في ذكرى رحيله: نكشف سر رفض تلحين (محمد فوزي) النشيد الجزائري
* رفض يتقاضي أي مبالغ مادية عن تلحينه للنشيد
* دفع من جيبه الخاص أجر الموسيقيين والكورال
كتب : أحمد السماحي
منذ سنوات قليلة كرم الرئيس الجزائري (عبد العزيز بوتفليقه) اسم الموسيقار الراحل (محمد فوزي) تقديرا لتلحينه السلام الوطني، تسلمها حفيده، واليوم 20 أكتوبر وفي ذكرى رحيله الـ 54 يهمنا أن نتوقف عند قصة هذا النشيد الوطني، حيث كان للموسيقار المجدد والمتطور (محمد فوزي) دورا كبيرا في تعبئة الشعب الجزائري، وتوحيد شعوره وصقل روح التضحية فيه من خلال اللحن الذى وضعه للنشيد القومي للجزائر(قسما بالنازلات الماحقات) الذى كتبه الشاعر الثوري الكبير مفدى زكرياء والذى يقول مطلعه:
قسما بالنازلات الماحقات
والدماء الزاكيات الطاهرات
والبنود اللامعات الخافقات
في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا… فاشهدوا… فاشهدوا…
وقد ذكر المجاهد الجزائري، ووزير الإعلام الأسبق الأمين بشيشي، في كتابه (تاريخ ملحمة نشيد قسما)، الذي ألفه مناصفة مع عبد الرحمن بن حميدة وزير التربية الأسبق، قصة كتابة وتلحين هذا النشيد وجميع التطورات المتعلقة به فيقول: فكرة كتابة نشيد وطني بادر بها المناضل (حسين بالميلي)، حيث فاتح رفيق دربه في النضال (عبان رمضان) بأهمية تأليف نشيد وطني جديد خاص بجبهة التحرير الوطني عوض الأناشيد التي تطبع الساحة الثورية، فحزب الشعب كان له نشيد (فداء الجزائر)، فيما جمعية العلماء المسلمين لها نشيد (شعب الجزائر مسلم).
أما أحباب البيان والحرية لهم نشيد (من جبالنا طلع صوت الأحرار)، لذا طُلب من القيادي (الأخضر رباح والمجاهد بن يوسف بن خدة) طرح الموضوع على الشعراء لانتقاء ما يناسب هذا المشروع الوطني، ولكن بشرط أن يراعي المعايير التالية: أن يحتوي النشيد طلب الشباب الالتحاق بالثورة تحت لواء جبهة التحرير الوطني، وكذا توعد فرنسا الباغية وتحاشي ذكر أي شخص مهما كان ماضيه أو حاضره النضالي.
ويضيف بشيشي: وبدأ البحث عن الشاعر الأول الذي لم يكن سوى المناضل (مفدى زكرياء)، ناظم الدرة المكنونة (فداء الجزائر)، ولم يكن العثور عليه سهلا، فالتخفي كان السمة المميزة في تلك الظروف، وبعد فترة تم العثور عليه بالصدفة، وبعد استكمال نظم أبيات القصيدة، لم تكن لتصبح نشيدا مدويا في كامل القطر الوطني والعالم دون إلباسه نغما ولحنا موسيقيا مناسبا، لذا طلب (عبان رمضان) من (الأخضر رباح) العودة إلى (مفدي) ليتم المأمورية ويحول القصيد إلى نشيد، خصوصا ومعروف عن (مفدي) علاقاته الوطيدة والحميمية بأهل الفن.
وهو ما جعل (زكريا) يوكل مهمة تلحين (قسما) فى البداية إلى الملحن (محمد التوري)، الذي كان يبدو لعموم الناس غير مؤهل إطلاقا لهذه المهمة، بحكم أن أعماله الفنية جميعها عبارة عن أغاني هزلية مرحة، فجاء تلحينه – وكان ذلك في ديسمبر 1955 – غير مقنع وبدا الفرق شاسع بينه وبين نشيد (من جبالنا)، وحتى نشيد (فداء الوطن)، لذا طلب من (مفدي) شد الرحال إلى تونس للبحث عن ملحن جديد للنشيد.
فور ذهابه إلى تونس اتصل (مفدي) بالموسيقار الكبير (محمد التريكي) بقصد وضع لحن مناسب لنشيد (قسما)، وقد تكفل (التريكي) بإنجاز هذه المهمة وسلم اللحن إلى (مفدي زكرياء) الذي عاد به إلى الجزائر أوائل أبريل عام 1956، غير أن هذا التلحين لم يرق هو الآخر للمسؤولين بسبب صعوبة أدائه، لتغلب المقامات الشرقية على تلحينه، ووضع لحن لكل مقطع مما يجعل (من قسما) خمسة أناشيد وليس نشيدا واحدا.
وفي 3 يونيو 1956 يتسلم كلا من (محمد خيضر وأحمد توفيق المدني) مهمة البحث عن النموذج الموسيقي الذي يليق بمقام النشيد الوطني، فتوجها إلى القاهرة، وتحديدا إلى إذاعة (صوت العرب) الداعمة والمساندة لثورة الجزائر منذ بدايتها، واجتمعا بكل من الموسيقار محمد حسن الشجاعي المشرف على الموسيقى بالإذاعة، والإذاعي أحمد سعيد مدير صوت العرب، وشرحا لهما أهمية النشيد، وشاءت الأقدار أن يكون الملحن المجدد (محمد فوزي) متواجدا في صوت العرب، وهو أول من وضع لمسات الإيقاع المناسب، ولكن بعد جدال واسع مع رئيس قسم المغرب العربي في إذاعة صوت العرب (محمد أبو الفتوح)، الذي أمر بتسليم النص إلى ملحن آخر غير( محمد فوزي)، المعروف بتلحينه للأغاني العاطفية وأغاني الأطفال، غير أن إصرار فوزي على إتمام المهمة جعلته يقدم عملا متميزا أبهر كل من استمع له، وتنازل عن أجره تماما ودفع من ماله أجر الموسيقيين والكورال الذين شاركوا في تنفيذ اللحن مساهمة منه فى معركة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.