زوزو حمدي الحكيم .. ملهمة الشعراء والأدباء (1/2)
* زكي مبارك ذكرها في شعره 3000 مرة وأطلق عليها ليلى المريضة في الزمالك!
* نظرا لجمالها الهادئ الذى كان حديث شباب البلد اضطر والداها أن يزوجها من أول عريس يتقدم لها
* تزوجت وهى في السادسة عشر وبسبب التعليم تم طلاقها
* أغلق معهد التمثيل فحققت شهرة عريضة!
* عزيز عيد حاول أن يجعلها فاطمة رشدي جديدة
بقلم : أحمد السماحي
أهي غانية من سانت تيريز؟
أم ريفية من سنتريس؟
أم هي مزيج لطيف من هذه وتلك؟
هذا مطلع قصيدة طويلة كتبها الأديب الكبير(زكي مبارك) فى بلدياته الفنانة الكبيرة الراحلة (زوزو حمدي الحكيم)، ولقد كان الراحل رحمه الله من قرية (سنتريس) محافظة المنوفية، ولم يعرف تاريخ الأدب المصري أديبا أحاط بلدته بهالة من الشهرة كما فعل الدكتور (زكي مبارك) بسنتريس، فقد ذكرها فى شعره ونثره أكثر من ثلاثة آلاف مرة! وكان دائما ما يفتخر بأن هذه القرية الصغيرة فى محافظة المنوفية أنجبت أثنين هو (وزوز حمدي الحكيم) التى كان يطلق عليها (ليلى المريضة فى الزمالك)، حيث كانت تسكن فى هذا الوقت فى ضحية الزمالك الشهيرة.
وقد عاش طول حياته يكتب فيها شعرا، وكان سعيدا بأنها تقرأ شعره، وتفهمه وتقدره، لأن أكثر بنات جيلها فى هذا الوقت من الفنانات كن يجهلن القراءة والكتابة، أما (زوز) فقد نالت قسطا طيبا من العلم، اذ تخرجت من مدرسة المعلمات، وكان مقدرا لها أن تكون مربية فاضلة، لولا أن القدر انتزعها من قرية (سنتريس) ووضعها فى قلب القاهرة الواسعة، لتكون أول فنانة مصرية تلتحق بمعهد التمثيل عام 1930 وواحدة من رواد فن التمثيل، حيث اقتحمت هذا المجال في وقت لم تكن فيه التقاليد المصرية والعربية تقبل عمل الفتاة بالفن، ولا يقتصر الأمر عند ذلك فترتبط حياتها الفنية والشخصية بأسماء العديد من فطاحل الأدب والشعر والصحافة والفن، لهذا أكد بعض النقاد السينمائيين أن حياتها الشخصية أكثر ثراء من حياتها على شريط الفيلم المصري والعربي، سواء فى السينما أو المسرح أو الإذاعة أو التليفزيون .
البداية
ولدت الفنانة (زوزو حمدي الحكيم) عام 1912 فى قرية (سنتريس) بالمنوفية، وكانت طفولتها سعيدة حيث ولدت لأب متعلم لهذا أصر على تعليمها ودخولها المدارس، لكن نظرا لجمالها الهادئ الذى كان حديث شباب البلد اضطر والداها أن يزوجها من أول عريس مناسب يتقدم لها، وبالفعل تقدم لها شاب من شباب العائلة فزوجها له، وهي لم تكمل بعد السادسة عشر من عمرها، لكنه اشترط علي العريس أن تستكمل ابنته (زوزو) تعليمها خاصة أنها قاربت على الحصول على البكالوريا – الثانوية العامة حاليا – لكن الزوج العزيز بعد شهور من الزواج ومع قرب دخول المدارس رفض أن تستكمل زوجته تعليمها لأنه هو نفسه ليس معه شهادة البكالوريا، وحاولت (زوزو) أن تقنع زوجها بضرورة استكمال تعليمها لإنها تحب العلم جدا وتريد أن تصبح مدرسة فى مدارس الراهبات، لكنه رفض رفضا باتا، وبعد أيام من القلق والتوتر والتفكير هداها تفكيرها إلى الهروب إلى خالها فى القاهرة .
أول طالبة فى معهد التمثيل
تستكمل السيدة (سامية محمد) ابنة الفنانة الكبيرة مشوار والداتها فتقول بعد وصول والداتي إلى القاهرة استقبلها خالها بترحاب شديد ووقف بجوارها وساندها وجعلها تستكمل تعليمها، وألحقها بالفعل بإحدى المدارس القريبة من منزله، وما أن علم زوجها بما فعلته حتى قام بتطليقها، ولم تندم على هذا الزواج السريع الفاشل، وأقبلت على الدراسة حتى حصلت على شهادة البكالوريا بتفوق، وسارعت بتقديم أوراقها إلى معهد المدرسات، وحصلت على دبلوم المعهد وقبل أن تدخل مدرسة الراهبات لتعطي للبنات أول الدروس، كان القدر يخبأ لها مفاجأة سارة تعوضها عن سنوات الشقاء القليلة التى قضتها مع زوجها الأول!
