كتبت : محمد حبوشة
على الرغم من اختلاف وجهات النظر بين الجمهور ما بين مؤيد ومعارض لدقة أحداث مسلسل (لؤلؤ) على مستوى البناء الدرامي وأداء أبطاله الذين نال البعض منهم انتقادات سلبية لاذعة أراها تفتقد للمصداقية، خاصة أن المسلسل لم تعرض من حلقاته الأربعين سوي 13 حلقىة حتى الآن، وهو ما يصعب معه بالضرورة الحكم النهائي بنجاحه أو فشله.
ورغم الهجوم على بطلته، وبغض النظر عن أنها تغني بصوتها أو بصوت غيرها ماجعل البعض يذهب إلى الاتهام بأن هذا يضلل الجمهور عن الحقيقة، ويبخس حق المطربة الحقيقية في العمل، وأن المخرج محمد سامي تعمد أن ينسب لزوجته ما ليس لها حق فيه، ليظهرها بالفنانة السوبر التي ترقص وتغني وتمثل في وقت واحد، فإني أري أداءها يتطور مع تطور أحداث الدراما في خطيها التراجيدي والكوميدي الخفيف وتجمع بينهما (مي عمر) في تواز غير مخل وبحضور لافت للانتباه، ولهذا فإن مسلسل (لؤلؤ) يتصدر بشكل شبه يومي محركات البحث المختلفة فما بين احداثه التي يعتبرها البعض مثيرة وشيقة ويسخر من مبالغتها البعض الآخر، لكن ينجح لؤلؤ في خطف (الترند) ويصبح حديث رواد مواقع التواصل الإجتماعي، وطني أن حالة الجدل تلك تؤكد نجاح التوليفة الدرامية من ناحية، ومن ناحية رفض الوصاية على المشاهد من جانب أصحاب وجهة النظر المخالفة.
كانت الأسباب السابق ذكرها هى دافعي لكتابة (ماستر سين) هذا الأسبوع من قلب التراجيديا الإنسانية التي جسدها الفنان (إدوارد) بقدرة فائقة على التأثير وانتزاع دموع المشاهدين الذين بكوا معه جراء حاله الذي يشبه حال (لؤلؤ) في اليتم والتشرد بين بيوت أقاربه، إدوارد هنا استخدم تكنيك احترافي خاص به سبق أن استخدمه من قبل في مسلسل (شارع الشانزليزيه والبرنس)، وهو التكثيف الذي مكنه من الوصول إلى روح الدور ويجعلك تشعر بجودة تعليمات الإخراج، وهو أيضا من يجعلك ترى الحوار حقيقيا وتستكشف جودة الكاتب، هو من يجعلك تضع يدك فوق جودة أو إخفاق ملموسين يمكنك ببساطة اكتشافهم حتى إن لم تكن متخصصا في الفن، وتقيم الأمور من منظور عين المشاهد، فتعبيره بالوجه وحركة العينين وجمودهما وتحجرهما أحيانا قل أن ينخرط في البكاء بحرقة يصل بك إلى قمة التراجيديا الإنسانية على إيقاع الناي الحزين الذي صاحبه طوال المشهد.
براعة إدوارد وقدرته على التجسيد يشير إلى أن التمثيل كأداء يشكل مرتكزا جوهريا من مرتكزات الاتصالات الحية والفاعلة في عملية خلق الاستجابة لدى المتلقي، وإضافة رودود أفعال (مي عمر) من خلال نظرات صمت مصحوبة بالدهشة واجترار الحزن الكامن بداخلها، صنع لنا مشهدا غاية في الروعة في (الحلقة التاسعة) كان لابد من التوقف أمامه ورصده على النحو التالي:
تظهر (لؤلؤ – مي عمر) أثناء تسجيل إحدى أغنياتها في حالة شرود كامل، بعد أن جرحها طارق بطلاقه المتسرع ليلة زفافهما، على أثر وشاية من (نهال) بأنها سربت خبر زواجهما، لاحظ (مجدي – إدوارد) مدير أعمال (لؤلؤ) حالة شرودها وخروجها من المود تماما، حتى أنها وقفت متسمرة في مكانها لا تنطق بكلمة واحدة فقال لها:
مجدي : فيه إيه يا لؤلؤ سرحانة ليه .. إحنا بنسجل؟!
لؤلؤ تنزع السماعة عن أذنيها : مش قادرة أغني يا مجدي!!
يلحق بها مجدي قائلا: مالك؟
لؤلؤ بصوت مكتوم : هوه انته كنت تعرف إن طارق متجوز؟
مجدي : آه
لؤلؤ : وما قولتليش ليه؟
مجدي : مسألتنيش.
لؤلؤ تدير وجهها قائلة : ماشي طيب.
مجدي : استني أنا عشان مدير أعمالك لازم أقولك مينفعش تخلي المشاكل الشخصية مهما كانت تأثر عليكي .. لو فضلتي كل مشكلة تعطلك وتخليكي مش عايزة تشتغلي تأكدي انك حتفشلي .. لازم تحترمي المايك اللي انتي واقفة قدامه.
لؤلؤ ترد بصوت خفيض ينم عن حزن عميق : حاضر وتدير وجهها مرة أخرى.
مجدي يوقفها مرة ثانية : أنا لسه مخلصتش كلامي .. ده بالنسبة للشغل .. بالنسبة للحياة بقى : فلو فعلا بتعتبريني أخ وصديق فأنا موجود لو حبيتي تاخدي رأيي في أي حاجة.
