محمود عبد المغني .. صاحب المقام التمثيلي الرفيع
كتبت : مروان محمد
كل ما يشغله هو تقديم أدوار جيدة ومؤثرة وقريبة من قلوب الجمهور، ولأنه وجه مصري صميم فإنه يسعى لإعادة بعض التقاليد والعادات والقيم الأصيلة التي بدأت تختفي من خلال تجسيد شخصيات من لحم ودم، تقترب في ملامحها من معيشة البسطاء من أبناء الشعب المصري، ويسعى إلى أن تلامس مشاعرهم وتعبر عنهم ، حتى أصبح له طريقة أداء خاصة محبوبة ومتميزة، وهو ما مكنه بالضروة من لفت نظر الجماهير من خلال التركيز على الجانب الإنساني بصورة ناضجة ومتميزة، مبعتدا عن الابتذال المقدم في غالبية الأعمال الاجتماعية والأكشن الغارق في البلطجة و الفوضى والعشوائية.
يؤمن نجم باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع بأن الدراما عمل إبداعي في الأساس، ومن ثم فهو لا يركز على النماذج الشاذة أو المتطرفة في اتجاهاتها وقيمها، بل يبحث دوما عن النماذج الإيجابية القادمة من قلب الشارع والتي تترك تأثيراتها وبصمتها الطيبة على المتلقين، ويجتهد قدر طاقته في البعد عن القيم السلبية أو الشاذة التي تفتح المجال لظهور اختلال في منظومة القيم، واختفاء قيمة الكفاح، واهتزاز صورة الأب والأم والأسرة، والنظرة المادية للزواج، وعدم احترام العلم، وسيطرة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وعدم احترام القانون، انطلاقا من أنه في النهاية شئنا أم أبينا فإن الدراما التلفزيونية مثل أي عمل فني يحمل تأثيرا على حياة الإنسان، وبسحر الصورة يبقى الفن المتقن والمعالجة المهنية باعثا على التفاؤل لدى المشاهد، كما أن الفن الرديء يورثه اكتئابا وأشياء أخرى لا يعلمها إلا الله.
إنه الفنان الشاب (محمود عبد المغني)، والذي تألق في عدة أعمال على مدار رحلته التي لاتزيد عن 20 عاما، حرص فيها على انتقاء أدواره بعناية، لكني لاحظت من خلال متابعتي له مؤخرا أنه بلغ سن الرشد والنضج الفني القائم على تحقيق معادلة الأداء الجيد لشخصيات واقعية قادمة من قلب الحياة المصرية، تلك التي لا تعكس خللا كبيرا يفضى بالضرورة إلى ميوعة ثقافية بصرية هشة، أو تستند إلى حوارات درامية تخدش الثقافة البصرية والنفسية، وتتعارض مع جدران منظومتي الأخلاق والقيم لدي قطاع كبير من جمهور لا يجنح بالفطرة إلى تلك النوعية من البطولة التي تغذي إحساسا مزيفا بداخل فئة من الشباب يرون في الخروج على المألوف من القيم الدينية والخلقية التي تربينا عليها نوعا من التباهي، واللجوء لحلول فردية قائمة على العنف غير المبرر.
ولد (محمود عبد المغني) بالجيزة، وبدأ حبه للتمثيل منذ أن كان طالبا في المدرسة الثانوية، وبعدها التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية على الرغم من عدم وجود (واسطة)، لكنه اعتمد على الله ثم موهبته، وكان من بين الـ 12 الذين نجحوا في اختبارات المعهد، وطوال فترة الدراسة بالمعهد عرف في أكاديمية الفنون بنشاطاته وساد انطباع طيب تجاهه بين المخرجين المتابعين، لكنه رفض منطق الموافقة على تصوير حلقة أو اثنين على سبيل التعارف وكان يشعر أن موهبته أكبر من هذا فاختار أن تكون البداية بالمسرح لأنه يعلم الالتزام ويصقل الموهبة.
