بابا أمين .. فيلم أكد اختلاف وتمرد يوسف شاهين!
* نجيب الريحاني كان المرشح الأول لبطولة الفيلم
* شهد الفيلم أول بطولة مطلقة لـ (حسين رياض) واسمه سبق فاتن حمامه وكمال الشناوي
* الفيلم أخرجه (يوسف شاهين) وهو في عمر الـ 24 وأثبت تمرده واختلافه
* راهن المخرج الشاب على (حسين رياض) رغم تحذير السينمائيين له بسبب صوته
* الرقابة تدخلت وحذفت مشهد النهاية وطلبت إعادة تصوير برؤية مختلفة
كتب : أحمد السماحي
يعتبر فيلم (بابا أمين) هو أول أفلام مخرجنا الكبير (يوسف شاهين) بعد عودته من الخارج، حيث تمرد إلى حد ما على القصة التقليدية فى السينما المصرية، وإصرار السينمائيين على اختيار الفتى والفتاة لبطولة الأفلام المصرية، حيث أعطى فرصة البطولة المطلقة للنجم الكبير (حسين رياض)، وكان يرغب في إسناد هذه البطولة للفنان المبدع (نجيب الريحاني) فى دور الأب (أمين زهدي)، لكن وفاة (الريحاني) عام 1949 منعه من تحقيق أمنيته.
تعود القصة إلى أنه يومها وكما ذكر كاتب السيناريو ومدير الإنتاج في الفيلم (حسين حلمي المهندس) فى أحد البرامج التليفزيونية أصر القائمين على الفيلم أن يسبق اسم (حسن رياض) اسم كلا من (فاتن حمامه وكمال الشناوي) نجوم الشباك فى هذه المرحلة، رغم تحذير بعض السينمائيين للمخرج الشاب من (حسين رياض) بسبب طبيعة صوته الأجش!، وفى هذا الفيلم اتضح بصورة لافته حب (شاهين) للموسيقى والغناء، حيث اختار له قالب الفانتازيا الغنائية.
وشهد هذا الفيلم أول صدام بين (يوسف شاهين) والرقابة حيث اعترضت على نهاية الفيلم التي تصور العلم بالغيب، وطلبت تغيير نهاية الفيلم لتصبح النهاية استيقاظ (أمين) من نومه وإدراكه أن ما حدث كان حلما ليبدأ بعد ذلك تصحيح ما أفسده في حياة أسرته، ورضخ (شاهين) للرقابة وغير نهاية الفيلم .
قصة الفيلم
تدور الأحداث في شهر رمضان المبارك حول (أمين أفندي)، وهو موظف بسيط ورب أسرة سعيدة مكونة من زوجته زهيرة، وابنه نبيل المتفوق في دراسته، وابنته هدى التي تتبادل الحب مع علي ابن الجيران الطيب، يعرض مبروك على أمين أن يشاركه في مشروع يدر أرباحاً كثيرة، فيدفع له أمين كل مدخراته، يتذكر أمين أنه لم يحصل على إيصال بالمبلغ من مبروك، وفجأة يموت أمين، يلتقي أمين مع والده في العالم الآخر، ويري أمين كيف يخدع مبروك أسرته، وكيف تضطر هدى للعمل كمغنية في أحد الملاهي، ويحاول رشدي خداعها، ولكن علي يتمكن من إنقاذها، يقوم أمين من النوم، وندرك أن كل ما حدث كان كابوساً، فيسترد أمواله من مبروك، ويعمل علي زواج هدى وعلي.
……………………………………………………………………………………………………………………..
سمير فريد ينقد (بابا أمين)
كتب الناقد الكبير الراحل (سمير فريد) نقدا جميلا فى أحد كتبه عن فيلم (بابا أمين) اخترنا منه بعض الأجزاء نظرا لطول النقد التحليلي للفيلم الذي جاء فيه (كان (بابا أمين) أول فيلم مصري تدور أحداثه في عالم ما بعد الموت وهو من المحرمات الكبري في الثقافة العربية الإسلامية، وقد اخترق يوسف شاهين محرمات كثيرة في أفلامه، ولكن هذا الاختراق في الفيلم الأول لم يكن نتيجة قصد مسبق، وإنما نتيجة المناخ الثقافي العام في مصر، والذي انعكس بالضرورة على السينما باعتبارها صورة من صور التعبير عن ثقافة المجتمع.
