كتب : محمد حبوشة
في محاولة لتعويم السلسلة منذ أربع سنوات والعبور إلى المشاهد العربي عبر (التشويق والإثارة) استنزفت جهود العاملين بمسلسل (الهيبة) في إطار رأب الصدع الذي أصاب المواسم الثلاثة الماضية، خاصة الجزء الثالث الذي انتهى بمجزرة ذهب ضحيتها عائلة البطل جبل شيخ الجبل (تيم حسن)، ليبدأ الجزء الرابع بمجموعة من التحولات التي طرأت على مضمون القصة، ومنها التسويات التي حاولت أطراف النزاع الوصل فيها لحل يرضى كافة الأطراف لكن دون جدوى ممكنة خاصة اللقاء الذي ظل مرتقبا طوال الحقات الثلاثين الأخيرة.
ربما طرأ ضعف ما في السياق العام لأحداث المسلسل، والذي ظهر من الحلقة الأولى من الجزء الرابع، والسبب بالطبع هو محاولة إخراج تيم حسن من صورة البطل الجبّار الذي كان دافعا أول لمتابعة السلسلة، لكن ورغم نجاح الجزء الأول الذي كتبه (هوزان عكو)، لم تسلم الأجزاء الثلاثة التالية من أخطاء ظهرت وظلت تلازم الحلقات طوال الوقت، وبالتأكيد يرجع السبب في ذلك إلى التغيير الطارئ على مجموعة الكتّاب الذين أوكلت إليهم مهمة كتابة الأجزاء الثلاثة الأخيرة بعد هوزان عكو، وبالتالي اختلاف الرؤية بين كاتب وآخ حسب تصوره لشكل الأحداث وطريقة سيرها طبقا لخياله الخاص.
المهم أنه في الجزء الرابع، شهدنا بشكل واضح وصريح مجموعة من الأحداث الضعيفة، حولت القرية (الهيبة) المعروفة بصلابتها، إلى قرية متروكة لقدر عائلة (شيخ الجبل) التي تتخبط في سياق أحداث مرتبكة تارة، وتارات أخرى يبدو أنهم قد خارت قواهم مع وضع خط النهاية، فقد اتجه جبل إلى المنفى الاختياري في الحقول والبراري، بعد فقدانه لعائلته التي ذهبت ضحية المصالح والثأر المسكون ببعض القرى الحدودية بين لبنان وسورية في نهاية الحلقة الأخيرة من الجزء الثالث.
وظني أن قرار ورشة الكتّاب بالاتفاق مع شركة (الصباح) للإنتاج اتخذ قرار واضحا هذه المرة لإخراج تيم حسن من (شرنقة) البطل الأوحد في السلسلة، بعدما تقاسم النجومية مع نادين نجيم في الجزء الأول، ونيكول سابا في الجزء الثاني، وسيرين عبد النور في الثالث، فقد خلا الجزء الرابع من علاقات عاطفية تمثل حالات عشق لحساب الإثارة والتشويق ، فضلا عن التغيير الواضح في شخصية البطل الوسيم (تيم حسن)، إذ بدا شاحبًا ويتسم أداءه كثيرا بالبرود الشديد في ظل تلك الهموم التي بدأت تتأكله بعدما سيطر خلال ثلاث سنوات على اهتمام المراهقين عبر تقليدهم لقصة شعره ولحيته ومشيته وحتى ترديد لازماته مثل (منتهية – فرج – إرميها ع الله).
هذا الاتجاه، أو التحوّل والاستنجاد بـ (أبطال) يواجهون (جبل) هذه المرة، كالاستعانة بالممثل اللبناني عادل كرم، والممثلة السورية ديمة قندلفت، ربما وضع رؤية التشويق جانبًا، على جناح أداء عادي جدا وفيه قدر من الاستسهال الواضح، فلم يظهر عادل كرم حتى الحلقة الثامنة بمظهر رئيس العصابة القوي الذي اختار (الهيبة) لإنشاء (مصنع لحبوب الكبتاغون)، ولقد خرجت شخصية (نمر السعيد) التي جسدها كرم بطريقة أقرب إلى الهزل منها إلى الجدية في مثل هذه المواقف، جراء الاستخفاف في الحوار، وطريقة الأداء لعادل كرم التي بدت أقرب في حركاته وسكناته إلى برنامجه الساخر الذي قدمه قبل سنوات، (هيدا حكي) وهو كما نعرف برنامج كوميدي بطريقة هزلية.
يمكن اختصار الحلقات التسعة وعشرين حلقة من الجزء الرابع من (الهيبة) بمجموعة من المواقف المتهالكة، والتي تبتعد في جوهرها عن جدية حروب العصابات التي يفترض أن تمنح المشاهد قدر من المتعة والإثارة لمتابعة السلسلة التي اعتمدت على أحداث وحروب التهريب في مناطق نائية، وكيفية إدارة نشاطها، أو تحريكها، لكن على مايبدو لي ولغيري من متابعي المسلسل أن المخرجون المشاركون في الجزء الرابع صبوا كل اهتمامهم على المشاهد الجيدة والنظيفة تقنيًا فقط ، خصوصًا المشاهد الطبيعية التي استغرقوا فيها كثيرا، والواضح أن هذا جاء على حساب إهمال السياق المفترض للتسلسل الدارمي بشكل عام لمسلسل محسوب بالأساس على (الأكشن).
