حسن عابدين .. فكر فى الاعتزال لكن الشعراوي نصحه بالاستمرار
* يوسف وهبي أنقذه من اليأس والأحباط و(سلطان زمانه) أعطته الشهرة
* نرجس كان فرصة العمر بالنسبة لمشواره الفني
* كان البطل الأوحد لمسرح جلال الشرقاوي وقدم معه العشرات من المسرحيات
* المقاول الشهير (عثمان أحمد عثمان) كان وراء قبوله الإعلان عن منتج وطني وينافس المنتجات الأجنبية
* بعد عرض فيلمه (درب الهوى) قرر ضرب حسام الدين مصطفى
* خالد عابدين والدي كان طيب القلب جداً عطوفا بدرجة كبيرة وكان يغضب مني وأخي (طارق وأختي ايمان وهدى) عندما كنا نكسل عن الصلاة
كتب : أحمد السماحي
نحي اليوم الخميس الذكرى الـ 31 للفنان الكبير (حسن عابدين) الذي رحل عنا في مثل هذا اليوم عام 1989، بعد أن أمتعنا بالعديد من الأعمال الفنية في كافة المجالات الفنية، سواء إذاعة أو تليفزيون أو سينما أو مسرح، والذى استطاع خلال سنوات عمله أن يفرض اسمه كممثل على كثير من الأعمال الدرامية فى السينما والتليفزيون، وأن يصنع لنفسه حضورا مختلفا ومميزا، وكنا لا نشعر بالغربة في أعماله، وشعرنا بالواقع يلامس مشاكلنا، وصدقنا ما نراه فأعماله تجيد العزف على المشاعر، وتتطرق لأدق التفاصيل الإنسانية، ومن خلالها نسج لنا أعمالا تحولت مع الأيام إلى علامات بارزة فى تاريخ الفن المصري.
فى الحلقة الماضية توقفنا عند طفولته، وعشقه للفن منذ الصغر، وتقديمه لمسرحية أمام ملك مصر والسودان الملك (فاروق) وانضمامه إلى المسرح العسكري وصداقته للفنان (إبراهيم الشامي)، وتأثره وحبه بالفنان (عبدالرحيم الزرقاني) ويأسه وإحباطه عندما لم يجسد شخصية (كليبر) فى مسرحية (أيام الثورة) للرئيس (جمال عبدالناصر).
العمل مع يوسف وهبي
بعد عدم تمثيله لشخصية (كليبر) للزعيم (جمال عبدالناصر) إخراج المبدع (نبيل الألفي) شعر (حسن عابدين) بحالة من الإحباط واليأس، ولم ينقذه من هذه الحالة إلا عملاق الفن (يوسف وهبي) فتعالوا بنا نعود إلى الوراء لنعرف الحكاية، في أحد الأيام كان فى زيارة لأحد أصدقائه فى وزارة الثقافة فتصادف أنه ركب الأسانسسير، مع العملاقان (يوسف وهبي وأحمد علام)، حيث كانا مع بعضهما فى زيارة لوزارة الثقافة، وحين شاهدهما الفنان الشاب نسي زميله وإلى أين كان ذاهبا؟!، وعرف نفسه إليهما وطلب من (يوسف وهبي) أن ينضم إلى فرقته، بعد اختباره، وضحك (يوسف بك وهبي)، وحدد له ميعاد، وبعد الاختبار انضم إلى الفرقة وقدم معها مسرحيات كثيرة منها مسرحية (بنات الريف، بيومي أفندي، وكرسي الاعتراف) وغيرها وللأسف هذه المسرحية لم تصور لظروف سفره خارج مصر.
نرجس
بعدها انضم للمسرح القومي والمسرح الحديث وقدم معهم حوالي عشرين مسرحية تعامل فيها مع كبار المخرجين والممثلين أيضاً، وبدأ الحظ يبتسم له، خاصة عندما عرض عليه المخرج (سمير العصفوري) بطولة مسرحية (سلطان زمانه) المأخوذة عن مسرحية لدورينمات عنوانها (هبط الملاك فى بابل) وشاركه البطولة (عبدالله غيث، وحسن البارودي، ومشيرة إسماعيل)، وقد أعطته هذه المسرحية الشهرة فى الوسط الفني وفى الصحف والمجلات، وبعد هذه المسرحية قدم عرض آخر لاقى النجاح الفني وهو (نور الظلام) تأليف رشاد رشدي بطولة (يوسف وهبي، وحمدي غيث، وسناء جميل)، ويومها كتب النقاد: لقد شاهدنا فى هذه المسرحية ثلاثة أجيال فنية، جيل يوسف وهبي، وجيل حمدي غيث، وجيل حسن عابدين.
