فيروز(٦) .. زقاق البلاط – الطفولة والبدايات
بقلم : فراس نعناع
سكن الشاب وديع حداد مع زوجته الشابة ليزا البستاني، في بيت بسيط بحي زقاق البلاط، وتعود تسميته بحي البلاط لرصفه بالحجارة السوداء، والتي تشبه البلاط أيام (إبراهيم باشا)، ويقال بأن الكنيسة الكاثوليكية هى من قامت برصفه بحجارة بركانية سوداء لتسهيل وصول المصلين للكنيسة.
بعد حريق بيروت الشهير أيام الاحتلال الفرنسي كان حي زقاق البلاط منطقة سكنية أرستقراطية، حيث بدأت النخب والمدراس، والإرساليات الأجنبة ببناء مقرات ودور لهم حتى بات يسمى (حي الطبقة الراقية)، وكانت قد تأسست ضمن ذلك الحي (المدرسة السورية البريطانية – عام١٨٦٠)، والتي أصبحت فيما بعد (ثانوية الحريري الثانية)، كما سبقتها الإرسالية الأمريكية وبنت أول مدرسة ومطبعة فيها والتي تعرف اليوم بمنطقة (الامريكان)، كما وأسس المعلم بطرس البستاني مدرسةً وطنية غير تابعة للإرساليات والبعثات التبشيرية الغربية، كما أقيمت على تلة تشرف على زقاق البلاط (المدرسة البطركية)، كما نقلت المدرسة الفرنسية (الليسي) إلى ذلك الحي.
وتوجد فيه بعض البيوت والقصور لشخصيات لبنانية شهيرة مثل منزل (بشارة الخوري) المبني على الطراز التوسكاني، ومنزل (آل زيادة)، والذي يعتبر من أجمل بيوت بيروت القديمة والمبني على الطراز الإيطالي، ومنزل (آل الهبري)، ومنزل السيدة (فيروز) الذي ولدت فيه سنة ١٩٣٥ م لأب سرياني كاثوليكي يعود أصوله لماردين السورية، وأم مارونية كاثوليكية لبنانية.
كانت نهاد (فيروز) الطفلة الأولى لأسرتها البسيطة، التي تسكن في ذلك الحي (زقاق البلاط)، وتقول السيدة فيروز في أحد لقاءتها النادرة أن البيت كان عبارة عن غرفة، وكان الجيران يتشاركون أدوات المطبخ، والدها وديع كان يعمل في مطبعة (لي جور) التي تطبع جريدة بالفرنسية، وكانت تجلس أمام شباك الغرفة لتسمع صوت الراديو القادم من بعيد، حيث لم يكن بمقدور والدها شراء (راديو) وقتها، ذلك الصوت السحري القادم من بعيد حمل لها أصواتاً لعمالقة الطرب العربي كأم كلثوم وأسمهان وعبدالوهاب وليلى مراد.
أعلن الملحن محمد فليفل سنة ١٩٤٦م عن اكتشافه لصوت جميل وهو صوت (نهاد حداد)، وطلب منها أن تغني في حفل ، لكن والد نهاد وديع رفض الفكرة بأن تغني ابنته أمام العامة ، لكن الملحن (فليفل) نجح في إقناعه بعد أن أكد له أنها سوف تغني الأغاني الوطنية فقط، وافق والد نهاد (فيروز) بشرط أن يرافقها اخوها (جوزيف) أثناء الحفل وأثناء دراستها في المعهد الوطني للموسيقى، وكان يرأسه (وديع صبرة) المؤلف الموسيقي الشهير، والذي رفض تقاضي أي مصروفات من التلاميذ الذين اختارهم الأستاذ محمد فليفل.
انضمت (هدى حداد) إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية لتعمل “مغنية كورس” بعد دخولها المعهد الموسيقي بشهور قليلة، وتذكر ذلك في حديث نادر فتقول: كانت أمنيتي أن أغني في الإذاعة، وقد أخبروني بأنني سأتقاضى مبلغ (١٠٠) ليرة لبنانية في الشهر، كانت فرحتي لا توصف.
تعرفت في العام ١٩٥٢ على (عاصي الرحباني) الذي بدأ يقدم لها ألحاناً، وفي العام ١٩٥٥ تزوجت منه وتحولت إلى (الأرثوذكسية)، وأنجبت منه أربعة أطفال زياد١٩٥٦ وهالي١٩٥٨وليال١٩٦٠ وريما ١٩٦٥.
هنا أتوقف عن الكتابة عن السيدة فيروز، حاولت في ست مقالات أن أكون أمينا في نقل بعض الوثائق والمعلومات، توقفي هذا ينبع عن حب واحترام شديد لما قدمته من نتاج إبدعي، حيث يحتاج هذا النتاج إلى فرد مساحات كبيرة، علاوة على ذلك يحتاج الى جهد مؤسسات ثقافية إبداعية على مستوى عال من الاحترافية والعلم بهذا النتاج العالي، (وقلب من الحب لا سياج له)، ربما استطعت في قادم الأيام أن أكتب عنها أكثر.