هادي الجيار .. رحيل النجم صاحب الأخلاق الرفيعة
بقلم : محمد حبوشة
الأخلاق الحسنة هى الشيء الوحيد الذي يدوم إلى الأبد، وتجلب لصاحبها الاحترام والمحبّة، أخلاقياتك هى رصيدك عند الناس، وإذا أردت أن تعرف أخلاق رجل فضع في يده سلطة أو جاه أوشهرة، ثم أنظر كيف يتصرّف، ستجد أن الخلوق صدوق، والعنيف ضعيف، والأصيل نبيل، والحليم حكيم، والشريف عفيف، ومكارم الأخلاق عشر، منها: صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم.
وهكذا يمكن للإنسان أن يدخل قلوب الآخرين دون أن ينطق بكلمة واحدة؛ إذ يكفيه سلوكه الناطق بالصفات الكريمة والأخلاق الحميدة، ومن هؤلاء بالتأكيد النجم الراحل عن عالمنا اليوم الفنان الكبير والقدير (هادي الجيار) الذي أدرك حقيقة أنه لا يمكن للإنسان أن يصبح عالماً أو نجما مشهورا قبل أن يكون إنساناً، وهو الخلوق من إذا مدحته خجل، وإذا هجوته سكت، وومن ثم فقد حافظ طوال حياته على الخلق الجميل في حياته العملية والفنية.
كانت الأخلاق عند (هادي الجيار) – رحمه الله – مثل شجرة تنمو وتترعرع كلما سقيت بماء المحبة والوفاء، وهى نجمة تزهو وتتألق في سماء الأخوة والصفاء، وهى جسر ترسو عليه سفن المحبة والوفاء، فلم نجد الأخلاق فيه إِلا تخلقا، ولم نجد الأفضال فيه إلا تفضلا، وحسن الخلق عنده أحد مراكب النجاة، وأدنى أخلاق الشريف كتمان سره – كما كان دوما مسلكه في الحياة – ، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر له.
لقد اتخذا من اسمه شيئا فقد كان (الهدوء) طبعه وآمن – يرحمه الله – بأن الأخلاق نبتة جذورها في السماء، أما أزهارها وثمارها فتعطّر الأرض، التربية الخلقيّة أهم للإنسان من خبزه وثوبه، تفسد المؤسسات حين لا تكون قاعدتها الأخلاق، وبالنسبةِ لمعظم الرجال، تصحيح العيوب يعني استبدالها بغيرها، لذا كان حريصا كل الحرص يبدأ بإصلاح الأخلاق لذاته فإنها أول الطريق، إنطلاقا من الطبع غلب التطبّع، ولابد للمرء أن يحب الناس بأي خلق شئت يصحبوك، وكأنه يطبق قول الشاعر :
صلاح أمرك بالأخلاق مرجعه
فَقَوِّم النفس بالأخلاق تستقم
الأخلاق تنبت كالنبات
إذا سقيت بماء المكرمات
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
كان (هادي الجيار) واحد من أنجح وأهم نجوم الدراما المصرية بمختلف الأدوار والأشكال، حيث قدم أكثر من 130 مسلسلاعلى مدار خمسون عاما من الإبداع والفن، ولم يثبت على أنواع واحدة من الأدوار التي لعبها، ولكنه كان يغامر بالتنوع والتغيير، فقدم الأدوار الكوميدية والدرامية والتشويقية، وكان له النصيب من النجاح الباهر الذي أسعد الملايين عبر عدد من الأعمال الدرامية الرائعة، التي أصبحت من العلامات المعروفة في الدراما العربية وليس فقط على المستوى المحلي، ورغم إنه بدأ حياته مشاغباً صغيرا فى (مدرسة المشاغبين) – التي التحق بها وهو طالب بمعهد الفنون المسرحية – فإنه كان ولا يزال مختلفا، يحمل الكثير من صفات اسمه، هادئا لا يتحدث كثيرا، يعمل ويبدع ويترك أعماله لتتحدث عن قوة موهبته وبراعته في فن التجسيد.
