“نضارة أحمد أمين في بيت الأشباح”
بقلم : محمد شمروخ
لعدة أسباب لا أستطيع هنا أن أوجه نقدا إلى مسلسل “ما وراء الطبيعة” ولا أن أقارن ما بين ما كتبه الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، لعدة أسباب أولها أن لى موقفا من سلسلة ما وراء الطبيعة التى سحرت أعين الشباب واسترهبتهم وجاءت بسحر كبير والموقف ليس اعتراضا على المحتوى.
ــ أمال إيه بس؟
أبدا والله فلن أمس أحساسك المرهف كقارئ فتنته كتابات الدكتور أحمد خالد توفيق فصارت كالمقدسات لديك، ولأن سلسلة ما وراء الطبيعة ظهرت في سوق الكتاب وكنت قد جاوزت العمر الذي تجذبه موضوعاتها فعندما قررت مطالعتها لم تستهونى ولم أستهوها ولم تهضمنى ولم أهضمها، ولكن عندما ناد مناد على شاشات القنوات الفضائية بأن السلسلة ستتحول إلى حلقات من بطولة الكوميديان المتمكن أحمد أمين تملكنى العجب، فهل كانت سلسلة الروايات كوميدية دون أن أدرى؟ وهل كان نصيبى في النسخة التى اخترتها أن تقع عيناى على رواية الوحيدة التى لم تكن كوميدية؟
حقا انتابنى مع قراءتها نوع من الاستنكار لأن مصطلح “ماوراء الطبيعة” ليس له أدنى علاقة بعالم الخوارق والروحانيات والجن والعفاريت والنداهة “اللهم احفطنا” فالمصطلح فلسفي بحت وقد ظهر عند تدوين أندرونيقوس لكتابات أرسطو وهو الفيسلوف الغنى عن التعريف، حيث قسموا مؤلفاته إلى كتابات تناولت الطبيعة ثم جاءت كتاباته عن الجوهر والعرض والصورة والهيولي والوجود بالقوة والوجود بالفعل وعلة وجود الشيء، وكان ذلك بعد كتابته عن الطبيعة التى حصرها تلميذه “أندرونيقوس” تحت عنوان “تا ميتا فبزيقا” أى ما واراء الطبيعة”.
فالطبيعة هى الفيزيقا أو الفيزياء أو الفيزيكا باليونانية ووجد مؤرخو الفلسفة من هذه المصادفة الأرشيفية أفضل مصطلح للجانب الفلسفى الذي يتناول الوجود أسبابا وعللا وتفاعلا بل تجاهلوا تسمية أرسطو نفسها لهذا الفرع باسم “الفلسفة الأولى، فبالله عليك ما الذي جعل الدكتور خالد يتخذ من المصطلح الفلسفي المحض القائم على العقل وقواعد التفكير الفلسفية عنوانا لسلسلة هي أبعد ما يكون عن العقل وعالمه؟
آه صحيح أن بعض “الهجاصين الكبار” حاولوا إدخال الظواهر الخارقة تحت مصطلح ماو راء الطبيعة ولكن الفلاسفة في كل العصور رفضوا هذا الهجص وتمسكوا بعقلانية الميتافيزيقا.
لا أنكر بالطبع وجود خوارق “حكم أنا عارفك عايز تنط في كرشي دلوقت لأنى تجرأت وكشفت عن “مجرد خطأ بسيط” فقد يكون الدكتور خالد ليس له علاقة مباشرة به فعنوان السلسلة مغرى وكده كده الشباب لا له في أرسطو ولا في أنرينيقوس ولا في الميتافيزيقا بكل تعقيداتها، وهو عالم قد يكون أشد غموضا من عالم “اللهم ما احفظنا، لكن الموضوع مغر جدا للنشر والسوق عطشان لهذه النوعية وعموما أفضل للشباب من البانجو وأفلام السكس.
