احميني .. احميني من حالي احميني من العالم .. من نفسي احميني.
يركع آدم على الأرض قائلا : أترجاكي .. أترجاكي سارة .. بوس رجيليكي سارة .. أنا ربيت مع واحد مجنون .. كان يضربني .. كان يعذبني .. مابدي اياه لهذا المجنون .. بدي أموته باكرهه باقتله .. بس انتي لا تتركيني لحالي .. يا الله .. أترجاكي لترجاكي يالله ثم يرتمي في أحضانها.
يفيق من هذا الموقف التراجيدي قائلا : سارة انتي بتحبيني لو ما بتحبيني كنتي رحتي على الشرطة .. انتي روحتي لعند ثريا .. انتي بتحبيني ما.
سارة : أنا ما قدرت روح مطرح لأني استحيت.
آدم : سارة ليك البيت ما أحلاه .. تعي ننسى اللي فات ونعبيه ولاد .. تعي نبلش من أول وجديد .. أنا باحاول أتعالج ..اعطيني هالفرصة باستحقها والله باستحق.
سارة : على أساس ان أمك تبقى لحالك؟
آدم : أنا باقنعها .. ماتعولي هم انتي اعطيني هالفرصة.
سارة : بشرط !!
آدم : قولى .. اشترطي شو ما بدك.
سارة ترد : تتعالج؟
آدم : خايف بس حتروحي لعند الدكتورة معي .. أوعيدني لا تتركيني؟
سارة تهز رأسها بالموافقة.
ينهي آدم المشهد بالارتماء في حضنها مردد باحبك باحبك.