كلام X الإعلام (3)
بقلم : على عبد الحمن
ظل أهل الإعلام ومنتسبيه يحاولون لسنوات من أجل فلترة حزم القوانين المتداخلة في مشهدهم الإعلامي مابين مواد قانون الإجراءات الجنائية وقانون العيب وقوانين الحق المدني ومواد سرية المعلومات وغيرها من غابة القوانين وأحراشها، وظل البعض الآخر يصارع من أجل هيكلة أو إعادة تنظيم المشهد وخاصة مؤسسات الدولة الإعلامية، وظل فريق ثالث يثابر من أجل ظهور نقابة الإعلاميين كسائر المهن حتي لاحت الفرصه مع حركة التحول الديمقراطي في مصر.
وسعد أهل الإعلام وخاصته بدوران عجلة التشريعات المنظمة للمشهد الإعلامي المرتبك وانعقدت لجان الخبراء وتمت مراجعة تجارب دول العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه، وانعقدت لجان الخبراء لمدة عام ونصف شهدت ماشهدت من شد وجذب وانتقلت اللجان إلى ممثلي الحكومة حتي أصبح لدينا مسودة خبراء لقوانين تنظيم الاعلام، وتم حصر المواد القانونية المتداخلة في شأن حرية الرأي والتعبير وسرية المصدر والمعلومة، ونوهت هذه اللجان الي ظهور ثلاث هيئات حاكمة للمشهد الإعلامي، ودارت هذه المسودة كعب داير علي جهات الدولة وهيئاتها، ووصلت بسلامة الله الي البرلمان.
دارت مناقشات تحت قبته حولها وساد الصمت انتظارا لقوانين تنظيم الاعلام وحين شاء الله صدر قانون تنظيم الاعلام في أوائل ٢٠١٧، وأعقب ذلك ظهور المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام وهيئتي الإعلام والصحافة، وتوسم أهل الإعلام أن هناك جديدا في المشهد لان هناك قانون ومواد ظهرت بعد أن طال العمل بقانون سلطة الصحافة ١٩٨٠ وقانون اتحاد الاذاعه والتليفزيون ١٩٧٩.
وبعد أن ظهرت هيئات بديلة في ظروف مواتية يتحرك فيها الوطن إلى تغيير وتعديل وتحقيق أحلام ورغم أن الوطن انطلق إلى جهته المنشودة تحقيقا لما تأخر إنجازه ووصولا لما بعدت مسافته، ودب التغيير في مناحي الحياة في الوطن وانتظر الجميع تطبيق ما حمله قانون التنظيم وما عاناه الخبراء والمسئولين من أجل وضعه وظن الكثيرين أن المشهد حتما سيتغير طبقا للمواد والضوابط التي تمت صياغتها بحرفيه وتفصيل وتوقع البعض إعادة توفيق وضع بعض القنوات، اختفاء البعض لعدم المطابقة وتغير المحتوي نتيجة لكل الأصول البرامجيه المنصوص عليها في القانون.
انتظر بني الوطن أن تختفي وجوه وأساليب ومصطلحات ومضامين لايمكن أن تستمر بعد ظهور قوانين تنظيم المشهد، وتشكلت المجالس والهيئات وانبثقت منها لجان نوعية متخصصة تضم بعض الخبراء والكوادر ولم يحدث الأثر المنتظر لضبط المشهد، وسارت الأمور في لجانها وأوراقها كالمعتاد ولم يحظ القانون ومانتج عنه من هيئات من ولادة عظيمة لجهات حاكمة للمشهد بشكل أعظم، وظلت القنوات والشبكات كماهي ومقدميها كما هم ومحتواها كما يهوي مسئوليها، واقتصر الناتج علي تصريح هنا وتعقيب هناك، ومرت الأعوام الثلاثه الماضية ونحن نتوقع انطلاقة التنظيم، فهل هناك بلد تحت الشمس لديها كل هذا العدد من القنوات والمحطات والشبكات المتشابهة، وهل هناك بلد لاتوجد فيها خرائط برامجية تراعي التنوع في المكان والموضوعات والنوع، وهل هناك بلد لاتوجد فيها سياسات تحريريه لكل وسيله حسب تخصصها ودورها في المشهد، والقانون نص على ضرورة وضع ذلك ومراجعته بدقه، بل ونص علي مراجعة الكوادر المسئوله في القنوات ومدي ملائمتها للمهمة.
ونص أيضا علي جودة المحتوي وتنوعه، ونص أيضا علي استمرار مفردات العملية الإنتاجية وتنوعها، كما نص علي حتمية صياغة رسائل الداخل والخارج حسب حاجة الوطن ومواطنيه، ونص عليى ضرورة عودة الذراع الإعلامي لمصر وروافد قوتها الناعمه والتصدي المهني الموثق المدروس المتربصين بالوطن، ووضع القانون ضوابطا لكل شئ في أدوات الاعلام ومراحل إنتاجه.
