مى عز الدين .. كوميديانة برعت في التراجيديا !
كتبت : سدرة محمد
يفترض على الفنان أن يؤدي الأدوار كافة، سواء كوميدية أو تراجيدية، شريرة أم خيرة، ومن ثم يجب عليه دوما أن يمسك العصا من الوسط، وهذا أمر صعب، لأن الجمهور لا يحب أن يرى الفنان على وتيرة واحدة، بل يحب أن يراه متنوعا في أدواره، وتبقى الكوميديا صعبة جدا، فكما هو معروف ليس بمقدور أي ممثل أن يضحك الناس، وأن الفنان الذي يؤدي أدوارا كوميدية يفترض يكون قريبا من الوصول إلى قلب الجمهور، بما لديه من قدرة على تقمص التراجيديا والكوميديا في آن واحد، لأنه يحتاج كاريزما تؤهله أداء الشخصيات كافة.
وعندما يصدّق الممثل ما يؤديه ويعيش الحالة بواقعية، سواء كوميدية أو تراجيدية، يقتنع الآخرون بشخصيته ويصدّقونه لأن التمثيل، بكل بساطة، هو عدم التمثيل، وليس بالضرورة أن يكون الممثل الدرامي يجيد فن الكوميديا والتراجيديا على حد سواء، يكفي أن يكون بارعا في أحدهما، أما لو كان بارعًا في الاثنتين فإنه يصبح ممثلاً استثنائيًا وهذا قليل جدًا حتى على مستوى العالم، أما أن يحدث لدى الممثل تحول كأن يشتهر كوميديان ثم يتحول بعد سنوات إلى ممثل تراجيدي أو العكس، فهذا أمر محفوف بالمخاطر، ولا يغامر بذلك إلا ممثلا يثق بنفسه ولديه الموهبة الكافية، لأن الكثيرين فشلوا في أول قرارهم بالتحول.
وضيفتنا النجمة الكبيرة (مي عز الدين) هة من نوعية الممثلات اللاتي تحولن بشكل احترافي من الكوميديا إلى التراجيديا كما حدث معها في مسلسلها الذي انتهي قبل أسبوعين تقريبا (خيط حرير) والذي أثبتت من خلاله أن التراجيديا تعمل عمومًا على عرض أحداث من الحزن ونتيجة مؤلمة وحزينة في النهاية، ووفقًا لأرسطو، فإن هيكل العمل التراجيدي لا ينبغي أن يكون بسيطا بل ينبغي أن يكون معقدا وأن يمثل الحوادث التي تثير الخوف والشفقة كما جسدت شخصية (مسك) في هذا المسلسل بكل تدعياتها المؤلمة، ورغم أنها تمتلك ملامح طفولية ناعمة، إلا أنها استطاعت خلال الفترة الأخيرة أن تثبت جدارتها ومكانتها على الشاشة الصغيرة وأن تتصدر أعمالها أعلى نسبة مشاهدة على شاشة التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي حتى باتت عنوانا دائما لكثير من المنتجين وأيقونة نجاح مضمونة في وقت تراجعت فيه نجومية الكثير من الفنانات بسبب شدة المنافسة.
ولدت (مي عز الدين) في مدينة أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، وبعمر 4 سنوات ، انفصل والدها عن والدتها، فعادت مع والدتها إلى مسقط رأسها بالإسكندرية، حيث استقرت معها، ورغم أن والدتها مسحية إلا أن والدها زرع في نفسها حب تعليم الدين الإسلامي وقواعده، وإيمانا منها بأن على كل إنسان أن يعيش كما ولد ويعبد الله كما خلقه، ساعدتها والدتها في تلقينها تعاليم الدين الإسلامي حيث كانت تحرص على صيام شهر رمضان ، وأن تصلي الفروض في أوقاتها .
