بقلم : محمد حبوشة
وظيفة المخرج هى ضمان جودة واكتمال الإنتاج المسرحي وقيادة أعضاء الفريق الإبداعي في تحقيق رؤيتهم الفنية له، وهو معني بالدرجة الأولى بتحويل النص المكتوب من أحداث وشخصيات افتراضية إلى مشاهد وأصوات وشخصيات حقيقية، أو بمعنى أكثر دقة هو إعطاء الروح والضوء والحياة للدراما المكتوبة للمرحلة بكل الطرق، ومن أجل القيام بتجسيد دراما حقيقية على خشبة المسرح هناك حاجة إلى عناصر مختلفة مثل المعدات المسرحية والإضاءة والموسيقى والمؤثرات الصوتية المحيطة بالممثل، ومن هنا فمن شأن المخرج اختيار طاقم العمل والممثلين، وإجراء تجارب أداء التمثيل إذا استلزم الأمر، والالتزام الجاد في العمل والحرص على أن يتم أداءه بأفضل صورة ممكنة.
وهناك العديد من الصفات التي ينبغي أن يتمتع بها المخرج الناجح، ومن أبرزها أن يكون مبدعا وقادرا على البحث عن الأفكار والخلفيات والعناصر التي يعلم أنها ذات وقع جيد على المشاهد، وأن لها الدور الأكبر في استمتاعه واستمراره في مشاهدة المسرحية، ولا بد أن يكون المخرج حاسماً في قراراته؛ فموقعه في العمل كقائد ومسؤول أولا وأخيرا عن إنجاح العمل وتوجيه الطاقم ككل يسمح له بإبداء اعتراضه ورفضه دون توضيح الأسباب، ولأن مهمته تتركز على تحويل النص المكتوب إلى عملٍ مرئي ومسموع برؤية معينة فإنه لا بد من توضيح تلك الرؤية باتخاذ قرارات حاسمة، كما أن عليه امتلاك عنصر الخيال الذي يخلق عملا مسرحيا رائعاً.
وضيفنا في هذا الأسبوع في باب (بروفيل) المخرج المسرحي الكبير والقدير (فهمي الخولي) هو واحد من أولئك المخرجين الأكفاء بما يتمتع من خيال خلاق في كل تفاصيل العمل المسرحي، ونظرا لامتلاكه المهارات التنظيمية للعمل، فهو يتمتع بمهارات قيادية عالية؛ كما انعكس ذلك في أعماله التي تجنح في معظمها إلى المسرح السياسي إلى حد كبير، وقد لعب دور القائد الماهر الذي يقوم بإدارة وتنظيم عدد كبير من الأشخاص من فنيين، وإداريين، وتنفيذيين، وممثلين، ومنتجين وغيرهم، كما ظهر تمتعه بالدبلوماسية في توزيع المهام وتحديد الأولويات وتنظيم الأمور فيما بينهم، فضلا عن صبر وقوة تحمله الكبيرة لضغوط العمل.
ولا غرابة أبدا أن ينفلت (فهمي الخولي) كالضوء الهارب، كالصدى، يذكي عبق المسرح في هذه البقعة أو تلك، ويضفي لمساته النقدية على هذا المشهد أو ذاك، ببعض الومضات من وهج الفكر والإبداع؛ سواء منها تلك التي اتخذت لها مرفأ في أرخبيل الذاكرة أم تلك التي تصدح برؤى الفن حاضرا ومستقبلا، ومن هنا فالحديث إليه والقرب منه يشبه أن تنفتح أمامك فجأة نافذة على الزمن الجميل، زمن الاجتهاد والبحث عن تأصيل القيم النبيلة والمضمون العميق في فضاءات المسرح.
