(مسرحية تنصيب بايدن الخايبة)
بقلم : محمد شمروخ
أجاد المشاركون في حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، أداء أدوارهم بما استحقوا عليه الإشادة بهذا المجهود الرائع الذي أخرج هذه المسرحية التى جرى آخر مشهدين فيها ما على أكبر مسرحين في الولايات لمتحدة الأمريكية، بل وفي العالم كله وأمام شاشات أتيحت لنحو 7 مليارات مشاهد يرونها في اللحظة نفسها، فلقد سجلت أمريكا نفسها كرائدة لفن أداء مسرحي الجديد بتجربة عرض واحد لكن انقسم على خشبتي مسرحين لاستكمال الفصول هما الـ (كابيتول) والـ (وايت هاوس).
آه.. هى مسرحية عملاقة لأن كل المشاركين فيها كانوا يؤدون أدوارا تمثيلية في الهواء الطلق في يوم أشرقت فيه الشمس على واشنطن وصفت سماؤها إلا من غيوم متقطعة تجعل خلفية الصورة أكثر نقاءً وروعة.
ورغم إجادة الممثلين للأدوار إلا أن النص المسرحي كان تافها ومفعما بالخروق والمآخذ، فلأول مرة تنتهى مسرحية بدون إسدال ستار حقيقي، بل ويظل نصها مفتوحا لا يعلم تفاصيل أحداثه وحواراته سوى المؤلفون المحجوبون عن الأنظار عمدا، لكن الستار الحقيقي قد أسدل على خلفيات الأحداث ولكن ليس لانتهائها ولكن لإخفائها عمدا عن النقاد والمتابعين ليظلوا يمارسون هواياتهم الكئيبة في ضرب الأخماس في الأسداس.
ولعلى كواحد من أكثر من 7 مليارات مشاهد من الجماهير المليارية المتابعة للبث الحى على الأقمار الصناعية على سطح هذا الكوكب، من المؤكد أنني من وسط كل هذه المليارات، لم أكن وحدى الذي استشعرت أن الممثلين يخفون قلقا عميقا تحت صفحات وجوههم، لم تفلح الضحكات ولا الابتسامات ولا الموسيقى ولا الاستعراضات العسكرية في إخفائه.
فلأول مرة منذ وقوع الحرب الأهلية الأمريكية، يخشى الأمريكيون من بعضهم البعض إلى هذه الدرجة، فعدوهم من أنفسهم، من بنى جلدتهم وحاملى جنسيتهم، فلم تكن الإجراءات الأمنية غير المسبوقة لتأمين الاحتفال، متخذة ضد الإرهاب القادم من بلاد المسلمين، ولا خشية من تدبير مخطط من خصم ما من خصوم الظاهر أو الخفاء، بل كان التأمين خوفا من الأمريكيين أنفسهم الذين خرج منهم من اقتحم الكونجرس الأمريكي حصن الديمقراطية وحارس الحريات، ليس في أمريكا فقط، بل في العالم كله.
لم تكن مجرد مظاهرات غاضبة بسبب اتهام ترامب الصريح للديمقراطيين بتزوير الانتخابات لصالح مرشحهم بايدن وبالطبع هناك من تواطأ معهم من داخل رجال الإدارة أنفسهم.
فمجرد إتمام عملية الاقتحام، هو إعلان بسقوط ادعاءات الليبرالية الأمريكية وفشل النموذج السياسي الأمريكي وحتما سيتبع هذا الفشل سلسلة من الانهيارات في المؤسسات الكبرى التى هي في الحقيقة التى تدير الأمور وحينئذ ستواجه أمريكا ومن ورائها دول العالم، مستقبلا غامضا مفعما بالأخطار.
