قصة أسمهان مع الأبيات المحذوفة من قصيدة (ليلى العفيفة)
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة ،أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أو حذفها .
كتب : أحمد السماحي
منذ أسابيع قليلة توقفنا معكم في باب (حواديت الأغاني) عند حدوتة أغنية (ليت للبراق عينا) وقصة منعها من قبل الحكومة المصرية عند زواج الأميرة (فوزية) أخت الملك (فاروق) من ولي العهد الإيراني الأمير (محمد رضا بهلوي)، وعادت وأفرجت عنها الإذاعة المصرية بعد طلاق الأميرة المصرية من ولى العهد الإيراني.
وقصيدة (ليت للبراق عينا) للشاعرة العربية من زمن الجاهلية ( ليلى بنت لكيز بن مرة بن أسد العفيفة) وهي زوجة (البراق بن روحان) المشهور، فهي تطلب من زوجها كما جاء فى أبيات القصيدة أن ينقذها من أسرها، وتصف ما تقاسيه ابنة يعرب مكبلة في السجون وتقاسي أشد أنواع الألم من سجانيها، وهى قصيدة تحكي حالة المرآة الشجاعة التي لم تستسلم لسجانيها وتطلب من زوجها وقبيلتها (ربيعة بن نزارالعون) لتخليصها من أسرها حيث سجنها أحد أمراء العجم فامتنعت على الزواج منه إلى أن جاء ابن عمها وخطيبها (البراق) فأنقذها وتزوج بها، وقد توفيت 144 قبل الهجرة.
هذه القصيدة ظهرت لأول مرة في فيلم (ليلى بنت الصحراء) للفنانة بهيجة حافظ عام 1937، وقد غنتها عن طريق الصوت فقط المطربة (حياة محمد)، إذ تم عمل دوبلاج لصوتها أثناء غناء الفنانة (راقية إبراهيم) للقصيدة التى لحنها (محمد القصبجي)، ولكن هذا الفيلم تعرض للمنع، إذ رأت الخارجية الإيرانية حينها أن الفيلم يسيىء إلى العرش الإيراني، لأنه يتناول قصة فتاة عربية في الصحراء يحاول (كسرى آنو شوران) التعدي عليها جنسيا فتقاوم رغباته الدنيئة، وقد أعيد عرض الفيلم مرة أخرى عام 1944 بعد أن تغيرت بعض المشاهد وتعدل الاسم إلى (ليلى البدوية).
وبعد أن أدت المطربة (حياة محمد) القصيدة من خلال الفيلم، سجلت المطربة (أسمهان) القصيدة ذاتها لصالح شركة (بيضافون) عام 1938 فلاقت نجاحا منقطع النظير، خاصة أن الفيلم لم يعرض إلا أيام قليلة وتم منعه، وبالتالي لم تسمع الناس القصيدة بصوت (حياة محمد).
مما جعل (حياة محمد) تلجأ إلى المحاكم لمقاضاة (أسمهان) نتيجة للأضرار الأدبية والمادية التي لحقت بها، لكن المحامي الخاص بـ (أسمهان) قدم لهيئة المحكمة العديد من الأسطوانات التي تضم ألحانا سجلتها أصوات عديدة منذ عام 1904 مع بدايات التسجيلات التجارية في مصر، وانتهت القضية لصالح (أسمهان) وعرف الناس الأغنية وحتى الآن بصوت (أسمهان)، وكثير من الجمهور لا يعرف أن هذه القصيدة تغنى بها أيضا المطرب (إبراهيم حموده) وفى السبعينات قام الملحن (أحمد صدقي) بإعادة تلحين هذه القصيدة مرة آخرى بلحن مختلف عن لحن (محمد القصبجي) قامت بغنائه المطربة (زينب يونس)، وفي هذه القصيدة رجع (أحمد صدقي) إلى أبيات القصيدة الأصلية ولحن أبيات غير موجودة في قصيدة أسمهان.
وهذا الأسبوع ننشر لكم كلمات القصيدة الأصلية كما كتبتها (ليلى العفيفة)، وتحت القصيدة الأصلية أبيات القصيدة التى غنتها (حياة محمد وأسمهان وإبراهيم حموده):
آه آه آه
ليت للبراق عينـا فتـرى، ما ألاقي من بـلاء وعنـا
يا كليبـا وعقيـلا إخوتـي، يا جنيدا أسعدونـي بالبكـا
عذبت أختكـم يـا ويلكـم، بعذاب النكر صبحا و مسـا
غللوني، قيدوني، ضربـوا، العفة مني بالعصـا
يكذب الأعجم مـا يقربنـي، و معي بعض حشاشات الحيا
فاصطبار أو عزاء حسـن، كل نصر بعد ضر يرتجـى
أصبحت ليلى تغـل كفهـا، مثل تغليل الملوك العظمـا
و تقيـد و تكـبـل جـهـرة، و تطالـب بقبيحـات الخنـا
قل لعدنان هديتـم شمـروا، لبني مبغوض تشمير الوفا
يا بني ثغلب سيروا وانصروا، و ذروا الغفلة عنكم و الكرى
واحذروا العار على أعقابكم، و عليكم ما بقيتم في الدنـا
………………………………………………………
وهذه القصيدة التى غنتها (حياة محمد وأسمهان وإبراهيم حموده)..
آ آه آه … آه آه آه
ليت للبراق عيناً فترى ما ألاقي من بكاءٍ وعنا
عذبت أختكم يا ويلكم بعذاب النكر صبحاً ومسا
غللَّوني، قيَّدوني ضربوا جسمي الناحل مني بالعصا
غلِّلوني، قيِّدوني وافعلوا كل ماشئتم جميعاً من بلا
فأنا كارهة بغيكم ويقيني الموت شيء يرتجى