كما انضم الى مسرح الريحاني وظل فيه حوالي 15 عاما قدم من خلاله مسرحيات كثيرة تم تصويرها جميعها، وتعتبر مسرحية (نرجس) التى قدمها مع الفنانة (سهير البابلي) فى منتصف السبعينات هى سبب شهرته جماهيريا، وظلت تعرض على مسرح الدولة لمدة عام كامل، ومن بعدها سعت إليه الفرق المسرحية الخاصة وكان البطل الأوحد لمسرح المخرج والفنان (جلال الشرقاوي) وقدم معه العشرات من المسرحيات مثل (أفرض، قسمتي، على الرصيف، بلوتيكا) وغيرها، كما قدم مع الفنان محمد نجم مسرحية (عش المجانين).
فرصة العمر
مع بداية التلفزيون شارك في كثير من برامجه التى كانت تقدم فى نهايتها بعض التمثيليات القصيرة أهمها برنامج (سيدات البيوت)، حيث قدم العديد من التمثليات القصيرة فى هذا البرنامج، كما قدم دورا هاما فى مسلسل (الضحية) تأليف الكاتب عبدالمنعم الصاوي وإخراج نور الدمرداش، والعديد من السهرات التلفزيونية، وجاءته الفرصة الحقيقية فى منتصف السبعينات عن طريق مسلسل يذاع في شهر رمضان وهو كان أول مسلسل يقدم نصف حلقاته أبيض وأسود والنصف الأخر بالألوان كان بعنوان (فرصة العمر) مع الفنان محمد صبحي وكان معه نجوم كثيرون مثل (نسرين، وأنعام سالوسة، ومحمود المليجي، ومحسن محي الدين)، وحقق هذا المسلسل نجاحا كبيرا وفي نفس التوقيت كان يقوم بعرض مسرحية (نرجس) على مسرح الدولة، فحقق بعد طول عذاب نجاحا كبيرا ونجومية واسعة، جعلته مطلب للمنتجين والمخرجين، وتوالت أعماله للتليفزيون منها (أرض النفاق، آه يازمن، فيه حاجة غلط، نهاية العالم ليست غداً، أهلاً بالسكان ، حصاد العمر، إمرأة مختلفة، العمر له بقية، أبنائي العزاء شكرا، أنا وإنت وبابا فى المشمش) وغيرها.
الإعلانات
النجاح الكبير الذى حققه فى المسرح والتليفزيون شجع مخرج الإعلانات الشهير (طارق نور) أن يعرض عليه خوض تجربة الإعلانات لأحد المشروبات الغازية الشهيرة: فذهب طارق اليه في المسرح أثناء عرض مسرحيتة (واحده بواحدة)، لكنه رفض العرض، لكن تحدث إليه المقاول الشهير (عثمان أحمد عثمان) وطلب منه القبول وقال له أن هذا المنتج وطني وينافس المنتجات الأجنبية فوافق من هذا المنطلق وقام بتصوير الإعلانات في إنجلترا وفرنسا، ونجحت الإعلانات بقوة، ووصلت مبيعات هذا المنتج الى ذروته وكانت انجح حملة إعلانية قام بها (طارق نور).
وبعد تقديم أول إعلان تعرض لهجوم شرس جداً وأصيب باكتئاب لفترة طويلة وبعدها رفض أن يقدم أي عرض للإعلانات أخرى، وبالفعل عرضت عليه شركة تتعامل فى نوع من السيارات حملة عائدها أكثر من عائد المشروب الغازي بعشرات المرات وسيارة لكل شخص أكبر من 18 سنة في الأسرة وتتغير مع موديل العام ومبلغ مئة ألف دولار عن الاعلان الواحد ولكنه رفض!.
