ديمة قندلفت .. جوكر الدراما السورية
كتبت : سدرة محمد
تميزت بميلها للأدوار الجريئة والصعبة، وغالبا ما تستهوييها أدوار المرأة القوية، على اختلاف أنواعها وظروفها وبيئتها ومكامن القوة لديها، وبشكل عام أكثر الأدوار التي جسدتها كانت لشخصيات قوية من نموذج الفتاة المتمردة على واقعها، أو نماذج أخرى لا ترضخ ولا تستسلم للظروف، وغيرها من اللواتي يكسرن بعض العادات، الأعراف أو القيود، إنها إذن تمتلك شخصية متمردة في الحياة والعمل الدرامي، وهو ما جعل شخصيتها غير المستكينة ترغب دائما في تجسيد الشخصيات التي تحمل في طياتها تناقضات تخلق إشكالية معينة، أو تنضوي على مقاومة من الشخصية ضد عنف أو قيود مجتمعية بالية، أو ضد أحكام أخلاقية يطلقها المجتمع على فكر أو سلوك معين، ولذلك تقول: إن معظم الشخصيات التي لعبتها جذبتني أو قد أكون أنا من جذبتها.. فكيف لي ألا أحبّها؟.
إنها النجمة السورة الناضجة على نار هادئة (ديمة قندلفت) والتي تصنف الآن مع فنانات الصف الأول، حيث برعت في أداء جميع الأدوار التي لعبتها، وهو ما ساهم في إطلاق لقب (جوكر الدراما السورية) عليها، مسلسلات عديدة شاركت فيها ولعبت من خلالها أدورا مهمة طبعت في ذاكرتنا، ولذا تمتلك النجمة السورية حضوراً محبباً لدى الجمهور، بدأته حين تعاطف المشاهدون معها ضمن قصص قدمتها ديمة، مثلّت من خلالها دور الصبية السورية في عمر الشباب، مع معاناة متعددة الجوانب تظهر ضمن ظروف الفقر في مسلسل (قاع المدينة)، وخيبة الأمل بالحبيب في (وشاء الهوى)، واختلاف الأديان في (أهل الغرام)، وبذلك صنعت ديمة نموذجاً واقعياً من الدور الدرامي القريب من المشاهد، إذ شعرت كثير من الفتيات أنهن مكان ديمة، حين عنفها والدها ضمن (أشواك ناعمة)، وتقاسمت زوجات كثر مع ديمة مشاعر الأمومة والصراع حول دين الابن في مسلسل (بنات العيلة)، وللعلم فإن كل الأدوار التي مثلتها ديمة مستمدة بشكل أو بشكل آخر من أوضاع السوريين أنفسهم.
ولدت ديمة قندلفت عام 1979 في دمشق، من أم لبنانية الأصل وأب سوري، ودرست في مدارس دمشق حتى حصلت على شهادة الثانوية العامة (البكالوريا)، ثم التحقت بجامعة دمشق كلية الاقتصاد، وخلال الدراسة في الجامعة بدأت احتراف الغناء، وانقطعت عن دراسة الاقتصاد، ثم التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، الذي انقطعت عنه في السنة الثالثة، ثم عادت لاستكمال دراستها في كلية الاقتصاد عام 2013، وهناك تعرفت على زوجها الحالي همام الجزائري، وتزوجا عام 2015.
وعن كونها تنتمي لأصول (لبنانية سورية) تقول (ديمة قندلفت): عبر التاريخ مررنا بتجارب وتحديات مشتركة، ولدينا تاريخ ثقافي مشترك، لكن بالتأكيد، كون أمي لبنانية أضفى الأمر تنوعاً في المنزل، وأغنى جوانب كثيرة في حياتي، في طفولتي، لطالما أمضيت الشتاء في سورية والصيف في لبنان، لا أعتبر نفسي سائحة في لبنان وتربطني ذكريات بأماكن كثيرة منها (مرجعيون) مسقط رأس والدتي، (القليعات، حرش تابت) حيث منزل العائلة، تلك الحارة التي لها المساحة الأكبر من ذكريات طفولتي وما زالت، لدي مجتمع كامل في لبنان، أهل وأصدقاء والكثير من الذكريات.