لقد حاول بايدن في مشهد تمثيلى مكشوف؛ حيث إنه من الممثلين الأقل إجادة لأدوارهم؛ ولكنه انتزع ضحكاتى بعد أن قام بالقفز خطوات واسعة في إحدى الطرقات ليظهر أنه يتمتع بالمرح والقدرة على الركض السريع، أي أن شيخوخته ليس سوى عدد من السنين وإن جاوزت السبعين، لكنه قادر على الركض ليصل بأمريكا إلى بر الأمان بعد النكسة التى كادت تتعرض لها على يد ترامب شبه المجنون، لكن مع ذلك، فما حدث ليس علامات نكسة قد انقشعت بلا رجعة، بل تشققات في البنيان الأمريكى تظهر بوضوح ستتبعها تصدعات في أعمدة وقواعد و”سملات” البنيان الأمريكي نفسه، فقد تحول المجتمع الأمريكى إلى جزر منعزلة اجتماعيا واقتصاديا ودينيا ثقافيا ومزاجيا!.
وما حدث ليس بسبب هزيمة ترامب ولا زعمه تزوير الانتخابات، فكون أن مجموعات من الأمريكيين جهروا بكفرهم بالادعاءات السياسية عن الحرية والنزاهة ولو كان ما يدعون مجرد أوهام، فهذا علامة اتساع الشقوق لتصبح تصدعات، ستودى حتما إلى سقوط هذا الكيان الذي تكون جراء كتلة زمنية متدحرجة قوامها الادعاءات التاريخية والسياسية والثقافية.
ليست الأحاديث عن تزييف الانتخابات فقط، ولكن الحديث الأكثر خطورة عن فضح زيف الإعلام الأمريكي بكل وسائطه بعد مشاداته مع ترامب طوال فترة رئاسته، وصل الاتهام بعد التزييف والتعمية إلى الإشارة إلى ثمة تواطؤ مخجل تم منذ ثلاثة عقود تقريبا مع السلطات، لنشر أكاذيب عقب أحداث 11 سبتمبر الشهيرة والتى لم تتغير أمريكا وحدها بعدها، بل فرضت التغيير على العالم كله بقوة السلاح تارة أو بنشر الاضطرابات والفتن الطائفية والعرقية والدعوة للثورات ليشتعل العالم كله باستثناء بلاد العم سام.
فهناك أحاديث عن (تلفيق) أحداث 11 سبتمبر وإلصاقه بتنظيم شبه بدائي يسمى (القاعدة) في بلاد متخلفة تدعى أفغانستان، ونسب ارتكاب حوادث عظمى إلى حفنة (هواة طيران) ظهروا فجأة في سماوات الولايات المتحدة وبشكل تراجيدي أسقطوا البرجين في نيويورك واقتحموا مبنى البنتاجون وهو أقوى مبنى في العالم كله كما أنهم كادوا يضربون البيت الأبيض نفسه!.
الحديث السارى الآن هو أن الإعلام الذي خاصمه ترامب، شارك في خداع الأمريكيين وأعماهم عمدا عن الأطراف المتصارعة في المجتمع الأمريكي والتى كانت الأحداث السبتمبرية نتيجة لها ومازال الصراع قائما ولكن خرج في انفجارات جماهيرية تنتظر أي مناسبة للخروج!.
فالاحتفال بتنصيب بايدن كرئيس للولايات المتحدة والكلام عن الديموقراطية والحريات وعن عودة الولايات المتحدة لدورها كقاطرة للعالم كله، كل هذا مجرد نص مسرحي يتم أداؤه تحت حراسة أعداد من الجيش الأمريكي فاقت الأعداد التى شاركت في تدمير أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا والصومال ومازالت هناك بلاد تنتظر دورها في الدمار القادم من الغرب.
لكن تطورات الانشقاقات والتصدعات التى وصلت لاقتحام الكابيتول مع التهديد باقتحام البيت الأبيض نفسه، والتى حاول البعض تصويرها على أنها (دليل على الديمقراطية) هى مجرد مقدمات صغرى لما سيأتى وسيحاول بايدن التغطية على التصدع الأمريكي العظيم باستعراض عضلاته في مسرحية أخرى، لكن على مسارح متعددة في العالم، فترى أى المسارح سيستقبل البطل (المخوار) وفرقته المحترفة لأداء عروضهم عليه!.