جنون ركوب (الترند) ..كارثة حقيقية!
بقلم : محمد حبوشة
توطئة أولية : يعرف قاموس كامبردج الـ (Trend) بأنه تطور عام أو تغير في ظرف ما أو في الطريقة التي يتصرف فيها الناس، وعند ترجمتها إلى العربية يعبر عن ذات المصطلح بكلمات من قبيل (نزعة) أو (ميل جديد)، وعادة ما يقصد باستخدامها اليوم التدليل على موضة أو اتجاه سائد جديد ينتشر غالبا على مواقع التواصل الاجتماعي، أو يتسلل إلى الأحاديث اليومية، واللافت في الموضوع أن الناس الذين يكثرون من استخدام هذه الكلمة يرددونها باللغة الإنكليزية دون ترجمتها إلى العربية، كما لو أن ذلك بحد ذاته جزءٌ من الموضة المرتبطة بها، فالأمر أشبه بـ (ترند داخل الترند).
(ملعون أبوك يافيس يللي شهرت الأندال)، تلك هى العبارة التي قالها الدكتور إبراهيم مجدي استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس – على طريقة أحمد شيبة – في تعليقه على فيديو وهمي صنعه شاب مصري يحمل اسما على مسمى (إبراهيم كخة) من كفر الشيخ للتشهير بخطيبته السابقة (سماح) غير الموجودة أصلا، وذلك ببرنامج (التاسعة مساء) مع الإعلامي وائل الإبراشي، كان (كخة) قد وقف أمام منزل أحد جيرانه وقام بالتشهير بخطيبته – التي ليس لها وجود من الأساس – والغريب أن جيرانه يعرفون أنه غاوي شهرة، ومع ذلك للأسف تواطئوا معه وساعدوه على ركوب (الترند).
الحقيقة أن جنون ركوب الترند أصبح ظاهرة تجتاح المجتمع حاليا، وقد شهدت مصر العديد من الأحداث المهمة التى تحولت إلى حديث مواقع التواصل الاجتماعى و(ترندات) السوشيال ميديا، فقد اعتاد كثيرمن الناس كل صباح بمجرد الاستيقاظ من النوم وحتى نهاية اليوم، بالاهتمام والبحث لمعرفة الجديد وما هو (الترند) على مدار كل يوم، وأصبح هوس (الترند) على السوشيال ميديا حديث مثير للجدل كل يوم، بفعل تصرفات بعض الفنانين مثل المهووس (محمد رمضان) عبر تصرفات مريبة تلفت نظر المراهقين أو فئات من جمهوره الأجهل منه، أو أولئك الأشخاص الذين اكتسبوا شهرة وأصبحوا نجومًا بفضل مشاركتهم الإيجابية، وأيضا بعض المشاركات السلبية، والتي تكسبهم مزيدا من الأموال كلما كانت المشاهدات أكبر منشوراتهم ومقاطع الفيديو.
قد تكون بعض الترندات إيجابية وذات مغزى حقيقي وإنساني، لكن الكثير منها أيضا غالبا ما تكون بلا معنى وربما لا تحمد عقباها في النهاية، وقد يكون من يقودونها يبحثون عن (استفادة شخصية) مثل (إبراهيم كخة) الذي اعترف في فيديو بثه في أعقاب ركوبه (الترند) بشكل غير متوقع بفيديو (خطيبته الوهمية سماح) وذلك بسعيه للحصول على شهرة بركوب (الترند)، والكارثة أن جيرانه ساعدوه في ارتكاب جريمة (تزييف الواقع)، فإلى أين سوف يأخذنا جنون وهوس ركوب الترند على السوشيال ميديا؟!
