كتب : محمد حبوشة
في حلقة أمس من برنامج (التاسعة) على القناة الأولى المصرية، طرح الإعلامي (وائل الإبراشي)، سؤلا استفزازيا حول ظاهرة المهرجات الغنائية في محاولة لتثبتها كواقع عملي لاينبغي أن نواجهه بالرفض، حيث جاء نص سؤاله على النحو التالي: هل نطرد المهرجانات من جنة الفن .. من الذي يتحكم ويضع المعايير)، ولقد استضاف ثلاثة في الاستديو، منهم الكاتب الصحفي والناقد الفني أشرف غريب، والذي ارتبك منذ بداية الحلقة، ومن ثم لم يتمكن من أن يوصل وجهة نظره بحرفية الكاتب والخبير المحلل للظاهرة، حتى خرج الإبراشي في نهاية حلقته منتصرا – للأسف – لحساب سيطرة المهرجانات على سوق الغناء في مصر.
ويبدو أن الأبراشي لم ينتبه لجرس الإنذار الذي أشرت له قبل أسبوعين هنا في بوابة (شهريار النجوم)، تحت عنوان (المهرجانات تهدد الأمن القومي الغنائي في مصر)، حيث عرضت تحليلا شافيا كافياعلى لسان خبراء الغناء، لكنه ذهب على طريقته الاستفزازية لمعالجة الظاهرة بثبيتها والانتصار لروادها من محترفي الصخب والضجيج والأفاظ الخادشة للحياء العام، ولقد عجبت في ثنايا تلك الحلقة من مداخلة الشاعر الغنائي (عنتر هلال) الذي لم يرفض تلك النوعية من الغناء العبثي بشكل واضح وصريح، حينما حمل الأمر كله على المصنفات الفنية قائلا: إن المصنفات الفنية فى وقتنا الحالى أصبحت شكل أكثر منه أن تقوم بدورها الفنى، رغم أنه أشار إلى أنها طوفان ولابد من إيجاد طوفان أشد منه لمواجهته، مضيفا أنه يجب إيجاد فن جديد مقابل هذا الفن، ومؤكدا في الوقت ذاته على أنه لن يتم القضاء على أغاني المهرجانات أو منعها، وتطرق لبطالته الحالية، حيث قال أن 99% من الشعراء يجلسون حاليا في منازلهم، لكن النقطة الإيجابية في مداخلته أنه مستعد أن يعمل بدون مقابل لمواجهة هذا الفن.
بينما كانت مداخلة الشاعر الغنائي بهاء الدين محمد واعية وناضجة في تناولها للظاهرة، صحيح أنه قال إنه يصعب وقف تلك الظاهرة من الغناء، والتي وصفها بحالة (سكر فني)، وهو ربما يكون التعبير الوحيد الصادق والذكي في وصفها في الأونة الأخيرة، لكنه من ناحية أخرى أكد على أن الفن الجيد هو الذي يستمر وسط هذا الصخب والضجيج، وفي محاولة جادة من جانبه طرح عدة مقترحات للخروج من الأزمة، لكنه استبعد منها رافضا قرارات المنع من جانب نقيب الموسيقيين الفنان الكبير هاني شاكر، والذي دعا قبل أيام لخضوع المؤدين لهذه المهرجات لامتحان تقيمه النقابة.
ربما برومانسيته وثقته الكبيرة في نفسه كأبرز شاعر غنائي في مصر حاليا، أكد (بهاء الدين محمد) على ضرورة إنتاج أغاني تحمل مضمونا جيدا يمكن من خلاله أن نتصدي لتلك الظاهرة السلبية، وحمل ماسبيرو المسئولية في ذلك، لكنه لم يشر إلى شركة بعينها، مثل شركة (صوت القاهرة) التي كنت قد توقفت لعشر سنوات مضت عن الإنتاج بسبب سيطرة (محسن جابر) على حقوق كوكب الشرق (أم كلثوم) وغيرها من (نمر) صوت القاهرة الرابحة في سباق الأغاني، لكن الشركة الوطنية استردت كامل حقوقها بحكم قضائي قبل أربعة شهور وسيتم استراد الملايين التي التهمها (جابر) بالتحايل على القانون، ومن هنا يمكن أن تلعب (صوت القاهرة) دورا محوريا بالإنتاج الجيد الذي يكفل لنا التصدي للظاهرة السلبية التي تؤثر على الذائقة المصرية بعد أن جرفت الغناء الجميل.