ما علينا.. لما شفت أول حلقة بصراحة عجبنى أحمد أمين في أنه كشف عن قدرة خارقة عن الأدوار المعقدة الغامضة ولكن صورته ككوميديان لم تفارق ذهنى .. طيب علي النعمة من نعمة ربي أحمد أمين بيهرج”.. “آه والنعمة زيمبئولك كده”.. بقى يا راجل حد يفرط في خفة الدم والقبول الجبار من الناس ويروح للعقد برجليه.. سيبك من الأصوات والموسيقى المرعبة في الخلفية وظهور البت الصغيرة أم فستان أبيض اللى تقشعر الجسم تمام زي أفلام سينما الرعب الهيليودية.
ولا من النداهة اللى ندهت فتحية وعبد الرحيم .. كل ده أونطة في أونطة وطول عمرى باتعامل مع أفلام الرعب على أنها أفلام كوميدي.. هم هم المشهدين والدقتين والإضاءة المرعبة ودايما العفريتة “لابسه فستان أبيض”، والقصر زي قصر دراكولا وسط البراري.
يا عم العالم حاليا يعاني مما هو أشد رعبا من شغل الأونطة بتاع عااااااا وهاااااا وووووو.. أنا عن نفسي شايف مثلا الدكتور (أدهانوم) بتاع منظمة الصحة العالمية أكبر ممثل رعب في التاريخ، وهو كل يوم يزود في موسيقى ضرب الحلل مع صور فيروس كورونا والناس كلها بالماسكات تحولت لما هو أكثر رعبا من الأشباح.
هى ناقصة عفاريت وخوف يا عم أحمد.. يعنى لما ربنا بعتك لنا تخفف وتهون عننا من أفلام الرعب الحقيقي مع الأحداث الجارية عالميا ومحليا.. جاي أنت تستكتر الضحكة اللي رجعتها لنا تانى.. بذمتك حد سلطك علينا؟!.
بص يا أستاذ أحمد ..تبقى غلطان والغلط راكبك من ساسك لراسك لو اعتقدت أن الاختبار الحقيقي للفنان هه الأدوار المعقدة.. تؤ تؤ تؤ.. أبسيليوتلى.. أبدا أبدا.. الفنان الكوميدى هو أكثر احترافا وعمقا من أي فنان آخر.
سأعطيك مثالا:
كلنا نعرف قيمة عميد المسرح العربي المرحوم يوسف وهبي
هل أعجبك في راسبوتين؟
نعم.. ولكنه في أدواره الكوميدية حفرفي ذاكرتنا ما نحفظه من عباراته في أدواره الكوميدية مع أنه ليس كوميديانا محترفا.
ومثال آخر عادل إمام في فيلم الجن والإنس لم يكن كوميديا وأظن أي ممثل آخر كان ممكن أن يلعب الدور بالقدر نفسه وقد يفوقه.
طيب قارن كده بين شخصية (عاصم الاسترلينى وجميز) في فيلم (المليونير)،
من فيهما الطبيعى الأقرب لنا؟ ومن فيهما الفنان؟
سيبك من أونطة بعض النقاد عندما يشيدون بالأدوار المعقدة أو المغرقة في الجدية.. دول عللم رايقين ياعم وحياتهم مابين (هاسيندا وبيفرلي)، إنما بقية الناس قرفانين من العيشة ومش ناقصين حركتين أونطة في الضلمة وأوعى من أمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة.
ياخي حتى الرعب في حكاياتنا الشعبية بيضحكنا!.
والغريب وأنا أتبع أداءك كنت أتوقع في نهاية كل مشهد أن تطلع لنا بحركة توقعنا من الضحك زي عوايدك حتى أنى ظننت أن عدم سقوط النضارة من على وشك هو بداية حركات الكوميديا التى انتظرها.
وتذكرت تعليقات والدى “رحمه الله” حول مشاهد للفنان الكبير فؤاد المهندس (الله يرحمه) لما كان ينضرب في الفيلم ميت علقة ويتشقلب ويتشال ويتهبد ومع ذلك لا تسقط نضارته من على عينيه ولا حتى تتغبر ولا تتشبر.
وأقول لنفسى “ماهو أحمد أمين لسه فيه الحتة الكوميدي رغم الوش الخشب بتاع الدكتور رفعت أبو دم يلطش.. لأن النضارة لسه ما وقعتش”.. وياريتها كانت وقعت وريحتنا.