ولعلنا في بدايات ركوب (الترند) في مصر نتذكر أن أحدهم ظهر خلال فيديو دون هدف واضحٍ من الرسالة التي يأمل وصولها، حيث ارتدى (حفاض أطفال)، مرددا عبارة (ممكن يا جدعان نكبر شوية يا جدعان)، وأخرى حاولت ركوب (الترند) بظهورها مع شخص أثار جدلا واسع النطاق قبل سنتين بعد (تحرشه) بفتاة في أحد شوارع القاهرة (عمرو راضي وسلمى الكاشف) المعروفان في مصر بانتمائهما إلى فئة المؤثرين اجتماعيا أو (الإنفلوانسرز) الذين تعتمد عليهم الشركات والمؤسسات التجارية في الترويج لمنتجاتها، وهو ما وضع الاثنان في مرمى نيران الانتقادات من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلاتٍ عن سبب قيامهما بأشياء اعتبرها البعض غير موفقة و(مُقززة وغبية)، على حد تعبيرهم.
وللأسف الشديد اعتمدت شركات مثل (فودافون وشاومي) على (راضي) في حملات ترويجية في السنوات الأخيرة للاستفادة من عدد المتابعين الكبير لصفحاته على السوشيال ميديا،
ورغم شهرته بين أوساط كثيرة على الإنترنت، إلا أنه كان وارداً أن يسأل البعض (مين عمرو راضي؟)، ما يشير أيضا إلى احتمالات كبيرة بأن الجمهور في البيوت لا يعلم كثيرا هوية (الإنفلوانسرز) الذين تعتمد عليهم هذه الشركات في إعلانات تليفزيونية، وبالتالي لن يكونوا قادرين على إقناعهم باستهلاك منتجاتها، وذهب آخرون إلى أن ما قام به (راضي) جاء مدفوعاً بـ (جنون الرغبة في الشهرة) وفعل أي شيءٍ دون تمييزٍ أو تفكير للحظة من أجل لقطة وزيادة في عداد الفولورز، ومع ذلك فقد باءت كل محاولاته بالفشل في كل تجاربه التمثيلية حين أتيحت له الفرصة.
وعلى نهج (عمرو راضي وسلمى الكاشف) نشأ جيل جديد في مصر من محترفي (الهبد)، والذي يعني فى اللغة الجديدة: الفتوى عن جهل واستعباط ، و(الهبيد) صيغة مبالغة، وتعنى الشخص الذى لا يتوقف عن إبداء رأيه فى أى شئ وكل شئ، ويبدو فى صورة العالم ببواطن الأمور، ويقال: (هبد الفتى)، أي أنه أفتى عن جهل؛ بحثا عن الشهرة ولفت الأنظار و (ركوب الترند)، و (الهبيدة) هم نوع من الشباب لا يخجلون من نشر جهلهم، أى هم من رضى عنهم جهلهم ورضوا عنه، ورغم أن لفظة (الهبد) من إنتاج شباب (السوشيال ميديا)، إلا أنها لم تعد تقتصر على أولئك المرابطين على مواقع التواصل الاجتماعى من منزوعى العلم والمعرفة ومجانين الترندات فحسب، ولكنها امتدت وتسللت أيضاً إلى أصحاب المقام الرفيع وحاملى درجات الماجستير والدكتوراه.
نعم هنالك جيل الجديد من (الهبيدة) ينتمى بشكل أو بآخر للأسف الشديد إلى النخبة العلمية، وهنا تكمن المفارقة، فهم (هبيدة) مودرن، من أصحاب الكرافتات الشيك، قد يكونون علماء فى تخصصاتهم ولا يعانون من فراغ رواد السوشيال ميديا، ولكن إدمانهم البقاء فى دائرة الضوء يدفعهم دفعا إلى الكذب وادعاء المعرفة فى كل شئ والمصادرة على المستقبل؛ حتى لا يطويهم النسيان والتجاهل بحيث يظلوا يركبون الترند الذي أصبح نوعا من الجنون والهوش الذي يتطلب الذهاب إلى طيبب نفسي يمكن أن يعيد الثقة في هؤلاء المرضي غالبا دون إدراك منهم.
