بقلم : محمد حبوشة
أثارت تصريحات النائب رياض عبد الستار، عضو مجلس النواب، عاصفة قوية خلال الأيام الماضية، وجاءت ردود الفعل قوية من جانب العديد من نجوم الوسط الفني حين قال : (إن بعض الفنانين يسعون في الأرض فسادا، والذي ينطبق عليهم هذا القول يعرفون أنفسهم جيدًا)، مضيفا: (اللي على راسه بطحه من الفنانين يحسس عليها)، وطالب النائب بعودة الفن الهادف مرة أخرى، مثل مسلسل (الاختيار) وفيلم (الممر) وهما عملان غرسا الوطنية في الشباب والأطفال كما جاء على لسانه.
بصراحة كانت تلك التصريحات تفتقد في جوهرها – حتى ولو بدت فيها حسن النية من جانبه – للحكمة والعقلانية وعد حصافة النائب ووعيه بهموم وقضايا وطنه، فلقد قال (عبد الستار) : إن الفن الهابط المبتذل نتج عنه العديد من الآثار السلبية على العديد من فئات الشعب المصري خاصه الشباب والأطفال، ومنها الانحراف في السلوكيات والأخلاقيات الموجودة في المجتمع، وهذا بالطبع يشير إلى انجراف النائب بطريقة همجية تنم عن عدم فهم وإدراك ثقل وحجم المسئولية الملقاة على نائب الشعب تحت قبة البرلمان، وتلك مصيبة نوابنا في طرح كثيرا من القضايا المتخصصة، حيث يغلب عليهم التسطيح والخوض فيما هم ليسوا أهل له.
ربما يكون (عبد الستار) محقا في ذكر إحصائية أن 60% من الأعمال الدرامية ثؤثر بالسلب على المجتمع، وربما أوضح خطورة أن الرسالة الفنية تصل لـ 110 ملايين مواطن مصري، لكنه أخطأ كثيرا عندما قال: (لا يعجبني العديد من الأفلام والمسلسلات المصرية لأنها عبارة عن فن مبتذل، وكذلك الأغاني غير هادفة مثل “شيكا وبيكا”، كما أنني أري أن 60 % من الأعمال الدرامية ثؤثر بالسلب على الشعب المصري، وأن النقابات الفنية ووزارة الإعلام ليس لهما دور واضح في هذا الأمر)، فقد وقع النائب في براثن اللغط والتعميم، حيث لم يذكر أعمالا بعينها، وكأن أحدهم قد أملى عليه أرقاما غير مشفوعة بأمثلة واقعية فوقع في الشرك دون أن يدري.
الكارثة أن سيادة النائب المحترم قال أنه سيتقدم بتشريع قوي يجرم كل الأعمال الهابطة، مشيرا إلى أن إمام المسجد لن يصلح حال المجتمع أو القس لأنهما يتحدثان منذ مئات السنيين، بل الفن إذا صلح سيصلح حال المجتمع، ولكنه لم يشر بأصابع الاتهام إلى عمل بعينه أو عدة أعمال شاهدها الجمهور وأبدى استياءه منها، ومن ثم فعلى أي أساس سيقوم سيادته بتقديم مشروع قانون أو فكرة قانونية لسن تشريع يجرم حزمة من الأعمال لم يحدد أي منها على وجه الدقة؟.
أما الخطأ الفادح الذي أوقع (عبد الستار) في شرك المساءلة وإلزام المجلس الموقر بمحاسبته أنه قال: (لايعجبي تصرفات أو الفن الذي تقدمه الفنانة رانيا يوسف)، ويرى أنها لاتقدم شيئًا مفيدًا للمجتمع المصري ساخرًا: (هوا الشعب هيتعلم إيه من رانيا يوسف، هيفرش المصلية وهيصلي ركعتين لله)، وربما يكون له الحق في إبداء رأيه في فن تقدمه نجمة أو أكثر، ولكن يظل هذا الرأي يدور في ذهنه فقط، فليس من حقه أن يلقى بهكذا أحكام جزافية على قارعة الطريق أو حتى تحت قبة برلمان ينبغي أن يراعي خصوصية الفنانين باعتباره ينوب عنهم، وما يستوجب محاسبة هذا النائب على وجه السرعة قوله : ما تقدمه رانيا يوسف وكل من على شاكلتها هو الانحراف بعينه، لا أعرف الرسالة التي تريد أن توصلها للشعب المصري، وظني هنا أن كلمة (الانحراف) تستدعي إقامة دعوى قضائية من جانب الفنانة المذكورة لأن هذا ليس مجرد رأي في خصوص ما تقدمه من فن، بل إنه انسحب إلى المساس بالسمعة عندما وصفها وغيرها بـ (الانحراف).