ورغم كل ذلك مازال المشهد يثير جدلا فيما يقدمه وما يغيب عنه، ولم نعلم حتى الآن لماذا يقدم مايقدم؟ ولماذا يصرف النظر عما لايقدمه؟، وتجمعت القنوات والشبكات تحت مظلة واحده وأصبح نهر الدراما المتشعب الراوافد جدولا ذو اتجاه واحد وتجمعت الإعلانات والحملات والموارد في نطاق واحد، وظلت الوجوه وان تنقلت من استديو إلى آخر وصناع المحتوي كذلك، وظلت الجهات الحاكمة للمشهد تراقب أحيانا تحقق وأخري تغرم وثالثة تصدر بيانا.
ومرت السنوات وعادت المشاهد كلها إلى ماكانت عليه، ولأن القانون وتوابعه لم يولدوا أقوياء بالمشهد، ولأن شيخ الحاره لم تظهر له أماره!، ولأن الشيخ بلا نبوت فقد أصبح وجوده في الحاره لايثير تخوفا ولا يغير وضعا، ولما كان الوطن في حاجة إلي ضبط وتنظيم وتوجيه وتنويع مفردات المشهد الإعلامي داخليا وخارجيا، انتاجيا وتوزيعيا، ولما كان القانون بمولده ولوائحه كافيا للمهمه،،فان الوقت قد حان لمراجعة ملف هذه الشبكات والقنوات والمواقع لتصويب المسار.
لقد أصبحت الحاجه ماسة لإعادة تنظيم هذه القنوات في إطار من التخصص المبني على الحاجه المجتمعية للتنوع لتصبح قنواتنا عامة ومتخصصة لكل نواحي الحياة وليس المنوعات والرياضة والطبخ والأحلام، لأن إعادة النظر في قنوات الدولة والقنوات ذات الخلفيه الرسمية تقتضي دمج قنوات متشابهة المضمون لنفس المالك وظهور أخري يحتاجها الوطن والمواطن من نفس المالك، لأن القطاع الخاص لن يقدم مشروعا إعلاميا لتنشئة الطفل ولا لعودة ترابط الأسرة وتجمعها ولا مشروعا تثقيفيا وتنويريا ولا لمشروعات الوطن التنموية ولا للفنون الرفيعه ولا لأطراف الوطن عند حدوده.
ولن يصبغ رسالة للداخل أو الخارج مالم تخدم نشاطه واستثماراته، وتلك أهميه وزارات وهيئات وإعلام الدولة ومنتسبيها، ولن يقبل مستثمر على إطلاق مشروع إعلامي للتعليم أو الوثائقيات أو ذوي الاحتياجات الخاصة فهو يرى أنه ليس دوره، وانه لن يدر عليه دخلا، فمن إذن يطلق هذه الخدمات والمشروعات، ومن يستثمر في تصحيح الخطاب الديني، ومن ينتج محتوي تاريخي درامي أو برامجي قد لايجذب اعلانا، فقط تستطيع الدولة من خلال هيئاتها أن تضع الخطط لسد هذا العجز في المحتوي وتستطيع أن توزع الإعلانات على المحتوي الواجب تناوله فكل الخيوط تجمعت لدي الدولة ومنتسبيها.
والسؤال: هل من الصعوبة بمكان أن نعالج ماتشابه من القول في شاشاتنا المنسوخه، وهل معجز أن تصمم رسائل ذات أهداف تتحول لمحتوي برامجي أو درامي أو وثائقي يريح بال أهل الداخل؟، وهل منكرا أن نفعل نفس الشئ لملاييين المصريين بالخارج، وهل مستحيل أن يكون للانتاج الدرامي المصري خططا ورسائلا وأهدافا تنشد عودة مافرط من عقد أهم وأكبر قوة ناعمة في المنطقة، وهل من العسير علي خبراء هذا الكم من الوسائل الإعلامية أن تحصر مفرات مايبعثه الحاقدون ويتم الرد عليه ليس بالتشنج ولا الشتائم، لكن بخطط ووثائق وشهود وأشكال برامجية جاذبة ومقدم خدمة مقنع ذو مصداقية.
إن المأمول من قانون تنظيم الإعلام ومحلسه وهيئاته ليس عسيرا ولم يفت أوانه وإن تأخر، ونداء الوطن مازال مستمرا، يا أهل الإعلام: أصلحوا شأنكم ينصلح حالكم ويرضي عنكم شعبكم ويشكركم وطنكم، لاخيب الله فينا ظنكم .. هذا نداءنا من أجلكم فأنتم المدبرون أمرا ونحن المنتظرون دهرا من أجل وطن وشعب عائشون أملا في مستقبل أكثر إشراقا.