سمير صبري .. وحكايات العمر الجميل (1/3)
* الطابع التعددي لمدينة الإسكندرية ساعد على إبراز مواهبه وتأهيله ثقافيا للانخراط في الحياة الفنية بعد ذلك
* قدمه عبدالحليم إلى الفنانة (لبنى عبدالعزيز)، التى كانت تقدم برنامج (ركن الطفل)، فى إذاعة البرنامج الأوروبى ومن خلاله غنى ومثل بالإنجليزي، وكان يحصل على خمسين قرشا أسبوعيا
* الدكتورمحمد عبدالقادر حاتم وزير الأعلام أول من أمن به، وطلب منه تقديم (المهرجان)
* قال له محمد الكحلاوي: لولا أنك أشركتني معك في مهرجان التلفزيون، لبقيت مقاطعاً من التلفزيون بتأثير الإشاعة التي قالت إن الرئيس جمال لا يحب سماعي!
* عندما أشاهد أفلامي الأولى الآن أحس بأني ممثل ضعيف جداً أداء وموضوعا، وحركاتي كلها مفتعلة!
كتب : أحمد السماحي
منذ أيام صدر للنجم متعدد المواهب (سمير صبري) كتابه الشيق الجميل (حكايات العمر كله) المليئ بالمتعة والأسرار الكثيرة التى عاشها في كواليس الحياة الفنية والسياسية عبر رحلة امتدت لما يقرب من نصف قرن، الكتاب صادر عن الدار المصرية اللبنانية، ويقع في 304 صفحة، محملة بذكريات النجم الكبير مع 36 شخصية متنوعة بين نجوم الفن ورجال السياسة والثقافة والصحافة، ساردا رحلة عمر جمعته مع عظماء، كل واحد قدم عطائه فى مجاله عبر عقود من الزمن.
شمل الكتاب مقدمتين، كتب الأولى وزير الآثار السابق الدكتور (زاهي حواس)، وكتب الثانية الكاتب والإعلامي الشهير (مفيد فوزي)، كما شمل ملحقا للصور التي تجسد رحلة المؤلف.
ويركز الفنان والإعلامي المعروف على سنوات نشأته وتكوينه في مدينة الأسكندرية، معتبرا أن الطابع التعددي للمدينة ساعد على إبراز مواهبه وتأهيله ثقافيا للانخراط في الحياة الفنية بعد ذلك، حيث أن الإسكندرية كان بها مثلا العديد من دور العرض المختلفة التى تعرض كل واحدة منهم أفلام مختلفة عن الأخرى، فهذه تعرض أفلام فرنسية، والثانية أفلام أمريكية، والثالثة أفلام إيطالية، فضلا عن الحفلات الغنائية والموسيقية المختلفة التى تقدم بصفة مستمرة فى الإسكندرية.
لافتا النجم الموهوب إلى دور عائلته التي أتاحت له تعليما متميزا في كلية (فيكتوريا) التي تخرج منها أسماء بارزة منها الملك الراحل (حسين) عاهل الأردن، والفنانان (عمر الشريف وأحمد رمزي) والمخرج يوسف شاهين.
وتعلم من أساتذتها الانضباط، ملقيا الضوء على حياته وأولى خطوات دخوله عالم السينما والإذاعة، قائلا: (القدر والحظ هما من رسما حياتى وحققا أمنياتى)، إذ سكن فى القاهرة فى عمارة (السعوديين) التى يسكنها عدد من نجوم الفن، بينهم محمد فوزي، وفريد شوقي، ووحيد فريد مدير التصوير، وعبدالحليم حافظ، الذى كان له عظيم الأثر على مشواره الفنى والإذاعى، فوقف أمام الكاميرا لأول مرة ضمن المجاميع فى فيلم (حكاية حب)، أثناء تصوير أغنية (بحلم بيك)، خلال مشهد مع الإذاعية الكبيرة (آمال فهمي)، ثم قدمه عبدالحليم حافظ إلى الفنانة (لبنى عبدالعزيز)، التى كانت تقدم برنامج (ركن الطفل)، فى إذاعة البرنامج الأوروبى ومن خلاله غنى ومثل بالإنجليزي، وكان يحصل على خمسين قرشا أسبوعيا، لتبدأ رحلته مع الإذاعة ومنها إلى الإعلام ثم عشقه (التمثيل).