صحيح أن صورة عالم ما بعد الموت في (بابا أمين) أقرب إلي الكاريكاتير حيث نري الأشخاص بين السحب بنفس ملابسهم ويتحدثون بنفس لغتهم، والفارق الوحيد أنهم يرون الأحياء بينما لا يراهم هؤلاء، ولكن فكرة تجسيد عالم ما بعد الموت في ذاتها كانت جريئة للغاية، كما أن الطابع الكاريكاتوري المبسط يتلاءم مع الطابع الكوميدي للفيلم، والأهم من كل هذا أنها فكرة سينمائية يستحيل التعبير عنها بلغة أخري غير لغة السينما، حيث تم استخدام (الحيل) المعملية وغيرها من الحيل في حدود التطور التكنولوجي للسينما في مصر عام 1950، والذي لم يكن يتخلف كثيراً عنه في بقية أنحاء العالم.
ومن ناحية أخري يعبر عالم ما بعد الموت في الفيلم عن إيمان المصريين العميق حتي من قبل الأديان السماوية الكبري بخلود الروح، وأن ما يفنى هو الجسد فقط.
وفي (بابا أمين) تبدو العلاقة المركبة بين الأب والابن، أو بين الكبرى والصغير، والتي تعد من سمات عالم يوسف شاهين أيضاً، فمن بين كل الناس لا يلتقي الابن في العالم الآخر إلا مع أبيه، وهو يراه في نفس الهيئة التي يوجد عليها في صورته التذكارية المعلقة على حائط المنزل، والحوار بين الأب والابن في العالم الآخر ليس الحوار العادي بين الأب وابنه في الأفلام المصرية، إذ يغلب عليه طابع التحدي ورفض النصح والتمرد على سلطة الأب، إنه حوار عامي مقلق، تماماً مثل الحوار المماثل بين الحاكم والمحكوم في فيلم (المهاجر) بعدما يزيد علي أربعين سنة.
ومن ملامح العالم الفني للفنان التي تبدو منذ فيلمه الأول كذلك وجود المرأة القوية، حيث تختار هدى رجلها، بل يؤدي وجودها في حياته إلي الكشف عن جوانب القوة في شخصيته، سواء القوة المعنوية أو البدنية، وحيث تقرر الأم أن تعمل خياطة ملابس بعد وفاة زوجها واكتشافها أنه فقد كل مدخراته قائلة إن العمل ليس عيباً، وإنما العيب في مد الأيدي إلى الناس، ومن ملامح عالم يوسف شاهين في (بابا أمين) أخيراً ذلك الصبي الأسود القادم من النوبة، أو من الصعيد، والذي يظهر في مشهد واحد ويصبح الشخصية الرئيسية بعد ذلك في فيلم (العصفور) مثلاً.
منذ المشهد الأول في (بابا أمين) تبدو كاميرا يوسف شاهين المتحركة دوماً مثل الشاريوه الطويل للطفل وهو يتجه نحو أبيه القادم من الباب حاملاً بعض أكياس الفاكهة، ويبدو إدراكه لطبيعة التعبير الحركي في السينما عن طريق المونتاج وتقطيع المشهد إلي أكبر كمية ممكنة من اللقطات، ومن دون أن يشعر المتفرج بحركة الكاميرا أو حركة المونتاج، والمونتاج عند شاهين يبدو عصبياً ومتوتراً في كل أفلامه، ونلاحظ ذلك في الفيلم الأول خاصة في المشاهد التي تسبق موت أمين، وهذ التوتر ينبع من رغبة عارمة في الإيجاز ورفض الثرثرة، كما يعبر في نفس الوقت عن شخصية المخرج، وربما يؤخذ على (بابا أمين) أن إيقاع الفيلم ظل كما هو في الواقع وفي الكابوس الذي يستغرق أغلب زمن الفيلم، ولا يعدو دقائق في الزمن الدرامي، ولكن عدم تغيير الإيقاع يصنع المفاجأة في النهاية.