كان لمي أخت واحدة غير شقيقة أسمها هبة، ورغم أنها ابنة زوجة والدها، لكنهما تربيا معا منذ الصغر، وظلت علاقتهم حميمة للغاية، وكانت (مي) طفلة جميلة محبوبة، سابقة سنها ففي الحضانة قدمت خطبة التخرج رغم صغر سنها، وبدخولها مدرسة النصر للبنات بالإسكندرية اشتركت بفرقة مسرحية بالمدرسة، ولعل حبها للفن جعلها طموحة للأفضل، التحقت للكلية الآداب بجامعة الإسكندرية – قسم اجتماع ، ونمى لعلمها بأن المطرب المشهور (محمد فؤاد) يبحث عن وجه جديد لفيلمه الجديد (رحلة حب)، ومن هنا سألت المخرج (منير راضي) الذي كان صديق العائلة ، وطلبت منه أن يقابلها بمخرج الفيلم محمد النجار، وعندما رأها وجد في وجهها موهبة جديدة وأعطاها دور البطولة .
كانت بداية (مي عز الدين) الفنية في فيلم محمد فؤاد (رحلة حب) في عام 2001م ، وبعد اشتراكها في هذا الفيلم رأتها الفنانة العظيمة يسرا، واختارتها معها في مسلسلها (أين قلبي)، حيث اتصلت بالمخرج مجدى أبو عميرة وأخبرته أنها وجدت من ستقوم بدور ابنتها في المسلسل، وفعلا أسند الدور لها رغم وجود أربعين مرشحة، وأدت الدور بجمال وخفة أعجب بها الجميع، وكان فرصة لها أن تعلمت الكثير من الفنانة يسرا من خلال المشاركة معها ، ظهرت بعد ذلك في العديد من الأدوار المميزة منها (كلم ماما ، بوحه ، خيانة مشروعة)، وأصبح أسمها يتردد بين المنتجين والمخرجين لتميزها الذي ليس له حدود، حيث شاركت بعدها بمسلسل (محمود المصري) ودخلت بوابة الدراما عام 2002 من خلال ظهورها الثاني في مسلسل (أين قلبي)، وفي 2003 شاركت بمسلسل (الحقيقة والسراب)، الذي لعبت فيه ببراعة دور منال إبنة فيفي عبده .
وفي نفس العام 2003 اشتركت (مي) في فيلم (كلم ماما) وقدمت شخصية (داليا مقالب) ، وفي عام 2004 شاركت بمسلسل (يا ورد من يشتريك) ، ودور شهد مع الفنانة يسرا في مسلسل (لقاء على الهوا) ، وفي نفس الوقت قامت بالاشتراك بفيلمي (فرح، وكيمو وأنتيمو)، وكما شاركت أيضا في فيلم (خيانة مشروعة) حيث قدمت دورا مميزا لها، وظهرت بمسلسل “محمود المصري” رفقة عددٍ من نجوم الدراما المصرية، أما في السينما فقد شاركت بفيلمين هما “فرح” و”كيمو وأنتيمو”، وعلى الرغم من فشل هذين الفيلمين، إلّا أنّ مي تعتبر دورها في فيلم فرح واحدً من أفضل أدوارها، وبعد عام ظهرت بدور كوتة في بطولة الفيلم الكوميدي (بوحة) مع النجوم حسن حسني ومحمد سعد، وفي 2006 قدمت أداء مبهرا بأربع شحصيات هي (جميلة، وعفت ونسمة وزبدة) في الفيلم الكوميدي (أيظن)، كما شهد نفس العام حضورها المميز بدور (ريم) في فيلم (خيانة مشروعة)، وشاركت حسن حسني بطولة مسلسل (بنت بنوت).
