محمد عوض .. (المنسي) الذى كان سببا فى شهرة عادل إمام (2/2)
* بسبب (مطرب العواطف) قاطعه عبدالحليم حافظ
* كون فرقة مسرحية وأنتج خمس مسرحيات لفؤاد المهندس
* كان أول أدواره فى فيلم (شجرة العيلة) مع المخرج (شريف والي) عام 1960
* قدم 65 فيلما سينمائيا، و100مسرحية، و30 مسلسلا تليفزيونيا، ولم يتم تكريمه
كتب : أحمد السماحي
يقول الناقد والباحث السينمائي (محمود قاسم) فى دراسته عن الفنان الكبير (محمد عوض) فى كتابه (أبطال الضحك): للكوميديا بريق خاص فى المسرح عنه في السينما، لذا فهناك عشق ما بين نجوم الكوميديا فى المسرح أكثر من السينما، والعكس، والحالة الأولى يدخل فى إطارها أصحاب أسماء كثيرة منهم (نجيب الريحاني) نفسه، ومحمد عوض ومحمد صبحي، أما الحالة الثانية التى يلمع فيها الممثل على الشاشة أكثر من لمعانه فى المسرح فتتضح بقوة فى إسماعيل ياسين فى المقام الأول.
والممثل يثير الضحك فى كلتا الحالتين، لكن عندما يذكر فإن الناس تتحدث عن أدواره المسرحية فمحمد عوض هو (عاطف الأشموني) في (جلفدان هانم)، ومصيلحي فى (العبيط)، والجمل التى كان يرددها في بعض أفلامه الأولى كانت مأخوذة مباشرة من طريقته فى الأداء المسرحي الذي برع فيه فى أعماله، ومنها جملة (أنا إسمي ميمي) فى فيلم (الأزواج والصيف) لعيسى كرامه، وجملة (يوم الخميس حلو يا بنفسج) في فيلم (سنوات الحب) لمحمود ذوالفقار.
فى الحلقة الماضية توقفنا عند نشأته الأولى، وتكوينه مع الكاتب الصحفي والفنان (سعيد عبدالغني) في فرقة الجامعة لإعادة أعمال الريحاني، واستعانته بالفنان الكبير(سراج منير) لإخراج مسرحياته فى الجامعة، وكيف عاش فترة فى دولاب ملابس ماري منيب، وعمله على مسرح الريحاني بعشرة جنيهات، وتأثير مجموعة من النجوم والكتاب عليه، وعمله فى فرقة (ساعة لقلبك) بعد تركه لفرقة الريحاني وسعيه للتعرف على الفنان (عبدالمنعم مدبولي) الذي ضمه لفرقة (ساعة لقلبك) وأيضاً لفرقة (المسرح الحر)، وبعد انضمامه لفرقتي ساعة لقلبك والمسرح الحر ظهرت موهبته سريعاً وأثبت أنه بالفعل مشروع لنجم كوميدي كبير وذلك من خلال مشاركته في العديد من الأعمال المسرحية والإذاعية التي كانت تقدمها الفرقتين خلال هذه الفترة.
جلفدان هانم
فى بداية الستينات كان من المفروض أن يقوم ببطولة مسرحية ( المفتش العام)، لكنه بعد إجراء بروفاتها تم تغييره، وجاءوا بالفنان أبوبكر عزت، وطار حلم البطولة الذى كان ينتظره، ونظرا لاحتياجه للفلوس قرر المشاركة مع فؤاد المهندس فى مسرحية (أنا وهو وهى) وبدأ إجراء البروفات على دور مساعد المحامي المتحذلق، وبعد عدة بروفات، استدعاه (عبدالمنعم مدبولي) ليقوم ببطولة مسرحية الكاتب على أحمد باكثير (جلفدان هانم)، فترك دوره فى مسرحية (أنا وهو وهي) ليقوم ببطولته الشاب الجديد (عادل إمام)، الذى كان هذا الدور سبب شهرته.
وبعد عدة أسابيع من البروفات على (جلفدان هانم) تم عرض المسرحية فى نفس الموسم الذى عرضت فيه (أنا وهو وهي) فحققت (جلفدان هانم) نجاحا كبيرا واستمر عرضها عدة شهور، فى الوقت الذى لم تحقق مسرحية (أنا وهو وهى) إلا نجاحا محدودا، وكان أهم نجاح فيها هو ظهور الفنان (عادل إمام)، وبعد (جلفدان هانم) توالت العروض على (محمد عوض) الذى تألق فى مسرحيات من طراز (العبيط، نمرة 2 يكسب، مطرب العواطف)، وكانت (اللازمات) التى يطلقها فى المسرح سببا لنجاحه مثل (أنا عاطف الأشموني مؤلف الجنة البائسة) فى (جلفدان هانم)، و(أعمل ايه .. أعمل ايه المعجبات عايزة كده) فى (مطرب العواطف)، وهى جمل لازالت ملتصقة بالذاكرة رغم مرور الزمن.
