رحيل طارق عاكف الذي حافظ على هويتنا الشرقية في الموسيقى
* وليد توفيق: كان سابق عصره وله بصمة خاصة به
* محمد ضياء: غير في شكل التوزيع الخليجي
* عادل عايش: كان خط الدفاع الأول عن الموسيقى المصرية الشرقية الأصيلة
* محمود موسى: كان له فضل على كبار مطربي مصر والعالم العربي
كتب : أحمد السماحي
رحل الموزع الشهير (طارق عاكف) اليوم وها نحن نكابد حزنا ثقيلا في وداعه، ها نحن نضع كلمة (كان) بكل مرارتها قبل الحديث عنه، قبل اسمه، كانت مصر في ضميره شأن الصوفيين العظام (أعشق بإخلاص وذوبا حبا)، ومحبوبته على الدوام محبوبتنا جميعا، مصرنا هكذا علمته التجارب والسفريات التى عاشها، وهكذا علمه كبار النجوم الذين سبقوه على الطريق.
كان الموزع الموسيقي الراحل (طارق عاكف) الذي ودع حياتنا اليوم ملأ الحياة الموسيقية نشاطا وإنتاجا، وليس هذا فقط ولكنه ملأها مرحا وصدقا ونبلا، وعامل الجميع – كما عرفته – على طريقة فرسان الزمن القديم، وبشهامة أهل الريف مع أنه قاهري وليس قرويا، لكنها روح مصر، تعطي الأمانة والوفاء والحب لكل من تشاء، وها نحن جميعا نكابد حزنا لا مثيل له، وها نحن نضطر اضطرارا قاسيا لتبادل العزاء في فقده، ولو كان موجودا بيننا لحمل عنا جميعا كل هذه الأحزان بكلمة منه، بابتسامة على شفتيه، بقلبه الذي يتسع وكان يتسع دائما للجميع.
عاش طارق عاكف وتربى في سيرك أسرته، أسرة (عاكف) الشهيرة، وتحمل تلقى الصدمات من الزمن أو من غدر الأصدقاء، عمل مع كثير من الفرق الموسيقية أشهرها فرقة (حماده النادي) قبل أن يتجه للتوزيع الذي حافظ من خلاله على روح مصر الشرقية، ووزع حوالي 2000 لحن لكبار مطربي مصر والعالم العربي منهم (وردة، نجاة، أنغام، أصالة، وليد توفيق، راغب علامه، نبيل شعيل، عبدالله الرويشيد، نجوى كرم، أحلام، نوال) وغيرهم من كبار مطربي مصر والعالم العربي.
عن هذا الموزع العربي الكبير الذي ملأ حياتنا شدوا، وكان نجم مرحلة التسعينات وما بعدها تحدث إلينا مجموعة من كبار نجومنا فى مصر والعالم العربي.
صاحب بصمة خاصه
في البداية يقول النجم الكبير (وليد توفيق) لـ (شهريار النجوم) رحم الله الموزع الكبير (طارق عاكف) نجم التوزيع الكبير في مصر والعالم العربي، الذي كان سابقا لعصره، والذي كان من أنجح الموزعين فى مصر والعالم العربي، وصاحب البصمة الخاصة جدا، وقبل أن يكون فنانا متميزا وناجحا، كان إنسانا رائعا، إنسانا بمعنى كلمة إنسان.
لقد وزع لي العديد من أغنياتي الشهيرة التى ما زالت ملء السمع والبصر، وتطلب مني في معظم حفلاتي في الدول العربية مثل (وكأني ماليش إلا عينيكي، أنا تقولي على أنا، الحب مش كلام، منور يا قمر، سلطان يا هوى، عبير الورد).
ملك التوزيع الخليجي
ويتحدث الموسيقار المبدع (محمد ضياء) عن أهمية الموزع الراحل فيقول: يحسب لـ (طارق عاكف) أنه غير في شكل وطريقة التوزيع الخليجي، حيث مزج في الأغنيات التى وزعها بين الخليجي والمصري والغربي، فقدم (توليفة) موسيقية خاصة جدا تحمل اسمه، لهذا كان ملك التوزيع الخليجي، كما استخدم الوتريات بطريقة خاصة به، وبشكل مميز جدا.
ويضيف ضياء: وعلى المستوى الإنساني كان نقيا ومتدينا، وملتزما، ومعتدلا في كل شيئ، تجده داخل الوسط، وفى نفس الوقت خارج الوسط!
