أحمد صدقي .. عاشق الأوتار ومكتشف العباقرة
* الحكومة المصرية اشترت منه 6 تماثيل بمعدل تمثال كل عام
* حصل تمثاله الفلاحة المصرية عام 1936 على جائزة محمود مختار
* الملك فؤاد اشترى منه (محمدين النوبي)!
* تتلمذ على يد عميد الأثريين المصريين الدكتور (سليم حسن)
* اكتشف صلاح جاهين وعبدالفتاح مصطفى ومرسي جميل عزيز
* كبريائه منعه من التلحين لكوكب الشرق أم كلثوم
* قدم أجمل الأوبريتات الإذاعية أهمها (عوف الأصيل، أم شناف، قطر الندى،سوق بلدنا، في بساتين الفن والأدب)
كتب : أحمد السماحي
الصدفة وحدها كانت وراء عمله بالفن، فلم يكن في طفولته أو صباه المبكر يحلم بالفن أوالتلحين، ولكن كل شيئ خضع لقانون الصدفة، هذه الصدفة التى جعلته يقف شامخا بجوار كبار الملحنيين، هو مبدعنا الكبير وصاحب الألحان الرائعة المتميزة (أحمد صدقي) أستاذ الغناء الشرقي الأصيل الذي قدم العديد والعديد من الألحان المتنوعة المختلفة لكل أساتذة الطرب، وأجاد تلحين كل القوالب الغنائية مثل (الدور، والموشح، والقصيدة، والطقطوقة) وغيرها من القوالب الموسيقية.
أحمد صدقي كان واحدا من بين قلائل من كبار الموسيقيين الذين ظلوا متمسكين بالنغم الشرقي الأصيل، ولم يقتربوا في أي لحن من ألحانهم من الموسيقى الأوروبية، لا الكلاسيكي منها ولا الخفيف، شأنه في ذلك شأن العبقري (زكريا أحمد)، فكان كل اهتمامه الدفاع والحفاظ على الموسيقى الشرقية وحمايتها من كل ما هو دخيل عليها، وقد اضاف إيقاعت جديدة من إبداعه، أثارت إعجاب النقاد والمتخصصين، وعلى أثرها طلبت الدكتورة (رتيبة الحفني) عميد معهد الموسيقى العربية – آنذاك – تدريس هذه الأوزان والإيقاع لطلبة الدراسات العليا، وقد أطلق على هذه الإيقاعات أسماء أولاده مثل مقام (الأشرف، والشريف، والسماح والمكمل، والمحمدى).
من منا ينسى (كان ياما كان، وقلوب الورد عاشقة، والآهات، وسلمى) لفتحية أحمد، (ريداك والنبي ريداك، وبحب اتنين سوا، وكلمني يا قمر، وشفت منام) وغيرها لليلى مراد، و (فكراك ومش حنساك و ودموعي وآهاتي) لنجاة علي، و(يا واد يا ساكن حينا) لصباح، و(أمجاد يا عرب أمجاد، يا حلو ناديلي، وشجرة الحرية، وموكب التحرير) لكارم محمود، و (ع الدوار، ورمش الغزال يا نا، وسماح) محمد قنديل، و(أنا خالي، طاير يا حمام، يا قلبي سلمته، أنا ذكرى ) لنجاة الصغيرة، و(بصعب على روحي، وبتكلموني ليه، عشان بدك تراضيني) لمحمد عبدالمطلب، و(خايف على قلبي، وبحر يا وابور، وحلو يا اللي ماشي) لفايزة أحمد.
و(من غير حب الدنيا دي ايه، وأدي الحياة فرصة) سعاد محمد، و(الشمس بانت من بعيد، سحر عينيك العسلية، أجمل سلام) شادية، (حسرة عليها يا حسرة عليها) شفيق جلال، أو (قالتلي وردة تقطفني ليه) إبراهيم حموده، و(البخت، و يا ساهي وأنت وسط النار) شهر زاد، ومن الأجيال الجديدة التى لحن لها قبل رحيله مطربنا الكبير محمد ثروت الذي لحن له (يارب جود بالصلاة)، وإيمان الطوخي (ما على العاشق ملام)، ولطفي بوشناق (جرى ايه للدنيا ناس) ولطيفة (الصبح دق الباب).