لكن على أية حال تعتبر الحلقة الأخيرة بمثابة تعويض حقيقيى عن الحلقات السابقة على مستوى إنهاء الصراع بطريقة، ففيها قدر من الندية المحبوكة بدقة توجها بالتأكيد أداء بطولى لتيم حسن الذي استطاع أن يستجمع قدراته وقواه التمثيليلة على مستوى الجسم والصوت الجسم والصوت، فقد بدا جسده مطواعا ومعبرا إلى حد كبير عندما استخدم جسمه بطريقة احترافية لعرض مواقف عديدة ومتنوعة، وهو ما يعكس اكتسابه لخبرات تتمثل في دراسة مقررات معينة أو بالممارسة و التجربة، كما ظهر أيضا في طريقة تحكمه في عملية التنفس بطريقة صحيحة وعلى التنويع في إيقاع الصوت والنبرة ، كما أنهم برع في الإلقاء والاسترخاء وهو شيئ مهم في أداء الممثل، فضلا عن امتلاكه قدرة خرافية على تطويع الصوت بشكل يسمح له بالتحدث بصوت مرتفع أو منخفض أو بشكل حاد أو ناعم بناء على المواقف الكثيرة التي تعرض لها، وقد أبدع (تيم) أكثر في أداء مشهد اللقاء المرتقب بين وبين زيدان والذي يد (ماستر سين) الأجزاء الأربعة، والذي جاء على النحو التالي:
يصل جبل شيخ الجبل إلى منزل زيدان حيث ينزل من سيارته وكل حماس للقاء المرتقب الذي انتظره سنين طويلة لأجل تصفية الحساب المؤجل بينهما في إطار الصراع المرير الذي طال لأربع مواسم من عمر مسلسل الهيبة، ويقول أحد الحراس بتفتيشه قبل الدخول على (زيدان) حيث يطل من باب غرفته وهو يضرب عصاه بالأرض.
جبل يقف أمام زيدان الجالس على كرسيه بعد أن رحب به قائلا : تعرف أنا متلك أول ماجيت على هالفيلا .. بلا ما أحس .. رجليه جابتني لهاون.. جالسين في وش بعض فريقين .. لونين .. ساحة لعب .. تكتيك بالنص .. ملوك ووزراء وبيادق .. هالصبي تعبك الله لايرحم فيه هالزبرة بده يعلمني اياها، ما بيعرف اني باعزف سماعي.
زيدان : تعرف إني ولا مرة أحد حددي وين وامتى أقابله؟ .. بس كرمال لهالقعدة اللي ناطرينها من زمان : تشرب شيئ؟.
جبل : لا أنا ماجي أجربك!.
زيدان : هالعلاقة اللي بيني وبينك لا طايقني ولا طايقك إلى أي متى؟ .. ما حدا بيتأكد إن الحياة اللي باتمشي إلا اللي متلي ومتلك بيحطوا ايديهم في ايدين بعض .. أنا محقوق كيف باعتمد الشياطين متل نمر .. فكرته شريك، ماكان عندي فكرة إن مشكلته الشخصية مع الهيبة راح تخسرنا الشغل وليكه اتهور وشخصنة البيزنس وجاب آخرته بايده .. فهمتني؟.
جبل : شرحك سلس !!.
زيدان : المهم هلا نمر انتهى وفيه استحقاقات جديدة .. كل بيزنس كبير تروح عالم فالقة ع البيت.
جبل : مراتي وإبني ؟!.
زيدان : جبل .. هاد القضية إذا بنضل فاتحينها ما حنستفيد شيء، أنا كمان عندي مرة وإبن وبافهمك.
جبل : مراتك وولادك وأمثالك ما بيروحوا فرق عملة لأن همه العملة بذاتها.
زيدان : إحنا العملة الصعبة .. طيب وبعدين شو .. شو حنستفيد من هالحكي هلا؟ .. يا بدك تنسى الماضي وتنهى هالحرب على خير وتقبل بخسايرك وتمشي لقدام يا إما راح هضل مفتوحة .. انته اللي بتختار .
جبل : مفتوحة وربي .. مفتوحة .. شوف : راسي وراسك ما راكبين على بعض .. مسننات محركاتنا ماظابطها مع بعضها .. ربك وقت اللي خلقنا ما خللنا فرصة نلتقى .. فرق كبير بيني وبينك.
زيدان : ما فيك توقف في وج الكل .. لا بوجي لا بوج اللي ورايا .. موضوع مش صغير أكبر مني ومنك مرتبط بناس فوق.
جبل : وأنا مابي شيء براسي إلا اللي فوق !!.
زيدان : أنا عم باحكيك عن فرصة ذهبية لتعيش ملك.
جبل : أنا ملك .. أنا إمبراطور وسط عيلتي وأهلي وناسي وعشيرتي.
زيدان : لك الدنيا عم تتغير يا جبل .. راسك بدك تغيره .. ما فيك تمشي متل ما كان يمشي أبوك .. لازم تمشي حسب العصر .. العصر شو بيطلب وإلا بالأخير بدك تندعس .. هاد الطباوية تبعك مش لهالزمن .. زمن (روبن هود) راح .. روبن هود بهالزمن ما بيركب .. بيضبوه وحياتك .. آخر شيئ المعمل إليك واللي كنا مرتبينا بيرجع وبيمشي والحدود بتمشي .. صدقني كله بيمشي.
جبل : ليك انته جربت بزمناتك معي وقبلي جربت مع بايي الله يرحمه ولفيت كمان على عمي وعلى خالي لحتى جبت آخرتهم وما أخدت نتيجة.
زيدان : أنا بدي آخد النتيجة منك إنت.
جبل : بحركة مص على شفافه : أنا ماني هون وبأقولك : يا دنيا إذا بدك تكفي بهيك ناس ما بدي اياكي.
زيدان : إنت جاي تسمعيني هالكلمتين هون.
جبل ينهي اللقاء قائلا : فرج .. ويهم واقفا ثم نحني ضاربا على كتف (زيدان) هامسا في أذنه : كشك ملك؟