قدم (محمود) العديد من المسرحيات أثناء تواجده علي مسرح الجامعة، وشارك في العديد من المهرجانات منها مهرجان المسرح التجريبي بالإضافة الي مهرجانات عربية ودولية في الأردن وغيرها في إيطاليا، وحصد عنها العديد من الجوائز، وفي سنة 2000 قدمه شريف عرفه في فيلم (عبود علي الحدود) ليتعرف علي جمهور أكبر، ثم كانت بدايته الأولي في الدراما من خلال مسلسل (الرقص على سلالم متحركة) مع المخرج مصطفى الشال، وهذا المسلسل صنعا له نجاحاً غير عادى.
وبعد ذلك شارك (عبد الغني) في الجزء الثاني من مسلسل (زيزينيا) مع جمال عبد الحميد ثم فيلم (صايع بحر)، و بعد هذا الفيلم دخل مسلسل (الرمال) والذي تطلب تصوير دوره السفر إلى الجونة لمدة تسعة شهور، وهناك كانت الفرصة سانحة أمام للجلوس مع نفسه لقرر إعادة ترتيب أوراقه من جديد وتغيير أسلوب أدائه حتى يعبر إلى الجمهور بوجهة نظر تستحق التقدير والاحترام، وفي عام 2002 شارك في مسلسلات (اللؤلؤ المنثور، بين شطين ومية، وأوراق مصرية، وفي عام 2003 تابع مشوار تألقه في (مسلسل البنات) مع منة شلبي وداليا مصطفى وأحمد عز ومن إخراج أحمد يحيى، أما في عام 2004 فكان له مشاركة في مسلسل (رمال)، وفيلم البطولة العسكرية (يوم الكرامة)، وفيلمي (صايع بحر وخالتي فرنس).
في عام 2005 شارك محمود عبد المغني في مسلسلي (أحلام عادية، العميل 1001)، وفيلمي (دم الغزال وملاكي إسكندرية)، وفي عام 2006 كانت له مشاركة في فيلم (زي الهوا) مع خالد النبوي وداليا البحيري وغادة عبد الرازق، وكان من إخراج أكرم فريد، وفي عام 2007 شارك في أفلام (لحظات حرجة، حوش اللي وقع منك، الجزيرة، الشبح، كشف حساب)، وظهر عبد المغني في عام 2009 كضيف شرف في الجزء الثاني من سيت كوم (العيادة)، واستمر بتحقيق النجاحات والمشاركة بأعمال فنية حققت له بعض الظهور، حيث شارك في عام 2010 في مسلسلات (لحظات حرجة – الجزء الثاني، شيخ العرب همام، مذكرات سيئة السمعة، وفيلم (الكبار)، وظهر كضيف شرف في مسلسل (عايزة أتجوز).
شارك (عبد المغني) عام 2011 في مسلسلي (المواطن أكس، ورد فعل)، وبعدها في عام 2012 مسلسل (طرف ثالث) والجزء الثالث من مسلسل لحظات حرجة، وفي عام 2013 قام بلعب دور خاص في مسلسل (جيكا)، وفي العام التالي شارك في فيلم (النبطشي) ومسلسل (الحكر)، وفيلم (الكينج)، وفي عام 2017 مسلسلي (أفراح إبليس وظل الرئيس) وبعدهما ظهر في كثير من المشاركات والأدوار المهمة في السينما والتلفزيون وكان منها فيلم (حملة فرعون)، والذي شارك في بطولته إلى جانب عمرو سعد وروبي ومحمد لطفي وسجل الفيلم ايرادات معقولة، وقد برز النجم الشاب في المسلسل الصعيدي (بت القبايل) عام 2020 الذي كان عام تألقه الحقيقي.
فعلى الرغم من ظهوره كضيف شرف في فيلم (صاحب المقام) إلا أنه أجاد بدرجة كبيرة في أداء شخصية المدمن اللاهي الذي استسلم لضعفه وفقره معتمدا على زوجته، ولعل بساطة الشخصية وعفويتها كانت وراء حب الناس لها، فضلا عن أنه أدى مشهدا (مناجاته لله سبانه وتعالى) بحرفية عالية استطاع من خلالها أن يمس شرائح عديدة من الناس، ولكنه لم يتوقع أن يكون (ترند) على (السوشيال ميديا) لأيام عديدة، سواء داخل مصر وخارجها، فالمشهد بالفعل مس قلوب كثيرين؛ لأن رسالته تكمن في أنه مهما كانت أخطاؤك عظيمة فالله سبحانه وتعالى سوف يسمعك، ويمكن أن يستجيب لدعواتك، فالشخص الذي جسده مدمن، ويشعر بالخطأ الذي يرتكبه، ويبدأ في مناجاة الله بطريقة مؤثرة تعكس لحظة لامست القلوب.