5000 لحن
هذه بعض النماذج القليلة جدا جدا من بعض أغنيات نجمنا الكبير (أحمد صدقي) أحد عباقرة التلحين في مصرنا المحروسة، والذي قدم ما يزيد عن الـ (5000) لحن على حد قوله مع الأستاذة (آمال العمدة) فى برنامجها (ساعة زمان)، وغنى ألحانه أساتذة الغناء عندما كان للغناء أساتذة، ورغم غزارة ما قدمه للساحة الغنائية إلا أنه يعاني مثل كثير من العمالقة الكبار من التجاهل والنسيان، فلا أحد يهتم بذكرى رحيله أو ذكرى ميلاده.
أب هاوي الاستماع
ولد (أحمد صدقي) يوم 4 أكتوبر 1916 في العياط بالجيزة، لأب يعمل مأمورا للبوليس في قسم الجيزة، ورغم صعوبة عمل الأب إلا أنه كان عاشقا للاستماع إلى الموسيقى والألحان، ويمتلك (فونوغراف) يسمع منه اسطوانات أساتذة الغناء الكبار مثل (عبده الحامولي، وسيد درويش، ومحمد عثمان) وغيرهم في وقت الصفاء، ونمى الأب هذه العادة فى ابنه الصغير(أحمد) الذي كان يهوى الرسم.
الصدفة الأولى
دخل أحمد المدرسة الابتدائية، وجاء عند شهادة (الكفاءة) وحدث خلاف بينه وبين أحد مدرسيه، ترك على أثره المدرسة، وجلس فى منزله 6 أشهر، وكان فى هذه الفترة قد انتقل مع والده بحكم عمله فى البوليس إلى ميت غمر، فترك أحمد (ميت غمر) وجاء للقاهرة لتقديم أوراقه فى مدرسة الفنون الجميلة، فوجد أنه لابد أن يحصل على البكالوريا، وأثناء ذلك قابل بالمصادفة صديق له من أيام المدرسة الابتدائية، وبعد السلامات والسؤال عن الأحوال، عرف منه أنه لن يدخل الكفاءة هو الآخر، ولكن سيدخل مدرسة الفنون التطبيقية أو الفنون والزخارف كما كان اسمها وقتها، فطلب منه أن يذهب معه لتقديم أوراقه إلى هذه المدرسة.
الصدفة الثانية
التحق (أحمد صدقي) بمدرسة الفنون والزخارف، وقرر بناءا على نصيحة والده الالتحاق بقسم النسيج لأن مستقبل مصر في النسيج، فوجده كامل العدد، فقرر أن يقدم في قسم السجاد، لكنه وجده أيضا كامل العدد، فلم يجد أمامه غير قسم (النحت) فالتحق به، وهو لا يعرف شيئا عن النحت، لكن تشاء الصدف أن يكون والد زميله الذي دخل معه المدرسة نحاتا شهيرا وزميلا للنحات الكبير (محمود مختار)، فكان يذهب معه بصفة منتظمة إلى منزله، ليتعلم من والده أصول النحت.
الصدفة الثالثة
عشق (أحمد صدقي) فن النحت، من والد زميله، وأجاد فيه، حتى أن أساتذته أشادوا بموهبته وبنحته لبعض التماثيل، وأثناء دراسته فى قسم النحت لاحظ (صدقي) وجود زميل له على درجة كبيرة من الشياكة والوسامة، لكنه لا يتحدث مع أي شخص فى القسم، وتشاء الصدف أن يساعده (أحمد) فى أحد الأيام في صنع تمثال له من الطين، وأثناء ذلك تعرفا، فعرف أن اسمه (محمد عبدالوهاب حلمي) وأنه مطرب يغني فى المسارح والتياتروهات الليلية، وطلب منه (حلمي) أن يعمل معه (كورس) بالليل، ووافق (أحمد) وبدأ عمله ككورس مع زميله المطرب (محمد عبدالوهاب حلمي) الذي أصبح فيما بعد مطربا شهيرا فى الإذاعة المصرية في بداياتها وشقيق المطربة (حفصة حلمي).
