بقلم :عمر علي
دائماً ما تتجه الأنظار نحو مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كل عام لأنه واحد من أقدم المهرجانات والفعاليات السينمائية في مصر ويهتم عدد كبير من النقاد والنجوم وعشاق السينما على متابعة فعالياته كل عام ، ويحظى فيلم الافتتاح بجزء من هذا الاهتمام أيضاً .
فيلم افتتاح هذا العام كان فيلماً أمريكياً بعنوان (الأب) من بطولة (أنتوني هوبكنز وأوليفيا كولمان ومارك جيتس وأوليفيا كولمان وروفس سيويل)، وكتب السيناريو والحوار له (كريستوفر هامبتون) بمشاركة مخرجه (فلوريان زيلر).
يحكي الفيلم حول رجل في منتصف السبعينات من عمره يعاني من الزهايمر وتخاريف الشيخوخة ، وتحاول ابنته الوحيدة (آن) أن تخرجه من تلك الحالة وتوفر له العلاج وتجلب له ممرضة لتعتني بصحته، ولكن مرضه يتحول إلى كابوس حقيقي ومزعج لكل المحيطين به حتى تصل الأحداث إلى نهاية رائعة وغير متوقعة.
دائماً ما أكرر أن الفيصل في جودة أي فيلم ليست الفكرة، وإنما المعالجة التي يتم من خلالها تقديم هذه الفكرة، لأنه مهما كانت الفكرة جديدة وجذابة وقدمت في معالجة رديئة سيخرج في النهاية فيلماً باهتاً ومملاً، ولو كانت الفكرة بسيطة أو حتى تقليدية وقدمت بمعالجة متميزة سيظهر الفيلم بشكل براق وممتع.
هذا بالضبط ما حدث في فيلم (الأب) فنحن أمام فكرة مكررة إلى حد كبير تم تقديمها من قبل في عدة أفلام أجنبية وحتى مصرية مثل فيلم (زهايمر) على سبيل المثال، ولكن ما يميز سيناريو (كريستوفر هامبتون) هنا أنه ينتمى إلى ما يسمى بالسرد الذاتي، أي أن الأحداث كلها تكون مروية من وجهة نظر الشخصية الرئيسية، فنحن نرى ما يراه هو حقيقى ومجسد أمامه حتى لو كان ذلك من تخاريفه، نرى باقي الشخصيات كما يراهم، نراهم يتحدثون عندما يتحدث هو معهم، تتبدل أدوارهم أمامنا حينما تتبدل مخيلته، يغيبون من على الشاشة حينما يغيبون عن خياله.
طريقة اختيار أسلوب السرد الذاتي هى ما أعطت الفيلم مذاقاً مختلفاً عن أي فيلم آخر تم تقديم الفكرة فيه، فهذا التكنيك الصعب في الكتابة هو ما جعل المشاهد يتفاعل للغاية مع البطل ويشعر بمعاناته ووحدته ويبكي معه حين يبكي ويضحك معه حين يضحك ويشعر معه بالصدمة في النهاية حينما يكتشف الحقيقة.
هذه الشخصية الصعبة المركبة كانت تحتاج لممثل متمرس ليبرز جمالها، ولم هناك اختيار أفضل من القدير (أنتوني هوبكنز) الذي يجسد في هذا الفيلم واحداً من أعظم الأدوار التي قدمها في مسيرته كلها، ويؤكد أنه مازال قادراً على العطاء حتى بعد تخطيه الثمانين من عمره، ويبدو أن أداء هوبكنز لهذه الدور سيضعه هذا العام في مصاف المرشحين لجائزة الأوسكار للمرة الخامسة في تاريخه وللمرة الثانية على التوالي بعد ترشحه العام الماضي عن فيلم (الكاهنان)، وأذا فاز بها ستكون هذه هى الأوسكار الثانية في تاريخه بعد أن فاز بها لأول مرة عن فيلم (صمت الحملان) عام 1991.
على مستوى التمثيل أيضاً قدمت (أوليفيا كولمان) أداء استثنائياً لدور الإبنه (آن) التي ترعي أبيها ولا يمكنها أن تصارحه بحقيقة مرضه ، مشاعر كثيرة ومشاهد صعبة نجحت (أوليفيا) في تجسيدها بشكل مميز وقدمت أداء ربما هو الأفضل في مسيرتها أيضاً، أداء يفوق بكثير ما قدمته منذ عامين في فيلم (المفضلة) الذي نالت عنه جائزة الأوسكار، وإن كنت أعتقد أنها تستحق أوسكار مرة أخرى عن هذا الدور.
المخرج (فلوريان زيلر) في تجربته الأولى يقدم على نوع من الأفلام صعب جداً على المستوى التقني لأن الأحداث تقريباً كلها تحدث في مكان واحد وبعدد محدود من الشخصيات، وهذا ما كان يمكن أن يضفى على الفيلم شيئ من الملل والرتابة ولكن ما حدث هو العكس تماماً، فالأحداث سريعة وإيقاع الفيلم موزون، ونجح (زيلر) في خلق زوايا وكادرات جديدة ومختلفة في كل مشهد وتقديم لغة بصرية رفيعة عن طريق لألوان الديكور والملابس التى جاء أغلبها قاتماً ومتماشياً مع طبيعة القصة.