بقلم : محمد حبوشة
تطلق صفة الجمال على المرأة، بينما تطلق صفة الوسامة على الرجل، وهناك العديد من الصفات الشكلية الحسنة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء، ويختلف مفهوم الوسامة من بيئة إلى أخرى، بناء على الثقافة والمقاييس المتبعة في تحديدها، إلا أن هناك مجموعة من المعايير المتفق عليها لوسامة الرجل، ومن أبرز علامات وسامة الرجل الصلابة وقوة الشخصيّة، والتناسق بين حجم الوجه وحجم ملامحه، والتناسق بين حجم الجسم وحجم أعضائه، والعضلات المفتولة، كل تلك المواصفات تعتبر من أهم السمات التي تمنح الرجل الجاذبية، حتى لو كان من أصحاب القامة القصيرة، أو كانت ملامحه غير متناسقة مع شكل الوجه، أخيرا الشيب في الشعر، وخاصة في مرحلة الشباب، يزيد من الجاذبيّة.
تلك الصفات وغيرها من أهم ملامح شخصية ضيفنا هذا الأسبوع في باب بروفايل، الفنان الكبير والقدير (محمود قابيل) صاحب الشعر الأبيض الذي أكسبه نوعا من الوسامة والإثارة ليصبح من أكبر وأهم (الجانات) التي مر في تاريخ السينما المصرية خلال العشرين سنة الأخيرة حيث تميز بالشيب المحبب لقلوب النساء، وما يزيد من وسامة هذا الرجل؛ على مايبدو حرصه على ممارسة التمارين الرياضيّة، للحصول على صدر واسع ليدلل على قوته وشجاعته وتحمله للمسئولية – وربما كان ذلك بحكم كونه رجل عسكري بالأساس – كما تعتبر عيونه أول ما يلفت الانتباه إليه، فإن العيون اللامعة دليل على جاذبيته ووسامته، وكذلك الصوت المميز والواضح، حيث يعتبر الصوت الناعم من صفات المرأة، كما يدل على قلة الرجولة، فضلا عن اللحية المهذبة، وعدم المبالغة في استخدام مستحضرات التجميل الخاصة بالعناية بالبشرة، لأن ذلك ينقص من وسامة الرجل ورجولته.
محمود قابيل، الذي ولد بالقاهرة ونشأ بالأسكندرية وتخرج من مدارس الليسيه، وكان عاشقا للموسيقى والغناء وشغوف بقراءة المطبوعات الفنية من صحف ومجلات، وكان يهوى حضور حفلات الرقص والمزيكا، بعد حصوله على الثانوية العامة قادته الصدفة وحدها نحو المخرج (يوسف شاهين)، الذي رآه في مدينة (الأسكندرية) وعرض عليه المشاركة في فيلم (فجر يوم جديد)، وكان سعيدا حينها، وجعله (شاهين) يخضع لاختبار أداء أمام أحد عمداء (معهد السينما)، ونجح في الامتحان وتم قبوله في (معهد السينما) ولكنه فضل الانضمام إلى (الكلية الحربية)، والانخراط في العمل العسكري الذي كان يناسب طبيعته آنذاك.
وبعد تخرجه من الكلية الحربية عمل ضابطا في القوات المسلحة، ومعروف أن (محمود قابيل) ممثل بدرجة مقاتل، حيث شارك في حرب 1967 وفي حرب الاستنزاف وكان دوره العمل في وحدات الاستطلاع خلف خطوط العدو، كما أن (قابيل) كان ضمن مجموعة ساهمت في جمع المعلومات التي على أساسها وضعت خطة تحطيم خط بارليف، وأصيب عدة مرات أثناء العمليات الحربية في حرب الاستنزاف، ومنعته هذه الإصابات من المشاركة في حرب السادس من أكتوبر.