السينما
عشق (حسن عابدين) المسرح بلا حدود وبعده التلفزيون والإذاعة، ولم تغريه السينما ولم يكن له حظ فيها، ورغم كرهه للسينما قدم أكثر من خمسة عشر فيلماً، فبعد فيلمه الأول (جعلوني مجرما) قدم عام 1971 (بريء في المشنقة)، وفي عام 1972 (الشيطان امرأة)، عام 1973 (العذاب فوق شفاه تبتسم)، وعام 1975 (على من نطلق الرصاص)، (الأنثى والذئاب)، (المطلقات)، عام 1976 (سنة أولى حب) و(فيفا زلاطا)، عام 1977 (عيب يا لولو عيب)، عام 1983 (مملكة الهلوسة)، (درب الهوى)، (ريا وسكينة)، عام 1984 (الأشقاء)، عام 1986 (سترك يا رب)، عام 1989 (عنبر الموت) الذى حصل من خلاله على جائزة تسلمها ابنه (خالد) بعد رحيل والده.
أشياء خاصة
عن أهم ما يميز (حسن عابدين) الأب يقول ابنه الصغير خالد : كان أبي جادا جدا ودائما مثقل بالهموم يفكر في الأدوار وتفكيره في أعماله جعله لا يعش حياة طبيعية معنا في المنزل لا مجال للضحك، ولكنه كان طيب القلب جداً عطوفا بدرجة كبيرة، يغضب منا أنا وأخي (طارق وأختي ايمان وهدى) عندما كنا نكسل عن الصلاة ونحن صغار ويقوم بمعاقبتنا.
وفي العمل كان يغضبه جداً عدم الالتزام بالمواعيد والخروج على النص، وأتذكر موقف كان في مسرحية (بولوتيكا) التي كانت تعرض على مسرح بالمنتزه فقام الفنانان (حسين الشربيني ووحيد سيف) بالخروج عن النص، الأمر الذي أغضبه جداً منهما، ووصل الى حد الخلاف، وهدد بالانسحاب من المسرحية إذا لم يلتزما بالنص، فقد كان يعشق فنه ويكره الخداع، ويتذكر (خالد) موقفاً لن ينساه فى فيلم (درب الهوى) حيث لم يرض عن دوره فيه، رغم أنه كان دوراً قوياً لم يستطع أي ممثل أن يقوم به، وعندما جاء (حسام الدين مصطفى) إلى منزلنا كاد أن يضربه، وفي يوم شاهدني وأنا أشاهد فيلم (درب الهوى) على شريط فيديو فأخذه وقام بكسره إلى نصفين، وكان يدين بالفضل في حياته الفنية إلى اثنين هما عبدالرحمن الزرقاني، ونور الدمرداش.
زيارة الرسول
ويضيف خالد حسن عابدين: كان أبي محبا لأطفاله وزوجته وهى بالمناسبة بنت عمه وتعمل مديرة مدرسة، وتربطهم علاقة كلها ود وحميمية ولم أشاهد في يوم بينهما مشكله، وكان عطوفا جداً لدرجة انه من شدة عطفه وجدته في يوم وهو يشاهد فيلم (بلال مؤذن الرسول) يبكي بشدة خاصة فى المشهد الذى يجمع بين (حسين رياض ويحيى شاهين)، ويعلم فيه رياض من بلال أن الرسول مات، ويومها جاءت والدتي و(طبطبت على كتفه) وقالت له: (إن شاء الله ستزور الرسول فلا تبكي)، فقد كان أبي متدينا وكان يحب العلماء، وكان يحب الشيخ (الشعراوي) جداً وكذلك الشيخ وكانوا دائمين السؤال على بعضهما، وبالفعل زار قبر الرسول أثناء تأديته الحج وأنهار فى البكاء، وبعد عودته فكر فى إعتزال التمثيل، لولا تدخل الشيخ (الشعراوي) الذى نصحه باستكمال مسيرته لأنه يقدم أعمالا هادفة.
النهاية
يروي (خالد) اللحظات الأخيرة للفنان المحبوب (حسن عابدين): أثناء عرض مسرحية (بولوتيكا) في الأسكندرية تعرض لتعب وارتفاع في درجة الحرارة فعاد إلى القاهرة ودخل المستشفي وقام بعدة تحاليل وقال الطبيب: (عنده لوكيميا)، وظل بها عشرين يوما، بعدها سافر بمصاحبة أخي الأكبر (طارق) إلى انجلترا وظل هناك حوالي شهر، وفي يوم الاثنين المواقف 6-11-1989 انتقل الى رحمة الله وعاد ليدفن في بني سويف بعد مشوار حافل مع الفن، أمتعنا فيه بأعمال مازالت تسكن ذاكراتنا ولم تبرحها رغم مرور السنين، رحم الله الفنان الكبير حسن عابدين.