وبالبحث عن جذور حبها للفن وجدنا من خلال سيرتها أن (ريمي بندلي) والتي كانت بنفس عمرها تقريباً بمثابة حافز لها في الاتجاه نحو الفن، حيث كانت في مدينة جبيل وعمرها 7 سنوات وتشاهد لها مسرحية ومرت من أمامها ترتدي فستاناً أبيض وتغني وكل الناس فرحت بها، لأنها كانت تمتلك صوتاً عذباً، مما جعلها تبدأ حياتها الفنية كمغنية في فرقة (جوقة الفرح) ثم انتقلت إلى فرقة (قوس قزح)، وظهر أول عمل لها مع (بشار زرقان) في جدارية لمحمود درويش، انضمت بعدها لفرقة (سفر) وأقاموا حفلاً في لبنان، وقام التلفزيون السوري الحكومي بعرض بعض أغاني الفرقة.
بعد ذلك قررت (ديمة قندلفت) دخول مجال التمثيل، وكان أول عمل تمثيلي لها في المسرح بعنوان (أغنية القمر) عملت بعدها مع سامر المصري وباسل خياط في مسرحية (أبيض – أسود)، ثم عملت مع عابد فهد في المسلسل التلفزيوني (أبيض أبيض)، وتوالت أعمالها وقدمت العديد من البطولات في التلفزيون والمسرح والسينما بعدها، حيث قدمت (قندلفت) أعمال سينمائية هامة تركت أثراً، كالفيلم الطويل (علاقات عامة) والفيلم القصير (المصير) في عام 2005، وشاركت في فيلم (الأمانة) حول الجولان عام 2009، جسدت دور ابنة تعيش ضمن عائلة جولانية تتمتع بالحكمة والرومانسية. ووبعده فيلمي (العاشق، ومريم) عام 2011، و(الأم) عام 2015.
في مجال الدراما التلفزيونية بدأت (ديمة) مع عابد فهد في مسلسل (أبيض أبيض)، بدور لطيفة عام 2001، لتتوالى بعدها أعمالها التلفزيونية دون انقطاع كل عام، ومن أبرز أدوار البطولة العظيمة والجريئة التي لعبتها دورها في مسلسل (غزلان في غابة الذئاب) عام 2006 بدور (سلوى) التي تتعرض للاستغلال والتهديد من أبناء أحد المسؤولين الفاسدين وتعيش حالة الخوف بسبب ذلك، ويعد هذا الدور أحب ما قدمته في رحلتها في (غزلان في غابة الذئاب) وأيضا في مسلسل (أشواك ناعمة)، وولعل السبب في ذلك أنها جسدت مشاهد تعنيف المرأة تؤثر بها حتى الآن، لأن مجتمعاتنا ما زالت تعاني من هذه الظاهرة المرضية، وتشهد حالات وأعداداً ا يمكن أن نحصيها – وعلى حد قولها – للأسف لم نتمكن بعد من سنّ قوانين فعالة تحمي النساء المعنفات أو حتى الأطفال، ولا من تطبيق القوانين الموجودة، والأصعب هو إحداث تغيير جذريّ في الفكر المجتمعي للتخلص من حكم الأعراف والتقاليد في ما يخصّ هذا الموضوع.
حازت (قندلفت) على (جائزة أدونيا) كأفضل ممثلة دور ثاني عن دورها شهد في مسلسل (سحابة صيف) عام 2009، كما لعبت دورا رائعا للغاية في مسلسل (قاع المدينة) حيث جسدت شخصية (رولا)، تلك الفتاة الجامعية الفقيرة التي تصبح لديها عقدة نتيجة التفاوت بين طبقات المجتمع، والثمن الغالي الذي تدفعه الفتاة الفقيرة لتحقق رغباتها، هذا بالاضافة لدورها المميز في مسلسل (ماملكت أيمانكم) عام 2010 الذي تحدث عن التطرف الديني ووضع المرأة في مجتمع ذكوري، حيث لعبت فيه دور (عليا)، ويبدو ملحوظا أيضا دورها في مسلسل (تعب المشوار) عام 2011 بدور (ميسون) الفتاة قوية الشخصية التي تقع في حب رجل يكبرها بـ 26 عاماً لتعيش علاقة سرية معه.
