أمل بوشوشة .. جوهرة الدراما العربية السمراء
كتبت : سدرة محمد
تربت على حب الفن والموسيقى، لكن التمثيل يبقى شغفها الأساسي، ولهذا ترى أن الإحساس الصادق أساس الدور الناجح، وعلى الرغم من أنها ليست خريجة معاهد تمثيل أو سينما، فقد احتاجت في بداياتها الأولى على طريق التمثيل إلى من يوجهها وإلى الإيمان بحس فطري يدفعها إلى الأداء بشكل جيد، لكنها اكتشفت أن الطريقة الفضلى هى أن تكون على طبيعتها، حيث تعني أولا بقراءة الدور والتمعن فيه والغوص في عوالمه، تتخيله وتخترع له أطرا وتعطيه أدوات تبرع من خلالها في تجسيد الشخصيات على نحو يشير يوحى بتعلمها في أعرق أكاديميات التمثيل، كما يبدو من متعة خاصة لديها عند القيام بأدوار مركبة أو حتى سهلة وبسيطة تحمل المزيد من التنوع في تجربتها في مجال الفن.
هى جوهرة الدراما العربية السمراء (أمل بوشوشة)، إنها إمرأة جميلة من داخلها وواثقة من نفسها إلى أبعد حدود، لذا فهي مؤمنة بما قدمته وما ستقدمه لها الحياة، ومن ثم فهي ترى أن العمل في الدراما شرف لها، ومع ذلك تعيش حياتها الخاصة ولا تعير أي انتباه أو أي كلام يدور عن أخبار الناس والثرثرة، كما أنها تعيش في عالمها بعيدة عن الانتقادات التي تثار في الصحف والإعلام من حولها، ومن يتابع (أمل) من بدايتها فسيجد أنها قدمت أروع أدوارها مع أول مرة مثلت فيها بمسلسل (ذكرة الجسد) لأحلام مستغانمي باللغة العربية الفصحى، حيث أبدعت في الدور رغم أنه كان صعبا جدا كأول تجربة لها، ومن بعده انخرطت في الدراما السورية التي لم تواجه أدنى صعوبة في لهجتها، وحتى مع دخولها إلى مصر فإن اللهجة المصرية لم تغلبها لتؤكد في النهاية أنها ممثلة تتمتع بقدرات خاصة ورائعة.
تحب الرقص والغناء منذ صغرها، وتقول عن ذلك: كان لدي مرآة كبيرة في بيتي في فرنسا، وأثناء قيامي بالأعمال المنزلية كنت أرقص وأغني أمامها وأتخيل نفسي فنانة حقيقية، عندما صعدت إلى المسرح فرغت طاقتي كلها وشعرت بأنني خلقت لأكون على خشبته، ومن هنا فإن (أمل) تملك قوة التخيل والإعداد الجيد للدور، وهما اللذين تمكنت من خلالهما على أن تؤكد أنها ممثلة موهوبة وتدرك الحياة حق الإدراك، وهذا ما وضعها طوال الوقت في خدمة الدور عن طريق الشعور و الإحساس، وكذلك التعمق في كل لحظة من اللحظات في أثناء تأدية الشخصية بملامحها و حركاتها و حواراتها وإيماءاتها ونظراتها.
أمل بوشوشة تفهم جيدا تمثيل الإحساسات أو الانفعالات التي تتولد من تلقاء نفسها عن الطريق الذي يحدث الحدث و لا يحتاج إلى تصنعها والتكلف بتمثيلها، فكلما أحب الممثل دوره و خلص له ظهرت الشخصية وتجلى هدفه الأساسي بنقل أفكار المؤلف وأحاسيسه للمشاهد، ولهذا السبب تعيش (بوشوشة) في الشخصية التي تمثلها، فالشخصية الشريرة تختلف عندها عن الشخصية الطيبة، إذ يلزمها في كلا الحالين الكشف عن ظروف الشخصية وأحوال معيشتها قبل القيام بتجسيدها.