لعبت (الكلية الحربية) دورا مهما في حياة محمود قابيل، فقد كان لها تأثير كبير على شخصيته، فبعيدًا عن غرس مباديء حب الوطن والإنتماء كشخصية عسكري فإنه تعلم منها معنى الإنسانية وكيف يكون الضابط محب لبلاده وشعبه وعلى أتم الاستعداء للتضحية بروحه من أجل الاستقرار الأمني، كما تعلم أيضًا المثابرة والقوة والشجاعة، وربما هذا ما خدمه فنيًا في اختياره لأعماله، وعدم التسرع أو التعجل في إتخاذ القرارات المصيرية، وهو سعيد جدا، وممتن وفخور بانتمائه السابق للعسكرية المصرية وتخرجه من الدفعة 49 حربية، ويرى أن للحياة العسكرية دورا كبيرا في تكوينه الشخصي وحتى في الحياة الفنية، منذ دخوله، ويذكر أن بدايته كانت بالتقديم للكلية الحربية بالتزامن مع قبولي بمعهد السينما ولكنه فضل وقتها الحربية وحين تقاعد عاد مرة أخرى لعشقه للفن مرة أخرى.
ومن الشخصيات التي تأثر بها (محمود قابيل) في فترة عمله بالجيش كان المشير (طنطاوي)، حيث كان له – على حد قوله – معه مواقف إنسانية أعتز بها، خلال دراسته بالكلية الحربية، فهو كما يقول: شخصية صارمة وصداقة يعرف ما له وما عليه، وخلال عمله معه وجده إنسانا يحمل في قلبه حب وعطاء كبير لـ (مصر)، وعلى الرغم من انتمائه للعسكرية المصرية وارتباطه الكبير بها كان (قابيل) في نفس الوقت على وعي بقيمة الفن ورسالته، فمثله الأعلى كان الفنان، (أحمد مظهر، وهو أحد المنتمين إلى المؤسسة العسكرية، وكذلك مخرج الرومانسية عزالدين ذوالفقار، والأديب، يوسف السباعي، اللذين كانا من أبناء المؤسسة أيضًا، فهؤلاء – على حد قوله – عرفوا قيمة الفن ودوره في الإرتقاء بالمجتمع وإعلاء مباديء الأخلاق لدى المشاهد.
ولأنه شارك في حرب الاستنزاف؛ وكان أحد أعضاء الفريق الذي جمع المعلومات التي على أساسها وضعت خطة تحطيم (خط بارليف)، لذا فهو سعيد بفيلم (الممر) الذي أعاد له ذكريات عاشها بكل تفاصيلها، فالفيلم – على حد تعبيره – نجح في تأجيج مشاعر الوطنية وحب الوطن لدى المشاهدين، وأعتقد أننا في حاجة لهذه النوعية من الأفلام على شاكلة (الممر)، وكنت كثيرًا أتسائل لماذا غابت الأفلام الوطنية ؟!، وبالفعل نجاح (الممر) يؤكد أن (مصر) لازالت بخير، فالفيلم نجح في لمس مشاعر المواطن والأجيال الجديدة.
وعلى ما أذكر – يقول قابيل – فى حرب الاستنزاف كانت الدولة تنتج أفلامًا تحث المواطنين على مساندة وطنهم وجيشهم، وبعد النصر قدمت الدولة أفلام عن نصر أكتوبر، ولكن إلى الآن لم نقدم أفلام تليق بهذه المرحلة التى غيرت مجرى حياتنا بعد نصر أكتوبر، وهذا يؤكد فقدان الجمهور لأعمال تنعش وجدانه وذاكرته، و(الممر) أظهر حبهم للجيش، ولهذا السبب وغيره فمن ضمن أحلامه التي يتمنى تحقيقها تقديم دور المشير عامر الذي يقول عنه أنه كانت شخصية عبد الحكيم عامر الوحيدة التي أرغب في تقديمها على الشاشة، ولكن لم تسنح الظروف لتقديمها بكل ما لها وما عليها، فهي ثرية جداً، وكنت أحلم بتقديمها منذ عقدين من الزمان.