حين كنت تستمع إليه أو تراه لابد أنك تستمتع بأدواره المختلفة والمتنوعة، تشعر بأنه مصري صميم وهو خير ممثل للطبقة الوسطى، فهو الذي يستطيع التعبير عنها، سواء بارتدى جلباب ليؤدى أدوار الفلاح والصعيدى والمعلم ابن البلد، أو ارتدى قميصا وبنطالا ليعبر عن حال الموظفين والمثقفين والعمال، وبقدرة فائقة يستطيع أن يجسد كل الانفعالات والأحاسيس، وأن تصدقه فى كل الشخصيات، وبمجرد وجود اسمه على تتر العمل شهادة ضمان مسبقة تؤكد جودته، لأنه لا يقبل إلا ما يراه جيدا صالحا لأن يدخل البيوت، قريبا من حياة الناس ومعبرا عنهم، لذلك كانت معظم الأعمال التى شارك فيها تعتبرعلامات فى تاريخ الدراما المصرية.
اتسم الراحل الكبير طوال مشواره الفني بالتواضع الشديد، فلا يجيد الحديث عن نفسه أو موهبته، وحين تقترب منه تدرك على الفور أنه فنان مثقف واع مدرك لهدفه، يعرف ما يريد أن يقدمه، ويدرك تماما رسالة الفن فى التعبير عن الواقع ورسالة الفنان الحقيقى، الذى يعتمد على موهبته فقط، لذلك يحزنه النظرة السطحية التى ينظر بها البعض للفنان ولحياته، ولهذا كان فنانا من طراز فريد من الفنانين المخضرمين، الذين تمكنوا من مواكبة جيل الزمن الجميل وأيضا جيل الشباب الجديد.
استطاع أن يصنع لنفسه لونا خاصا به، جعله مميزا بين جيله، وخاصة أنه يمتلك ملامح جعلت من موهبته أسلوب خاص على إقناعك بأى شخصية يقوم بتجسدها، ورغم أنه يبدو الأقل سطوعا بين رفاقه، فمع ذلك لم يكن يوما يعنيه كتابة اسمه في بداية التترات بحيث يمثل له أدنى مشكلة، أو حتى الحصول على بطولة مطلقة في الأعمال التليفزيونية أو السينمائية علامة لنجاح له، لأنه يعتبر النجاح الحقيقي للممثل في البصمة التي يتركها في قلوب متابعيه بعد مشاهدة العمل، سواء الدور صغير كان أو كبير، هذا هو المنهج الذي اتبعه الفنان القدير (هادي الجيار) منذ ظهوره الأول وحتى وقتنا الحالي.
ولد (هادي الجيار) في القاهرة بحي باب الشعرية، الذي يعد من الأحياء الأصيلة في مصر، وكان قد ترك نفسه في هذا الحي كثيرا حتى شرب منه كل شيء، ولم يكن هناك حدود، وفي صغره عشق الإذاعة وكان يستمع إليها دائما وارتبطت بها كثيرا، دون أن يعلم حبه للتمثيل، حتى قابل شخص في مرحلة الثانوي أخبره أن التمثيل دراسة وكان يعمل في التربية والتعليم، وكان يتمنى أن يكون فنانا لكن أهله رفضوا، فحاول بشكل دائم أن يثقفه ويحببه في المجال ويعطي لي كتبا عن التمثيل ويمتحنه فيها، حتى قرر أن يدخل معهد الفنون المسرحية.
وتعلم (الجيار) في حي (باب الشعرية) الغارق في الشعبية، مفاهيم كثيرة عن الدقة والانضباط، وخاصة من والده، لذا حدد هدفه في الحياة مبكرا وقرر أن يعمل ممثلا بعدما لمس هذا العالم الساحر، رغم أنه كان طفلا شقيا، ولم يكن يفكر في التمثيل أبداً أو يتخيله، ولكنها حدثت مرة واحدة، عندما أخذه أحد أقاربي لاستوديو جلال وكان طفل صغير لا يفهم معنى ستوديو، ولكنه شعر أن مستقبله سيكون هنا ولكن كيف لا يعرف حتى التحق بالفعل بمعهد الفنون المسرحية عام 1970.
وشاءت الأقدار أن يشاهده المخرج الكبير محمد فاضل أثناء مشاركته في أحد العروض الفنية التي يقدمها المعهد، أعجب فاضل بالشاب الصغير ورشحه لدور مهم في مسلسل (القاهرة والناس) – إنتاج عام 1972، ومن حسن حظه أن هذا العمل الاجتماعي الضخم ضم نجوما كبارا وحقق نجاحا رائعا في مصر والعالم العربي.
