بقلم : محمد حبوشة
سؤال تبادر إلى ذهني حول دور الإعلام المصري الغارق في المحلية المفرطة وأنا أتابع تلك الحرب الأهلية الحاصلة في أثيوبيا، وكيف لايمكن لقنواتنا وصحفنا ومواقعنا الإلكترونية إمكانية استغلال ظروف وملابسات تلك الحرب في إحداث أي نوع من التأثير في تقدم في المباحثات المتعثرة بين الدول الثلاث (مصر والسودان وأثيوبيا)؟، ثم لماذا لا تتناول تلك القنوات التي تضج ببرامج تافهة وتتشدق بقضايا أكثر تفاهة ولا تستحق كل هذا الاهتمام بينما تدير ظهرها لكل تحقيقات العالم عن سد النهضة والذي يرتبط ارتباطا وثيقا بما يجري على الأرض؟
لقد أصابتني الحيرة والقلق جراء صرف عشرات المليارات على إعلام يدفن رأسه في الرمال ويغض الطرف دوما عن تناول أهم قضايانا المصرية التي تمثل (إما حياة أو موتا) دون أن يرمش للقائمين عليه أي جفن في ظل حالة الغليان الداخلي الأثيوبي، والذي يمكن استغلاله في تعرية رئيس الوزراء (أبي أحمد) الذي تعنت مع مصر منذ لحظة وصوله إلى سدة الحكم وحتى الآن، أليس حريا بقنواتنا كشف زيفه حتى في التعامل مع أبناء شعبه وذلك من خلال عمل حملة إلعلامية تطالب بإسقاط جائزة نوبل عن هذا السفاح القاتل؟.
هل من الصعب على قنواتنا التي لا تنقل أحداث الحرب الأهلية الإثيوبية إلا لماما أو زرا للرماد في العيون استغلال ظروف بناء لما يسمى بسد النهضة تتشابه كثيرا مع ظروف عدم اكتماله؟، فعندما شرعت أثيوبيا في بناء هذا السد في عام ٢٠١١ مستغله انشغال مصر بنكسه 25 يناير، وهو مايذهب بنا إلى استغلال نفس السلاح بانشغال أثيوبيا بثوره شعبها ضد المتأمرك (أبي أحمد) الذي لايعلم جيدا أن ٢٠٢٠ هى نفسها ٢٠١١، وقد تؤدي بالضرورة إلى عدم اكتمال بناء السد وتهدد وجوده من الأساس، ولعل ما يدعم وجهة النظر تلك خروج معظم الشعب الإثيوبي من التيجراي والأرومو والأمهره، والذين على وشك توحيد رأيهم جميعا ضده حتي في بناء هذا السد.
أين الإعلام المصري إذن من كل تحقيقات العالم أجمع عن سد اثيوبيا؟ وأين برامج (التوك شوز) التي تتوغل يوميا في تصدير الإحباط لدى المواطن المصري، أين هم من المصادر الرسميه المصريه من ذوي الحيثيه الفنيه والقانونيه والذين يحز في نفسي تعدد لقاءتهم بقنوات ومواقع الخارج ومجلاتهم العالميه؟، أين أنتم أيها الفشله من الوقوف بجوار أوخلف القياده المصريه ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي في حرب الحياة التي يخوضها ببسالة هذه الأيام؟، أين أنتم من دوركم الوطني – إن وجد – وأعتقد أن دوركم يقتصر فقط علي الإعلان وليس الإعلام وأنتم عازفون عن إبراز دور رجال مجهولون وشرفاء كثر؟، والله سوف يلاحقكم العار ويلاحق أولادكم وأحفادكم من تقصيركم تجاه هذا الوطن.
لاشك أن جائحة كورونا تتطلب قدرا من الاهتمام في ظل موجتها الثانية التي توحى بشراسة أكبر من الموجة الأولى، لكن لابد من نظرة تتطلب ضميرا حيا لرصد وكشف وتعرية الجانب الأثيوبي الذي يمثل جائحة أكبر ويماطل طوال الوقت، ولابد من تسليط أضواء كاشفة على أولائك الرجال المجهولون الذين يعملون منذ سنوات هناك في صمت في أزمه سد اثيوبيا، وهم يحاولون بشتى الطرق إلى إلغاء كلمه (سد النهضة) واستبدالها بـ (سد أثيوبيا)، هؤلاء الجنود المجهولون لايظهرون بل كالاخطبوط يدرسون ويناورون ويحاربون بلا سلاح، وتظل قوتهم في إيمانهم بقضيتهم وحبهم لوطنهم وغالبا ماينتصرون، ولهذا هم يحتاجوننا الآن ومن حق إعلامنا عليهم أن يبرز تلك الأدوار بدلا من قنوات أجنبية وعربية تستعين بهم في حوارات كاشفة على الهواء حجم الجهود المضنية التي يبذلونها في سبيل توفير نقطة ماء لهذا البلد.