لم يختر شاهين نجوم فيلمه الأول ولكنه وافق علي اختيارهم، كانوا جميعاً من النجوم الراسخة باستثناء فريد شوقي (رشدي) وصديقته التي قامت بدورها (هند رستم) في دور من أكبر أدوارها حتي ذلك الحين، مثلت هند رستم بعد ذلك مع يوسف شاهين في (باب الحديد وأنت حبيبي) حين أصبحت نجمة، وكذلك فريد شوقي، ولكن دور علي الذي مثله كمال الشناوي كان الدور الأول والأخير مع يوسف شاهين حتي الآن، وكذلك ماري منيب في دور الأم حتي وفاتها، أما فاتن حمامة (هدى) فهي بطلة يوسف شاهين الأثيرة في أفلامه الأولي حتي منتصف الخمسينيات.
كان (حسين رياض) من كبار ممثلي المسرح والسينما والراديو، ثم التليفزيون بعد ذلك، ولكنه بحكم تكوينه وسنه لم يكن يمثل الأدوار الرئيسية إلا نادراً، ودوري (حسين رياض) في (بابا أمين) وهما الدورين الرئيسيين من أدواره الرئيسية النادرة، ومن أدواره الكوميدية النادرة أيضاً، وقد أجادهما إجادته لكل أدواره، خاصة أن شخصية الأب هى الشخصية الوحيدة غير النمطية في الفيلم، والتي تتطور، وتتغير من حال إلي حال، كان حسين رياض هو الأب في الأفلام المصرية، ونراه في (بابا أمين) يصل إلي الإحساس الأبوي الكامل في المشاهد التي يحزن فيها لما تعاني منه ابنته وما يعاني منه ابنه، وفي المشاهد التي يتلهف فيها علي إنقاذ هدي من رشدي.
……………………………………………………………………………………………………………………..
مجدي الطيب ورؤية مختلفة لـ (بابا أمين)
كما كتب الناقد السينمائي (مجدي الطيب) تحليلا ممتعا عن الفيلم في جريدة (الجريدة) اخترنا منه بعض الأجزاء التى تكمل ما بدأه ناقدنا (سمير فريد)، حيث قال: لا يمكن لقارئ فيلم (بابا أمين) أن يتجاهل بصمة (يوسف شاهين)، الذي كان يحلو للبعض – في ما بعد – اتهامه بالجنون، فالخيال الجامح موجود، كذلك زوايا التصوير غير التقليدية، وحبه للاستعانة بأبناء الجنوب (طفل نوبي) ولعثمة الممثلين (كمال الشناوي) والتعرض لما يجري في كواليس الفن، وازدراء الناس للمشتغلين به، فالمغنية تخشى رد فعل أهالي الحارة التي تعيش فيها فتزعم أنها ممرضة، والأب يتوجس خيفة لأن ابنته ستعمل في تياترو!
أحسن (الشاب يوسف شاهين) توظيف ممثليه كل في الدور المناسب، وحطم الأعراف المتبعة في سينما تلك الفترة عندما نصب المخضرم (حسين رياض) بطلا للفيلم، وليس (فاتن حمامة أو كمال الشناوي)، وفاجأنا، في هذا الوقت المبكر بتقنية اللقطة الواحدOne Shot))، لكنه عجز عن إتقان الحيل المعملية، خصوصاً في اللقطات التي تجمع حسين رياض مع أبيه، رغم النتيجة المبهرة التي وصل إليها المخرج نيازي مصطفى قبله بست سنوات في فيلم (طاقية الإخفاء)، ولا أدري لماذا اختار أن تجري الأحداث في شهر رمضان، وليلة القدر، من دون أن يرصد طقوس هذا الشهر، ويتجاهل حقيقة مهمة تتمثل في أن الملاهي الليلية تُغلق أبوابها طوال أيام الشهر الفضيل، ومن ثم فالقول إن (هدى) وقعت في براثن (رشدي) صاحب (جوكي كلوب) يعكس عدم إلمامه بالتقاليد المعمول بها، في حين جاء حوار علي الزرقاني مغلفاً بكثير من الجرأة والطرافة!
