رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

فهمى الخولى .. مخرج الممنوعات و أستاذ التشكيلات

عصام السيد

شاهد أعماله : عصام السيد

عندما فاز المخرج الكبير فهمى الخولى بجائزة الدولة التقديرية فى الفنون ، سألنى مخرج شاب مستنكرا : ماذا قدم الأستاذ فهمى للمسرح للفوز بهذه الجائزة ؟

كانت الاجابة بالنسبة لى سهلة ، فربما جيل اليوم لم تتح له فرصة مشاهدة واحد من نجوم جيل السبعينات فى المسرح ، الذى كنا ننتظر عروضه بشغف و نداوم على حضورها بإصرار ، سواء فى مسرح الهواة أو المسرح المحترف . فمعظم عروض الأستاذ فهمى مثيرة للجدل و داعية للتفكير و إعادة النظر ، فله لغة خاصة جماليا و خط فكرى واضح.

و مضيت أعدد للزميل الشاب أسماء عروض كثيرة للاستاذ فهمى أصابت نجاحا و أثارت دويا و صاحبها لغط ، و برغم حديثى فإنى معترف بأن من سمع ليس كمن رأى ، و لكننا للأسف لا نملك ذاكرة مسرحية مرئية ، و دراساتنا النقدية فى مجال الإخراج قليلة و حتى المتوفر عن ذلك الجيل حاليا  نادر و لا يتعدى بضع مقالات صحفية عن عروضه لا ترقى لمستوى الدراسات المرجوة لجيل ملأ الدنيا ضجيجا على المستوى الفنى ، و لكن مشكلته أنه أتى فى عصر نفضت فيه الدولة يدها من الاهتمام بالفن و الثقافة ، فأين المسرح فى السبعينات – و هو محاصر داخل أبنيته – من مسرح الستينات الذى ساندته الدولة و أفردت له الأمكانات و فرضت إذاعته تليفزيونيا فاتسعت رقعة مشاهديه و أصبح صناعه نجوما ؟

و بينما أنا مستغرق فى الإجابة وجدتنى أكتشف سمات رئيسة فى مسرح فهمى الخولى بعضها  يتعلق بالشكل و الأخرى بالمضمون ، ربما كانت إحداها سببا فى عدم وجود أعماله فى الذاكرة البصرية . فالاستاذ فهمى فى اختيارته للنصوص يملك حسا ثوريا يدل على انحيازه للمسرح الذى يحمل رسالة تسعى لتغيير المجتمع أو على الأقل لتطويره ، و لذا نجده غالبا ما يختار نصوصا منعتها الرقابة لما تحمل من آراء جريئة و شحنة فكرية ، و يتجه بها الى مسرح الهواة – الذى كان متنفسا فى ذلك الوقت – فنراه يقدم – على سبيل المثال لا الحصر – لكلية حقوق عين شمس و من بعدها لمنتخب جامعة عين شمس مسرحية (باب الفتوح) لمحمود دياب.

و قدم لشركة النصر للسيارات مسرحيتى سعد الدين وهبة (سبع سواقى و المحروسة 2015، و رسول من قرية تميرا) لمحمود دياب ، و كل هذه المسرحيات منعتها الرقابة من العرض على المسارح المحترفة فى ذلك الوقت . بل انه قدم فى كلية الأداب جامعة القاهرة مسرحية (تاجر البندقية) لشكسبير بعد عودة السادات من زيارة القدس و ربط بين النص و الظرف التاريخى فى أثناء فوران الجامعات ضد الزيارة  

، و حتى عروضه على مسرح الدولة لم تخل من مشاكل مع الرقابة ، كما حدث فى عرض (الرهائن) لعبد العزيز حموده إنتاج مسرح السلام و عرض (نقول ايه) لأحمد عفيفى الذى قدمه فى شركة النصر للسيارات بإسمه الأصلى ( نقول تور ) و بعد مداولات و مناوشات مع الرقابة أعاد تقديمه على مسرح السلام  بالاسم الجديد . و هكذا كان مسرح الهواة يكفل للمخرج المتمرد (فهمى الخولى) مساحة حرية أكبر للتعبير عن نفسه و عن  اتجاهه الفكرى .

و بالتالى فإن غالبية هذه العروض – و خاصة عروض الهواة – لم تسجل و لم يتبق منها إلا بعض صور قديمة و مقالات قليلة لا وجود لها على الشبكة العنكبوتية حاليا . و لا عزاء لجيل تحمّل الكثير ليقدم مسرحا ملتزما و لا عزاء لجيل جديد يظن انه يخترع العجلة .

و على مستوى الشكل فإن لفهمى الخولى أسلوبه الخاص فى الإخراج ، فبرغم أنه ينحى للمدرسة الشكلية الجمالية ، إلا أنه أخضع مفرداتها للمعانى التى يتضمنها العرض ، ، لذا إهتم بالسينوغرافيا بكافة عناصرها من ضوء و لون و حركة و كتلة ( و صوت أيضا فى بعض الأحيان ) ، فالمرآة المعلقة فوق رؤوس الأشهاد فى ( الوزير العاشق ) ، و الثدى الذى يتم عصره لينزف الشهداء فى ( سبع سواقى ) ، و الثور الحديدى المفرغ فى ( نقول ايه )، كلها تشهد له بعين جمالية مميزة ، و لكن الإبهار ازداد فى تلك العروض بتوظيف الشكل الجمالى عن طريق وضع  جسد الممثل فى بيئة تسمح بإعادة التشكيل ، و عن طريق تكوينات الأجساد و فكها و إعاة تكوينها بصيغ مختلفة و متعددة ، فيتجدد أمامك المرأى برغم المنظر الثابت ، و يدفعك إلى مزيد من الفهم و فك شفرات العرض لتصلك الرسالة بأكثر من طريقة و بأكثر من وسيلة.

و هكذا كانت التشكيلات الجماعية بأجساد الممثلين وسيلة و غاية عند الخولى : وسيلة لمعنى و غاية لشكلها الجمالى المبهر . و على جانب آخر فإن مغامرات الخولى الشكلانية امتدت لتحاول الخروج من المعمار التقليدى إلى فضاء مختلف بتجربة (سالومى) لمحمد سلماوى عن طريق مشاهدة العرض من على مركب .

و فى اعتقادى الشخصى أن الخولى ينتمى لفصيل ( رجل المسرح ) و ليس مجرد ( مخرج ) فحسب ، فعندما تصدى للإدارة شهدنا فى مسرح السلام تحت قيادته نشاطا و حراكا مسرحيا قويا وصل إلى تقديم ثلاث عروض يوميا ، من خلالها قدم تجارب هامة لمخرجين جدد ، و هذا يحسب له فكم شهدنا مخرجين عظام عندما تصدوا للإدارة أفشلوا الجميع من أجل أن يتصدروا هم الساحة .

و للاسف بعد أن أجبت صديقى الشاب حزنت على عدم وجود ( أرشيف قومى ) يحفظ للأجيال الجديدة تاريخ الفن المسرحى – و ليس تاريخ الفرق المسرحية و ما قدمت من عروض – سواء بالدراسات الجادة الأكاديمية أو المشاهدات البصرية ، و إذا كانت وزارة الثقافة حاليا تتجه لتصوير العروض، فالجدير بها أن تدفع الخولى إلى تصوير أعماله الهامة بنسخ إخراجها الأصلية ، و ربما نجد باحثا مسرحيا يتعمق فى مدرسة فهمى الخولى و أسلوبه المسرحى لتكتمل المتعة و تتعمق المعرفة ، فنحن لا نملك كثيرين مثله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.