فردوس محمد .. الأم الحنون للسينما المصرية
بقلم : سامي فريد
على شاهد قدها كتبت فاتن حمامة سيدة الشاشة عربية تقول: يا أمي يا فردوس لقد كنت لنا جميعا فردوساً وارف الظلال وسيجزيك الله بمالك من مآثر جنة الفردوس”..
فردوس محمد أشهر أم في المسرح والسينما عاشت يتيمة الأم والأب منذ كان عمرها 3 سنوات.. وتبناها وأكملت مشوار حياتها أسرة جيرانهم وصديق والدها الشيخ على يوسف صاحب جريدة (المؤيد) وصديق خديوي مصر عباس حلمي الثاني.. تبنتها أسرة الشيخ علي يوسف وألحقتها بالمدرسة الإنجليزية بالحلمية وفيها تعلمت القراءة والكتابة والتدبير المنزلي واللغة الإنجليزية وفي سن الرابعة عشرة زوجتها أسرتها التي تبنتها بأول من تقدم لها واستمر أسوأ زواج عاشت تحلم وتحكي من مرارته لمدة 5 سنوات لم طلقت وهى في سن الخامسة عشرة وعاشت حياتها كلما صادفها موقف سيء في حياتها تشبهه بزواجها الأول فتقول: (شبه جوازي الأولاني وأيامه السودة).
كانت فردوس منذ طفولتها وابتداء من سن الثانية عشرة ترتاد المسارح مع الشيخ علي يوسف فعشقت التمثيل.. وتحدث المفاجأة بعد طلاقها وبحثها عن عمل لتعيش منه فعرضت عليها زوجة أحد جيرانها وكان يعمل في فرقة عكاشة المسرحية أن تكلمه لتعمل في الفرقة، ورحبت فردوس محمد جدا فالعمل يوافق موهبتها فبدأت العمل بالفرقة مقابل مرتب 3 جنيهات، وتألقت في أدوارها وحققت نجاحاً كبيراً في المسرح.
ولفت نجاحها في المسرح أنظار المخرج محمد كريم ليسند إليها دور الأم في فيلم (يوم سعيد) بطولة عبدالوهاب وفؤاد شفيق والمعجزة في ذلك الوقت الفنانة فاتن حمامة.
كانت الفنانة فردوس محمد هى الأم لكل الفنانين، كاتمة أسرارهم والتي تراعاهم وتعيش همومهم فكانت الأم لفاتن وشادية وعبدالحليم حافظ ولبني عبدالعزيز وإسماعيل يس، كما كانت بطلة أفلام (إحنا التلامذة وسيدة القصر وغزل البنات وسلامة في خير وأبو حلموس وعنتر بن شداد).
ولعملها في فيلم غزل البنات حكاية، فقد كان الفنان نجيب الريحاني يعتذر عن العمل في الفيلم لو لم يجد فيه فردوس محمد فأضأفوا لها دور مربية ليلى مراد حتى يوافق الريحاني على بطولة الفيلم ولماذا؟، لأنه كان شديد التفاؤل بها وكذلك كان كل الفنانين..
كانت فردوس محمد هى الصديقة المقربة جداً من كوكب الشرق منذ لعبت دور أمها في فيلم (فاطمة) رغم أن أم كلثوم كانت أكبر منها في السن.. وكانت فردوس محمد تقضي سهراتها مع صديقتها الثانية الفنانة زينب صديق في فيلا أم كلثوم بشكل شبه يومي.. أو في فيلا زينب صديق بالإسكندرية.
كانت اليتمية فردوس محمد منذ طفولتها هى أم السينما المصرية.. لكنها عشات حياتها غير موفقة في الإنجاب، فقد كانت الفنانة الوحيدة التي لعبت دور الأم رغم حرمانها من الأمومة، وهي أيضا الفنانة التي كسرت قاعدة أن (فاقد الشيء لا يعطيه)، فقد أعطت دفء الأمومة في السينما وهى محرومة منها، كما كسرت قاعدة أن تكرار نفس الدور يؤثر على نجاح الفنان فقد لعبت أدوار الأم في 127 فيلما كانت كلها تشهد بنجاحها.
ولقصة زواجها الثاني مرة حكاية عجيبة: فقد كانت تعمل في فرقة الفنان فوزي منيب الكوميدية وحدث أمر تلقت الفرقة دعوة للعمل في فلسطين، لكن سفر الفرقة تعذر بسبب القواني في ذلك الوقت والتي كانت تمنع سفر الفنانات غير المتزوجات واقترح فوزي منيب حلا سريعا وهو أن يزوج الفنانة فردوس محمد للمونولوجست محمد إدريس زواجا صوريا حتى تتمكن الفرقة من السفر.
ووافقت فردوس، وبعد ليال من العرض في فلسطين فاجأها محمد إدريس بأنه يحبها بالفعل وأنه يريدها زوجة حقيقية له، والمدهش أن فرودس محمد كانت تحب فيه طيبته وفنه فوافقت لتعيش زوجه له لمدة 15 عاما أنجبت خلالها 3 مرات لكنهم ماتوا جميعا فنصحتها صديقة له بأن تنكر أنها أنجبت أو أنهم أبناؤها.. وعندما انجبت فردوس محمد ابنتها سميرة أدعت كما نصحتها صديقتها أنها متبناه وليست ابنتها حتى تعيش البنت التي تزوجت بالفعل في سن السابعة عشرة من مدير التصوير السينمائي محسن نصر.. لكنها في حفل الزواج بكت بشدة وهى تعلن أمام الجميع أن سميرة هى ابنتها الحقيقية، وراحت تقنع كل الحضور أنها ابنتها لكنهم ظنوا أنها ترفع من قيمة سميرة أمام أهل الزوج..
وفي نهاية مشوارها في الحياة أصبيت الفنانة فردوس محمد بسرطان الدم وسافرت إلى ستوكهولم لاستكمال علاجها حتى أصيبت بالغيبوبة وتموت..
وقد اختير عشرة أفلام لفردوس محمد ضمن أفضل مائة فيلم في ذاكرة السينما المصرية وهي أفلام (سلامة في خير وغزل البنات ولك يوم يا ظالم وابن النيل والمنزل رقم 13 وأين عمري ورد قلبي واحنا التلامذة).
كانت فردوس محمد – يرحمها الله – تجود بمعظم ما تحصل عليه من أجر عن عملها لتجود به على المحتاجين من العمل وصغار الفنانين.
وقد بلغ من مكانة فردوس محمد بين أهل الفن أن نقابة الممثلين كرمتها في أول احتفال بعيد الأم فصعدت إلى المنصة لتتسلم التكريم وشهادة التقدير وهى لا تتمالك دموعها وسط تصفيق وحفاوة كل الفنانين.
وكانت آخر كلماتها يرحمها الله هى وصيتها لكل من حولها بألا تنسوا ابنتها بالتبني “ناني”، فقالت لمن حولها “خلو بالكو من ناني وراعواها”.. ثم اسلمت الروح.