ننفرد بنشر المحذوف من نشيد (راجعون) لفيروز
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة ،أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أو حذفها .
كتب : أحمد السماحي
بذات السلاسة التي أدت بها (فيروز) الأغاني العامية أدت قصائد الفصحى من ناحية النطق السليم للكلمات وإعطاء الأحرف حقها من الاهتمام والعناية والوضوح عند التلفظ بها متلبسة بالإيقاع واللحن، وعلى مدى مشوارها قدمت (جارة القمر) مئات من القصائد الرائعة لكبار الشعراء المعاصرين والقدامى، والتى حققت نجاحا كبيرا وتجاوبا جماهيريا مع جمهورها الواسع في العالم العربي، من هذه القصائد أنشودة (راجعون) كلمات وألحان الأخوين رحباني، والتى سجلت مرتين، المرة الأولى عند زيارة فيروز والأخوين رحباني القاهرة عام 1955 بدعوة من إذاعة (صوت العرب)، والجلوس فى القاهرة عدة أشهر سجلوا فيها عشرات الأغنيات المختلفة والمتنوعة لإذاعة (صوت العرب)، ومن هذه الأعمال نشيد (راجعون) الذي سجل بصوت (فيروز) وأداء أوركسترا إذاعة القاهرة وكوراسها، وبمشاركة قصيرة لكنها جميلة ولافتة للفنان (كارم محمود) الذي سجل معهم أيضا (زرياب، وحكايات الربيع) إلا أن تسجيل (راجعون) لم يطرح أبدا على أسطوانة أو شرائط كاسيت، وظل حبيس أرشيف الإذاعة المصرية.
وبعد انتهاء زيارتهم للقاهرة وعودتهم لبيروت ولسبب غير معروف أعاد الرحبانيان تسجيل هذا النشيد مرة أخرى معتمدين على أوركسترا الإذاعة اللبنانية وقائدها الشاب آنذاك توفيق الباشا، وبمشاركة المطرب (ميشيل بريدي) إلى جانب فيروز، وهذا التسجيل هو الذي صدر عام 1957 على اسطوانة تحمل إسم (راجعون).
لكن هذا النشيد به بعض الكلمات القليلة المحذوفة والتى كانت موجودة في تسجيل نسخة القاهرة التى غنتها (فيروز) مع (كارم محمود)، ولأول مرة سننشر النشيد كاملا وستجدون الكلمات المحذوفة باللون الأحمر
الكلمات الأصلية لأنشودة راجعون
أنت من ديارنا من شذاهايا نسيم الليل تخطر
حاملاً عبير أرض هواها في حنين القلب يزهر
أنت من حقولنا يا رسول من ربوع الخيرعندنا
كيف حال بيتنا هل تقول أم هجرت أنت مثلنا
وتلك السطوح يحطّ عليها الحمام
أبَعد النزوح تُراها تذوق السلام
يا غريب الديارنسيم الجنوب
ضلّ فيك المزارغداة الهبوب
أنت من بلادنا يا نسيم يا عبيراً يقطع المدى
حاملاً هموم أرض يهيم أهلها في الأرض شُرَّدَا
يا منشدين للغروب يا هائمين في الدروب
غنائكم هاج دموعي أدمى حنيني وولوعي
نحن من الأرض الخضيبة، نحن من الدار السليبة
يا هل ترى بعد الليالي، نجيئها تلك الحبيبة
في البال تحيا، دروبها السمر
سطوحها الحمر، في البال
زهر التلال، في البال دنيا
ترابها الشمس، الحب والقدس في البال
رغم المحال، وليلةَ لا جمال، فارقها الجمال
العدل زال، واسْودَّ لونُ الظلال
ولم تزل في البال، شوق البال، زهر التلال
نحن من الأرض الخضيبة، نحن من الدار السليبة
يا هل ترى بعد ليالٍ نجيئها تلك الحبيبة
مقدس الحبّ ثراها
مرابط الوحي سماها
أصبحت اليوم خرابا،
تشتاق للعدل رباها
من هناك أنتم، سمعت رياح بلادي
وبوح الشوادي، في غنائكم
من هناك أنتم، لمحت ظلال سمائي
ولون هنائي، في جباهكم
بلادي يمرُّ عليها، مع الفجر لحني الوجيع
بلادي أعدني إليها، ولو زهرة يا ربيع
وهناك يلثمْ، شراعي جباهَ الروابي
وفوق الترابِ، أنام وأحلمْ
طاف الصمت على الطرقات وصار ظلام
حلّ الليل على الفلوات فأين ننام
لا مأوى لا مثوى هل نرقد في الساحات
لا بيتٌ لا صوتٌ وسدىً تمضي الساعات
ذقنا الهول وطفنا الليل بدون طعام
إن البرد قَسَا واشتد فأين ننام
هل ننام وشراع الخير حطام؟
هل ننام ودروب الحق ظلام؟
وبيتنا الحبيب يسكنه غريب
ونحن لاجئون في الخيام
هل ننام؟ لن ننام
والكون أسىً وظلام
لن ننام، سيعمّ الأرض سلام
هيّا إلى الصفوف مع الدجى نطوف
على الخيام نوقظ النيام
في الليلات من الهدئات يثور نشيد
في الإعصار وفي الأمطار صداه يعيد
لن ننام وشراع الخير حطام
لن ننام ودروب الحق ظلام
وقوفاً وقوفاً
أيّها المشردون يا ترى هل تسمعون
يا نائمين تحت كلّ شرفة
يا ساهرين عند كلّ عطفة
هبّوا من الخيام هبّوا من الظلام
لنبني حصون السلام
ديارنا من يفتديها .. من غيرنا يموت فيها
فدىً لحماها وورد رباها
فدى كلّ حبّة من ثراها
بلادي زماناً طويلا أذلّك الغاصبون
بلادي أطلّي قليلا فإنّنا راجعون
في هدأة السكون في رهبة الحصون
أصحابنا على الطريق الرحب يهتفون
في الأمطار راجعون في الإعصار راجعون
في الشموس في الرياح في الحقول في البطاح
راجعون راجعون راجعون
بالإيمان راجعون للأوطان راجعون
في الرمال والظلال في الشعاب والتلال
راجعون راجعون راجعون