ونظرا لأهمية الكتاب، ولأننا في الأساس موقع (حكي) فقد قررنا أن نتوقف خلال هذه الحلقات الثلاث عند أطرف وأمتع الحكايات التى جاءت في كتاب (حكايات العمر كله):
فضل عبدالقادر حاتم
لأن النجم (سمير صبري) يتميز بالوفاء والشهامة والنبل، لهذا فهو لم يغفل عن سرد ما تعلمه من كل شخصية قابلها حيث يتوقف فى الكتاب عند الدكتور (محمد عبد القادر حاتم)، وزير الإعلام المصري الذى استدعاه في عام 1965، بعد أن علم بإجادته للغة الإنجليزية، وطلب منه تقديم برامج مهرجان (التلفزيون) في الاسكندرية.
حكايته مع النجم العالمي (روجر مور)
ونترك (سمير صبري) يحكى لنا ما حدث: اتجه بي الشخص الذي يرافقني إلى مكتب الاستقبال في فندق (سان ستيفانو) وطلب نقلي فوراً الى حجرة أخرى، بجوار غرف النجوم، دخلتها فوجدتها تطل على البحر، وبها ورد، ومرطبات، ولم يتركني الرجل إلا بعد أن سألني ماذا ستفعل اليوم؟ فكر، وادينا خبر، أنت اليوم لازم تأخذ النجم العالمي (روجر مور) لأنه مسافر غداً؟
وكان (روجر مور) في ذلك الوقت يمثل مسلسل (الرجل الخفي)، فأخذت أفكر: ماذا أفعل عند تقديمه على المسرح؟ وخطر لي أن أقوم بإجراء مقابلة أمام الجمهور مع شيء وهمي على المسرح كنوع من إعطاء الغموض، وبما يوحي بأن (روجر) رجل خفي فعلاً، وفوق المسرح طلبت أن يتم عمل إظلام تام، وأن ينزل كرسي تتم تدليته بحبل، على أن يدخل (روجر مور) الى المسرح فوق حصان عربي وهو يرتدي الملابس العربية ثم ينتهي العرض بالمطرب (محمد الكحلاوي)، وهو يقدم إحدى أغنياته، وبعد فترة، ترقص (سهير زكي) وقد جلست مع الممثل العالمي فشرحت له الكيفية التي سأقدّمه بها، فأبدى سعادته، وبدأت في إعداد الترتيبات اللازمة!..
قصة منع الكحلاوي
لم يكن الأمر سهلا فقد واجهت صعوبات، كانت أول صعوبة أو مفاجأة عندما طلب مني المدير في التلفزيون (حسن حلمي) أن أستبعد المطرب (محمد الكحلاوي) من المشهد الذي سأقدمه مع (روجر مور)، وأعطاني سببا غريبا لهذا الطلب، فقد قال لي إن الرئيس (جمال عبد الناصر) لا يحب سماعه، وكذلك أولاده، وطبعاً لم أهضم هذا السبب!، وفكرت على الفور في أن أعرض الأمر على الدكتور( محمد عبد القادر حاتم)، الذي كان قد أعطاني رقم تليفونه، وقال لي: كلمني في أي وقت لو فيه حاجة ضرورية.
وكلمته، ودار بيننا هذا الحديث:
ايوه يا فندم، أنا سمير صبري يا دكتور..
هه، خير يا سمير، عملت ايه النهارده؟
كله كويس، لكن يا فندم أبلغني (حسن حلمي) بأن ألغي وجود (محمد الكحلاوي)، في المشهد الذي سأقدمه اليوم مع (روجر مور)، لأن الرئيس (جمال عبد الناصر) لا يحب سماعه.
وهنا قال الدكتور حاتم: طيب، كمل المشهد زي ما انت عملته، وما تسمعش كلام حد، وأقفلت التليفون، وبعد أقل من عشر دقائق اقتحم (حسن حلمي) غرفتي في زيارة مفاجئة وقال لي معاتباً بشيء من الحدة: أنا أقولك أسرار، تروح تذيعها.
فقلت له : أذعتها فين، أنا قلتها للدكتور(حاتم) لأنه طلب مني أن أكلمه كلما واجهتني مشكلة.