الإبداع والتميز، بصمة إخراجية واضحة، تاريخ مسرحي حافل وضع المخرج القدير فهمي الخولي كعلامة فارقة في مسيرة المسرح المصري، فهو – بتعريف أحمد محمد الشريف – مبدع استثنائي ذو فكر طليعي ومتقدم يسعي دائما نحو الابتكار والتجديد والتجريب، لا يقنع بما هو سائد بل لابد من التحليل والتفسير واقتحام الرؤى الجديدة واجتياز المعطيات التقليدية، وفوق هذا وذاك يمتاز بحسن توظيف جميع مفردات العمل فكريا وجماليا سواء من حيث الديكور أو الإكسسوار أو الموسيقى أو الإضاءة وحركة الممثلين والعلاقة بين الكتلة والفراغ، حيث يزرع بكل مفردة الدلالات والرموز التي تؤدي إلى توصيل الحس الجمالي والفكري والإبداعي إلى المتلقي.
ولابد لك وأنت تنظر في مسيرته أن تلحظ بأن عروض (فهمي الخولي) تعد بركانا من الحركة والفعل والجمال وتفجير الطاقات التمثيلية لدى كل فرد على خشبة المسرح حتى الراقصين والمطربين، فهو أستاذ قدير في تدريب الممثل ليستوعب الشخصية ويسطع أمام المتفرج في أبهى صورة يجسد بها مضمون العمل الدرامي، كما تتميز اختياراته لموضوعات عروضه بأنها دائما تمس الواقع وتناقش القضايا الآنية في محاولة من جانبه لرفع الوعي لدى المتلقي ومشاركته في قضايا واقعه.
ولهذا ستجد أن أغلب العروض التي قدمها هى عروض سياسية تحريضية تعرض وجهة نظر وتهتم بالقضية الفلسطينية أو قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا بالطبع يشير إلى أنه يعد المخرج الكبير فهمي الخولي معملا متكاملا للتجربة المسرحية يحاول توعية المتفرج ويقدم له نفسه وأحلامه وحلول لحلم يعشيه لهذا الواقع وهو يحاول أن يفكر أو يساهم في التغيير.
لعبت الصدفة دورها في حياة (فهمي الخولي)، كما يقول هو على لسانه : عندما جاء تعيينى في فرق التليفزيون وشاركت بمساعدة المخرج الإذاعى عصمت حمدى آنذاك، وكنا نقدم عروضا مسرحية للمدارس، وشاركته أنا والفنان محمود الحدينى في مساعدة الإخراج، بالصدفة أخرجت مسرحية (كل أبناء الله لهم أجنحة) تأليف (يوجين أونيل) لمدرسة الإبراهيمية، وكذلك لمدرسة الفسطاط، وقد حصلت المدرستان على المركز الأول على مستوى الجمهورية، ثم شاركت بمساعدة المخرج أحمد طنطاوى في مسرحية (الغول) بكلية علوم عين شمس، ولأنه كان دائم الانشغال فقد قمت بمهام عمله بدلا منه، وحضر العرض الدكتور أحمد زكى ولجنة التحكيم وحصلنا على المركز الأول، واكتشفوا أننى المخرج وليس طنطاوى.
بعدها أراد المخرج أحمد زكى أن يقدم نفس النص على مسرح الطليعة، فطالبنى بمساعدته، وقدمت العرض كما قدم في علوم عين شمس؛ وكذلك أثناء دراستى في معهد الفنون المسرحية، كان الأساتذة: (عبدالرحيم الزرقانى، حمدى غيث، كمال يس)، يستعينون بى، لكى أخرج مشاهد امتحانات النقل أو التخرج للدفعات السابقة، وقد عرف حينها أننى خير من يقوم بتدريب الملتحقين باختبارات المعهد، لدرجة أن تسعين في المائة من الطلبة الذين التحقوا بالمعهد حينها أصبحت سببا في التحاقهم، حتى شغلت منصب أستاذ التمثيل والإخراج بقسم المسرح بكلية الآداب جامعة الإسكندرية.
وبحسب أحمد محمد الشريف بجريدة (مسرحنا)، ولد محمد فهمي الخولي في 13 يوليو عام 1941 وبرز كممثل في أثناء دراسته بالمدرسة، ثم التحق بمعهد الفنون المسرحية ، وفور حصوله على البكالوريوس مع مرتبة الشرف، حصل على منحة علمية من الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة المسرح الأمريكي عام 1987، وقام بإخراج فوق المائة عرض مسرحي لمسارح الدولة والقطاع الخاص ومسارح التليفزيون المصري وهيئة قصور الثقافة والمسرح الجامعي والعمالي والمستقل، وقد عمل مديرا عاما للمسرح الحديث منذ عام 1987 حتى عام 1997، ثم تولى مدير عام الفرقة القومية للعروض التجريبية والتراثية (مسرح الغد) منذ عام 1997حتى خروجه إلى المعاش عام 2001.