لؤلؤ بصوت مجروح : ربنا يعلم إني باعتبرك زي أخويا .. نفسي أحكيلك وأفضفضلك بس مش عارفة ابتدي ازاي؟
مجدي بتأثر شديد : ابتدي زي ما قلبك يقولك.
لؤلؤ : من ساعة ماعرفت إن طارق متجوز وأنا حاسة إن بعد الدنيا ما ضحكتلي وفتحتلي دراعتها وخدتني بالحضن انها بتعصرني وأنا جوه حضنها وبتكسر في عضمي حتة حتة.
مجدي انتي اللي متعودة تشوفي الحياة بتكسر فيكي .. مش شايفة انتي فين وحتوصلي لإيه .. قولت لك قبل كده اللي بيعمله طارق ده مهوش اختراع ومهوش حاجة جديدة تلات تربع النجوم اللي طلعوا على الساحة كان فيه اللي بيسندهم .. المهم ان انتي بس اللي تعرفي تستغلي الفرصة صح.
لؤلؤ بصوت عال : يا لعن أبو الفرصة .. أنا مش عايزه أستغله يا أخي .. أنا باحبه يا مجدي .. باحبه ومش عايزه أقلبه ولا أكون البت الشمال اللي خدته من بيته وابنه حتى لو هوه مابطئش مراته دا موضوعه هوه .. مينفعش أكون السبب في إني أخرب بيت واحدة تانية.
ينجح مجدي في تهدئتها قائلا : ممكن بقي نخش نكمل الأغنية؟
وبعدها بساعات قليلة تدخل على مجدي في شقته بعد أن ضربت زوجة طارق بالجزمة في مكان عام وركبت الترند قائلة : قعدت ألف في الشوارع معرفتش أروح فين؟ .. تدخل شقة مجدي وتقف أمامه : رجلي ساقتني لحد عندك.
مجدي : هى دي بقى الجزمة اللي ركبت الترند؟ .. السوشيال ميديا مقلوبة!
لؤلؤ : والنبي يامجدي أنا مش ناقصة حد يعكنن عليا .. هى اللي وليه (بومة) وغلاطة .. وحياة أمي هى اللي بدأت وأنا كنت ناويه أسكت لها بس ما قدرتش.
مجدي : طيب وانتي ايه اللي يريحك؟
إحجزي أوضة في أي أوتيل مش عاوزه أرجع البيت.
مجدي : يا ستي البيت بيتك اقعدي هنا براحتك .. أنا كده ولا كده أنا بايت بره.
يدق جرس الموبايل فيلتقطه مجدي وينظر فيه : ايه ده دا طارق؟
لؤلؤ : ما تقولش إني أنا هنا.
مجدي : استني بس ثم يرد على الموبايل : ألو أيوه يا طارق ؟
طارق (أحمد زاهر) : أنا عديت على لؤلؤ .. هى جاتلك ؟
مجدي : أيوه جاتللي؟
طارق : طيب الحمد لله أنا جايلكم حالا.
مجدي : للأسف يا طارق أنا نزلت بعد ما سبتها نامت .. كانت تعبانة شوية ان شاء الله بكره الصبح تبقى أحسن والأمور تتحل.
طارق : ماشي يا مجدي.
لؤلؤ تجتر أحزانها قائلة : هو أنا ناقصة وجع في الدنيا علشان حد يجيي يلطش فيا ويمشي؟!
مجدي : يوم بعد يوم باكتشف أن حياتك ما تفرقش كتير عن حياتي.
لؤلؤ : ازاي؟
على إيقاع صوت الناي الحزين يبدع إدوارد في سرد فصول من حياته في مرحلة الطفولة والصبا والشباب قائلا : جراحك وألمك ووجعك شوفت اللي شبهم واللي زيهم .. أنا أبويا مات وأنا صغير وأمي حصلته بعدها بسنتين وفضلت ما بين جدتي وعمتي وخالي وخالتي .. خدت لفة محترمة في كل بيت .. وفضلت كتير ماعرفش يعني ايه أوضتي ، معرفش يعني ايه سريري .. يعني زيك ماتربتش وسك أبويا وأمي .. اتربيت مع اللي زي أبويا وزي أمي .. في اللي زي بيتي .. وسط اللي زي أخويا وأختي .. منكش في حياتي شيئ أصلي .. كله كان زي!!
ثم يردف مجدي قائلا: فيه حد بالتربية دي ممكن يكون فيه شيئ مميز وهو صغير؟.. لحد ما دخلت أوضة المزيكا في المدرسة لقيت ان ده هو المكان الوحيد اللي ما بحسش فيه باليتم والوحدة اللي كنت باحسهم دايما .. عشت ما بين المزيكا والغنا ودراستي .. وحبيت شغلي قوي وكمان هو حبني واداني كتير .. مش فلوس وبس اداني أهل وناس .. ناس ممكن تفتحي لهم قلبك وانتي مطمنة.
لؤلؤ: وأنا اللي جايه أفضفضلك ؟ .. أتاريك شايل ومدلدق !!
مجدي : مدلدق ؟ .. أنا حاسكت لاحسن تناوليني بالفردة التانية.
لؤلؤ : والله يا مجدي حياتك شبه حياتي .. ماكنش ناقصة غير انك تيجي تعيش معايا في الملجا.
مجدي أهو أنا بقى لوعشت في الملجأ مكنتش حاعيش في الملجا اللي انتي فيه حتى لو كان آخر ملجأ في الدنيا .. مكنتش حاستحمل لسانك.
ثم ينهى مجدي المشهد بعد أن أمسك بيد لؤلؤ قائلا : متقلقيش الدنيا حاتضحكلك.