لكن النقلة النوعية التي حدثت في مسيرة (هادي الجيار) عندما اختاره المخرج المسرحي جلال الشرقاوي للمشاركة في بطولة مسرحية (مدرسة المشاغبين) التي جابت عروضها كل بلاد العالم العربي، وارتفع أجره من 8 جنيهات إلى 23 جنيها، ومن هنا أدرك أنه ممثل قادر على تقديم اللون الكوميدي والتراجيدي أيضا، ثم توالت أعماله بعد ذلك واختطفته الشاشة الفضية التي قدم خلالها ما يقرب من 25 فيلما أبرزها (لمن تشرق الشمس، بائعة الحب، وعندما تشرق الأحزان، وكل شيء قبل أن ينتهي العمر).
لكنه لم يحقق النجاح الذي تمناه على الشاشة الكبيرة، فقرر العودة للدراما التلفزيونية سريعا، فقدم من خلالها أعمالا شديدة الخصوصية منها (المال والبنون، وسوق العصر، وما زال النيل يجري، وأبناء ولكن، والراية البيضاء، وكفر دلهاب، وولد الغلابة)، ليصل إجمالي عدد مسلسلاته إلى أكثر من 130 عملا دراميا.
يوم 24 أكتوبر عام 1973 وقف (هادي الجيار) على خشبة المسرح ليقدم دوره في مسرحية (مدرسة المشاغبين)، وكان (الجيار) قدم قبلها دورا صغيرا أثناء الدراسة في مسرحية (القاهرة في ألف عام) عام 1969، وعلى خشبة المسرح قدم 7 عروض فقط؛ منها المسرحيتين السابقتين بالإضافة إلى (ولما قالوا ده ولد، وقصة الحي الغربي، وأولادنا في لندن، وأحلام ياسمين، والسفيرة عزيزة)، وقدم في بداياته أدوارا أخرى في مسلسلي (الكنز، والقاهرة والناس)، ثم انطلق سينمائياً مثل رفاقه ليقدم 9 أفلام في حقبة السبعينيات.
ولأن المخرجون كانوا يؤمنون بقدرات (هادي الجيار) التمثيلية المدهشة، وموهبته الخاصة في التعبير بملامح وجهه وصوته الرخيم المؤدي الموهوب، لكنهم خلال الثمانينات لم يسمحوا له سوى بتقديم 13 مسلسلاً و7 أفلام، أهمها مسلسلات (في حاجة غلط، الراية البيضا، أنا وأنت وبابا في المشمش) وأفلاما دون المستوى، وربما عجز (الجيار) عن صناعة أفلام جماهيرية مثل رفاقه في (مدرسة المشاغبين) وأبرزهم عادل إمام، ولم يخض عالم المقاولات مثل سعيد صالح ويونس شلبي، ولم يترك بصمته مثل أحمد زكي، ولم يعد لخشبة المسرح مرة أخرى وكأنه كرهها لأنها لفظته، ومع ذلك لا يخجل من أدواره في مسلسلات (الترضية) المعروفة مثل مسلسل (القضاء في الإسلام)، لكنه يعرف أنه لم يبتذل موهبته ويعرف أيضا أن لابد له من (أكل العيش).
أما المحطة الرئيسية والمهة في حياة (هادي الجيار) عندما قدم شخصية (منعم الضو) الذي يضرب بقوة في مسلسل (المال والبنون)، وقد تساءل المشاهدون وقتها عن اسم هذا الفنان الجديد، ثم يضرب من جديد في مسلسلي (أبناء ولكن، الضوء الشارد)، يصبح هذا الفنان الهادئ جدا دائما نجما تلفزيونيا بعد أن اقترب عمره من الـ 50 عاماً، حيث قدم في 10 أعوام 22 مسلسلاً و4 أفلام ومسرحية، وقدمها (هادي الجيار) في العقد الجديد من الألفية 42 مسلسلا، حقق النجومية فيها من خلال أدواره المتميزة في مسلسلات (سوق العصر، العصيان، الملك فاروق).
يعرف الجمهور جيدا الآن (هادي الجيار) ويدركون قدر موهبته، ويتعجبون من تأخر لمعانه، حتى أنه الوحيد في رفاقه الذي لم يلعب دور البطولة حتى الآن، يغادره أول الرفاق أحمد زكي في 2005 يتحدث الجيار عن إحساس رفيقه خاصة في مشهد طرده من المدرسة في مسرحية (المشاغبين)، وكيف كان (زكي) يتلقى التحية والتصفيق، وكيف كانت الليالي التي لا يحصد فيها مثل هذا الإعجاب قائلاً (كنت أغادر خشبة المسرح بعده مباشرة فأجده متوتراً وحزيناً، لأنه خلق فقط ليكون ممثلاً)، ثم يغادره يونس شلبي في 2007، ليودع الرفاق طفلهم الأقرب لروحهم جميعاً، قبل أن يغادرهم سعيد صالح في 2014، ذلك الذي وصفه الجيار بصاحب المسرح، والذي تشعر أمامه على خشبة المسرح أنه لا يمثل بل يتحرك في بيته.