معهد الموسيقى العربية
حتى يصقل (أحمد صدقي) موهبة الغناء التحق بمعهد الموسيقى العربية عام 1933، وتعلم فن المقامات على يد أستاذه الشيخ (درويش الحريري)، وكان معجبا فى هذه الفترة بألحان الشيخ (سيد درويش) وألحان الشيخ (زكريا أحمد)، وفى عام 1935 تخرج من مدرسة الفنون التطبيقية، وعام 1937 من معهد الموسيقى العربية، وقبل تخرجه بعام من معهد الموسيقى قدم أوراقه فى معهد (ليونارد دافنشي) لتعلم اللغة الإيطالية، وتخرج من المعهد عام 1939 استعدادا للسفر إلى إيطاليا لدراسة فن النحت على أصوله!.
الملك فؤاد يشتري منه تمثال
بعد تخرج (أحمد صدقي) من مدرسة الفنون التطبيقية عام 1935 ، نحت تمثال وأطلق عليه إسم (محمدين النوبي) وقد لفت هذا التمثال إعجاب (الملك فؤاد) فاشتراه بمبلغ 20 جنيهاً، كما صنع تمثال (الفلاحة المصرية) وحصل من خلاله على جائزة (محمود مختار) عام 1936 .
الصدفة الرابعة ووفاء النيل
بعد تخرجه من مدرسة الفنون التطبيقية، عمل مهندس فى قطاع الآثار وبالتحديد فى حفائر الجامعة، حيث كان السبب في ذلك عميد الأثريين المصريين الدكتور (سليم حسن) الذي كان صديقا لوالده، والذى رشحه لهذه الوظيفة، والذى تتلمذ على يديه وكان يلقنه يوميا خمس أحرف هيروغليفية لرسمهم، أثناء ذلك وقبل سفر (أحمد صدقي) إلى إيطاليا قامت الحرب العالمية الثانية فتم إلغاء السفر، فى هذه الأثناء أسندت الإذاعة المصرية إلى أستاذه مدير المتحف المصري (أحمد يوسف) مهمة تزويد الإذاعة بالمادة التاريخية لبرنامج إذاعي عن (وفاء النيل عند الفراعنة)، ولجأ (يوسف) إلى تلميذه (أحمد صدقي) يسأله عن أفضل من يلحن أغنيات البرنامج، فرشح له الشيخ (زكريا أحمد)، لكن الاختلاف حول الأجر المادي حال دون ذلك.
فرشح له الشيخ (محمود صبح) لكن الإذاعة رفضت بحجة أنه بعيد تماما عن هذا اللون من الغناء، فطلب (أحمد يوسف) من تلميذه بحكم أنه دارس للموسيقى العربية وزميل فى الآثار أن يلحن هو البرنامج، وبالفعل لحن وغنى (أحمد صدقي) أربع ألحان هى (عروس النيل، نشيد فرعون، لحن السرور)، وأغنية ريفية بعنوان (شلبية) ونجح البرنامج بقوة، وبسببه تم اعتماد (صدقي) يوم السبت 12 ذوالقعدة الموافق 23 ديسمبر 1939 ملحناً ومغنيا في دار الإذاعة.
قسم الريف
فى بداية عهد (أحمد صدقي) بالإذاعة اهتم كمطرب بتقديم أغنية الريف، فغنى من ألحانه (يا جمره طالعة يا عاوجة الزلعة بتميلي وتملي من يم الترعة)، كلمات محمود رمزي نظيم، (على شط الميه) كلمات أحمد يوسف، (أحرث وأعزق) و(على الساقية) كلمات عبدالفتاح مصطفى، كما قدم أول برنامج غنائي له بعنوان (يم الساجية) كلمات مرسي جميل عزيز، غناء كارم محمود وشافية أحمد إخراج محمد محمود شعبان.
وبعيدا عن أغنية الريف قدم (ناوي على عندي)، (جميل جميل) كلمات مرسي جميل عزيز، (عيد الفطر) تأليف أحمد يوسف، (يسعد صباحك)، كما غنى معه فى هذا الركن المطربات (حورية حسن، شافية أحمد، فاطمة علي).
وبداية من عام 1942 ترك الغناء، وتفرغ للتلحين، فلحن لكل مطربي مصر الكبار والصغار بداية من (فتحية أحمد وصالح عبدالحي، حتى لطيفة ومحمد ثروت وعلي الحجار، وإيمان الطوخي، وأميرة سالم، وسوزان عطية،ولطفي بوشناق).