سر غضب عبدالحليم حافظ
من النوادر التى يذكرها المخرج السينمائي الشهير (عادل عوض) عن والده أن المطرب (عبدالحليم حافظ) كان من أشد المعجبين بالفنان (محمد عوض)، وسافر معه إلى دولة الكويت فى بداية الستينات وظهرا معا فى أحد البرامج التليفزيونية، ويومها أشاد (العندليب بعوض)، لكن كل هذا تبدل وتغير بعد أن قدم (محمد عوض) مسرحية (مطرب العواطف)، حيث كان يلعب دور مطرب عاطفي مرهف الحس، رقيق، تحاط به المعجبات فى كل مكان يذهب إليه، وأثناء تقديم المسرحية، سرب بعض أولاد الحلال إلى (العندليب) أن (محمد عوض) يسخر منه فى مسرحيته الجديدة (مطرب العواطف)، وصدق (حليم) هذه الشائعات، وغضب غضبا شديدا وقاطع الفنان الكوميدي فترة طويلة، حتى عرضت المسرحية فى التليفزيون ونالت إعجاب (عبدالحليم) الذى أشاد بالمسرحية وبطلها.
الفرسان الأربعة
مضت السنوات وواصل (محمد عوض) تألقه ونجاحه الفني في المسرح، حيث كان من أهم نجوم الكوميديا على ساحة المسرح المصري في الستينيات وشكل مع (فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي وأمين الهنيدي) فرسان المسرح الكوميدي التي تحقق أعمالهم المسرحية النجاح الهائل، واستمرت نجومية (محمد عوض) في ازدياد بل زادت مساحة أفلامه واستمر تواجده المسرحي بنفس القوة والتألق.
(فرقة الكوميدي المصرية)
في عام 1968 كون فرقتة المسرحية التى حملت اسم (الكوميدي المصرية) وصرف أموالاً طائلة على الفرقة التي استقطب إليها نجوماً كباراً حيث أنتج لـ (فؤاد المهندس) خمس مسرحيات، ولم تحقق الفرقة النجاح المنتظر فقام بإغلاقها بعد أن تكبد خسائر فادحة.
السينما
كان من الطبيعي بعد النجاح الكبير الذى حققه (محمد عوض) فى المسرح أن تقبل عليه السينما، فعمل فى السينما والمسرح فى نفس الوقت وكان أول أدواره فى فيلم (شجرة العيلة) مع المخرج (شريف والي) عام 1960، وبعد هذا الفيلم توالت أفلامه لكنه لم يلفت إليه الأنظار كثيرا فى أدواره السينمائية التى جسدها، فهو الموظف الذى تنجب امرأته كثيرا فى فيلم (دعنى والدموع)، وهو صديق للأمير فى فيلم (أميرة العرب)، وكان من الواضح أن صناع السينما يودون الرهان عليه مثلما حدث مع (فؤاد الهندس)، فما أن نجحت مسرحيته (أنا وهو وهى) حتى تحولت إلى فيلم قام ببطولته (المهندس)!.
أما (محمد عوض) فقد حدث له العكس، حيث أسندت البطولة فى الأفلام المأخوذة عن مسرحيات نجحت من خلال أدائه إلى ممثلين آخرين أهمها مسرحية (العبيط) التى تحولت إلى فيلم بنفس الإسم جسده (فريد شوقي)، وقد ظل (محمد عوض) رغم خفة ظله المتناهية فى السينما والمسرح معا يقوم بأدوار البطولة الثانية لعدة سنوات فى السينما، قبل أن تسند إليه البطولة الجماعية ورأيناه مع آخرين فى أفلام مثل (آخر شقاوة، آخر جنان، المغامرون الثلاثة، جدعان حارتنا، الأصدقاء الثلاثة، حارة السقايين، شقة الطلبة) وغيرها.
حواء والقرد
قدم (محمد عوض) عشرات الأفلام التى قام فيها بأدوار البطولة المساعدة، لكنه كان خفيفا جذابا بمثابة فاكهة الفيلم، وفى عام 1968منحه المخرج (نيازى مصطفى) أول دور بطولة مطلقة فى فيلم (حواء والقرد) مع سعاد حسني، بعدها تتالت أدوار البطولة مثل (أزمة سكن) لحلمي رفله، (غرام فى الطريق الزراعي) إخراج عبدالمنعم شكري، (إخواته البنات) لبركات، وغيرها.