كان مجلس النواب المصري في نهاية دورته قبل الأخيرة قد تعرض لتلك الظاهرة ومواجهتها في محاولة لسن قوانين ملزمة لوقف تلك المهزلة الغنائية التي نالت من الفن المصري وشوهت القوى الناعمة المصرية، ومن هنا تبقى مواجهة أغاني المهرجانات مسؤولية مشتركة بين الجميع في الدولة المصرية، وهو ما يتطلب تعديل قانون العقوبات الذي يدعو إلى تشديد عقوبة اللفظ الخادش عموما لتتراوح بين عام وثلاثة أعوام، بدلا من غرامة بقيمة 500 جنيه (30 دولارا) حاليا، وعلى جانب آخر علينا تشجيع الكتاب المميزين وتكريمهم وأن تكون هناك برامج تثقيفية ومسابقات أدبية وشعرية تهتم باللغة العربية، لمواجهة الابتذال والتردي الذي أسفرت عنه هذه المهرجانات اللعينة، فمن يتأمل واقع الحياة الفنية فى مصر يكتشف أنها فقدت الكثير من سحرها وبريقها الخاص، فلم تعد السينما غذاء العقل ولم يعد المغنَى حياة الروح.
وأعيد وأكرر: هذه المهرجانات ياسادة: ليس لها أى علاقة بالغناء، كما أنها تؤثر بشكل سلبى على الذوق العام لما فيها من كلمات غريبة مبتذلة وليست لها أى علاقة بالشعر أو الغناء، وإنما هى مجرد لحن واحد ويقدِّمها أناس ليس لديهم أى علاقة بالفن، فأى فرد عادى يمكن أن يقدّم هذا الشكل الغنائى، وهم يحاولون تقديم نوعية الأغانى القديمة بأسلوبهم فى الأفراح الشعبية، وذلك لإرضاء الجمهور بجميع انتماءاته واختلافاته فى سماع الأغانى، لذا قاموا بتشويه الأغانى الطربية لكبار المطربين دون الحصول على تصريح بحق إعادة النشر للأغانى القديمة.
وإذا كنا نريد حماية الغناء من التشويه وحماية الذوق العام الذي يشكل قضية أمن قومي، فيجب علينا أن نطالب بقانون يجرم كل إنسان يقدم أعمالاً رديئة أو يشوه تراثنا الغنائى، قانون يتصدى لهذه الظاهرة، تماما كما يتصدى لمكافحة الإرهاب بحجب المواقع الإلكترونية التي تزيد عن 500 موقعا متنوعا معظمها لمنظمات حقوقية مشبوهة ومواقع إخبارية ملونة بدماء إخوانية.
وأخيرا لقد ضاق الحال وينبغي أن تفعل القواني الصارمة ولا نتشدق بمقولة (إن الجمهور عاوز كده) بعد نالت تلك الظواهر السلبية من القوى المصرية الناعمة في وقت نحتاج فيها إلى مساندة الدولة في سعيها نحو تنمية حقيقية تنعكس على حياة البسطاء من هذا الشعب الذي يدفع فاتورة باهضة التكاليف على حساب قوت اليومي في معركة البناء الحالية التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي يعمل ليل نهار في سبيل تقدم مصر وارتفاع مكانتها بين الأمم.. حفظ الله مصر من كل شر أو مكروه صادر عن أحد أبنائها.