اقتباسات أم سرقات؟ .. تلك هى المشكلة
بقلم الدكتور : ثروت الخرباوي
تعلمون أننا تأخرنا كثيرا في ركب الحضارة الإنسانية، وتعرفون أننا في الآداب والفنون كنا مثل صدى الصوت بالنسبة للآداب الغربية، ولا أريد أن يقول لي أحدهم إننا كنا وكنا وكنا، فالحقيقة أننا لم نكن أصحاب تاريخ في الفنون، تسبقنا أوروبا وحضارتها قديما وحديثا، وتسبقنا بلاد فارس، نعم كانت هناك مصر القديمة منذ آلاف السنين، ولكن حدث انقطاع حضاري بينها وبين مصر الحديثة، بل إن هذا الانقطاع حدث منذ أكثر من ألف عام ثم أخذ يتسع شيئا فشيئا حتى بتنا وكأن أجدادنا الأوائل انقطع نسلهم فجأة وجاء قومٌ آخرون ينسبون أنفسهم إليهم.
كان أعظم ما يميز المصريون القدماء هو قدرتهم على انتاج المعرفة، ولكن نبغاء مصر في عصرنا الحديث أعظم ما يميزهم هو قدرتهم على نقل المعرفة وليس إنتاجها، ولأنني أكتب في موقع يهتم بالفنون لذلك سأكتفي بالحديث عن الفن واقتباساته وسرقاته، وطبعا سيأتي ذكر كبير المقام محمد عبد الوهاب في أول القائمة، والقائمة التي نعنيها هى قائمة الاقتباسات فلا نستطيع أن نتهم عبد الوهاب بالسرقة، ولكن الملاحظ أن أذن عبد الوهاب كانت لديها القدرة على التقاط جملة موسيقية ثم يقوم بالبناء عليها، ويقول أهل الصنعة أن هذا من الأمور المباحة فالفنان لا ينطلق في فنه من الفراغ، ولكنه يتأثر ويؤثر، وقد يظهر ما ترك أثرا فيه في ألحانه، ولك أن تسمع طيب الذكر سيد الموسيقى العربية سيد درويش وهو يغني (سالمة يا سلامة)، ثم قم بالتركيز على جملة (صفر يا وابور واربط عندك… إلى آخره)، وبعد ذلك انتقل إلى لحن عبد الوهاب لأغنية (يا وابور قل لي رايح على فين) وقم بالتركيز على جملة (عمال تجري قبلي وبحري) ستجدها منقولة بالمزورة من (صفر يا وابور واربط عندك).
ولأن عمنا عبد الوهاب مقامه كبير لذلك لن أتوقف عند الاقتباسات التي قال عنها وأثبتها المؤرخون الكبار، فبعضهم قال إن الاقتباسات من المباحات إذا كانت في حدود ثلاث أو أربع موازير، وعبد الوهاب اقتبس من سيمفونيات عالمية ما لم يستطع أحد حصره على وجه التحديد، ولكن في كل مرة كان الاقتباس لا يزيد عن العدد المباح من الموازير، ولكن هناك سرقات وليست اقتباسات، نعم سرقات، ولو فرض وكان الملحن الأصلي على قيد الحياة لرفع قضية على عمنا عبد الوهاب، فقد قام السيد (توماس مارفن هاتلي) المؤلف المسيقي الأمريكي الشهير (ولد عام 1905 وتوفي عام 1986) بتلحين أغنية شهيرة جدا اسمها (رقصة الوقواق) أو “Dance of the Cuckoos) والوقواق هذا طائر من الطيور، ولكن علماء الطيور يقولون عنه إنه مخادع ولئيم ونصاب ومحتال، والعهدة في تلك الصفات على علماء الطيور.
المهم أن هذه الأغنية غناها الثنائي الكوميدي الأمريكي الشهير (لوريل وهاردي) عام 1932 في أحد أفلامهما، ثم أضيفت كلمات لهذه القطعة التي تسمى (رقصة الوقواق)، ثم كان أن عزفتها (أوركسترا لندن السيمفونية) عام أيضا1932، وكانت الكلمات للمؤلف (هاري شتاينبرج)، وها هو رابط الأغنية ومنه ستعرف أن عمنا عبد الوهاب لم يكن يقتبس أو يستلهم ولكنه كان ينقل بالحرف وهو يلحن أغنية اسماعيل ياسين (أهو أنا .. أهو أنا .. ولا حد ينفع إلا أنا، شكلى صحيح مالوش دوا لكن اختصاصى فى الهوا) من أوبريت ليلى مراد (اللي يقدر على قلبي) والذي قام بتلحينه سيدنا محمد عبد الوهاب، وتأليفه سيدنا حسين السيد عام 1948 رحمهما الله ورحم أمواتنا وأحياءنا، وها هو رابط الأغنية التي غناها الثنائي لوريل وهاردي، ولن يحتاج الأمر منك إلى معرفة في الموسيقى ومقاماتها لتكتشف تلك السرقة العلنية للحن كامل، وليس مجرد اقتباس لجملة لحنية https://www.youtube.com/watch?v=u-DSKTyVfhI .