لكن (مي عز الدين) نالت أعجاب الجماهير بصورة غير منقطعة النظير في فيلم (عمر وسلمى) ، وتميزت بدورها مع الفنان تامر حسني ، ومن شدة أعجاب المشاهدين أعتقد البعض بأن الفنان تامر حسني سيرتبط بها، وإنما هو مجرد عمل فني فقط، كما قدمت بطولة فيلم (شيكامارا) بشخصيتين؛ (شيكامارا) سائقة الميكروباص، والتي تعمل من أجل كسب لقمة العيش، و(جايدة) شبيهتها الثرية والمترفة، وشاركت أيضًا بفيلم (عجميستا) في نفس العام، وقدمت بطولة فيلم (حبيبي نائما) عام 2008 بدور (نسمة)، ونال دورها استحسان النقاد. وبعد عام عادت للظهور بالجزء الثاني من فيلم (عمر وسلمى) والذي حقق أيضًا كل النجاح.
وبعد اختفاء لمدة سنتين عادت للظهور على الشاشة الصغيرة عام 2010 من خلال مسلسل (قضية صفية) بشخصية (صفية) الريفية البسيطة التي جسدتها بشكل مميز وناجح، كما شاركت محمد سعد بطولة فيلم (اللمبى 8 جيجا) بدور (رجاء) زوجة اللمبي، وفي رمضان 2011 ظهرت بشخصية (نانسي) بمشاركة تامر حسني ببطولة مسلسل (آدم)، وظلت تعمل في كل عام فيلم ومسلسل، ففي 2013 قدمت مسلسل (الشك) وفيلم (جيم أوفر)، وعام 2014 قدمت مسلسل (دلع البنات).
وتألقت (مي عز الدين) أكثر فأكثر، حيث قدمت عام 2015 مسلسلها الرائع (حالة عشق) ، وفي 2016 قدمت مسلسل (وعد)، وكليهما نالا إعجاب الجمهور، وكان لهما صدى كبيرعلى ساحة الدراما التليفزيونية، ودخلت في السباق الدرامي في رمضان، وعندما غابت عن الساحة الدرامية الرمضانية في عام 2017 تسائل الجمهور عن عدم وجودها في هذا العام ، ثم عادت في رمضان الماضي 2018م في دور جديد من خلال مسلسل (رسايل)، من تأليف محمد سليمان وإنتاج شركة سيزجى للمنتج تامر مرسي ، وأخراج ابراهيم فخر، وفي عام 2019 قدمت مسلسلها الكوميدي (البرنسيسة بيسة)، والذي سجل تراجعا ملحوظا في مسيرتها التمثيلية.
لكنها عاوت تألقها بشكل تراجيدي أثبت قدرتها على الأداء الصعب في 2020 بمسلسلها الذي يجنح نحو الإثارة والتشويق (خيط حرير)، والذي اكد أنها ممثلة تمتلك قدرات خاصة في التجسيد الدرامي على جناح التراجيديا بأروع صورها، حاصة في الحلقات العشرة الأخيرة، والتي أظهرت من خلالها طاقة الشر التي تسكنها ورغبتها الجامحة في الانتقام من غرامائها، لكنها أنهت المسلسل بطاقة أكبر وقدرة على التسامح ولم الشمل العائلي والجنوح نحو فعل الخير انظلاقا من أنه لايبقى من الإنسان في نهاية المدى سوى سيرته الطيبة.
نالت (مي عز الدين) عدة جوائز عن أعمالها التليفزيونية والسينمائية، ومن أهم مميزاتها أنها تحب استشارة الآخرين ومعرفة آراءهم، وتجمع حصيلة الآراء كلها حتى تحقق هدفها، وهي تعشق السفر، فبمجرد أن تنهي تصوير أي فيلم أو مسلسل تسافر إلى أي مكان مطل على البحر، سواء داخل مصر أو خارجها ، وأيضا لا تحب الكلام في السياسة والرياضة والدين، وتقول دائما : أنا لا أضع نفسي في أي مكان، الجمهور هو الذي يضعني في المكانة التي أستحقها، وهذا الجمهور لا يظلم أحدا أبدًا، فالفنان الذي يحبه يظل معه دائما ويكون هو المدافع الأول عنه وأنا لا أفكر في الغيرة الفنية فهي آخر ما أفكر فيه ويهمني التركيز في عملي فقط دون صراع البعض على النجومية فالجمهور يعرف من هى نجمته المفضلة.