ومن ضمن الأدوار الميزة في رحلة (ديمة قندلفت) دور مايا في مسلسل (علاقات خاصة) عام 2015 والتي لعبت فيه دور شخصية متمردة على قيود المجتمع وعاداته، وكذلك دورها (نجوى العساف) في مسلسل (24 قيراط)، حيث حازت على جائزة (الميوريكس دور) لأفضل ممثلة عن دورها في مسلسلي (علاقات خاصة، و24 قيراط)، أما مسلسها (الشك) أحد أهم أعمالها فقد كان عام 2018 حيث عرض في رمضان، وعلى الرغم من أن حلقات المسلسل لاتتجاوز العشر دقائق للحلقة الواحدة إلا أنه كان ذو مغزى كبير ومن الأعمال المهمة في حياتها الفنية على الإطلاق بما حملته تلك الشخصية من تناقضات مؤسفة.
معروف أن (ديما قندلفت) اشتهرت من خلال مسلسل (باب الحارة) الذي انسحبت منه بعد المشاركة بالجزء الأول والثاني، ومن بعده تألقت أكثر في أجزاء من مسلسلات (بقعة ضوء، أهل الغرام، سيرة الحب، شبابيك، وصرخة روح)، حيث لعبت أدوار لشخصيات متعددة في هذه المسلسلات أيضا في مسلسلات مثل (ناس من ورق، ممالك النار، ورد أسود)/ وتركت أثراً ونجاحا لافتا للأنظار، وذلك لأنها تحقق معادلة مهمة في حياتها مفادها (سأظل متمرّدة حتى الموت)، ومن جانب آخر شاركت (قندلفت) في برنامج (شكلك مش غريب) على قناة “mbc” عام 2014، وأبدعت في تقمص الكثير من شخصيات الفنانين القدماء، وأيضا خاضت تجربة التقديم الإذاعي عبر برنامج متخصص بقصص الحب، عبر أثير إذاعة المدينة السورية.
وعلى الرغم من عذوبة صوتها، وأطللاقها أول أغنية بصوتها، تحمل عنوان (كبريت) عام 2016، وجاءت هذه الأغنية بمبادرة إنسانية لدعم الأطفال المصابين بمرض السرطان، وقد نشرت فيديو أعلنت فيه مشاركتها بتحدي عود الكبريت الذي انتشر لدعم جمعية (بسمة) للأطفال المصابين بالسرطان، ومن ثم فهى تركز على التمثيل في مجال الدراما التليفزيونية، وفي هذا لا تنتظر الدور الذي ينصفها بل تسعى دائما إلى أن تتلون درامياً، وتقدم ما عندها في قوالب فنية مختلفة.
ربما كان التمكن الواضح الذي أبدته (قندلفت راح) تراجع تدريجياً بعد عام 2011، وذلك لحساب تشتت في قيادة مشروع النجومية، فالفنانة السورية لم تستطع الانتقال إلى بر الدراما المشتركة كنجمة صف أول، رغم أنها حضرت في عملين هما (علاقات خاصة، و24 قيراط)، لكن، ثمة نوع من الحرب الخفية شعرت بها (ديمة)، جعلتها – بحسب قولها – تنكفئ لصالح الدراما المحلية، تزامنا مع قرارها الزواج من رجل الأعمال ووزير الاقتصاد السابق، همام الجزائري، ووفقاً لذلك، جسدت (ديمة) الدور الذي تفوقت في لعبه وتزوجت بشكل مدني، لتشكل حدثاً فارقاً في تاريخ الفن السوري.
من ناحية ثانية لم تحصل ديمة خلال وجودها في سورية على بطولات تنهض بنجوميتها مجددا، بل حصرت نفسها في أعمال محلية، بعضها جاء مؤدلجا برؤية النظام، والبعض الآخر يفتقر لميزانية تصنع منه مسلسلا قويا، وحين اتجهت الفنانة اللبنانية سيرين عبد النور إلى دمشق للعب بطولة مسلسل “قناديل العشاق”، حضرت ديمة في المسلسل بدور ثان غير بارز، وتساءل النقاد بعدها حول حقيقة نجومية ديمة، وهل هي فعلا تعرضت لظلم، وتوقفت في عتبة الوصول إلى الصف الأول، أم أن مقدراتها كفنانة محدودة، لن تصدرها إلى النجومية المطلقة.