ومن مفارقات القدر أن يبقى بين المشاغبين أنجحهم وأكثر من ظلم فيهم، وكأن الدنيا ما زالت تلقي لنا دروسها وعبرها بأنه لن يبقى في النهاية سوى طرفي النقيض، وذلك على الرغم من أن بداية عشقه الفن كانت فى أحد الاستديوهات، حين دخل الطفل الذى لا يتجاوز عمره 7 سنوات مع أحد أقاربه، الذين يعملون فى الاستديو، فسحره هذا العالم وقرر أن يدخله.
هكذا كانت البداية، كما حكاها الفنان الكبير هادى الجيارفي إحدى حوارات باليوم السابع، قائلا: اتولدت فى 28 يوليو عام 1948 ومكانش الوالد ولا الوالدة ولا حد من العائلة عنده ميول فنية، لكن وأنا عمرى 7 سنين حبيت الفن، عندما ذهبت مع قريب لى بيشتغل فى استديو، فدخلت ورأيت هذا العالم وحبيته وقررت أدخله، وشاركت فى فرق الهواة بالمدرسة، ولما خلصت ثانوية عامة، قررت التحق بمعهد التمثيل، وكان دفعتى (محمد صبحى ونبيل الحلفاوى ولطفى لبيب وشعبان حسين).
وعلى الرغم من إتقانه أدوار الصعيدي فإن (هادى الجيار) يؤكد – في إحدى حوارته التليفزيونية – أن جذوره ليست صعيدية، رغم اعتقاد البعض أنه صعيدى، ولكن يضحك قائلا: (أنا من مواليد القاهرة، ولكن عليا عفريت صعيدى، وبحب كل حاجة لها علاقة بالصعيد، الأدوار الصعيدى والإيقاع والغناء الصعيدى وحتى الطبع الصعيدى)، ويستكمل (الجيار) تفاصيل بداياته الأولى في الحياة والفن قائلا: (خلال دراستى فى المعهد شاركت فى عدد من المسرحيات منها مسرحية (القاهرة فى ألف عام)، وبعدها طلب المخرج محمد فاضل من أساتذة المعهد يبعتوله ولاد شطار للمشاركة فى مسلسل (القاهرة والناس عام 1972) وعميد المعهد والأساتذة رشحونى مع اثنين من زملائي، فاختارنى من بينهم.
ويعود (هادى الجيار) بالذاكرة إلى الوراء قليلا قائلا: (كان أجرى فى الحلقة 8 جنيهات، وكان المسلسل – يقصد القاهرة والناس – فتحة خير وحقق نجاحا كبيرا، كما يحكى عن بداية علاقته بالزعيم عادل إمام وترشيحه للمشاركة فى مسرحية مدرسة المشاغبين: (قابلت عادل إمام لأول مرة فى مكتب محمد فاضل، وكان بيتفق على شغل، فرشحنى للمشاركة فى (مدرسة المشاغبين) من بداية العمل فى دور (لطفى).
معروف أن هذه المسرحية التي لاقت نقد لاذعا في حينها قد استمرت لسنوات وجمعت أبطالها علاقة صداقة بين (هادي الجيار، سعيد صالح، عادل إمام)، وبالطبع كان يعرف (أحمد زكى ويونس شلبى) من المعهد الذي تخرج فيه قبلهم، وهنا يضحك الفنان الكبير وهو يستعيد ذكريات هذه الفترة قائلا: (كان أجرى فى مدرسة المشاغبين 15 جنيها فى الشهر، بمعدل 50 قرشا فى اليوم، وقتها ورونى عقد سيد زيان وفاروق فلوكس، لأنى كنت أول مرة أحترف فى المسرح، وهو ما يعادل مرتب موظف بشهادة جامعية، وكان ده أجرى أنا ويونس وأحمد زكى، وطبعا سعيد وعادل كان أجرهما أعلى، والمسرحية استمر عرضها سنوات، وعلى الرغم من المسرحية جمعتنا علاقة صداقة طوال هذه الفترة، لكن بعد المشاغبين كل واحد شق طريقه فى اتجاه، وبقينا بنتقابل فى المناسبات الاجتماعية والعزاءات ليس إلا).