ففى أحد الأيام – والكلام على لسان ابنتها ـ وبالتحديد فى 30 سبتمبر 1930 قرأت إعلانا فى جريدة (الأهرام) عن إنشاء معهد التمثيل الأول، فسارعت بالتقديم له لإنها كانت عاشقة للفن وتحرص على الذهاب إلى مشاهدة بعض العروض المسرحية التى كانت تقدم فى هذا الوقت، لكن لم يكن يخطر على بالها أن تحترف التمثيل حيث لم تكن تعرف أحد يمكن أن يأخذ بيدها ويعلمها فن التمثيل، وما شجعها على الالتحاق بالمعهد أن وزارة المعارف اشترطت أن يكون الطلبة المتقدمين حاصلين على شهادة البكالوريا أو يكونوا من حملة الشهادات العليا، وأن يجتازوا امتحان القبول بالمعهد عن طريق إلقاء مقطوعات تمثيلية يختارها الطالب، حتى تستوثق إدارة المعهد من إستعداده لتلقى الدراسات الفنية كما اشترطت أن يكون الطالب والطالبة فى سن معينة، وحتى تشجع وزارة (المعارف) الفتيات على الدراسة فى المعهد الجديد قررت منح الطالبة التى تلتحق بالمعهد مكافاة قدرها ثلاث جنيهات.
وكان وقتها مبلغ كبير جدا يعادل مرتب موظف حكومي، وكانت والدتي فى حاجة إلى هذه الجنيهات بعد أن مات خالها وأضطرت أن تعتمد على نفسها، وما شجعها أكثر على الالتحاق أن اللجنة التى تشكلت لإمتحان طالبي الإلتحاق بالمعهد كانت أسماء شهيرة موثوق بها برئاسة (محمد أحمد العشماوي بك) سكرتير عام وزارة المعارف وعضوية الدكتور (طه حسين) عميد كلية الأداب، والكاتب المسرحي (إبراهيم رمزي بك)، والفنان (زكي طليمات) أستاذ الألقاء والإخراج، والفنان (جورج أبيض) مدرس فن الإلقاء، وتقدم للإختبار 288 طالبا، و39 طالبة.
إغلاق معهد التمثيل
تضيف السيدة (سامية) ابنة الفنانة الراحلة وفى شهرأكتوبر1930 أعلن عن اختيار 20 طالبا وعشرة طالبات من بينهم والداتي التى نجحت بتفوق ومعها الفنانة (روحية خالد، ورفيعة الشال)، وأقبلت والدتي على دراسة التمثيل بحب شديد حتى إنها كانت الأولى على كل طلبة المعهد فى نهاية السنة الأولى، لكن فرحتها لم تدم طويلا ولم ينتقل أحد إلى الصف الثاني بسبب إغلاق المعهد حيث أصدر وزير المعارف العمومية (حلمي عيسى) عام 1931 قراره بإغلاق المعهد لإنه يخالف التقاليد والعرف السائد فى نظم التعليم.
بداية الإحتراف
تستكمل السيدة (سامية) كلامها قائلة: كان إنشاء معهد التمثيل العربي وإغلاقه معركة كبرى من معارك التنوير فى البلد، حيث إختلف المصريين على إنشاء المعهد، ومساواته بالمعاهد العلمية وكليات الطب والهندسة، وكانت (زوزو حمدي الحكيم) بطلة هذه المعركة، واكتسبت شهرة عريضة على صفحات الجرائد والمجلات، وتصدرت صورتها أغلفة المجلات الفنية والسياسية مثل الكواكب والمصور، وفى هذا الوقت عرض عليها المخرج (عزيز عيد) أن تكون بطلة فرقته بعد انفصاله عن زوجته الفنانة (فاطمة رشدي)، لكن والدتها “جدتي” رفضت رفضا تاما أن تعمل ابنتها “كمشخصتية”، حيث كان يطلق على الممثليين فى هذا الوقت إسم المشخصاتية، لكن والداتي أصرت على احتراف التمثيل!
وبعد عدة بروفات مع (عزيز عيد) لم يستطع استكمال العرض بسبب عجزه عن الإنفاق على العرض، ثم ابتسم القدر لها ابتسامة حلوة حين انضمت لفرقة (الريحاني) عام 1934 ورسم لها الريحاني دورا كبيرا عندما قدم مسرحيته الشهيرة (الدنيا لما تضحك) لأول مرة، ورغم نجاحها فى دورها فإنها لم تستمر على هذا المسرح المجيد أكثر من عام واحد ، وبعد ذلك عرض عليها الإنضمام إلى جمعية (أنصار التمثيل)، فسعدت بذلك جدا خاصة أن هذه الفرقة كانت تعمل للمسرح بحب وإخلاص شديدين، وقدمت معهم مسرحيات عديدة منها (اليتيمة، شارع البهلوانات، الملك لير، النسر الصغير)، كما كانت لها مساهماتها في عدة فرق أخري وكانت لها أدوار هامة مثل (الستات مايعرفوش يكدبوا، وعفريت مراتي) وغيرهما، وقد ساعدتها ثقافتها المتنوعة على أداء الأعمال المسرحية والشعرية بإجادة تامة وامتازت في أدوارها المسرحية بالأداء العالي وتقمص الشخصية بلا مبالغات في الأداء وتميزت في هذه الجزئية عن كثير من زميلاتها وحتي من جئن بعدها.
…………………………………………………………………………………………..
* في الأسبوع القادم نستكمل مشوار ملهمة الشعراء وسر قصيدة الأطلال.
* سنتحدث عن زواجها من الكاتب الكبير محمد التابعي، ومن هى الممثلة التى حاول نسيانها بزواجه؟!.