طريق الفيوم – ماسبيرو
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
منذ أيام قلائل اضطرتنى الظروف إلى الدخول إلى ميدان الرماية بالهرم متجها عبر طريق الفيوم إلى مدينة 6 أكتوبر ، و هو طريق كنت اتجنبه بشدة دائما ، و لو أدى الأمر الى الدوران حول رأس الرجاء الصالح وصولا إلى منزلى . و لكننى فوجئت بما يتم فى تلك المنطقة من إنشاءات و تعديلات و توسعات فى الطرق لتصبح أكثر سهولة و راحة ، و تحول منطقة الأهرامات و المتحف الكبير إلى مزار عالمى و نقطة انطلاق إلى مدن الفيوم و الاسكندرية و الواحات ، بما يليق بمكانة مصر الحضارية .
و الحق أقول إنه برغم عدم انتهاء تلك الأعمال إلا أننى شعرت بالفخر و الزهو ، و شكرت فى داخلى الحكومة على مجهوداتها ، و ثار سؤال فى داخلى لماذا لا يُبرز الإعلام تلك الإنجازات؟ ، و لكنى نفضت غبار التساؤل على الفور لأنه حتى لو أبرزها الإعلام و أذاعها يوميا فمن سيشاهدها بعد أن إنصرف الناس عن قنواتنا المحلية ؟
و مع اتساع الطريق و نعومته إنسابت الأفكار و تداعت بين نجاح الإنجازات فى مجالات الحجر و تعثرها فى مجالات البشر برغم كل المحاولات الصادقة ، حتى فوجئت بأن الطريق مغلق و أن علىَّ العودة لمسافة طويلة كى أصل الى طريق الواحات المتجه الى مدينة اكتوبر ، و على الفور بدأت ألعن كل من نسى أو تناسى وضع لافتات بإرشادات على الطريق بدلا من إضاعة الوقت ، و لكن منذ متى اهتمت الحكومة بوقت المواطنين ، و منذ متى تراعى الحكومة ألا نستهلك وقودا يمكن توفيره مادامت تبيعه لنا بأضعاف أضعاف السعر العالمى ، و متى اهتمت بألا نستهلك سياراتنا بسرعة ، فالظن أنها متواطئة مع تجار قطع الغيار مادامت تحصل على دخلها من الجمارك و الضرائب و تلهب ظهورنا بالأسعار . و هكذا انقلبت من حال الامتنان للحكومة الى حال النقمة على ما تفعل ، و زادت نقمتى بسبب منطقة من المطبات – تحطم أى سيارة لا ينتبه صاحبها – تركتها الحكومة عمدا بين جزءين تم اصلاحهما لنتذكر أفضالها علينا.
و فى لحظة تجلى اكتشفت اكتشافا خطيرا أن ذلك هو طبع الحكومة – منذ قديم الأزل – ألا تكمل عملا بشكل جيد !! ، هى بالطبع تريد الخير و لكنها تهمل فى إكماله فتمسح آثار محاسنها ، و إذا بالتجلى يتسع ليشمل مناحى أخرى ، كالإعلام .
فبعد ثورة 30 يونيو و أثناء وضع الدستور طالب الجميع بإلغاء وزارة الإعلام و تحويلها الى مجلس أعلى ليضمن الجميع حرية أكبر للصحافة و الإعلام ، و بالفعل تم إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ليضم الهيئة الوطنية للإعلام وأخرى للصحافة ، ورث ذلك المجلس مهام و ممتلكات و موظفى و مشاكل إتحاد الإذاعة و التليفزيون و المجلس الأعلى للصحافة ، و كان من ضمن مهامه المذكورة فى قرار إنشائه الكثير من الآمال لترقية مجال الإعلام المرأى والمقروء إلى جانب منع الممارسات الاحتكارية فيه .
فماذا كانت المحصلة بعد كل هذه السنوات منذ إنشائه ؟
فى بداية إنشاء المجلس حاد عن مهامه الأصلية و الأصيلة و تحول إلى جهة رقابة متعسفة منتهكا بذلك حقوق جهات أخرى كالرقابة على المصنفات الفنية ، و نقابة الإعلاميين ، و نقابة الصحفيين ، و تحول من جهة المفترض بها الدفاع عن حرية الرأى الى جهة مصادرة و منع و مطاردة ، ظنا منه أن هذا ما ينقص الإعلام : أن يتسم بالاخلاق الحميدة ، و تناسى المجلس جميع أدواره و قام بدور الرقيب المتزمت ، و مع ذلك لم يضبط الأداء الإعلامى حتى أن الحكومة أضطرت الى إعادة وزارة الإعلام مرة أخرى و لكن تحت غطاء ( وزارة دولة ) تجنبا لمشاكل دستورية .