ويبقى في جعبة (هادي الجيار) ذكريات خاصة جمعته بعادل إمام الذي قابله بعد هذه السنوات الطويلة فى مسلسليه (عوالم خفية وفلانتينو) قائلا عنه: (عادل إمام جزء كبير من تاريخى، ولما اشتغلت معاه كضيف شرف فى المسلسين واتقابلنا، افتكرنا كل اللى فات وكأننا لسه عمرنا 23 سنة، كنت بادخل أوضته ونهزر كتير قبل بدء التصوير ونفتكر ذكرياتنا، ويضيف (الجيار) عن الزعيم: (عادل إمام تاريخ وقيمة كبيرة كممثل مؤثر، وسر نجاحه حب الناس وذكائه وجرأته، فى التسعينيات وأثناء فترة العمليات الإرهابية، أخد فرقته وراح يقدم مسرحيته فى أسيوط، وعمل أفلاما عن الإرهاب مفيش ممثل فى مصر عملها)، وتلك جرأة لا يقبل عليها سوى فنان محب لجمهوره ووطنه في آن واحد.
عن تميزه فى الدراما التليفزيونية وأعماله المتعددة، حيث كان شريكا فى نجاح معظم الأعمال الدرامية الشهيرة بعكس مشاركاته القليلة فى السينما والمسرح، قال الفنان الكبير هادى الجيار: (ماشتغلتش كتير فى السينما هما 4 أو 5 أفلام، وعلى العكس حبيت العمل فى الدراما التليفزيونية، التليفزيون خطفنى ولقيت فيه أدوار حلوة قريبة من حياة الناس، واشتغلت مع كتاب كبار كانوا بيرسموا الشخصيات رسما دقيقا، واستمتعت وأنا أؤديها، وحبيت معظم أدوارى، ولو ماكنتش حبيتها ماكنتش عملتها)، وعن إتقانه لهذه الأدوار على اختلافها وتنوعها ومهما اختلفت انفعالات الشخصية، قال: (لما بتجيلى الشخصية بذاكرها كويس، واللى مش فاهمه بسأل عليه المؤلف والمخرج علشان أحدد ملامح الشخصية، وفى الأيام الأولى من التصوير بكون عصبى، علشان ببقى لسه مش عارف الشخصية وبتعرف عليها وأحدد ملامحها).
ومع كثرة أعماله الدرامية، فلا ينشغل الفنان الكبير (هادى الجيار) بموضوع البطولة المطلقة، بل يظل كل ما يهمه هو جودة الدور والشخصية، وأن يقتنع بها ويجيد أداءها، فتترك أثرها عند المشاهد مشيرا إلى أن: (البطولة الجماعية التى يكون كل فنان فيها يؤدى دوره المناسب ويتقن أداءه، هى انعكاس للحياة وللواقع بشخوصه، فالحياة ليست فيها بطل واحد، وكل منا يؤدى دور)، ولهذا فلديه قناعة ورضا يعكس الكثير من صفاته ليقول دائما في حوارته الصحفية والتليفزيونية: (ماندمتش على عمل عملته ولا عمل معملتوش، لأن اللى من نصيبى اشتغلته واللى مش نصيبى ماشتغلتوش، وراح لغيرى)، وبتواضع شديد وأدب جم يقول: (أقول إن الدور اللى عملته غيرى مكانش يقدر يعمله زيى، وممكن كان غيرى يعمله أفضل، لكنى دايما بجتهد علشان الشخصية تكون طبيعية ومعبرة وحقيقية).
وعند السؤال عن سر بقاء وارتباط الجمهور بمسلسلات وأدوار معينة وشغفه لمشاهدتها مهما تكررت يقول (الجيار): (اللى بيخلى الأدوار والمسلسلات تعيش إن موضوعاتها من البيوت وبتهم الناس والشخصيات قريبة من الواقع، والناس وهى بتتفرج بتشوف حياتها وواقعها، وكلما كانت الموضوعات قريبة من الناس بيحبوها ويصدقوها)، وأردف قائلا: (دلوقت بيعتمدوا فى بعض الموضوعات مثلا على الأكشن والمطاردات والعربيات اللى بتجرى ورا بعض وبتتكسر، علشان كده الناس مش بتقتنع بالموضوع ومش بتصدقه والأعمال مش بتعيش).
