(بحب معاك).. رسالة ذكية لـ (الديفا) سميرة سعيد
كتب : أحمد السماحي
بعد نكسة يونيو عام 1967 ومع نهاية الستينات انتشرت الأغنيات الخفيفة الخالية من المضمون على جناح قدر من الإنحدار والتفاهه، وظهرت أصوات أطلق عليها – وقتها – غربان الملاهي الليلية، كما انتشرت الأغنية الشعبية الخفيفة التى تعتمد على الرشاقة والخفة، وقادتها مجموعة كبيرة من الأصوات الجديدة فى هذا الوقت مثل (عايدة الشاعر، إلهام بديع، ليلى نظمي، ليلى جمال، نجوى الموجي) وغيرهن من مطربات برعن في هذا اللون الجديد.
وكان طبيعيا فى هذا الوقت أن تتفوق اسطوانات (عايدة الشاعر) الغنائية خاصة أغنية (الطشت قالي) على أغنية قصيدة (أقبل الليل يا حبيبي) لسيدة الغناء العربي (أم كلثوم)، وأثناء ذلك سأل الكاتب الكبير الراحل (محمود عوض) سيدة الغناء العربي عن سر عدم انجرافها وراء الأغاني الخفيفة أو الشعبية، قالت بلغة ساخرة: (الأغاني دي لها ناسها اللي لايقين فيها)، ولأنهم مغنيين ومغنيات جدد، فالناس صدقت منهم ما يقولونه، لكنهم لن يصدقوني إذا قدمت لهم هذا اللون الخفيف.!.. هكذا كان الكبار الذين لا تهتز عروشهم لمجرد وجود ظاهرة جديدة في ساحة الغناء الرصين.
والسؤال الذي نريد طرحه: ماذا حدث لأغنيات المطربات التى تفوقت مبيعات بعضهن على كوكب الشرق؟! ذهبت أدراج الرياح، ولم يعد أحد يتذكرها، وبقيت أغنيات (أقبل الليل)، و(غدا ألقاك) و(ألف ليلة وليلة) التى قدمت فى هذه الفترة.!
ولقد قصدت بتلك البداية المثيرة ، أن أقص هذه القصة التي تؤكد صدق حدس الفنانين الكبار أمثال أم كلثوم، وذلك في مناسبة جدية طرح الديفا (سميرة سعيد) لأغنياتها الرومانسية الجديدة (بحب معاك) كلمات الدكتور محمود طلعت، ألحان أحمد العدل، توزيع موسيقى أحمد حسام، إخراج نضال هانى، فالظروف التى كانت موجودة فى نهاية الستينات هى نفسها المسيطرة علينا هذه الأيام، حيث انتشرت مؤخرا الأغنيات الخفيفة التى لا تحمل مضمونا، وسيطرت على الآذان أغاني المهرجانات وما تسببه من فوضى غنائية وتلوث سمعي.
وفي الوقت الذي انجرف فيه كبار المطربيين الحاليين وراء أغاني المهرجانات خاصة تقديمهم لكلمات فى أغنياتهم قريبة الشبه من أغنيات المهرجانات أو على شاكلة العصري أو الشعبي الخالي من مضمون، يحدوهم في ذلك دافع الاحتفاظ بالرواج التجاري ومطاوعة مزاج هذا السوق المتقلب، هنا برز ذكاء الديفا (سميرة سعيد) فأخذت الجمهور بعيد .. بعيد وطارت به على جناح الدفء والرومانسية، إلى أجواء فترة التسعينات.
ومن هنا قدمت (سميرة) لجمهورها التواق دائما لجديدها أغنية حالمة مليئة بالمفردات الرومانسية عن عاشقة تملي شروطها على حبيبها، فتطلب منه أن تجد فى الوجع راحة، وتحكي كلامها بصراحة، ويفم حزنها من صوتها، وغيرها من المطالب المشروعة المفعمة بالحب، المطرزة بالشوق.
وعلى بساطة وجمال الكلمات التى كتبها (محمود طلعت) قدم (أحمد العدل) لحن جميل مشغول بالشجن، استطاع أن يعبر بشكل بسيط جدا ومؤثر، عن الكلمات المليئة بالدفء الذي يناسب هذه الأيام، وتبقى قيمة صوت (سميرة سعيد) الذي تزيده الخبرة قدرة خلاقة، هى في ذلك المزيج من اللون التعبيري واللون التطريبي، واستطاعت فى هذا اللحن أن تقوم بتلوين منعطفات اللحن بلون الغناء العربي الفسيفسائي الزخرفي المتدفق من خلال انعطافات حيوية، كل هذا قدمته بمهارة وبساطة كعادتها في التألق من مرحلة إلى أخرى.
ينبع ذكاء (سميرة سعيد) فى التجديد والابتكار، وكيفية إدارة موهبتها، فالديفا ليست مجرد صوت جميل فقط، لكنها صاحبة فكر غنائي، تعرف ما الذي تريد تقديمه؟ ومتى تقدمه؟ وما يميزها إنها لا ترسو على شاطئ غنائي، فكل فترة تختفي، وتعود بفكرة جديدة مبتكرة، أكثر شبابا وتوهجا ولمعانا، لهذا استطاعت أن تحتفظ بالقمة سنوات طويلة، ومازالت على قمة الهرم الغنائي.
وسيذكر التاريخ الغنائي لـ (سميرة سعيد) هذا الموقف الغنائي الأخير، ففى الوقت الذي ينشغل الناس بحالة الاضطراب، وعيش لحظات البلبلة والمهرجانات، والانحدار إلى الدرك الأسفل من سلم الغناء، وتقديم كثير من المطربين أوراق اعتمادهم بالجنوح نحو الموجه الجديدة من الصخب الغنائي، نجدها هى تحافظ على الأصول، وعلى الغناء الراقي، وليس هذا فقط، ولكنها تتحدى الجميع وتقدم أغنية رومانسية حالمة تقول كلماتها:
بحب معاك
أحس الوقت بيعدي
وآخر الليل يبان بدري
وبعدين يبقى دلوقتي
وتنطق اسمي يبقى جميل
بحب معاك
ألاقي ان الوجع راحة
وأحكي كلامي بصراحة
وتسمع ليا بالراحة
وما تملش من التفاصيل
بحب تشوفني من جوه
وتقلب ضعفي ده قوة
وتبعد عني وانت قريب
وانت بعيد.. تقرب لي
وتفهم حزني من صوتي
وتقرا عينيا وسكوتي
وزي ما قلبي محتاجلك
يحس انك بتحتاج ليه
بحب معاك
أكون حرة ومسئولة
وليا وجودي مش صورة
وأحس بإن أنا الأولى
وآخر وحدة تعرفها
بحب معاك
تحسسني بقيمتي كتير
وان ما بيننا حب كبير
واني بجد وش الخير
وأجمل واحدة بتشوفها
بحب تشوفني من جوه
وتقلب ضعفي ده قوة
وتبعد عني وانت قريب
وانت بعيد.. تقرب لي
وتفهم حزني من صوتي
وتقرا عينيا وسكوتي
وزي ما قلبي محتاجلك
يحس انك بتحتاج ليه.