……………………………………………………………………………………………………………………..
أحداث سينمائية عام 1950
* شهد العام ظهور مجموعة من المخرجين الجدد وهم يوسف شاهين الذي أخرج (بابا أمين)، و كمال عطية ( حبايبي كتير)، و(بهاء الدين شرف – إلهام)، و(مصطفى العطار – فلفل).
* قام المخرج صلاح أبوسيف بإخراج النسخة العربية من الفيلم المصري الإيطالي (الصقر) بفنيين وممثلين مصريين، وقام الإيطالي (جياكو جنتيلومو) بإخراج النسخة الإيطالية بممثلين وفنيين إيطاليين، وتم التصوير في القاهرة وإيطاليا.
* عرض أول فيلم مصري كامل بالألوان هو (بابا عريس) إنتاج نحاس فيلم وإخراج حسين فوزي، وبطولة نعيمة عاكف وكمال الشناوي، وتم التصوير بطريقة (روكلر)، كما عرض أيضا الفيلم المصري (ست الحسن) وهو الآخر بالألوان، من إخراج نيازي مصطفى.
……………………………………………………………………………………………………………………..
أفلام عرضت 1950
شهد عام 1950 عرض مجموعة متوسطة من الأفلام وصل عددها إلى 48 فيلم هى (بابا أمين، الزوجة السابعة، معلش يا زهر، شاطئ الغرام، الآنسة ماما، ياسمين، الأفاكاتو مديحة، قمر 14، إمرأة من نار، ست الحسن، أخلاق للبيع، دماء في الصحراء، مغامرات خضرة، آخر كدبة، معركة الحياة، أيام شبابي، عيني بترف، قسمة ونصيب، أمير الأنتقام، كيد النساء، حماتك تحبك، غرام راقصة، الصقر، سيبوني أغني، المليونير، ظلموني الناس، جوز الأربعة، ليلة الدخلة، محسوب العائلة، أفراح، أسمر وجميل،الهام، مكتب الغرام، طريق الشوك، بنت باريس، بلدي وخفه، فلفل، ساعة لقلبك، أختي ستيته، البطل، العقل زينة، ماكانش على البال، المظلومة، آه من الرجالة، دموع الفرح، أنا وأنت).
……………………………………………………………………………………………………………………..
بطاقة الفيلم:
إنتاج: أفلام زايد، وأفلام مبازيم.
مدير الإنتاج : حسين حلمي المهندس.
قصة: يوسف شاهين.
السيناريو: حسين حلمي المهندس.
الحوار: علي الزرقاني.
الديكور: عبدالمنعم شكري.
الإستعراضات: عباس حلمي.
المونتاج: كمال أبوالعلا.
المكياج: أنور المحمودي.
مساعدا الإخراج: محمد أبويوسف، إبراهيم السيد.
مدير التصوير: م . دللا مانو.
تصوير: فيكتور أنطون.
توزيع: مكتب القاهرة للإعلام.
أخذت المناظر وتم الطبع والتحميض: ستديو الأهرام.
الأغاني: أشكي لمين، والربيع كلمات محمود السيد شعبان، ألحان محمود الشريف، (الغوازي) كلمات فتحي قوره، ألحان أحمد صبره.
فريق العمل: (فاتن حمامة، حسين رياض، كمال الشناوي، ماري منيب، فريد شوقي، هند رستم، محمد توفيق، محسن حسانين، نبوية مصطفى، حسن كامل، جمالات زايد، محمود رضا، والطفل عصام).