ويرجع الفنان الكبير (هادى الجيار) ذلك إلى أننا نعانى من أزمة فى الكتابة، قائلا: (الأول الكتاب كانوا بياخدوا وقت فى الكتابة علشان يخلقوا ملامح وتفاصيل لكل شخصيات العمل، وعلشان كده كانت الناس بتصدقها وبتقتنع بالعمل وبيعيش، شوف
على سبيل المثال: أسامة أنور عكاشة كان بياخد وقت وجهد كبير علشان يكتب عمل، وحاليا هناك بعض الكتاب بيهتموا بتفاصيل العمل، ومنهم على سبيل المثال (باهر دويدار) مؤلف مسلسل الاختيار، ولذلك تحقق هذه الأعمال نجاحا كبيرا لم يكن يتوقعه الجمهور.
وبلسان من عانى وجاهد فى حياته الفنية، فلم يكن مشوار(هادي الجيار) مفروشا بالورود، بل عانى كثيرا في حياته المهنية والفنية، لهذا يقول بمرارة : (الإعلام خلق صورة لا تعبر عن جموع الفنانين، والناس فاكرة إن كل الفنانين عندهم شاليهات فى الساحل الشمالى وساكنين فى فيلات فخمة، وأجورهم خيالية وبالملايين وبيعبوا فى الفلوس، من مغارة على بابا، وكأن الفنان كائن مختلف مرفه) وتساءل قائلا: (انتم كإعلاميين كلكم بتاخدوا ملايين؟!، وأنا بشتغل بقالى حوالى 50 سنة، إحنا ناس عادية مستورين، وأنا كنت عضو نقابة فى 2007، وكنت بشوف زمايلى مطحونين، وبيعانوا من ظروف الحياة زى باقى الناس، ومش كلنا مليونيرات، حتى لما حد بيتعب بيقولوا أهو لو كان فنان كانوا سفروه المريخ يتعالج والحقيقة غير كده).
وفي النهاية وعلى الرغم من عدم محالفة الحظ لـ (هادي الجيار) في الأعمال السينمائية، ولكن يمكننا أن نقول أنه واحد من أنجح نجوم الدراما التليفزيونية المصرية بمختلف الأدوار والأشكال، فقد قدم الجيار ما مايزيد عن 130 مسلسلا على مدار خمسون عاما من الإبداع والفن، ولم يثبت الجيار على أنواع واحدة من الأدوار، ولكنه كان يغامر بالتنوع والتغيير، قدم الأدوار الكوميدية والدرامية والتشويقية، وكان له النصيب من النجاح الباهر الذي أسعد الملايين، فاللجيار عدد من الأعمال الدرامية الرائعة، التي أصبحت من العلامات المعروفة في الدراما العربية وليس فقط على المستوى المحلي.
وقد شارك النجم الكبير (هادي الجيار) بأدوار البطولة أمام كبار نجوم الفن مثل النجم محمود ياسين في مسلسل (العصيان)، والنجم ممدوح عبد العليم في (مسلسل الضوء الشارد) والنجم يوسف شعبان في (مسلسل المال والبنون)، وقد شارك أيضا النجوم الشباب في عدد من الأعمال الدرامية التي لاقت نجاحا كبيرا مثل مسلسل (القطة العميا) مع النجمة حنان ترك، ومسلسل (شارع عبد العزيز) مع الفنان عمرو سعد ومسلسل (الزناتي مجاهد) مع الفنان الكوميدي سامح حسين، وكان لهادي الجيار دور كبير ومميز للإضافة إلى العمل وإعطائه أسباب قوية للنجاح الجماهيري، فمشاركة نجم كبير بحجم هادي الجيار يضيف صقل إلى أي عمل يظهر فيه.
ونحن في بوابة (شهريار النجوم) ننعي أسرته ومحبيه ونترحم على رحيله، فقد كان (هادي الجيار) نجم الدراما التليفزيونية – بعد السينما والمسرح – الذي تمتع طوال حياته بتواضع الكبار الذين يدركون رسالة الفن – رحمه المولى عز وجل – وندعوه سبحانه وتعالي أنه يمنحه العفو والمغفرة وأن يثبت خطاه ويدخله فسيح جناته، بقدر ما أخلص في رحلتي الفن والحياة.