بعد مرور ٩ سنوات من المباحثات المصريه السودانيه الآثيوبيه وآخرها مفاوضات يوم ١٩ نوفمبر الحالي، والتي باءت جميعا بالفشل، لم يعد يتبقي لمصر سوي رجالها المخلصين والشرفاء لحمايه حياتنا من نيل مصر، نعم نيل مصر القادم من أثيوبيا إنهم رجال البدائل دائما الذين يستحقون من قنواتنا وبرامجنا الاهتمام والإشادة بجهودهم وإبراز أدوارهم الخطيرة وبشق الأنفس يسعون جاهدين لإعادة شريان الحياة المصرية (النيل) إلى وضعه الطبيعي كي يجرى ويصب في قنوات الري الزراعية ومياه الشرب التي ظلت تجري على مر التاريخ في عروق المصرين كي تصنع حضارة ماتزال تطاول عنان السماء إلى يومنا الحالي.
لماذا لا يمهد إعلامنا المصري لكل السيناريوهات المحتملة القادمة – حتى ولو كانت تلوح بالحرب – ولعلنا يمكن أن نطرح تساؤلا مهما – ربما عن لي في تلك اللحظة الراهنة -: ماهو مصير سد أثيوبيا من الصراعات الدائره هناك، فمن الممكن أن يتم استهداف هذا السد من أبناء العرقيات المتصارعة الآن على الأرض، وبأي نوع من الصواريخ قد تصل لهم من أي دوله ما، خاصة أن أبي دمر قبل أيام قليلة (سد التيجراي) الذي يتم فيه تخزبن أكثر من ١٠ مليارت متر مربع لأهل تلك القبيلة، وهو ما يرجح أنه من المحتمل وكرد فعل لقتل ما يقرب من عشرة آلاف من قبيله (التيجراي) أن يخرج رجالها ويقومون بتدمير مايسمي بـ (سد العار) الذي جاء لتدمير وقتل شعبه ظننا منه ومن خلفه المكايده والنكايه في مصر.
حقنا المشروع في استعادة حقوقنا المنهوبة لابد لإعلامنا أن يتصدى له في ظل صلف غير معهود من جانب رئيس الوزراء الإثيوبي الذي يتعامل كالطاووس في تصريحاته المستفزة يوما تلو الآخر، ولعل أبرزها مؤخرا ذلك التصريح الذي يقول فيه (إذا كانت هناك حاجة للحرب مع مصر بسبب سد النهضة فنحن مستعدون لحشد ملايين الأشخاص، ولكن المفاوضات هى التي يمكن أن تحل الجمود الحالي)، وهو ما رد عليه اللواء تامر الشهاوي – في تصريح لم أراه في أية قناة مصرية، بل أدلى به في لـ (RT) – قائلا: إن (ما يحاول رئيس الوزراء الإثيوبي التلميح له واستعراض القوة أمر غير مقبول، وأعتقد أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات الدبلوماسية والدولية للحفاظ على الحقوق المصرية”، وفي إشارة إلى التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، أشار الشهاوي إلى أنه لا يتصور (أنه تصريح مسؤول ومصر تمتلك كافة السبل للرد على هذا التصريح بشكل عملي).
وتابع: (التصريح ينافي كل الأعراف والمواثيق الدولية والحقوق التاريخية لمصر ودول حوض النيل، وكل اللقاءات التي تمت سابقا ومنذ عدة أعوام وبين قيادات مصر والسودان وإثيوبيا، لم تتحدث إطلاقا عن حلول عسكرية أو إعلان حالة حرب، لكنها كانت تتحدث عن حقوق تاريخية اعترف بها المجتمع الدولي)، ومن جانبه قال اللواء سمير فرج مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق بالقوات المسلحة المصرية، إنه يعتقد أن مصر لن ترد على ما ذكره رئيس وزراء إثيوبيا وحديثه عن الحرب ضد مصر، مشيرا إلى أنه سيتم انتظار مقابلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
معروف أن الرئيس السيسي لم يتحدث عن حل عسكري أو خلافه من قبل، وبحسب الرؤية المصرية فنحن ننتظر تواجد روسيا في الأزمة لأنها دولة قوية ولها شأن كبير، لكن الثابت أيضا أن إثيوبيا تقوم منذ عام 2012 بتنفيذ مشروع واسع النطاق يطلق عليه اسم (سد النهضة الكبير) على نهر النيل الأزرق، والذي سيؤدي تشييده وفقا للخبراء إلى نقص المياه في السودان ومصر اللتين يقطعهما مجرى النهر، لكن من مفارقات القدر أن يتغير الوضع حاليا فيبدو أن إثيوبيا تقترب بسرعة من شفا الحرب الأهلية، فقد أسفر القتال الدائر بين القوات الموالية للحكومة الفيدرالية برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد، وجبهة تحرير شعب تيغراي عن مقتل مئات الأشخاص، وبات يهدد بتمزيق البلاد.