اتجه (قابيل) إلى الفن وبدأ مشواره بالمشاركة في فيلم (العصفور) مع المخرج يوسف شاهين في عام 1972 ثو توالت أعماله السينمائية ومنها (عجايب يا زمن، الحب تحت المطر، كفاني يا قلب، كلهم في النار، القاضي والجلاد والملاعين)، ومثل في أفلام عديدة قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة ويمارس التجارة في قطاع السياحة ثم عاد مرة أخرى في التسعينيات إلى السينما، وتعرض للهجوم بعد أن سافر إلى إسرائيل بعد اتفاقية كامب ديفيد، ما دفعه للسفر لأمريكا وإقامته بها لمدة 12 عاما، لكنه رد على هذا الهجوم قائلا في تصريحات تلفزيونية: (في أواخر السبعينات كنت أمتلك مع شريك شركة للسياحة وهى الشركة التي حصلت على وكالة أول خط طيران بين القاهرة وتل أبيب عقب التوقيع على اتفاقية السلام، وسافرنا إلى تل أبيب لتدشين الخط الجوى، وعندما عودتنا علمنا أن إذاعة مونت كارلو أذاعت أسماء ممن سافروا إلى إسرائيل وكان اسمى من ضمنهم كونه ضمن قائمة سوداء).
لكن بالعودة إلى بداية (محمود قابيل) الحقيقية للانخراط في عمله الفني سنلاحظ أن سنوات السبعينات هى التي شهدت بعض الأعمال التي شارك بها وهي: فيلم (عجايب يا زمن، الحب تحت المطر، بعيداً عن الأرض، كفاني يا قلب، كلهم في النار، القاضي والجلاد، الملاعين، الفخ) ، وفي بداية الثمانينات قدم عملين فقط وهما: فيلم (أبو البنات، وادي الذكريات) ليسافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أقام 12 عاماً عمل خلالها في قطاع السياحة، ولكنه ما لبث أن عاد إلى مصر عام 1994 ليسترد نشاطه الفني، وكان أول أعماله بعد العودة كان فيلم (لحم رخيص) من إخراج إيناس الدغيدي وفيلم (ضربة جزاء) من إخراج أشرف فهمي عام 1995، وفي نهاية التسعينات، شارك في مسلسلي (هوانم جاردن سيتي بجزئيه الأول والثاني، القلب يخطىء أحياناً )، وفي أفلام (عيش الغراب، دانتيلا، جنون الحياة، كوكب الشرق، كلام الليل).
في بداية الألفية الثالثة شارك الفنان المقاتل (محمود قابيل) في العديد من الأعمال وهى: أفلام (حبيبتي من تكون، قدر إمرأة، الأخطبوط، اللحظات التي اختفت، يوم الكرامة، حين ميسرة، الأكاديمية)، ومسلسلات (الجحيم رجل، ألف ليلة وليلة، وجه القمر، الرقص على سلالم متحركة، رجل على الحافة، زمن عماد الدين، الخبيئة، شمس منتصف الليل، أين قلبي، ثورة الحريم، كلمات، البنات، تعالى نحلم ببكرة، نجمة الجماهير، أصحاب المقام الرفيع، رياح الغدر، قناديل البحر، الشيطان لا يعرف الحب، أشباح المدينة، توتو وبيجامة، ولم تنس أنها إمرأة، العزبة، إمرأة فوق العادة، دنيا، نافذة على العالم، مسك الليل، جدار القلب، طائر التمساح، جريمة في الساحل الشمالي، بنات عمري، بنات في الثلاثين، قمر 14، خاص جداً).
عام 2010 شارك في مسلسلات (إمرأة في ورطة، ملكة في المنفى، رحيل مع الشمس)، وفيلم (العملية 301)، عام 2011 ظهر كضيف شرف في فيلم (الفاجومي) من إخراج عصام الشماع، عام 2012 شارك في مسلسلي (الخفافيش، والبحر والعطشان)، عام 2013 شارك في مسلسل (نظرية الجوافة) وكان آخر أعماله مسلسل (لعبة النسيان) في رمضان الماضى، وجسد قابيل في هذا المسلسل شخصية يحيي الشيال، رجل الأعمال الثري، صاحب الماضي المشبوه والصفقات القذرة، الذي يتحول إلى شخص آخر تماماً بعد مقتل ابنه الأكبر.