والدليل على المرض النفسي الذين تعانية تلك الفئة أنه لا يخشى الواحد منهم، رغم مكانته العلمية والاجتماعية المرموقة، من أن يتخلى عن تخصصه الدقيق الذى صنع شهرته، ليتحدث فى تخصص آخر، ومجال مختلف لا علاقة له به من قريب أومن بعيد، ولكنها آفة (الهبد) التى تغتال من يفترض فيهم أنهم أصحاب العقول الناضجة، ومن حققوا ما يكفيهم من الشهرة والذيوع التي تمكنت منهم وجعلتهم أسرى هوس (الترند) الذين يشبه في ملامحه إدمان حبوب الهلوسة أو تعاطي مخدر يشعرهم بقدر الرضا المزيف عن حالهم.
ولأننا نعيش فى (زمن الهبد الجميل)، فإنك لاتندهش كثيرا حينما تجد إعلامياً منزوع الموهبة، أو حتى شهيرا، حين يقوم باستضافة هذه النماذج من الفيروسات المنتشرة الآن بكثافة فى برنامجه، بدعوى أنه أشهر (يوتيوبرأو صاحب أكبر عدد من الفولورز) ويجرى معه حوارا ساقطا وهابطا، والأدهى من ذلك أنه أنه يتعمد أخذ رأيه حول مستجدات الأحداث، وربما ساهم في ذلك أن تلك الوجوه أصبحت جاهزة دائما للقيام بالمهة، لا تكل من الكذب ولا تمل من الخداع، ولو واجههم أحد بحقيقتهم، يصنعون صنيع الأرامل ويتباكون بكاء الثكالى، ويتصايحون صياح النائحات المستأجرات، حتى يجبروك على الصمت التام وعدم المساس بهم، فالأهم من السبوبة، سبوبة الشهرة والمال، هو كيفية الحفاظ والدفاع عنها.
وعن الجانب النفسي حول الترند، يقول الدكتور جمال فرويز: (للأسف المجتمع يعاني من مشكلة نقص الثقافة وسطحية التفكير، فنجد العديد من المواضيع التي لا تعكس أرض الواقع فيما يعرف بظاهرة القطيع، حيث يتخلى الإنسان عن تفكيره النقدي ويسعى من أجل المشاركة حتى وإن كانت بدون فعالية أو تأثير)، وهذا ما يطلق عليه ظاهرة القطيع التي تكون أشبه ببصمة البطة التي تتبعها أفراخها، فيتبع الكل من بدأ (الترند) وينتهي بتوقف من بدأه عن الحديث، مثل (مسلمي الروهينجا، وطوفان محلات الموبايلات الذي تبعه طوفان محلات الكريب).
وفي النهاية : علينا أن ننتبه إلى أنه أحيانا ما يتم فرض (الترند) بصورة غير مباشرة، بحيث يجد الأفراد والمؤسسات أنفسهم منساقين وراء أفكار محددة لأنها تحاصرهم أينما تحركوا، وتغريهم بأن يكونوا جزءاً منها، لكن وفي أحيان أخرى يتم فرض الترند بصورة أقرب للقسرية، فعلى سبيل المثال: تخصص الكثير من المنظّمات العالمية منحاً مالية لموضوعات محددة فقط، كالعنف القائم على النوع الاجتماعي وما يرتبط به من قضايا كالتحرش الجنسي في أماكن العمل، أو زواج القاصرات، فنرى جهد المؤسسات والمبادرات الصغيرة منصبا على تغطية هذه الموضوعات طمعا في الحصول على دعم تلك المؤسسات وامتيازاتها.
وبالتالي، تحقق ثقافة (الترند) عدة مكاسب ووظائف سياسية واقتصادية، ربما تكون الناحية الاقتصادية هى الأكثر وضوحا هنا؛ فالقضايا الاجتماعية أو البيئية تحولت في الأمثلة التي ذكرناها سابقا إلى سلع، مثل: قطع أثاث وملابس وألعاب، وغيرها من منتجات لشركات كبرى .. وتلك هى الكارثة.