كما تولى (الخولي) الإشراف على فرقة تحت 18 التابعة للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، كما عمل أستاذا لمادتي التمثيل والإخراج في كل من: (المعهد العالي للفنون المسرحية – كلية الآداب جامعة الإسكندرية – كلية الآداب جامعة حلوان – كلية التربية النوعية جامعة القاهرة – مركز إعداد القادة الثقافيين)، وقد ألقى العديد من المحاضرات العلمية والفنية في أكثر من دولة عربية، امتدت تجربته الإبداعية في الإخراج المسرحي منذ عام 1963، قدم فيها عشرات المسرحيات المهمة التي مثلت إضافة ثرية لمسار المسرح المصري، منها على سبيل المثال: للمسرح الحديث: مسرحية (الرهائن – 1982، الوزير العاشق – 1984، سالومي- 1988، صباح الخير يا وطن – 1993 ، أهل الهوى – 1995 ، باب الفتوح – 2015.
ومن أعمال (فهمي الخولي) للمسرح القومي: (اثنين تحت الأرض – 1987، لن تسقط القدس – 2002)، ونال عنها وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الأردن، ومن أعماله لمسرح الطليعة: (جبل المغناطيس – 1974 ، شكسبيرفي العتبة – 1975، سلك مقطوع – 1975، ليلة جواز سبرتو- 1977، تحت الشمس – 2000)، ومن أهم أعماله للقطاع الخاص: (اثنين على دبوس – 1981، عشرة على باب الوزير- 1984 لفرقة الفور إم، حمري جمري – 1990، سداح مداح 2000).
كما أن لـ (فهمي الخولي) عدة أعمال متميزة بالمسرح الجامعي ومسرح الثقافة الجماهيرية ومسرح الشركات منها: (باب الفتوح، العمر قضية، تاجر البندقية، ليلى والمجنون، أول مشوار، الملاحظ والمهندس، الأرض، بلدي يا بلدي، رسول من قرية دميرة، المحروسة 2015، نقول تور)، وغيرها، إضافة لإخراجه بعض العروض التليفزيونية المصورة مثل: (دوحة تشريف، واحدة بواحدة – لدولة قطر، البطران – وياروكب – للمملكة العربية السعودية).
ويقول أحمد محمد الشريف في معرض حديثة بجريدة مسرحنا 14 سبتمبر 2020 عن تكريمه للمرة الثانية في مهرجان (المسرح التجريبي ): للمخرج القدير فهمي الخولي عدة محطات مهمة في حياته الإخراجية والإدارية، تميزت بالتفرد من ناحية شكل التجربة الإبداعية، فمسرح فهمي الخولي ينبع من الواقع ومن الناس وما يهم الناس، حيث يرى أن مهمة رجل المسرح أن يقدم كل ما هو ممتع وكل ما هو متمرد ومغير للإنسان، ومن تجاربه المهمة على سبيل المثال: تجربة مسرحية بعنوان (أول مشوار) عام 1970 ببيت ثقافة (كفر الشرفا)، وهى تجربة تفاعلية بالمقام الأول شارك فيها أهل القرية والمسئولون المحليون، وكان لها نتائج مجتمعية إيجابية، وكان يمثل في هذا العرض نصف أهالي البلد والجمهور يمشي في حواري وأزقة الكفر ومن خلال البيوت ومن خلال النيل، والمسرح كان مكانه فوق أسطح البيوت.