الغريب في الأمر أن النائب المحترم، قال أن الحرية مكفولة للجميع داخل مصر، ولكن يجب الحفاظ على العادات والقيم الموروثة في المجتمع، قائلًا: (لو كل واحد عمل اللي عايزه دون رقابة فلا يلام أحد بعد ذلك)، ويبدو لي هذا الكلام متناقضا شكلا ومضمونا، فكيف يكفل الحرية في التناول للقضايا الفنية ويتهم النجوم بالانحراف ويقول أنهم يسعون في الأرض فسادا؟، ولفت نظري لجوئه إلى أسلوب ركيك في الحوار قائلا: (اللي على راسه بطحه من الفنانين يحسس عليها)، وكأنه قيم على الناس، ونحن بدورنا نتساءل مع الدكتور خالد منتصر: هل الفنان هو المفسد الحقيقي في الأرض – كما ادعى سيادته – وهو الذي حرض على حرق الكنائس وقتل المصلين في الكنائس والمساجد كما حدث في مجزرة مسجد في سيناء؟، هل الفن هو الذي ألقى في نفوس المرضى زريعة بإلقاء الأطفال من فوق سطوح الإسكندرية؟، ثم هل الشيخ القرضاوي الذي حرض على قتل جنودنا في سيناء لحظة إفطارهم في رمضان هو ممثل؟!.
الأمثلة كثيرة ومتنوعة في ذكر عقلية المخربين ممن لا يمتهون مهنة التمثيل ياسيادة النائب الهمام، ومنها ما ساقها أيضا الدكتور منتصر في رده على النائب قائلا : هل أن شيخا معرفا يكسب ملايين الدولارات من يوتيوب، وقد أفتى بزواج الطفلة المربربة، قام ببطولة فيلم أو مسرحية؟، هل الداعية الذي أفتى بتكفير وبغض المسيحي، وعدم مشاركته شم النسيم كان جالسا في بلاتوه أم في زاوية؟، وجه سهام نقدك في الاتجاه الصحيح يا سيادة النائب، وأنا معه ياسيادة النائب لابد أن يعتريك قدر من الحصافة في تقييم أوضاع الفن والفنانين.
الفن ياسيادة النائب المحترم له دور فعال في بناء الحضارة، و هو دافع مستمر في التطور و النمو، فهو عامل أساسي في يقظة المجتمع من الركود و الانحطاط، و في قيادة العالم فكريا نحو توجه فني منطلق بأنامل مبدعة لها بصماتها الخاصة والحس الفني لإيصال رسالة هدفها سامي و قيم، ولا شك في أن الفن يجسد الحياة الحقيقية في أي مجتمع باختلاف الحقبة والزمن وينقل الواقع في كثير من الأحيان وكأن الفن وثيقة تاريخية لثقافة أي مجتمع، حيث تتجسد العادات والتقاليد والموروثات والأعراف – التي تحدثت عنها – من خلاله، لتتناقله الأجيال القادمة، ويمكن للفن بأشكاله وأنواعه – التمثيل والغناء والشعر والرسم والأدب والرقص وغيره – أن يعزز الانتماء والولاء والمواطنة كرسالة هادفة يؤديها الفنان ضمن رسالاته المتعددة..