وعن هذه الشخصية يقول: (يحيى الشيال شخصية جمعت تناقضات عدة، ففي ماضيه المشين جرائم عديدة، وخيانات تسببت في انتحار زوجته، مما جعله يعيش بعقدة الذنب، ومقتل ابنه في حادث بشع، جعله ناقماً على زوجة ابنه، بينما يتعامل بحب كبير مع حفيده الذي يرى فيه عوضاً عن ابنه، والمسلسل – بحسب تعبيره – مليء بالرسائل غير المباشرة، فهو يدعو الآباء إلى عدم التفرقة بين أبنائهم، فيحيى لم يكن يحب سوى ابنه الأكبر (ماجد)، وأهمل ابنه الآخر (نادر) الذي يصارحه في مشهد المواجهة بأنه لم يهتم به، وأنه سار على خطاه، وارتكب الجرائم حتى ينال رضاه، وهو يعترف في النهاية بأنه كان مسؤولاً عما ارتكبه ابنه من جرائم.
الفنان القدير (محمود قابيل) ومن واقع خبرته الطويلة في العمل الفني، له بعض الآراء عن المرحلة الفنية الحالية في مصر فهو يراها مرحلة صعبة جدا، وانتقالية في الحياة الفنية، وفكرة الفنان الأوحد الذي تدور في فلكه كل الأدوار هى من أسوأ الأشياء التي أحاطت بالفن المصري مؤخرا، وجعلت الكثير من عمالقة الصناعة وخاصة الإخراج يجلسون في منازلهم لعدم اقتناعهم بما يدور في هذه الصناعة، ولعدم خضوعهم للفنانين المسيطرين على كل شيء في العمل الفني، ولعودة الفن يجب تلافي الأخطاء والعودة لزمن الفن الجميل والتنوع في الأعمال وعدم التشبع باللون الأميركي الذي يظهر في صورة أفلام الأكشن الحالية التي تسيطر على سوق السينما المصرية، وأطالب بعودة العمالقة وإنشاء مؤسسات خاصة بالدولة مثل مؤسسة السينما وغيرها لتقديم أعمال متميزة مرة أخرى.
لكن قابيل في الوقت ذاته لاينكر أن هناك عدد مميز من فناني الجيل الحالي، ومنهم أحمد عز وأحمد السقا وآسر ياسين، كما أنه في المطلق يحب الفنانين الملتزمين والمحبين لعملهم ولفنهم ولجمهورهم ويرحب بالعمل معهم دون تردد.
وحول اختيار الممثلين كسفراء بالأمم المتحدة، أكد الممثل المصري القدير (محمود قابيل) أن دور الفنانين الذين يتم اختيارهم من قبل الأمم المتحدة كسفراء للنوايا الحسنة، إنساني بالدرجة الأولى، ولا علاقة له بالسياسة مطلقا، لكن للأسف هناك من يملك مفهوما خاطئا عن هؤلاء السفراء، فنحن لا دور سياسي لنا، وليس لنا علاقة بمجلس الأمن الدولي أو الأمم المتحدة كهيئات سياسية وسيادية، وإنما نحن نعبر عن منظمات إنسانية كمنظمة اليونسيف التي تقدم مساعداتها بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا للأطفال، ومهماتنا كسفراء تنحصر في تسليط الضوء على مشاكل الأطفال والمعوزين، عبر زيارات وجولات نقوم بها، وقد اشتركت بحكم منصبي كسفير إقليمي لليونسيف بحملات توعية لسلامة الأطفال وحقهم الإنساني بالعيش.
ولكن على صعيد آخر يتفق (قابيل) مع وجهة النظر التي تقول لابد من إظهار الفنان لرأيه السياسي باعتباره جزءا من المجتمع، مضيفا: يستطيع الفنان المثقف أن يوصل للناس رأيه وفكره والرسائل التي يؤمن بها بسهولة، فالفنان الواعي يدرك أن مصلحة بلده من مصلحته، وعندما أساهم في خدمة بلدي فلن أفكر إن كنت سأربح أم أخسر، ولست من الفنانين الذي يبقون على الحياد ويقنعون بمنطقة الوسط، وينتظرون إلى أين ستذهب الأوضاع حتى يحددوا مواقفهم .. تحية تقدير واحترام لهذا الفنان الجنتلمان وواحد من جانات السينما المصرية – الذي يرى أن المرأة عبارة عن وردة لا ترتوى إلا بالحب، وأن أجمل شعور في العالم هو الحب – جراء رحلته الثرية بالعديد من الأفلام والمسلسلات التي لعبت دورا مهما في الحياة المصرية