وكان من أثر هذه المسرحية الإيجابي أن تدخل الكهرباء للقرية وأن تحل مشكلة المياه في (كفر الشرفا)، والتي أصبحت نموذجا يحتذى بعد ذلك للقرى النموذجية التي يشارك أهلها بحل مشاكلها، وأيضا من خلال هذا العرض تم محو أمية عدد كبير جدا من أهالي القرية، كما تعد مسرحية (سالومي) تجربة فريدة غير مسبوقة في المسرح المصري والعالمي، إذ كان الجمهور يستقل باخرة من أمام فندق شيراتون القاهرة ثم تسير بهم في النيل حتى تستقر أمام مقياس النيل ويشاهدون العرض الذي تدور أحداثه على صفحة النيل وفوق سطح قصر المانسترلي وأسفل مقياس النيل، تتم مشاهدة العرض وهم جلوس على ظهر الباخرة، وقد مثلت هذه المسرحية مصر في مهرجان جرش بالأردن على المسرح الروماني الكبير (4000 متفرج)، ونال عنها المخرج فهمي الخولي جائزة الدولة التشجيعية عام 1991م.
ومن تجارب (فهمي الخولي) المسرحية الفريدة مسرحية (الوزير العاشق) تأليف: الشاعر (فاروق جويدة)، التي قام بإخراجها للمسرح الحديث في وقت سيطر فيه المسرح التجاري على أحوال المسرح المصري، ورغم أنها مسرحية شعرية باللغة العربية الفصحى إلا أنها حققت نجاحا فنيا وجماهيريا كبيرا، وهذه المسرحية مثلت مصر في خمسة مهرجانات عربية: (قرطاج بتونس، ومهرجان دمشق، والجزائر، والأردن – جرش، والمغرب – ربيع المسرح)، وحصلت على المركز الأول في كل مهرجان من هذه المهرجانات.
ويحسب لـ (الخولي) أثناء إدارة المسرح الحديث تجربة متميزة وغير مسبوقة في الإدارة والإنتاج المسرحي حيث قام بتقديم أربعة عروض مسرحية مختلفة في اليوم الواحد على مسرح السلام، تبدأ بعرض للأطفال في الحادية عشر صباحا (مسرحية الأرنب المغرور)، ثم عرض إنتاج مشترك مع المجلس الثقافي البريطاني في الخامسة مساء (الخزان العظيم)، وآخر إنتاج مشترك مع التليفزيون المصري في السابعة (خمس نجوم) والأخير في الساعة التاسعة والنصف (الملك هو الملك).
جدير بالذكر أن المخرج القدير فهمي الخولي يعتبر مكتشفا لعدد كبير من النجوم وكبار مخرجي وفناني المسرح في مصر، منهم: (أحمد زكي، شهيرة، محمود حميدة، فاروق الفيشاوي، ياسر علي ماهر، عبلة كامل، أحمد كمال، ناصر عبد المنعم، عصام السيد)، كما قدم المخرج محسن حلمي لأول مرة بالمسرح الحديث، وكذلك المخرج خالد جلال عندما أخرج مسرحية (اللمبة) بمسرح السلام، ود. أشرف زكي عندما أخرج (شفيقة ومتولي) بمسرح الغد، ومن ثم تبدو رحلة الكفاح الفنى الطويل لفهمي الخولي لا تُعد عند الفنان مجرد أرشيف للذكريات بل مصدر إلهام الغد، أعوام تتخطى نصف القرن من العمل الخلاق، فهى منبع التجديد والأصالة فيما يبدعه أحد رواد المسرح في مصر والوطن العربى.
وشارك المخرج فهمي الخولي – بحسب سيرته الذاتية التي كتبها أحمد محمد الشريف – برئاسة وعضوية عدة لجان مختلفة، منها: (رئيس لجنة التحكيم الدولي لمهرجان قرطاج بتونس في دورته الثانية (منتخب)، رئيس لجنة التحكيم بمهرجان الشارقة في دورته الثانية عشر، عضو وفد مصر في المؤتمر التأسيسي لاتحاد المسرحيين العرب في بغداد، عضو اللجنة التنفيذية العليا للملتقى العلمي الأول للمسرح العربي، عضو اللجنة التحضيرية والتنفيذية العليا لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ورئيس لجنة البرامج والعروض في دورته الأولى، عضو لجنتي المسرح والمهرجانات بالمجلس الأعلى للثقافة، عضو لجنة فحص جوائز الدولة التشجيعية والتفوق في الفنون.