الأدوار الثانية
كانت رحلة (محمد عوض) مع البطولة المطلقة قصيرة حيث عاد فى النصف الأول من السبعينات إلى الأدوار المساعدة مرة أخرى للمشاركة فى البطولة مع النجوم الذين بدأ معهم مثل (حسن يوسف ونور الشريف)، فرأيناه فى أفلام (مدرسة المشاغبين، البنات والمرسيدس، الشياطين فى إجازة، البنات والحب)، وقد كان (محمد) يعود لأدوار البطولة بين وقت وآخر لكن الكثير من هذه الأفلام لم تكن لها قيمة فى عالم الكوميديا نفسها، ومن هذه الأفلام (رحلة العجائب) لحسن الصيفي عام 1974 أمام نبيلة عبيد، وفى نفس العام قدمه المخرج علي بدرخان فى فيلم (شيلني وشيلك) أمام نسرين.
ورغم أن أفلام محمد عوض قد قلت أهميتها فى السينما إلا أنه لم يترك الكوميديا فى أفلامه قط، وزادت أفلامه ومسرحياته الناجحة لدرجة أنه كان يقدم ما بين ثلاثة وخمسة أفلام كل عام، وكان تقريباً هو صاحب الأفلام الكوميدية الناجحة في تلك الفترة ولم يكن ينافسه وقتها إلا (عادل إمام) الذي قد بدأ في أدوار البطولة السينمائية المطلقة.
غروب شمس النجومية
تجيء حقبة الثمانينيات لتشهد بعض التغيرات في مشواره الفني فقد تراجع سينمائياً إلى حد ملحوظ، خصوصاً مع الانطلاقة السينمائية لنجوم جاءوا معه أو بعده بقليل مثل (عادل إمام، سعيد صالح، سمير غانم) على مستوى السينما الكوميدية، كما أن السينما خلال هذه الحقبة قد بدأت تغير جلدها ودخلتها موضة أفلام المقاولات وأيضاً دخلها رواد سينما الواقعية الجديدة أمثال (عاطف الطيب، محمد خان، داود عبدالسيد، رأفت الميهي، خيري بشارة)، فأحدث هؤلاء المخرجون الشباب نقلة مهمة في السينما المصرية جعلها لم تعد تحمل أكثر من نجم كوميدي واحد هو (عادل إمام).
برج الحظ أو شراره
رغم أن أضواء الكوميديا قد راحت عليه إلى نجوم آخرين لكن نجاح (عوض) فى مسلسل (برج الحظ) تليفزيونيا فى بداية الثمانينات قد أعاد اكتشافه، فقدم فيلم (اللي ضحك على الشياطين) إخراج ناصر حسين، و(أخي وصديقي سأقتلك) إخراج يس إسماعيل ياسين، وقد اتجه فى نهاية حياته لأفلام المقاولات الكوميدية لعل أبرزها (سفاح فى مدرسة البنات)، وبعد أدوار قليلة فى فترة الثمانينات أصبح نجم الكوميديا الكبير قليل الظهور في الأعمال الفنية، ولم تكن هذه الحقبة مثل الستينيات والسبعينيات، التي شهدت تألقه ونجوميته الساطعة، ولكنه أبداً لم يفقد مكانته على الساحة الفنية ولا في قلوب جماهيره كواحد من أفضل وأهم نجوم الكوميديا طوال تاريخها، وفى عام 1992 اختتم حياته أيضا بدور كوميدي تدور أحداثه حول رجل فقيرا كان يحلم أن تتم له جنازة مهيبة فتم له ذلك بالمصادفة فى فيلم (آي . آي) بطولة النجمة ليلى علوي، وإخراج سعيد مرزوق.
عادل عوض يتذكر
عن والده يقول من المعروف عن (محمد عوض) أنه كان شخصاً طيباً إلى أبعد الحدود وكريماً إلى حد لا يوصف، حدث شيء آخر تسبب في مشاكل عديدة له فى نهاية حياته، فقد اشترى أرضاً شاسعة واستصلحها وحولها إلى أرض زراعية بالقرب من مدينة الإسماعيلية، ولم يكن هذا المشروع ناجحاً فقد استنفدت هذه الأرض طاقته المالية والصحية بعد أن أنفق عليها الأموال الطائلة ولم تعد عليه بالعائد المتوقع والمنتظر وقد أصابه هذا بحالة من الحزن الشديد أثرت جداً على حالته الصحية والنفسية.
الرحيل
في يوم 27 فبراير عام 1997 رحل عن الدنيا (محمد عوض)، بعد أن عاني بعض المشاكل والمتاعب الصحية والنفسية في سنواته الأخيرة، يرحل هذا النجم الكبير الذي أضحك الملايين في مختلف أرجاء العالم العربي، وقد خلف وراءه ثروة هائلة من المسرحيات والأفلام والمسلسلات، وثلاثة أبناء يعملون فى الحقل الفني هم المخرج السينمائي (عادل عوض) ومصمم الاستعراضات (عاطف عوض) والفنان (علاء عوض).