ولأن (محمود عبد الغني) تربطه بالمشاهد المصري علاقة قائمة على الثقة المتبادلة والمصداقية، والجمهور يحترم عمله لأنه دوما يحترم عقلية المشاهد، فالشعب المصري بطبيعته بسيط ويبتعد عن التكلف، فهو يتعامل مع السيناريو باعتباره المرجع الرئيسي الذي يمكن من خلاله فهم ما يجب أن يقدمه في الشخصية ويعتمد البساطة في التعامل مع كل شخصية وفق طبيعتها حتى يصدقها الجمهور، فشخصية المدمن التي ظهر بها في فيلم (صاحب المقام) حرص على التعامل مع رسالتها بأن الله يسمعنا ويرانا في جميع الأوقات ولا يجب اليأس من رحمته حتى في أصعب الظروف، فالتجربة كانت بالنسبة له حالة روحانية ووجدانية شعر معها أنه أمام فرصة استثنائية رغم قلة مساحة الدور.
من خلال تجربة مختلفة عن أدواره السابقة ظهر (عبد المغني) في مسلسل (خيط حرير)، الذي يعرض حاليا بشكل مغاير تماما ليقدم نفسه بشكل جديد لم يظهر به من قبل، فهو يسير بحسب (جلين ويلسون) في كتابه (سيكلوجية فنون الأداء) والذي يقول: إن كثيرا من الجوانب الخاصة بحرفة الممثل له صلة بعملية التلاعب بانتباه الجمهور، وحيث أن الشكل المتحرك يجتذب عيون الجمهور بعيدا عن الشكل الساكن فإنه من المعتاد أن يتحرك الممثلون فقط عندما ينطقون الكلمات الخاصة بأدوارهم ، أو قبل ذلك بقليل ، وكثير من الجوانب الخاصة بالحرفة في الأداء يكون متعلقا بالتوجه أو المشاركة المناسبة لانتباه الجمهور في العمل، وذلك من خلال التحكم في الحركة، تماما كما يتحكم فيها (عبد المغني)، وأيضا في سكناته التي توحي أحيانا بالغضب والمرارة والتوجس من المستقبل.
جدير بالذكر أن (محمود عبد المغني) ينتظر عرض مسلسل (شارع 9)، وهو من نوعية أعمال الـ 45 حلقة، عبر مجموعة من قصص الحب والفساد والقصص الاجتماعية، التي تجري حول عدد من سكان أحد شوارع منطقة المعادي وهو “شارع 9″، ويعتمد العمل على التشويق والغموض، يشارك في بطولته: أحمد وفيق، ورانيا يوسف، ونرمين الفقي، وهدى الأتربي، وياسر علي ماهر، وأحمد جمال سعيد، وحسام فارس، وعبير منير، وأحمد الدمرداش، وتأليف حسين مصطفى محرم وإخراج محمد عبدالخالق.
وفي النهاية نحن نشيد بتطور أداء النجم المتألق (محمود عبد المغني)، الذي أبدى تفوقا ملحوظا في عام 2020 من خلال عدة أعمال متنوعة تجعله (صاحب المقام الرفيع في الأداء) والتنوع في في الشخصيات التي يلعبها، ويراعي دائما تقاليد المجتمع المصري الذي يعد نفسه واحدا من جماهير هذا الشعب الطيب الذي يستحق حياة كريمة خالية من العنف والعشوائية وبث روح الكراهية بين أبنائه.. تحية تقدير واحترام له كفنان يمكنه السير على طريق النجومية بثبات وثقة بالنفس، نابعة من موهبة عظيمة نتوقع لها مسقبلا باهرا في قادم الأيام.