وتوج المخرج فهمي الخولي مشواره الفني بحصوله على جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 2019، إضافة إلى حصده جوائز كبرى عديدة من قبل، وهى: (جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 2019، جائزة الدولة التشجيعية عام 1995، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1991، نوط الامتياز من الطبقة الأولى في العلوم والفنون عام 1995، جائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2010، وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من المملكة الأردنية عام 2002، الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا عام 2015، وأخيرا تم تكريمه في يوم المسرح المصري ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 2020 في دورته السابعة والعشرين، هذا التكريم المستحق وقد سبق وأن كرمه المهرجان نفسه في دورته الخامسة والعشرين، إلا أن التكريم الأخير جاء في إطار الاحتفاء بيوم المسرح المصري الموافق الخامس من سبتمبر.
عن نظرته للمسرح يقول (فهمي الخولي): إنه ينبع من الواقع والناس وما يهمهم، ومن مهام رجل المسرح أنه لا يقدم غير كل ما هو ممتع ومتمرد ومغير للإنسان، والمشاهد الذى سيدخل العرض ثم يخرج منه يصبح عكس ما دخل، بمعنى أنه غير واع لأشياء كثيرة في واقعه، فأنت تقوم بتوعيته وتقدم له نفسه وأحلامه وحلولا لحلم يعشيه لهذا الواقع وهو يحاول أن يفكر أو يساهم في التغيير، فكل عروضى سياسية مرتبطة بقضايا الإنسان، ويرى (الخولي) أن المسرح المصرى يعود لأوج ازدهاره على يد الشباب المبدعين دون المسئولين غير المبدعين الذين يقدسون النظريات، إنظر إلى أى مبدع، هل تقول الدكتور سيد درويش، الدكتور بيتهوفن، دكتور فان جوخ؟ النتيجة أنه لا يوجد في معهد الفنون المسرحية ولا أكاديمية الفنون القيادة المبدعة مثلما كان هناك (يوسف شاهين وصلاح أبوسيف) في معهد السينما ليخرج (على بدرخان وعاطف الطيب وخيرى بشارة)، نحن نأمل أن تتكرر التجربة حاليا مع الفنان أشرف زكى.
ومع ذلك فإن (فهمي الخولي)، يؤكد تراجع حركة المسرح في مصر خلال الفترة الأخيرة، قائلا: إن ستينيات القرن الماضي شهدت مناظرة بين الدكتور رشاد رشدي الذي كان يؤمن بنظرية الفن للفن، والدكتور محمد مندور الذي كان يؤمن بنظرية الفن للمجتمع، وانتصرت وجهة نظر الفن للمجتمع، وصار المسرح معبرا وصورة للجماهير، وصار المسرح مرآة للمجتمع يرى فيها الجمهور واقعه، وأوضح (الخولي) أنه في الحقبة الناصرية أنشأت الدولة فرق مسرح التليفزيون ومسرح الجيب والمسرح القومي وعروض القطاع الاستعراضي وبعد انتهاء تلك الحقبة حدثت هجمة تترية ضد المسرح أثرت بالسلب على المشاهد مما دفع الجمهور إلى هجرته.
ومن أبرز أقوال فهمي الخولي التي سمعتها منه عن قرب: (إن أردت أن تتعرف على حضارة أمة، فانظر إلى فنونها، فإذا انتشر الفن المنحط كانت الدولة منحطة، متسائلا: هل تتخيل أن المتفرج الذي يشاهد مسرحيات أو فنون تشكيلية أن يكون مجرما، مشيرا إلى أن المسرح في البداية كان ملكا للقطاع الخاص، والأوبرا تحتم دخول روادها ببذلة كاملة لأنها تخص الطبقة الوسطى المثقفة التي تستقي ثقافتها من القراءة والعروض المسرحية والموسيقية).
وعن حل أزمة المسرح قال لي ذات مرة: (إن الدولة ليست هى السبب فى انهيار صناعة المسرح، وإنما الدولة تطلق حرية الإبداع وعلى رجال المسرح من مديرين ومخرجين ومنتجين وفنانين دور كبير في النهوض بالمسرح، وأضاف، أن الصراع في الفن المسرحي، دائما وأبدا بين المبدع والنظام، ودائما الفنان يكون على يسار النظام وإلا تحول الفنان لبوق للنظام وهو الأمر الذي سيفقده الجمهور،مشيرا إلي أن دور الفنان مرتبط بموقفه من النظام.