و برغم أنه أصبح هناك مجلس أعلى و وزارة دولة للإعلام – و كلاهما يكفى عن الآخر – إلا أن الإعلام ظل كما هو بلا تقدم ملموس أو تحسن واضح ، و السبب فى ذلك أنه برغم وجودهما فهما غير فاعلين على الساحة الإعلامية ولايمارسان أى دور ، فهناك كيان ثالث يتحكم فى الإعلام عن طريق احتكاره للإنتاج الدرامى و البرامجى و امتلاكه لمعظم القنوات ، ثم أضاف هذا الكيان لنفسه احتكار الإعلان على تلك القنوات ، و تغافل المجلس و الوزارة عن الممارسات الاحتكارية لهذه الشركة أو المؤسسة ، برغم أن قانون إنشائهما ينص على أنهما مسئولان عن منع الاحتكار .
جاء هذا الكيان المحتكر بغير قدرة على الابتكار أو التجديد ، بل قام على ضم البرامج الناجحة من مختلف القنوات الى قناته التى أنشأها ، ثم أراح نفسه بأن ضم القنوات نفسها إليه ، و عندما تعددت القنوات و احتاج إلى برامج أكثر ، لم يستطع تحقيق أى نجاح لبرنامج من ابتكاره ، و ظلت نجاحاته فقط فيما استولى عليه من الغير . و حتى على مستوى المسلسلات كانت انتاجاته ضعيفة و لا ترقى للمستوى المطلوب ، و لم ينقذه فى رمضان الماضى سوى مسلسل أنتجته الشئون المعنوية بالقوات المسلحة (الاختيار) و مسلسل لشركة أخرى غير الشركة المحتكرة و ان كانت قد وضعت اسمها عليه (بـ 100 وش) .
حتى التطوير و التحديث فى القناة الإولى – الذى تولاه نفس الكيان – لم يتعد نقل برنامج توك شو من قناة دريم ( العاشرة مساء ) الى التليفزيون الرسمى و تغيير اسمه فقط – و طبعا الديكور – أما المحتوى فلا تغيير يذكر ، فموظفى الكيان يسيرون على ( باترون ) قديم انتهجه كثيرون من قبل فحواه أن القناة تنجح بنجاح برنامج توك شو رئيسى ( لهذا ظهر صباح الخير يا مصر فى التسعينات ، و البيت بيتك فى الألفينات ) ، و لكنهم لا يعلمون أن الزمن تغير و أن هناك طرق أخرى لجذب المشاهدين بأن تجعل للقناة شخصية مميزة بصنع محتوى مختلف .
و كانت النتيجة بعد أن أصبح لدينا ثلاث جهات مسئولة عن الاعلام ، أن حدث تدنى شديد فى مستواه ، أدى الى انصراف الجماهير عنه ، نتاجا لانتفاء عامل التنافس ، ذلك أن المنافسة دائما ما تخلق الأجود ، فكيف ينافس إنسان نفسه ؟ لابد أن يتكلس و يرى أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان .
و فى ظل تعدد الجهات المسئولة – نظريا – و انفراد جهة واحدة عمليا لم نعد نعرف من نلوم على انصراف المشاهدين الى القنوات الأخرى ، هل نلوم ذلك الجالس فى ماسبيرو و لا هم له سوى إحالة المبدعين إلى التحقيقات مثلما فعل مع كوميديان شاب و مع أحد المذيعين لأنه صرح للصحف ؟! ، و لم يفكر للحظة فى تطوير ذلك المبنى و المعنى ، و لم نسمع له خطة أو أهدافا أو تفكيرا فى تطوير أو تحديث . أم نلوم ذلك الجالس على مقعد الوزير و يبدو للعيان أن لا حول له و لاقوة أمام سطوة ذلك الكيان و أوضحت المعركة الأخيرة بين الوزير و بعض الصحفيين و المذيعين من الأقوى ، حتى وصل الأمر بإذاعة تسريب للوزير . أم نلوم إهمال الكيان المحتكر و عدم مهنيته التى جعلت نسبة مشاهدة البرامج المضادة للدولة على اليوتيوب فى ازدياد ؟
من المنطقى أن تحتكر الدولة مشاريع الطرق ، و لكنها لم تفعل ، بل وضعت مشروعاتها لتنفذها عشرات الشركات العاملة فى المجال ، مما أدى لازدهار قطاع البناء و التشييد ، فلماذا لا نترك مجال الإعلام للمنافسة و نكتفى بالقنوات المملوكة للتليفزيون و تشارك هى أيضا فى المنافسة ، ألا يفيد هذا الدولة أكثر ؟ و كيف سيصير الحال إذا استمرت سياسة الصوت الواحد و الوحيد ، خاصة بعد ظهور إعلام جديد عن طريق مواقع التواصل أعتقد أنه فى طريقه إلى الانتشار؟.