بعدما أخذت الضوء الأخضر من الدكتور (محمد عبد القادر حاتم)، أشركت في المشهد المطرب (محمد الكحلاوي)، الذي قدم فقرة غنائية رائعة دعمت نجاح المشهد، واتضح لي أنه لا الرئيس (جمال ولا أولاده) يكرهون سماع المطرب الشعبي الشهير، وقد قال لي، رحمه الله في مقابلة تلفزيونية: لولا أنك أشركتني معك في مهرجان التلفزيون، لبقيت مقاطعاً من التلفزيون الى الآن بتأثير الإشاعة التي قالت إن الرئيس جمال لا يحب سماعي!.
العبقري يوسف وهبي
بسبب نجاحي الكبير في مهرجان (التليفزيون) اشتركت في تمثيل مسلسلات تلفزيونية مع المخرج نور الدمرداش، وكان منها مسلسل (العبقري) مع يوسف وهبي، وقد لاحظت أن اهتمام التلفزيون بي قد توقف تماماً، خصوصاً وأن الوزير الدكتور (حاتم)، الذي كان يرعاني تلفزيونياً، كان قد خرج من الوزارة، وحل مكانه في وزارة الإعلام السيد (أمين هويدي) .
أدوار سينمائية باهتة
في هذه الفترة كنت ملهوفا على العمل في السينما، حتى أستثمر نجوميتي، التي منحها لي ظهوري في مهرجان (التلفزيون)، ولكن يبدو أن المخرجين الذين رأوني في المهرجان ظلوا مدة طويلة متأثرين بالصورة التي ظهرت بها أمام الجمهور، فلم يفكروا في تطوير طريقة تقديمي، وظلوا يظهرونني لجماهير السينما في نفس الإطار الذي ظهرت به في المهرجان، فقدمت على أني الشاب الذي يجيد اللغات، وأعطوني أدواراً تشبه الأدوار التي كان يمثلها النجم (عبد السلام النابلسي) في البداية الأولى لحياته الفنية.
ويضيف سمير صبري .. كانوا دائماً يعرضون علي أدوار ابن عم شويكار، أو ابن عم سعاد حسني، أو ابن خالة نادية لطفي، والذي يضربه في نهاية الفيلم بطل مثل (فؤاد المهندس أو رشدي أباظة، أو أحمد مظهر)، فيراني الجمهور أتآمر، بغير سبب واضح، على الفتاة التي أحبها، ولكنني استندت سينمائيا على هذه الأدوار، وعندما أشاهدها الآن أحس بأني ممثل ضعيف جداً أداء وموضوعا، وحركاتي كلها مفتعلة!.
آمال فهمي والنادي الدولي
يستكمل النجم المتعدد المواهب: أما في الإذاعة فانتقلت من البرنامج (الأوروبي) إلى إذاعة (الشرق الأوسط)، عندما تولت مسئوليتها المذيعة (آمال فهمي) التى تعلمت منها مبادئ وقيم الإعلام، واحترام الضيف، وكيف تأخذ من إجابات ضيفك سؤالك القادم.
عندما رأتني كمذيع ومقدم برامج غارقا في البرامج الأوروبية قالت لي: مش حتكسب أي رصيد شعبي من البرامج الأوروبية، اسمع مني وتعال إلى إذاعة (الشرق الأوسط)، وسمعت كلامها وعملت بنصيحتها.
وقالت لي: قدم برنامج مقابلات وليكن اسمه (النادي الدولي).
قلت لها: ولكن أنا مش كويس في الإلقاء باللغة العربية الفصحى.
فقالت لي: اتكلم في البرنامج زي ما بتكلمني دلوقت.
وفعلا بدأت أتكلم من وراء الميكروفون وأقول: مساء الخير، أهلا صديقي، أهلاً صديقتي، النهارده حقدم لكم كذا وكذا.
ويومها انهالت الشكاوى من المتابعة، وموضوعها كلها (الواد اللي بيتكلم كلام فاضي باللهجة العامية)، وما زلت أذكر أنهم أحضروا لي المذيعتين المشهورتين (سناء منصور وإيناس جوهر) للتدريب، وكونا معاً (مجموعة عمل) مثلما هو موجود الآن في إذاعة (مونت كارلو)، واستمر عملي مع (آمال فهمي) الى أن حدث الخلاف الشهير بينها وبين أم كلثوم!.
…………………………….
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة