4 مشاهد برلمانية
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
انعقد برلمان 2021 و منذ اللحظة الأولى و نحن نتابع ما يحدث فيه ، فنحن أمام برلمان مختلف يتعرض لقضايا هامة و حساسة ، بما يوحى بدور انعقاد حي و مشتعل بالأحداث و المفاجآت ، فبعد جلسة اختيار رئيس المجلس و وكيليه ، و استكمال لجانه النوعية ، بدأت فورا الأحداث الساخنة التى توحى بوجود مجلس قوي ، يقوم بدوره الرقابى و لا يمالئ الحكومة ، بل و يصطدم بأعضائها ، على عكس البرلمان السابق الذى لم يسجل أعضاؤه إلا استجوابا واحدا .
فحين تحدث وزير قطاع الأعمال أمام المجلس قوبل بهجوم شديد بسبب موضوع تصفية مجمع الحديد و الصلب . و الحقيقة أن هذا الموضوع قد شغل الرأى العام قبل طرحه فى البرلمان ، و البعض تخيل أن انشغال الناس به لأسباب عاطفية تخص فترة الستينات ، التى تم فيها اإشاء المجمع كقطعة غالية فى قلب قلعة الصناعة المصرية ، و رمزا من رموز التحرر الوطنى .
و بعيدا عن أن المجمع بالفعل له قيمة غالية فى نفوس المصريين ، إلا أنه على وسائل التواصل تحول إلى خناقة بين محبى عبد الناصر و كارهيه ، و لذا لم يحظ الأمر بنقاش موضوعى ، بل ككل قضايانا مؤخرا لم نناقش صلب القضية بل تبادلنا الاتهامات ، و خرج علينا من يعارضون التصفية يتهمون الوزير المسئول بأنه وقف من قبل فى وجه كل محاولات إنقاذ المصنع ، و أقال مجلس إدارة رفض التصفية و أتى بمجلس آخر لينفذ أوامره . و خرج مؤيدو التصفية يتهمون معارضيها بالبكاء على اللبن المسكوب ، و أنهم مدمنوا خسائر ، و أن الحكومة ليست مؤهلة لإدارة المشروعات و عليها أن تترك الأمر للقطاع الخاص ، فصاحب رأس المال سيحمى أمواله و سيسعى للربح بعكس القطاع العام الذى بلا صاحب .
و فات الجميع فى ظل التلاسن و التجاذب أن هناك معلومات مختفية و مخفية ، معرفتها تحسم القضية و الجدل ، ففى اعتقادى أن الحكومة لو أجابت على عدة أسئلة بصدق و بشفافية تامة لاستطعنا الوصول لإجابة صحيحة لسؤال هل هناك ضرورة للبيع ؟ و دعونا نستخدم اللفظ الصحيح ( بيع ) – و تتلخص تلك الأسئلة فيما يلى : هل كل مصانع الحديد و الصلب التابعة للقطاع الخاص و المنتشرة فى مصر تخسر هى الأخرى ؟ أم أن هذا المصنع فقط هو الخاسر الوحيد ؟ يقولون فى إجابة هذا السؤال أن تكلفة الإنتاج فى المصنع أعلى بكثير من سعر البيع !! إذن لو عرفنا لماذا ، سنجد موطن الخطأ و مكمن الفخ الذى وضع فيه المصنع .
و على افتراض أنه لا أمل فى تخفيض التكلفة ، أليست هناك صناعات ثقيلة من الأفضل أن تظل للدولة يد فيها حماية لصناعتنا الوطنية و حفاظا على استقلال قرارنا أم أن هذه النظرية انتهت ؟ و إذا كانت قد انتهت لماذا يتم صرف المليارات من أجل إنقاذ صناعة الغزل و النسيج و لا تعامل صناعة ثقيلة كالحديد و الصلب بنفس التعامل؟
و بالدخول إلى التفاصيل الاقتصادية أكثر : إذا كانت الخسائر بسبب تخلف تكنولوجيا العمل فى المصانع و التى لا تستخدمها المصانع الحديثة ، فما قيمة أصول الشركة ؟ و هل صحيح أنها تتعدى 11 مليار ؟ و إذا كانت الديون المتراكمة تصل إلى 8 و نصف مليار هل يمكن بيع جزء منها لتسديد الدين أو الجزء الأكبر منه و إجراء إحلال و تجديد للمصانع بالباقى ؟ أم أن كفة البيع برمتها محسومة تنفيذا لتعليمات صندوق النقد بإفساح مساحة أكبر للقطاع الخاص و انسحاب القطاع العام من السوق المصرى ؟ خاصة و أنها ليست الشركة الوحيدة المعروضة للتصفية فى نفس التوقيت ، و كل الشركات المطروحة كانت من أعمدة الصناعة الوطنية !!
و إذا كان اتحاد العمال المصرى قد قرر دخول المعركة ضد قرارات البيع و أصدر بيانا فيه كثير من المعلومات التى تثير الشك فى تعمد وزارة قطاع الأعمال أن تجعل تلك الشركات خاسرة ، فإن الاتحاد العام باتحاداته الفرعية ذو ( ثقل معنوى ) قادر على تغيير كثير من الأمور، خاصة و أنه هدد برفع الأمر للقضاء ، كما ناشد السيد رئيس الجمهورية أن يتدخل لإيقاف البيع .
و فى مشهد آخر تقدم اتحاد النقابات الفنية ( التمثيلية و الموسيقية و السينمائية ) بشكوى لرئيس المجلس بسبب إهانة وجهها أحد النواب لعموم فنانى مصر ، إهانة لم نسمع بمثلها إلا على ألسنة الإخوان و السلفيين ، فخلال جلسة لا علاقة لها بالفن و الفنانين وجدنا نائبا يتهم الفنانين بأنهم يعيثون فى الأرض فسادا و أن على البرلمان إجبارهم على دفع حق الشهداء !! و بعيدا عن مناقشة وجهة نظر النائب فى الفن و صنّاعه ، تظل هناك أسئلة هامة طرحتها مقولة النائب : هل الفنانون هم من تسببوا فى استشهاد البعض أم الذين حرموا الفن و أدانوه و قالوا أنه يشيع الفساد ؟ و لماذا يطالب الفنانين بالتحديد بسداد حقوق الشهداء و لم يطالب أصحاب المهن الأخرى ؟ و إذا كان السيد النائب مقتنعا بأنهم يعيثون فى الأرض فسادا ، فهل ستمحو الأموال التى سيدفعونها جرائمهم ؟ و هل يريد ممن يفسدون فى الأرض الأموال فقط ، و يظلوا يفسدون ماداموا يسددون ؟ و هل لا مانع لديه من أن يجمع للشهداء أموالا حرام جاءت من الإفساد فى الأرض !! يبدو أن السيد النائب نسى أو تناسى أو تجاهل أن الفن مرآة المجتمع و عليه كنائب فى البرلمان أن يسعى لتحسين ظروف الحياة من مسكن و مأكل و ملبس و علم و صحة و تعليم و بالتالى سيرتقى الفن .
لقد قسم الفنانين إلى شرفاء و غير شرفاء و وضع تعريفا مطاطا للشرف على أنه سمة لكل من قدم فنا هادفا ، و ضرب مثلا بالعاملين فى مسلسل (الاختيار) و فيلم (الممر) ، فهل الباقين الذين لم يعملوا فى تلك الأعمال غير شرفاء ؟ و إذا كان يقصد أن العاملين فى أعمال وطنية هم الشرفاء فما وضع الباقين الذين لم يقدموا أعمالا وطنية ؟ و هل المهن الفنية فقط هى التى تحوى مفسدين ؟ و هل يعتقد كما يتصور العامة أن كل الفنانين يتقاضون الملايين ؟
لعل السيد النائب لا يعلم أن 90 % من جموع الفنانين لا تتقاضى جملة ما يتقاضاه ممثل تدافع عنه شركة الإنتاج المحتكرة للإنتاج فى مصر و تحميه ، و لم تتحمل ‘يقافه أكثر من أسبوع ، فلماذا لا يطالبه بالدفع عنا جميعا ، فهو صاحب أكبر نسبة أفلام مسيئة و تحرض الشباب على العنف ؟ كما أنه حصل على ثروة طائلة مقابل التطبيع و الظهور فى صور مخضبة بدماء شهداء حروبنا مع العدو ، أم أن هذا الممثل لا يمكن الاقتراب منه ؟
و فى مشهد نراه لأول مرة منذ سنوات نرى نائبا يقف مهاجما لوزير فى الحكومة ، و يتهمه بقضايا فساد و سوء إدارة و يطالب الوزير برد ما تقاضاه من أموال نتيجة لاحتلاله منصب آخر إلى جانب الوزارة يتعارض مع منصبه كوزير ، بل يصل الأمر إلى اتهام الوزير بنشر ما يسيئ إلى مصر ، و لم يقف الأمر عند هذا بل تتكرر هذه الاتهامات فى مداخلات تليفزيونية ، و أنا أحيي السيد النائب على شجاعته و جرأته ، و أضع بين يديه قضية تستحق منه الالتفات و تحتاج لشجاعته و هى تخص الإعلام أيضا ، و تتلخص فى أن شركة واحدة تحتكر الإنتاج الدرامى و البرامجى فى مصر بالمخالفة للقانون ، بل استولت أيضا على تراث ماسبيرو – الذى تم إنتاجه بضرائبنا – و تبيعه لنا الآن . أم أن ما حدث مع الوزير هو استكمال لحرب تكسير العظام بينه و بين إعلام المصريين ؟
و نأتى لمشهد رابع لأول نائب يتم إخراجه من الجلسة فى البرلمان الجديد ، و تحويله إلى هيئة مكتب البرلمان تمهيدا لتحويله الى لجنة القيم ( جهة معاقبة الأعضاء ) و الغريب أن معظم الصحف نشرت هذا الخبر فى صياغة موحدة بما فيها الأخطاء بما يستحق اللطم على حال صحافتنا ، فالخبر الموحد تجاهل ما قاله النائب و نقل عنه جملة ناقصة ( اللى على راسه يحسس عليها ) و نقل الجميع – إلا ندرة – الخبر دون كلمة ( بطحة ) و كأنهم فى حصة إملاء و عليهم كتابة ما يملى عليهم دون تفكير ، بل لم يذكروا حقيقة ما قاله السيد النائب و أدى إلى إخراجه ، و الصحف القليلة التى ذكرت كلامه لم تورده كاملا ، و من حقى كمواطن مصرى أن أطالب بالتحقيق فيما قاله السيد النائب ، فهو قد اتهم حزب الأغلبية بتوزيع كراتين على المواطنين من أجل انتخاب أعضائه !! و إذا صحت التهمة فلابد من عقاب الحزب ، فمن سيحقق ليؤكد صحة الاتهام من عدمه ؟ و هل ستعلن علينا النتائج ؟.