وعليه فالفنان يحمل رسالة سامية للمجتمع وله دور ملموس في تعزيز القيم، فالأغاني الوطنية على سبيل المثال لها خصوصية جميلة في مواضع وأوقات معينة، تنمي المشاعر في حب الوطن، وتترك شعورا حماسيا للدفاع عن تراب الوطن، فبعض الأغاني برغم أنها قديمة إلا أنها مازالت حاضرة في كل مناسبة، وتأخذ المستمع إلى زمن بعيد جميل، لذلك يعد الفن رسالة وطنية مؤثرة، وواجبنا جميعا الحفاظ على الفن ونقل هذا الفن إلى الأجيال القادمة حتى لا تندثر الرسالة القيمة من الفن الأصيل أو تضيع وسط تعدد الثقافات المنهمرة إلى مجتمعاتنا، والتي منها ثقافة النائب (رياض عبد الستار) التي لاتظهر هويتها على وجه التحديد، فقد تلمح فيها نبرة سلفيه أو تشدد ليس له مايبرره، ثم تجده يتراجع تحت القبة بذكر احترامه للفن والفنانين، وعبر أثير الفضائيات (mbc مصر) يحمل سيفا خشبية ويظل يلوح في الهواء متشدقا بما سماه الفن الهادف.
ولقد تابعت بشغف بعض رود الفعل على تصريحات النائب رياض عبد الستار، ومنها ما قالته الفنانة إلهام شاهين: (لازم يتحاسب لما يكون في موقع مسؤولية ويتهم مهنة زي الفن، مافيش مهنة مفيهاش ناس وحشة وناس كويسة، ممكن ألاقي طبيب مش أمين، أو محامي أو محاسب وغيرهم)، وتابعت: (مينفعش يعمم تمامًا، إحنا من نمثل مصر وبنرفع اسمها وبنسافر مهرجانات بالخارج، والمهنة بها رسالة، ودايمًا بقول كده لبتوع السوشيال ميديا من أنتم؟، ولا يهموني وأنا بتعصب في الحالات دي لأني غيورة على مهنتي، ولكن ميتكلمش بالأسلوب الفج ده لو مش قد المسؤولية ميتكلمش).
ومن جانبها طالبت الفنانة الكبيرة سميرة عبد العزيز، عضو مجلس الشيوخ المصري، بالتحقيق مع هذا النائب، قائلة: (يتحقق معاه ومعندوش إثبات إن الفنانين بيسيئوا للجمهور، ليه بيقول كده، وعلى أي أساس بيهاجم)، كما أعربت الفنانة وفاء عامر عن استيائها من تصريحات النائب رياض عبد الستار، قائلة: (عيب الكلام ده، مش أي نائب عايز يركب الترند يشتم في الفن المصري، ولازم يبقي فيه قانون رادع ضد كل من تسول له نفسه الإساءة للغير حتى لو الفنانين، خاصة أن الفن المصري لعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على هويتنا ومينفعش حد يسيء له).
وقال الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، إنه تقدم بمذكرة لرئيس مجلس النواب، بعد وصف النائب للفنانين بذلك الوصف، وفي انتظار رده.
ومع كل ردود الفعل الغاضبةسابقا فالناظر في واقع الفن اليوم ربما يلمح أن الذوق الفني قد تدنى عن السابق، وتكاد الكثير من الأعمال تخلو من القيمة الفنية والرسالية، كما تخلو من الأصالة والإبداع والجدّة، ولكن دور التقويم هنا يرجع بالأساس للنقاد وليس للنواب، لأنه ينبغي قبل أن نتكلم فى واقع الفن، أن نعرف أولا ما هى رسالة الفن؟ أو ما ينبغي أن يكون عليه العمل الفني، فالفن رسالة سامية، يعلو فوق المادة لأنه يخاطب روح الإنسان أى ما هو معنوي ومجرد فيه، لا ما هو مادي كالجسد – على حد تقييم النائب – ومن شأنه أن يزيد من وعي الإنسان بنفسه ومجتمعه وعالمه المحيط، ويعبر عن واقعه الحقيقي، وأن يقف بجانب الإنسان لا ضده، فيدعم حريته وإنسانيته وقيمه العليا، وأن يُثري روحه ويكون عامل دفع لا عامل إحباط وهدم للذات الإنسانية، وأن يكون حرا من الضغوط المادية لكى يحصل الإبداع.
