“المسرح الغنائي وإعادة اكتشاف الجمهور المجهول”
بقلم : محمد شمروخ
كان ياما كان منذ ما يقرب من قرن من الزمان هناك ما يدعى بالمسرح الغنائي في مصر والذي ولد على أرضها منذ القرن التاسع عشر وارتبط هذا المسرح بالنهضة الثقافية، بل ربما كان أهم عوامل نهضة مصر الفنىة والثقافية وربما السياسية والاجتماعية.
فالمسرح الغنائي الذي دخل الكهف المظلم قرب نهاية عشرينات القرن العشرين كان كالبحر الزاخر الذي التقت فيه مصبات أنهار الفنون من موسيقى وشعر وتمثيل ورقص وترجمة.
قدم هذا المسرح الملاحم وسير الأبطال وعرض للقضايا السياسية والاجتماعية حتى ارتبط تاريخ الفنون به منذ تأسيسه على يد رواده الأوائل مثل (خليل القباني وسلامة حجازى) وارتقى العنان مع (سيد درويش وإبراهيم فوزي وكامل الخلعي وزكريا أحمد) وغيرهم مما لا يحتمل المقام عرض أسمائهم.
فتجارب المسرح الغنائي العربي في مصر تزين تاريخ الفنون بدرر المسرحيات مثل (صلاح الدين الآيزبي، شهرزاد، العشرة الطيبة، الباروكة ومجنون ليلى).
لكن مع ظهور السينما والفونوغرام والإذاعة وسيطرة الغناء الفردى والمسرح النثري كل هذه الوسائل جذبت الجمهور الذي عشق من قبل ذلك المسرح المندثر وتأثر بما قدمه من روايات وأناشيد وأغنيات ظل كثير منها عالقا بالذاكرة المصرية إلى اليوم مثل (نشيد الجيوش وأنا المصري)، بل وساهم في بعث وتقوية الروح الوطنية وإشعال جذوة النضال في ثورة 1919 وما بعدها ضد الاحتلال الإنجليزي وحكومات الأقليات، ولعلى هنا أوجه دعوة إلى المؤرخين والدارسين المتخصصين القائمين على المجالين الثقافي والفنى لا سيما الموسيقي بأن يحققوا أسباب اختفاء هذا الفن العظيم وأسباب انزوائه كي يخرجوه من كهفه المظلم.
فالعجيب أنه طوال تلك الفترة الممتدة لما يقرب من قرن لم تبذل جهود حقيقية أو حتى شكلية من أي جهات لإعادة المسرح الغنائي إلى الحياة مع ثراء مصر بملحنيها وشعرائها ومطربيها وممثليها وقبل الكل إعادة اكتشاف الجمهور المتعطش إلى الفن الراقي على عكس ما يحاول الكثيرون من المغرضين أو المحبطين أن بحصروه في مستمعي الألوان الردئة والمتردية من الغناء والتمثيل والتى تبدو كلهب الكحول تزغلل الأبصار من الوميض لكنها ما زالت أن تخمد دون أن تعطى نورا أو حرارة.
المسئولية الأكبر تقع على عاتق المسئولين عن صرح الأوبرا المصرية التى مازالت حتى الآن لم تقدم ما يمكن حسبانه مستقبلا من تراث فنى ومازالت حتى الآن، وكأنها في طور الإعداد والتكوين رغم مرور عقود على إعادة بعثها من جديد في مقرها بأرض المعارض السابقة بالجزيرة.
لا أكتفي فقط بالدعوة لإحياء ما قدمه المسرح الغنائي من أعمال خالدة بل أطالب وزارة الثقافة والمسئولين أن يبحثوا إمكان تقديم أعمال جديدة واستنهاض قدرات شعراء وموسيقيين ومطربين وممثلين يعيشون بيننا لا نعرفهم، و ربما لا يعرفون قدراتهم هم أنفسهم وينتظرون من يكشفهم لأنفسهم ويكشفهم لنا فيكتشف معهم جمهورا مجهولا ينتظر بشغف من يحترم رغبته في أن يرى ويسمع تمثيلا وغناء وموسيقى طال انتظاره لها منذ زمن بعيد.