على مستوى الجسم والصوت تمتلك (أمل بوشوشة) جسدا مطواعا وصوتا قادرا على تحريك المشاعر، ولذا فهى من أولئك الممثلين الذين يتحتم عليهم استخدام أجسادهم لعرض مواقف عديدة ومتنوعة، ويمكنهم اكتساب هذه الخبرات بدراسة مقررات أو بالممارسة والتجربة، ويبدو أنها طوال الوقت تتدرب على طريقة التنفس بطريقة صحيحة وعلى التنويع في إيقاع الصوت والنبرة، كما أنهم تتعلم التحدث بلهجات مختلفة، ومن ثم فإن التدرب على الإلقاء والغناء والاسترخاء شيء مهم في حياتها، وعليه فإنها ليست كمعظم الممثلين الذين يتدربون سنين عديدة لاكتساب القدرة على تطويع أصواتهم بشكل كبير يسمح لهم بالتحدث بصوت مرتفع أو منخفض أو بشكل حاد أو ناعم، بل هى من أولئك الممثلين المحترفين في التدرب الدائم على تحسين قدراتهم الصوتية ومرونة أجسادهم طوال مدة ممارستهم لموهبة التمثيل.
ولدت (أمل بوشوشة) في وهران غرب الجزائر وشبت على محبة الفن والموسيقى، وهو ما أهلها خلال فترة الدراسة أن تتولى رئاسة النشاطات الفنية بالمدراس التي انخرطت فيها، وحصدت إعجاب أساتذتها الذين شجعوها على خوض غمار فن الغناء تحديدا نظرا لما تتمتع به من موهبة متميزة تفجرت مبكرا، وبعد انتهائها من المرحلة الثانوية غادرت (أمل الجزائر) إلى فرنسا من أجل إكمال دراستها الجامعية وحصلت على شهادة في العلوم الإنسانية.
ولأنها تتمتع بشخصية قوية منذ طفولتها كونها تحملت المسؤولية باكراً، فهى الكبرى الأكبر بين أخوتها ومن ثم كانت تهتم بهم وتربت بين أهلها على المحبة واحترام الذات والآخرين، لذا فقد تعلمت سريعا في فرنسا الاتكال على نفسها والاندماج في مفاهيم وأفكار مختلفة عنها، فضلا عن الدقة في المواعيد وكيفية التفاعل بصدق مع الآخرين، فقد كانت – على حد قولها – مصرة على أن تبرهن لأبيها الذي تشبهه في شخصيتها إلى حد بعيد أنها قادرة على تحقيق نفسها بمفردها.
وعن سنوات الغربة في باريس تتذكر قائلة: الغربة عملت على تربيتي من جديد، علما أنني تربيت تربية جيدة جداً، اللغة في الغربة الأمر الأهم الذي كنت أتقنه في فرنسا بما أن الجزائر بلد فرنكوفوني، وباريس بلد تشبه الغابة بكل ما توحي الكلمة من معنى، كان والدي يزورني باستمرار بحكم عمله بين الجزائر وباريس، في الغربة نرى الدنيا من منظار آخر ونتعرض لصدمات وضربات عديدة تجعلنا أقوى ومحصنين أكثر.
كانت انطلاقتها الحقيقية من خلال مشاركتها في برنامج (ستار أكاديمي) في الموسم الخامس منه، وكانت تهدف من وراء انضمامها إلى صقل موهبتها، حيث غنت مع العديد من النجوم كالراحل وديع الصافي، نجوى كرم، نوال الزغبي، الشاب خالد، هيفاء وهبي وغيرهم من نجوم الصف الأول، وبعد تخرجها من ستار أكاديمي دخلت في عالم التقديم التلفزيوني حيث قدمت عبر شاشة (روتانا موسيقى) برنامج “”TOP20، ثم كانت تجربتها الثانية في عالم الإعلام من خلال برنامج المنوعات (طير وفرقع) على قناة LBCI، أما عن انطلاقتها في عالم التمثيل فكانت عندما اختارتها مواطنتها الجزائرية الكاتبة أحلام مستغانمي، والمخرج الكبير نجدت أنزور للقيام ببطولة مسلسل (ذاكرة الجسد)، إلى جانب النجم السوري الكبيرجمال سليمان.