ولكنها استطاعت أن ترد على هؤلاء النقاد الذين شككوا في نجوميتها لتثبت العكس تماما، حين ظهرت مؤخرا بمسلسل (الهيبة) في جزئه الرابع، بعيداً عن إنجازاتها كممثلة بارعة، لاحظنا أنّ منذ إطلالتها الأولى حتى يومنا هذا، تغيرت ملامحها بعض الشيء مع مرور السنوات وبفعل عمليات التجميل، هذا إلى جانب التعديلات الجمالية، فعندما نحدق بملامح ديمة قندلفت في بداية مسيرتها، نلاحظ أنها قد تغيّرت بعض الشيء عمّا هى عليه اليوم، نرى أن أنفها كان كبير إلى حد ما وشفاهها صغيرة خصوصاً الشفة العلوية، أمّا حواجبها فكانت رفيعة للغاية.
ومن هنا لجأت (ديما قندلفت) إلى الحواجب العريضة أكثر من ذي قبل، لكن ملامح وجهها لم تتغير في هذه الفترة، كما أنّها غيّرت لون شعرها من الأسود إلى التدرّج الكستنائي المائل إلى الأحمر، وهو مازاد من بريق نجوميتها على جناح أداء احترافي يثبت قدرتها كممثلة تعرف كيف تتسرب إلى عقل ووجدان المشاهد، كما جاء في تجسيدها لشخصية (رانيا بنت عمران) في (الهيبة)، حيث كانت تتلوي كحية قاتلة تراود سمومها وهى تتقلب بوجهها بين الشر والخير في محاولة لتخطي المراحل الناعمة التي عاشتها في كنف عمتها (ناهد عمران) وولديها (جبل وصخر شيخ الجبل)، وقد نجحت في استقطاب تعاطف الجمهور في ظل تراجعها عن خطتها مع نمر وزيدان في انتزاع أملاك عائلة شيخ الجبل.
ويبدو النضج واضحا في تجربة (الهيبة) كما ظهرت في هو دور مركب وله أوجه متعددة وفيه انعطافات كثيرة في مسلسل (الهيبة)، وفي هذا الصدد تقول: لا يمكن تصنيفه في خانة الشر أو غيرها – كما جسدت شخصية (رانيا) – وأنا عموماً أقرأ الخط الدرامي للشخصية من بداية دوري في العمل وأبني لها تاريخا من قبل ظهورها حتى نهاية آخر حلقة ومشهد، وحتى حين تنتهي حدوتة الشخصية أفكر في مصيرها، ومن هنا لا أصنف الأدوار بخير وشر، ما من شر مطلق ولا خير مطلق، أبحث عن الدوافع والأسباب التي تدفع الإنسان بلحظة إلى سلوك شرير، أنا لا أدافع عما هو لا أخلاقي، لكن شخصية رانيا لديها مبرراتها ودوافعها.
ولديمة – التي تعد إحدى حسناوات الدراما السورية – رأي في ما يتعلق بموضوع جمال الممثلة واستثماره في الدراما، فهي ترى أنه من عشر سنوات لم يكن جمال الفنانة مقياسا لنجاحها، وإنما الشكل المقبول إلى حد ما فقط، ولكن، حسب قولها (في السنوات الأخيرة، صار الجمال مطلوبا وبالدرجة الأولى، وهذا لا يسرّ الممثل المحترف، فالتمثيل ليس مسابقة لملكات الجمال، إنما له مقومات مختلفة كالحضور والموهبة والخبرة والحرفية والثقافة، فالدمى ستبقى دمى تستهلك ولن تضيف شيئا لمسيرة الدراما وتطورها، بل على العكس الاستمرار بهذا التقييم والنهج الذي انتشر مؤخرا سيهوي بالدراما أيا كان نوعها أو جنسيتها، ويفرغ النتاج الفني من عناصره وحوامله الأساسية.
على أية حال رغم حالات الاضطراب والارتباك التي اعترت مسيرة النجمة (ديمة قندلفت) فقد حازت لقب (جوكر الدراما السورية) بسبب أسلوبها المميز في الأداء الصعب الذي تميل فيه إلى أدوارا مركبة تعني بقضايا المرأة .. فتحية تقدير واحترام لها على تلك الرحلة الفنية المحفوفة بمخاطر كثيرة لم تثنها يوما عن روح المغامرة والتمرد على كل ما هو تقليدي يخالف العقل والمنطق والحتمية الدرامية في الحياة والفن.