ظني أنه لابد من انتباه قنواتنا المصرية إلى توضيح حقيقة أن هنالك تصور خاطئ سيق إلينا مرتين، مرة لأن السد الإثيوبي أصبح واقعا ملموسا، بصرف النظر عن مصير الحكومة الراهنة في إثيوبيا، ومرة ثانية لأن الخلاف أصلا ليس على أهمية السد التنموية، بل على طرق الملء والتشغيل والحفاظ على مصالح جميع الأطراف عبر التوصل إلى اتفاق ملزم، وهو ما يتطلب من إعلامنا شرح وجهة النظر التي تشير إلى خشية القاهرة من استثمار بعض القوى الخارجية للأزمة الإثيوبية والعمل على تكريسها، وإشاعة المزيد من الفوضى في المنطقة، والتي أدت في الصومال إلى دخول متغيرات أثرت على التوازنات التقليدية، ووجدت بعض القوى فرصة في تعميم الانفلات لخدمة مصالحها”.
ومن هنا يتحتم على الإعلام المصري أن يشرح للداخل والخارج المصري أن هذا كله بالطبع يتزامن مع أن مصر تخوض حربا ضارية ضد الإرهاب في الداخل، وترى أن نكبتها في روافدها الخارجية، من ليبيا إلى السودان، كما أن مصرغير مستعدة لأن يتحول نفوذ هؤلاء إلى إثيوبيا، مع استمرار تفكك الصومال، حتى وإن أصبحت حدودها مع اثيوبيا عاريه بعد أن سحب جيشها قرابة من ٤٥ الف جندي أثيوبي من حدود الصومال، مما جعل الجنود الصوماليون يتوغلون في الأراضي الأثيوبيه بدون طلقه واحده وأصبحت جبهه الصومال مع أثيوبيا عارية تماما ومرشحة لمزيد من التفاعلات التي ستؤثر بالضرورة على الداخل الأثيوبي.
وبمناسبه اضطرابات حدود أثيوبيا نتيجه غباء أبي أحمد الموروث بالفطره أصبحت حدود أديس أبابا مع السودان عاريه هى الأخرى، بعد عبور أكثر من 60 ألف لاجئ أثيوبي الحدود إلى السودان هربا من الصراع المسلح بين جيش أبي أحمد وزعيم قبيله التيجراي وسحب قوات الجيش الأثيوبي جنوده من هناك جراء خوفه من رجال التيجراي الهاربون إلى السودان، إذا في خلال أيام قليله ربما يفقد (أبي أحمد) وجيشه ثلاثه حدود استراتيجيه هامة، وهذا ما قد يجعل الموقف أكثر تفاقما داخل أثيوبيا التي تعيش الأن أجواء الانقسامات تزامنا مع عدم تأمين حدودها المفتوحة.
ينبغى على القنوات المصرية وعبر برامج (التوك شوز) التفاعل أكثر مع كافة التغييرات التي تحدث على الأراضي الأثيوبية، فأديسا أبابا تقترب الآن بسرعة من شفا الحرب الأهلية، فقد أسفر القتال الدائر بين القوات الموالية للحكومة الفيدرالية برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد، وجبهة تحرير شعب تيجراي عن مقتل آلاف الأشخاص، وبات يهدد بتمزيق البلاد، وفي وقت تحتدم المعارك على الأرض، يخوض الطرفان حرباً كلامية أيضاً – يمكن استغلالها من جانب برامج التوك شوز – فيحاول كل طرف منهما فيها حشد أتباعه وإقناع العالم أيضا بأن لديهم سند أخلاقي عال ومعنويات عالية، وتتهم كل من الحكومة في أديس أبابا وجبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي بعضهما البعض بالمسؤولية عن بدء الصراع.
