كلام X الإعلام (10)
بقلم : علي عبد الرحمن
مصر بلد الأزهر ورائدة أهل السنه والجماعه في عالمنا الإسلامي وعليها تقع مسئوليه التنوير ومحاربة الفكر الشارد من خلال أزهرها شيخا ومشيخة وجامعة وتعليما ودعاة، لتقدم للعالم صوت الإعتدال والسماحة والوسطية من خلال خطاب ديني معتدل ومتنور يدعمها في ذلك إعلام أيضا متنورا يعي المسئوليه الملقاة على عاتق كعبة أهل السنة والجماعة من خلال تقديم خطاب إعلامي ديني وسطي لا متشدد وسمح لا متعصب وعصري لا رجعي ومقنع لا متشنج.
ورغم أن النداءات بتعديل أو تصحيح أو تقديم خطاب ديني عصري ومعتدل نداءات قديمة إلا أن أهل الإعلام وخاصته لم يشغله هذا الأمر رغم فداحة سلبيات تركه وتهميشه فالنشئ رهينة مدعي التمسك والشباب رهينة مدعي التطرف والكبار رهينة مدعي الفتوي، وهذا أفرز لدينا سلوكيات شكلية وجوهرية يتم نسبها للدين عنوة وجهالة وأصبح العامل بهذه السلوكيات يلقب نفسه بالعبد الصالح والتارك لها يلقبونه جهلا بأنه زنديق لاهي.
ووسط هذه المعادلات ووسط مايعانيه الكل من هذا الشرود بالفكر المعتدل ووسط الأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي ترتبت على هذا الفكر الشارد الذي استأثر بشريحة ليست هينة من أبناء الوطن من سكان العشوائيات والقري والنجوع إلا أن إعلامنا الرسمي منه وشبه الرسمي تعامل مع الأمر كأنه لايعنيه وأكمل مشواره في عالم الطبخ والموضه والخرافات والمنوعات يطلق قناة هنا وبرنامجا هناك وكم من فكرة لإطلاق قناة بخلفيه دينية متنورة تم قتلها بحثا ودراسة ولكنها لم تر النور دون سبب مقنع.
وكثرت قنوات المنوعات والرياضة والطبخ والأغاني وتفسير الأحلام ولم يقدم إعلامنا لاقناة ولا برنامجا تم التخطيط له جيدا فظل الفكر الشارد موجودا ولم يتبني الإعلام دعوة دؤوبة لتصحيح الخطاب الديني عبر مشايخ الوطن ومتنوريه، ولم يقدم نماذجا قدوة في مضمار الاعتدال والتسامح ولم يطلق صيحة بحتمية تنقية كتب التراث مما ورد فيها من تشدد وافتراء على الدين السمح، كما يتبني شرح قواعد لعبة أو مكونات وجبة شهية أو تفاصيل موضة واردة وظلت الكتب غير الموثقة سيدة مبيعات الرصيف ووسائل المواصلات العامة.
لم يكلف الإعلام نفسه بعقد مناقشات وتحليلات وتفنيدات لهذه النوعية من الكتب ولاتلك الفتاوي غير الموثقه ولست أدري لأي سبب تأخر إطلاق قناة للأزهر أو قناة تابعة لمنظومة إعلام الدوله وإن لم يكن إعلامنا فمن غيره يطرح ويلح على ضرورة تنقية ومراجعة كتب التراث ومناهج التعليم والتدريس في المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد ومن غيره يطالب بمحتوي ديني معتدل وموثق أزهريا ليكون بمثابة المحتوي الديني المعتدل إلكترونيا وليكن هو – دون غيره – المرجع للباحثين عن التعلم والمعرفة والقدوة والفتوي بدلا من الشيخ جوجل الذي طالما لجأ إليه الشباب بحثا عن رأي الدين، ليجدوا لديه فتاوى وإطروحات لاعلاقة لها بصحيح الدين ولا مصدر، ولا مرجعية ولا توثيق لها حتي أصبح محرك البحث عليه لايتوقف من طالبي الفتوي والمعرفه.
فهل يعقل في عاصمة أهل السنه والجماعة أن يكون الشيخ جوجل هو جهة الفتوي والنصح والتوجيه، وكما اختفت قنوات الخطاب الديني المعتدل واختفت برامجه المنفذه بدراسة ومهنية وجذب رغم توافر كل ذلك وأكثر لبرامج الإلهاء والتغييب تحت مسمي الترفيه، كما لم يقدم إعلامنا – مايقدم – مسابقة برامجية لأفضل داعية ولا أفضل كتاب في مجال الفكر الديني المعتدل، رغم مسابقاته الكثيره للأفضل لاهيا وأفضل مفسر للأحلام وفك السحر وعودة الحبيب ورد المطلقة والغائب واختفي أيضا الفيلم الوثائقي الديني عن القدوة من رواد الإعتدال.
وحتي الفيلم التسجيلي عن شخصيات الإسلام وتاريخه وقصص السماحة والإعتدال التي يزخر بها تاريخنا الإسلامي المجيد، ومما زاد الطين بله فقد توقف إنتاج المسلسل الديني والتاريخي والأفلام أيضا فلا إعلام الدولة قدم ذلك ولا الإعلام شبه الرسمي مشغول بتقديمه أصلا، فهل لا توجد لدينا نصوص موثقة أم لايوجد لدينا من يجيد لغة الضاد، أم إنه ضعف الإمكانات والميزانيات، أم أنه انعدام الإقبال الإعلاني علي مثل هذه النوعيه الجادة من أعمال الدراما أم أنه لقلة مساحات البث وسط هذا الكم من قنواتنا المتشابهة والمكررة.
فهل سنظل رهينة لمدعي التدين والفتوي، وهل سيظل الملاذ لشبابنا عمنا الشيخ جوجل وهل سيطول اختفاء الدراما والبرامج الدينيه المنفذة بمهارة وجذب وتشويق، وهل سيضاف ذلك إلي تهميش الإعلام للمحتوي النافع للأسرة والشباب والثقافة والهوية والسياحة والتنميه والدين والتاريخ والقدوة، وغيرها من المحتوي الواجب تقديمه خصما من أوقات الطبخ والموضه وتفسير الأحلام وفك السحر والشعوذه وغيرهم من المضامين المغيبة للوعي والمسفهة للفكر والضارة بروافد الهوية، والمؤثرة سلبا علي تنشئة أجيالنا القادمة.
فمن نخاطب في أمر إعلامنا؟، أليس لهذا الإعلام مرجعية، أليس له مرجعية، ألا يري مايقدمه؟ ألا يعي قصوره؟، وهل يعي دوره أصلا أم أنه يسير داخل الوطن في مضمار خاص به لاعلاقة له بخطط الوطن واحتياجات أهله، فهل من مخلص يوجه دفته وهل من خبير يضع يده على قصور؟، أم أنه إعلام قدري لانهاية لما يفسده، اللهم صوب دفة إعلامنا ونور بصيرة أهله، وأرنا – قبل موتنا- إعلاما رشيدا، وللحديث بقايا في إعلام أهل مصر..