وفور أن عرض المسلسل في شهر رمضان 2010أثنى النقاد على أدائها في تجربتها الأولى في عالم الدراما التلفزيونية، وانطلقت من بعدها إلى ساحة الدراما السورية حيث دخلت من أوسع أبوابها، من خلال مسلسل (جلسات نسائية) عام 2011 إلى جانب العديد من النجمات السوريات (نسرين طافش، يارا صبري، نظلى الرواس) وغيرهن، وفي رمضان 2012 أطلت (أمل بوشوشة) في مسلسل (زمن البرغوث) – الجزء الأول، ثم المسلسل المصري (تحت الأرض) مع أمير كرارة في 2013، لكن أكبر عمل درامي أطلت من خلاله وكتب لها النجاح والتألق كان بطولة مسلسل (الإخوة) بدور ميرا في عام 2014، إلى جانب نخبة فنية كبيرة على رأسهم (تيم حسن، باسل خياط، قيس شيخ نجيب أحمد فهمي، محمود نصر، نادين الراسي)، وغيرهم من مختلف الأقطار العربية.
وتألقت (أمل بوشوشة) في الدراما السورية أكثر عبر مشاركتها في مسلسل (العراب) بجزئيه الأولى والثاني (2015 – 2016)، مع جمال سليمان، باسم ياخور، باسل خياط، رافي وهبة وغيرهم، وفي عام 2016 أيضا شاركت في مسلسل (مدرسة الحب – ثلاثية حنين)، وفي نفس العام جسدت دور (نرمين) في مسلسل (سمرقند)، أما في عام 2017 فقد تألقت في مسلسل (أهل الغرام 3) من خلال خماسية (ياجارة الوادي)، وقدمت ثاني مسلسل مصري لها في عام 2018، عندما شارت أحمد عز في مسلسل (أبو عمر المصري)، وعام 2019 اكتفت فقط بـ 15 حلقة من الجزء الأول لمسلسل (دولار) الذي جاء بطابع كوميدي خفيف مع عادل كرم.
في عام 2020 جسدت دور (نوال الملاحي) في مسلسل “النحات”، والذي تساءل الجمهور عن سبب عدم ظهور الفنانة (أمل بوشوشة) في الحلقات الأولى من العمل الدرامي، وأخذ ذلك التساؤل حيزا كبيرامن الاهتمام؛ لكنها بمجرد إطلالتها في مشهد صامت دون أن تنطق بكلمة واحدة استطاعت أت تخطفت المشاهدين، وقد وصف الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي – حينها – هذا المشهد على صمته لعدة ثوان بأنه يوازي ألف معنى وكلمة، حين وقفت داخل منزل متهالك وهى ترتدي اللون الأسود، وسيطرت على ملامحها علامات الحزن والذبول، لتترجم مشاعرها من خلال لغة جسدها فقط، والتي تعبر فيها عن حالة حزن عميقة وصدمة بالغة، مما أثار تعاطف الجمهور معها متسائلين عن سبب وصولها إلى هذه الحالة.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مشهد (أمل بوشوشة) على نطاق واسعٍ، بين من يعلن حماسه لمعرفة قصتها وبين من يشيد بأدائها المتقن وبأنها كعادتها لم تخيب آمالهم في أي ظهورٍ لها حتى ولو كان بسيطا، لكنها عادة ما تطلق كما من الطاقة الإيجابية التي تظللها هالة الموهبة التي تسكنها منذ إنطلاقتها الأولى في (ذاكرة الجسد، جلسات نسائية، زمن البرغوث، الإخوة، أبو عمر المصري، دولار) وغيرها من أعمال لا تسعفني بها الذاكرة حاليا، لتحيا في غمار الشخصية متقمصة إياها من كافة الجوانب، تماما كما قامت بتجسيد شخصية (نوال الملاحي)، حيث ظلت ملامحها غامضة طوال الحلقات الخمس الأخيرة – التي ظهرت فيها – حتى كشفت عن شخصيتها واضحة المعالم مع خط النهاية.
وفي النهاية تقدم بوابة (شهريار النجوم) أجمل وأرق عبارات التقدير والاحترام لـ (أمل بوشوشة) نجمة الدراما السورية، ونجمة الجزائر التي استطاعت في مسافة زمنية قصيرة أن تجسد طموح بلد المليون شهيد، ومثلته كسفير فوق العادة في قلب الفن العربي على جناح أداء عذب نقي يليق بموهبتها الكبيرة التي نتوقع لها مستقبلا باهرا في قادم الأيام.