وأخيرا وليس آخرا، ما الذى ينبغى أن نفعله فى مصر، إزاء الحرب الأهلية الدائرة حاليا فى إثيوبيا، على خلفية الصراع بين حكومة آبى أحمد وإقليم التيجراى؟!، أتحدث هنا كمواطن مصرى، ولا أزعم أننى أملك الكثير من المعلومات، بل يجب أن يتم تقيم وتحليل الموقف عبر قنواتنا وبرامجنا التي توفر المعلومات وتطالب ببعض المطالب الملحة، والتي تأتي على النحو التالي: رسميا ومن الطبيعى لدولة مثل مصر – من أوائل المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية فى 25 مايو 1963 فى أديس أبابا، التى تحولت إلى (الاتحاد الإفريقى) فى 9 يوليو 2002 ــ أن تدعو إلى الوقف الفورى لهذه الحرب، التى أدت حتى الآن إلى تهجير ونزوح وتشريد الآلاف إضافة إلى مقتل وإصابة آلاف أخرى، بل وارتكاب جرائم حرب.
رسميا أيضا علينا أن نقف على مسافة واحدة من هذا الصراع الأهلى، وسياسيا علينا أن نتحسب لأى حركات أو مقالب أو مفاجآت تأتى من القيادة الإثيوبية التى لا يمكن الوثوق بها مطلقا، ومن خلال خبرة السنوات التسع الماضية منذ بدء تفكير إثيوبيا فى إقامة سد النهضة، وحتى هذه اللحظة فإن القيادات الإثيوبية المتعاقبة، يمكنها أن تفعل أى شىء لصرف الأنظار عن الحرب الأهلية، وإعادة رص وتوحيد صفوف مواطنيها المتحاربين خلف (عدو خارجى) هو مصر، وللأسف الشديد فإن القيادات الإثيوبية المتعاقبة نجحت – إلى حد ما – فى تصوير مصر وكأنها السبب الرئيسى بل والوحيد لفقرهم وتخلفهم، وربما من سوء حظ هذه القيادات أن الصراع الحالى سوف يكشف للجميع داخل وخارج أثيوبيا، أن سبب مشاكلها الجوهرية داخلى وليس خارجيا.
وهنا تقع مسئولية على عاتق قنواتنا في أن توضح أن هذه الحكومات استخدمت موضوع سد النهضة بمهارة شديدة لاستمرار توحيد الشعب الإثيوبى على هدف قومى وهو توحيد وصهر (الشعوب) الأثيوبية المتناقضة، وعلى برامجنا أيضا مسئولية كشف الحقيقة حول (آبى أحمد) الذي كان الأكثر دهاء وخطورة فى العامين الأخيرين منذ تولى منصبه عام ٢٠١٨، وخصوصا بعد نيله جائزة نوبل أوائل عام ٢٠١٩، فقد تكمن من التخلص من معظم المشكلات الأساسية التى كانت تواجه بلاده، وتصالح مع إريتريا بعد حرب دامية من (١٩٩٨ – ٢٠٠٠)، ثم تصالح مع جيبوتى، وصار الوسيط المعتمد فى الأزمة السودانية بعد خلع البشير، وقوات بلاده تلعب الدور الرئيسى فى الأزمة الصومالية، والعديد من الأزمات الأفريقية.
وإلى وقت قريب كان (أبي أحمد) نجح أن يقدم بلاده كنقطة ارتكاز للمصالح الغربية عموما والأمريكية فى القرن الأفريقى، خصوصا فى التصدى للنشاط الإرهابى فى المنطقة، لكن السحر الآن انقلب على الساخر وخسر كل تلك الإنجازات في صراعه الشرس حاليا مع (التيجراي)، وهو ما يمنحنا الفرصة ليس على جناح الشماتة، بل بحرفية ومهنية إعلامية يمكننا أن نغير الصورة الذهنية حول هذا الأحمق والمريض نفسيا، وتصدير صورة حقيقية عن كيف تعامل برعونة مع جزء أصيل من شعبه بالقتل والتشريد وهدم البنية التحتيه لقبيلة (التيجراي) ممثلة في سدهم الذي يوفر لقمة عيش لهم، وهذه الحرفية تتطلب استقطاب خبراء وباحثين ومحللين سياسين ثقات، يمكنهم تقديم معلومات تقلب موازين اللعبة وتفضح (أبي أحمد) وجيشه أمام المجتمع الدولي.