ولفت المخرج الكبير والقدير (فهمي الخولي) نظري إلى أنه هو صاحب فكرة إنشاء المسرح التجريبي ليستقدم فرقا مسرحية من دول أوربية وعربية ومن أمريكا، ليقف صناع المسرح على الجديد في مجال المسرح، غير أن فرقا كثيرة أصبحت لا تفضل مسرح الكلمة وفضلت مسرح الجسد، غير أن هناك دولا مثل ايطاليا لاتزال تقدم فرقها التجريبية عروضا الكلمة وليس الجسد، وأوضح أن الجمهور يقبل للمسرح عندما يشعر بأن المسرح يهتم به ويقدم له ما يهمه، وهذا ماحدث في مسرح الستينيات والسبعينيات والنصف الأول من الثمانينات وهو ما جعل المسرح يزدهر، وعندما بدأ النجم والمبدع مؤلفا أو ممثلا أو مخرجا أو منتجا يهتم بالعائد المادي والدراما التليفزيونية والسينما تراجع دور المسرح.
وعن مدى توافر مواهب مسرحية تمثيلا وتأليفا في مصر، قال الخولي: (مصر ولادة وتنتج عددا كبيرا في كافة المجالات ولا ينقص سوى الإدارة الرشيدة لشئون المسرح، داعيا إلي أن يتولي شئون المسرح مسرحيون أنفسهم)، وبشأن حل أزمة المسرح، قال: ( يجب تغيير أسلوب الانتاج المسرحي ولا يجب الاعتماد على أسلوب الدعاية الفقيرة عبر التليفزيون، بل يجب أن نذهب للجمهور مثل فرقة التليفزيون التي قدمت عروضا للجماهير في مدن ومحافظات عديدة، وكان سعر التذكرة زهيدا مثل سعر تذكرة السينما أو أقل،مشددا على ضرورة الاهتمام بأن ينتج المسرح جمهورا ومبدعين).
ولفت الخولي إلى أنه: (ينبغي أن يهتم الجمهور والمبدعين بالفئات التي يتم تقديم العروض المسرحية إليها، مشيرا إلي أن الجمهور حاليا أصبح منشغلا بهمومه المعيشية، والمعروف أن مسرح الدولة أقيم للجمهور العادي الذي لا يستطيع تحمل عبء شراء تذكرة مسرح القطاع الخاص، مشيرا إلي أنه خفض قبل ثورة 25 يناير 2011 سعر تذكرة المسرح الحديث إلي جنيهين أو ثلاثة جنيهات.
وفي آخر لقاء لي معه بالمجلس الأعلى للثقافة شدد (القدير فهمي الخولي) على ضرورة الاهتمام بالمسرح المدرسي والجامعي وضرورة تشكيل جماعة للمسرح مع ربطها بالمسرح العادي لحضور المسرحيات والبروفات وحتى يمكن اكتشاف المواهب من بينهم، ودعا إلي ضرورة تنظيم عروض مسرحية في المحافظات على مسارح الثقافة الجماهيرية ومسارح الجامعات وإقامة كشك تذاكر لمسرح الدولة في الميادين العامة والجامعات والشركات وتقليص أسعار التذاكر لجذب الجماهير.
في النهاية لابد لنا من تقديم تحية تقدير واحترام لرائد المسرح التجريبي في مصر، وصاحب التجارب المهمة والنوعية في المسرح السياسي المصري والعربي المخرج الكبير والقدير فهمي الخولي، الذي ربما يكون قده ناله قدر من التكريم، لكنه لا يكفي مقارنة بدوره المهم في الحركة المسرحية الفاعلة خلال ما يقرب من ستة عقود، قدم خلالها خلاصة فكره وجهده الخلاق، وأثبت عشقه وانتمائه لخشبة المسرح التي جسد من خلالها هموم وقضايا الإنسان المصري والفلسطيني والعربي أينما كان .. شكرا له.