كما أن الأعمال الفنية التي عرضت في السنوات القليلة الماضية والمعروضة حاليا تحاج إلى مراجعة حقيقية ووقفة مع النفس بصدق وموضوعية، فالعمل الفني ياسادة الفن من شأنه أن يوقظ الفنان الداخلي للإنسان فينعكس ذلك على واقعه ويجعله يخرج هذا الفن فى مجال عمله وحياته، ومن هنا يرتبط الفن بالمجتمع وبما يحدث من تغيرات فى ثقافته وبنائه وقضاياه، التي بدورها تنعكس آثارها على الإنسان، فإنسان مجتمع الحرب ليس كإنسان مجتمع السلم، وبتدني الأخلاق وغياب الكثير من القيم والمبادئ الإنسانية السامية والكثير من الثوابت، والفهم الخاطئ لمفهوم الحرية – على طريقة عبد الستار – وطغيان المادية والمصلحة الشخصية على مصلحة العامة، تخرج الإنسان بمفاهيم مشوهة تضر أكثر مما تفيد، وتجعل البعض ساخطا على حياته وحياة الآخرين كما فعل النائب المحترم.
وهنا لا بد من الإشارة أن بعض الأعمال الفنية الأخيرة خاصة ما يقدم منها مفاهيم ومعلومات لا بد أن ينظر فيها بالعقل، ولا تؤخذ كمسلمات يعتنقها الإنسان، ويسير بها دون النظر فيها ومدى منطقيتها وموافقتها لقيمه ومعتقداته، ولا أعمم؛ فهناك من الأعمال الفنية ما يسمو بالإنسان ويثري روحه ويقف بقوة جنبا إلى جنب مع القضايا التى يؤمن بها ويدافع عنها، غير أنها قليلة – على الأقل من وجهة نظري ككاتب وناقد لايحب أن يهيل التراب على مجمل الأعمال الفنية – لأن لدى قناعة مؤكد أن العمل الفني فى جوهره هو عملية إبداع، رغم أن ما هو كائن على أرض الواقع يدعو فى الكثير منه إلى الملل من كثرة التكرار والابتذال والمحاكاة، وتلك قضية ينبغي أن نفتح النقاس حولها من جانب النقاد والمتخصصين.
فلا أنكر أنني حينما أجلس أمام عمل درامي ما الآن، أجد نفسك أتوقع الأحداث قبل حدوثها من كثرة ما تفتقد من الجِدّة، ولقد كان العمل الفني فى السابق ينتشر لقيمته الفنية، أما اليوم فانتشار العمل غالبا لا يتوقف على قيمته ورسالته وإنما على عدد (اللايك والشير) التى اكتسبها هذا العمل، وكونه (ترند) على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هنا صار الفن وسيلة فى النظام الرأسمالي الحالي للتربح والكسب حتى لو خلا من القيمة، ولا خلل فى التربح من وراء الفن، بل هى نعمة أن يكون مصدر رزق الإنسان ما يحبه، ولكن الخلل أن يكون الهدف الأول والأخير للفنان هو المادة والشهرة، فتضيع الرسالة والفكرة ويخلو العمل الفني من القيمة، ومن ثم يصبح عرضة للانتقاد كما هو في حالة النائب رياض عبد الستار.
وللأسف أصبحت غالبية الأعمال الفنية التي تقدم الآن ليس لها مضمون قوي وهادف ،حتي يؤثر على المجتمع بإيجابية ،حيث زرع المبادئ والقيم والاخلاق ،والدعوة إلي الحب والتوائم بين الجميع ،ونشر السلام وروح التسامح ،ولكن لا يوجد مايمنع إن يقدم العمل الفني، نموذج الشر وسوء الأخلاق ومايترتب عليه في النهاية من عقاب كبير،ولكن لابد أن يكون الشر المقنن، الذي له سقف محدد، حتي لا نطرح للمشاهد أفكار سلبية قد تؤثر علي نفسيته فتغير اتجاهه نحو سبيل آخر غير الذي يرتضيه المجتمع، فهناك بعض الكتاب الذين يقدمون للمجتمع رسالات فنية هدامة للقيم والمبادئ، وعندما تسألهم عما يقدموه يجيب بأنه يقدم ما يجري داخل المجتمع، وتتوقف عند هذه الجملة التي تجعلنا لا نري من المجتمع إلا السلبية المرة، ولكن نسأل أين عين الكاتب ليري الواقع ولا يسرح بخياله ليقلد الشر في المسلسلات الهندية لا أستطيع أن اكتب أي إسم من الأعمال التي تحمل رسائل هدامه للعقول ولا أستطيع أن أقول عليها أعمال فنية فالفن رقي ورفعه واخلاق حميدة ، وهذا ما ننشده جميعا.