بقلم : محمد شمروخ
واحد واقف على مسرح صغير بمفرده يتحث في موضوع يختاره بطريقة ساخرة.. من عادات وتقاليد.. من ظواهر اجتماعية.. من تصرفات لبعض الأشخاص.. المهم أنه يتناول موضوعه بسخرية لإضحاك الجمهور، وهم عادة يأتون خصيصا للضحك.
انتشرت تلك الطريقة منذ عدة سنوات ثم اختفت فجأة كما ظهرت فجأة.
وخلال الأيام الماضية فوجئنا بأن أحد هؤلاء مازال يقدمها بالطريقة القديمة نفسها وكل هذا ليس فيه شيء فأنت حر تذهب أولا تذهب تضحك أو لا تضحك، ولكن الملاحظ على غالبية مقدمى هذا النوع “الذي نسيت اسمه” أن ضحك الجمهور فيه يبدو مفتعلا تماما كضحكات جمهور (السيت كوم) الذين لا نراهم.
ولكن الضحك والكركرة لا يتوقفان والغريب أن في كل تسجيلات “الضحك واحدة وبأصوات تكاد تكون متطابقة، سواء هنا أو هناك حتى أنك تسمع في الاثنين ضحكة نسائية واحدة وكأن تلك المرأة المجهولة صاحبة الضحكة “المطرقعة” تخصصت في حضور تلك الحفلات التى تذهب إليها عقب انتهائها من “أوردر” السيت كوم.
وكثير من المتابعين عندما شاهدوا فيديو للممثل “المجهول” الذي قدم فقره يسخر فيها من إذاعة القرآن الكريم، لم تكن مفاجأتهم مما قدمه الممثل فقط، لكن مفاجأتهم بالقدر نفسه أو أقرب منه، كانت من ضحك الجمهور المكثف العالى عقب كل جملة ينطق بها الممثل ولا تفسير لذلك إلا أنه إما أن تكون الضحكات مسجلة كمسلاسلات (السيت كوم).
وإما أن الجمهور يضحك غصب عنه أو مجاملة أو كنوع من “الهبل الهزلي العمدى”
ولا يخفى عليك أن الممثل اختار موضوع السخرية من إذاعة القرآن الكريم حتى يصبح الموضوع مثيرا ويحدث فرقعة ويلفت الانتباه زهو المطلوب، فتلك الإذاعة لها طابع خاص بسبب ماتقدمه من مواد دينية ولا مجال فيها للهزل فغالب فقراتها يتمثل في تلاوات قرآنية لمختلف القراء، حتى أنها تعد كنزا ثمينا لعشاق سماع القرآن الكريم مجودا أو مرتلا بأصوات القراء على مختلف أجيالهم.
وذلك بجانب برامج فقه وتفسير وغيرها مما يتصل بطبيعة المحطة الإذاعية الأكثر استماعا في مصر والعالمين العربى والإسلامي.
وبدون الدخول في تفاصيل ما أثاره الممثل لتهافته وسخافته، فإن موقف الجمهور كان غريبا وعجيبا ليس في عدم وجود ولو واحد فقط يعترض على تلك الطريقة السخيفة والسمجة ولو بترك مقاعد المتفرجين في صمت، بل في تكرار الضحك على جمل سخيفة ودمها يلطش وليس فيها أي أثر لما يمكن أن يضحك.
وقد سبق لفرقة من المراهقين منذ عدة سنوات قليلة أن سخرت في فيديو لهم على شبكة الإنترنت من الإذاعة نفسها ومن شعائر الحج.
وستجد من يكتم تساؤلا عن أن هذا الممثل ثقيل الظل لم يتطرق إلى أي من المقدسات الدينية وأنه سخر فقط من طريقة تقديم ونطق بعض المذيعين لفقراتهم.
وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن الواضح على الممثل أنه يسخر من الإذاعة نفسها ككيان في ذاته، فقد قرر أن أسرته كانت تترك الراديو مضبوطا على موجة إذاعة القرآن الكريم طوال 24 ساعة، وقال ذلك بطريقة ساخرة من أهل بيته ومن الإذاعة معا.
ولا أظن أن الأسرة الكريمة كانت تترك الراديو مفتوحا طوال اليوم للاستماع إلى أداء المذيعين، فتلاوة القرآن تشغل غالب وقت الإرسال الذي يستمر 24 ساعة يوميا ولا ينقطع منذ تقرر مد فترات الإرسال لتشمل اليوم كله.
فلا مجال للدفاع عنه ولو بافتراض حسن النية فاسم الإذاعة كان لابد أن يجعله ينتبه إلى ما سيقول ولو كان في بداية حديثه قد أكد احترامه للإذاعة، وأنه لا يمكن أن يقصد القرآن المنسوبة إليه وما تقدمه من برامج جادة قبل أن يتناول بالسخرية أداء مقدمى البرامج ومذيعى الربط، لربما التمسنا له العذر ولكنه من البداية جعل موضوعه السخرية من الإذاعة ومستمعيها وهم بعشرات الملايين وأولهم أفراد أسرته نفسها.
قد يكون الممثل؛ وفي الغالب هو كذلك؛ حسن النية، ولكنه أساء التقدير ولكن مهما كانت الكلمة المنطوقة عن حسن أو سوء نية إلا أنها مسئولية، كما أن الضحكة نفسها مسئولية لأنها موافقة وإقرار للكلمة.
أعلم تماما أن الأمر كان هزلا، ولكن ذلك لا يعفيه من المسئولية بل يزيدها فهناك أمور لا تتحمل الهزل وتؤذي مشاعر الملايين وتسخر من معتقداتهم، وهو نوع من التنمر البغيض والاستظراف السمج الذي لا يقبله عاقل.
وخلاصة الأمر هو أن هذا التصرف قد يفتح الباب للبلبلة والفتنة.. وإن كان اليوم قد سخر من الإذاعة فغدا يمكن أن تكون السخرية مما نسبت الإذاعة إليه.. فاللهم لاتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.