حافظ على روح مصر
المايستروالملحن المتميز جدا (عادل عايش) الذي ربطت الصداقة بينه وبين الراحل يقول بصوت مليئ بالحزن: ترجع علاقتي بالموزع الكبير طارق عاكف منذ سنوات طويلة قبل أن يتجه للتوزيع وعندما كان يلعب أورج فى الفرق الموسيقية، وعندما سمع عزفي على الأورج وكنت طفلا صغيرا تنبأ لي بالنجاح والتفوق، ويحسب له أنه مع الموسيقار (صلاح الشرنوبي) كانا خط الدفاع الأول عن الموسيقى المصرية الشرقية الأصيلة، حيث قدما معا العديد من الأغنيات الشرقية الناجحة مثل (بتونس بيك، وحرمت أحبك، وجرب نار الغيرة ومغرم يا ليل، قلبي عشقها، وكلام الناس) وغيرها فجعلا كثير من مطربي مصر والعالم العربي يقدمون هذا اللون الغنائي، ويبتعدون عن الأغنية الإيقاعية الخفيفة التى كانت مسيطرة على حياتنا الفنية منذ منتصف الثمانينات.
وفى الفترة التى سبقت نجاحه مع (الشرنوبي) كان كثير من المطربيين ابتعدوا بألحانهم عن (الوتريات) فعادوا مرة أخرى لتقديم الوتريات، بعد النجاح الساحق للشرنوبي وعاكف في أغنياتهما المشتركة.
وبصوت مليئ بالمرارة يضيف عادل عايش: طارق عاكف كان له دور كبير في الترويج للسياحة ورفع اسم مصر عاليا، لسبب بسيط بسبب شغله كان كثير من المطربيين العرب يأتون إلى مصر ليقوم (طارق عاكف) بتوزيع ألحانهم من هؤلاء المطربيين (راشد الماجد، عبدالله الرويشيد، نبيل شعيل، أحلام) وغيرهم، وكل مطرب من هؤلاء كان يصطحب معه عشرة أشخاص ينزلون فى فنادق مصر، وبالتالي كان عنصر فعال فى العملية السياحية بسبب توزيعاته الخليجية الرائعة.
ولم يقتصر دور (طارق عاكف) على هذا فقط، ولكنه بحكم تعاونه الدائم والمستمر مع المنتج اللبناني (محمود موسي) من خلال شريكة (ريلاكس إن) جعله يتعاون مع كثير من المطربيين اللبنانيين، وبالتالي كان يشغل من 20 إلى 30 عازف مصري فى كل أغنية من أغنياته التى يتم تسجيلها فى مصر، وبالتالي كان يفتح بيوتا كثيرة، ورغم هذا لم يأخذ حقه معنويا ولا أدبيا!، فلم أشاهده فى برنامج من البرامج التى تملأ الفضائيات، ولم أقرأ له حوارا! وهذا كان فيه ظلم كبير لموهبته، هو وغيره من الموهوبين البعيدين عن وسائل الأعلام.
صاحب فضل على مطربي العرب
كان الصديق الذي يصافح نظراتي بالتفاؤل، وكلماتي بالمرح والذي تزاملت خطانا طوال العمر منذ شبابنا الباكر، هكذا بدأ المنتج اللبناني الكبير (محمود موسى) حديثه معانا وقال: تعرفت عليه عام 1980 فى ستديو (عمار الشريعي) وكان يعمل فى هذه الفترة فى فرقة (حماده النادي)، ومنذ هذا الوقت ربطت بيينا الصداقة، وعندما أسست شركتي (ريلاكس إن) مع شقيقي (أحمد موسى) تعاون معي كثيرا، وكانت نجاحاتي مع المايسترو العبقري (طارق عاكف) لا تحصى ولا تعد بدون أدنى مبالغة منذ الثمانينات وحتى الآن.
ويضيف موسى: كان رحمة الله عليه له فضل كبير على معظم الفنانيين وشركات الإنتاج، وكان صاحب أخلاق عالية، وصديق صدوق لـ 80% من نجاحات كل النجوم المصريين والعرب، وله الفضل على المستوى الفني فى هذه النجاحات الكبيرة التى قدمها للمستمع العربي فى جميع أنحاء العالم.
رحم الله صديقي صاحب القلب الكبير والأخلاق العالية، وإلى اللقاء يا صديقي الطيب.