ولأننا لا نريد أن نقلق راحة عمنا عبد الوهاب في قبره لذلك سندخل إلى مقتبس آخر، من تأليف مؤلفنا الكبير أبو السعود الإبياري، وتلحين ـ أقصد سرقة ـ الملحن اللبناني محمد البكار الذي انتقل إلى أمريكا ومات فيها، ويبدو أن مؤلفنا الإبياري شاركه في تفصيل الكلمات على اللحن المسروق، وأنا طبعا أقصد أغنية الطفلة فيروز (معانا ريال معانا ريال دا مبلغ عال ما هوش بطال) من فيلم (ياسمين) الذي تم عرضه عام 1950 تأليف أبو السعود الإبياري وبطولة أنور وجدي وفيروز، لنجد أن أغنية (معانا ريال) منقولة نقل مسطرة بالكامل من أغنية (أمي أنظري كم أنا صغير) والتي كانت من ضمن أحداث الفيلم الأمريكي (نجمة الشمال) الذي تم انتاجه عام 1943 وهو من الأفلام الحربية التي تصور لنا جانب من الصراع مع الألمان، والفيلم من إخراج المخرج الأمريكي اليهودي الشهير (لويس مايلستون) الروسي الأصل، بطولة الممثلة الأمريكية (آن باكستر) التي توفيت عام 1985 ، والممثل الأمريكي (دانا أندروز) المتوفى عام 1992، وها هو رابط تلك الأغنية لتعرف كيف كانت السرقة. https://www.youtube.com/watch?v=KjjEhmBz3Oc
ولكن لا يمكن أن أغادركم اليوم دون أن أتحدث عن (سرقات الإسلاميين) فالذي لا يعرفه معظم الناس أن للإخوان أغانيهم الخاصة بهم، والتي ينشدونها بلا موسيقى، وكانت بداية سرقات الإخوان حينما سرقوا لحن أغنية عربية أصيلة هي (لبيك يا علم العروبة كلنا نفدي الحما… لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما….)، هذه الأغنية التي ألفها وغناها ولحنها الفنان اللبناني الشامل (محمد سلمان) عام 1956 وقت العدوان الثلاثي على مصر، وأصبحت من الأغاني الشهيرة في ذلك الوقت وكانت تُلهب حماس الجماهير، فسرقها الإخوان في السبعينيات وغيروا بعض كلماتها لتصبح: (لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحما… )، وكأن سرقة الأفكار حلالٌ بلالٌ للإسلاميين، فمنهجهم يقوم على استباحة كل شيء، لذلك ستجد عشرات الأناشيد التي سرقوا ألحانها من بعض الألحان الشهيرة، فمثلا أغنية عمرو دياب: (من كام سنة وأنا ميال ميال وبحبك وأنا مشغول البال…) حولوها إلى نشيدهم المشهور (من كام سنة وانا ديني الإسلام وشريعتي أنا سنة وقرآن).
فإذا أردت أن تتعجب من سرقات الإسلاميين الواضحة وضوح الشمس في وسط النهار، وأنتم تعلمون طبعا أن الحق أبلج والباطل لجلج، فلك أن تستمع إلى المغني والموسيقي والمؤلف اللبناني مارسيل خليفة أحد الفنانين المبدعين الكبار الذي استطاع أن يوجه موهبته لصالح قضايا العرب وخاصة قضية فلسطين، وسنختار لك أغنيته الشهيرة (يا بحرية) والتي يقول فيها: (شدوا الهمة الهمة قوية….. جرحي ينده للحرية)، التي كتب كلماتها الكاتب اللبناني الراحل (نبيل حاوي) صاحب المواقف الوطنية الأصيلة، تحولت أغنيته هذه (يا بحرية) على يد الإسلاميين من الإخوان وأعوانهم إلى نشيد للأطفال هو (أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى).
والآن آن الأوان أن نكتفي بهذا القدر على وعد أن أعود إليكم لأكتب عن اقتباسات قصص الأفلام والمسلسلات، تلك الاقتباسات التي تصل إلى حد السرقات، والتي قام بها ثلة من المؤلفين الذين رفعناهم إلى عنان السماء، وقلنا إنهم عباقرة وأفذاذ، وكل بضاعتهم هى النقل والتمصير، وظللنا وسنظل نكرمهم ونعطيهم الجوائز والتكريمات، ونعطي لأسماء الراحلين منهم النياشين، وهم في الأصل ساروا على نهج الأوائل في السرقات الأدبية والفنية، دون أن يصرحوا أنهم كانوا يقتبسون أو ينقلون، أو يمصرون، فنحن في زمن (روبابيكيا قديمة للبيع)، أقصد (روبابيكيا قديمة للسرقة والتمصير).