سر عدم تعاونه مع أم كلثوم
رغم أن (أحمد صدقي) لحن لكل مطربي عصره، لكنه لم يلحن لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، والحقيقة أنه كان بينهما لقاءا، لكنه لم يكلل بالنجاح، فقد كان كبرياء (صدقي) وعزة نفسه وراء عدم تعاونه مع كوكب الشرق، ففي أحد الأيام فى بداية الخمسينات، وبعد انتشار ألحانه وتحقيقها لنجاح كبير على ألسنة الشارع المصري والعربي، أعطته (ثومه) كلمات قصيدة (أغار من نسمة الجنوب..على محياك يا حبيبي) لأحمد رامي ليلحنها لتبدأ بها موسمها الغنائي الجديد، وبعد إنتهائه من التلحين، استمعت (أم كلثوم ) اللحن وطلبت بعض التعديلات فى مذهب الأغنية وفي قفلاتها، لكن (صدقي) رفض هذه التعديلات لأنها ستغير هوية اللحن، فاعتذر لها عن عدم تغيير اللحن، فما كان منها إلا أن أعطت كلمات القصيدة للموسيقار (رياض السنباطي) الذي لحنها، وأعطى (صدقي) لحنه للمطربة نجاة الصغيرة، حيث وضع على اللحن كلمات أغنية (أنا ذكرى) .
عوف الأصيل وقطر الندى
يعتبر الموسيقار (أحمد صدقي) أكثر ملحني عصره تلحينا للأوبريت الغنائي والصورة الغنائية فلحن العديد من الصور الإذاعية في عصر الإذاعة الذهبي من أهم هذه الأوبريتات (عوف الأصيل، راوية، قطر الندى، سوق بلدنا، ضي، أمة الجهاد، محمد، نور النبي سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم، كلمة واحدة،يا ليل يا عين، في بساتين الفن والأدب، مجالس الأدب والطرب عند العرب) وغيرها الكثير.
المسرح الغنائي
في مجال المسرح الغنائي قدم الأوبريت الشهير (ليلة من ألف ليلة)، و(البيرق النبوي)، (زباين جهنم) و(يا ليل يا عين)، (الناي السحري)، كما اشترك في العرض المسرحي الغنائي الكبير (القاهرة في ألف عام) وقدم فيه 7 ألحان، كما لحن العديد من المسرحيات مثل حواء الخالدة وأيام وخمر، وغيرها الكثير.
السينما
قدم المبدع أحمد صدقي للسينما المصرية حوالي 120 فيلما سينمائيا لكبار مطربي مصر من هؤلاء (رجاء عبده، نجاة علي، ليلى مراد، صباح، نور الهدى، هدى سلطان، محمد عبدالمطلب، إبراهيم حموده، شفيق جلال، وإسماعيل ياسين، وغيرهم الكثير، ومن أهم أفلامه (ليت الشباب، ورد شاه، شاطئ الغرام، أخلاق للبيع، حبيب الروح، أدم وحواء، ريا وسكينة، أمال، الأم القاتلة، الأسطى حسن، غلطة العمر، غرام بثينة، حدث ذات ليلة، بنت الجيران، نحن بشر، دستة مناديل، عزيزة، لمين هواك، جعلوني مجرما، أمير الإنتقام، الوحش، الأخوة الأصدقاء، إضراب الشحاتين، بديعة مصابني، قصر فى الهوا، تل العقارب، ابن مين فى المجتمع ) وغيرها.
الجزار الشاعر
كما قدم العديد من الألحان فى بعض المسلسلات مثل ( الجزار الشاعر، الخليل بن أحمد، الأمام مالك) وكانت آخر ألحانه في فوازير (عروس البحور) لشريهان .
الأغاني للأصفهاني
لم يقتصر عطاء أحمد صدقي على الصور الغنائية والأوبريت الغنائي، فقدم للإذاعة واحدا من أهمها أعمالها على الإطلاق، وهو البرنامج الإذاعي الشهير (الأغاني للأصفهاني)، الذي يعتبر من أمهات البرامج الغنائية في الإذاعة المصرية، حيث أعاد كتابة كلماته الشاعر (عبد الفتاح مصطفى)، وأخرجه ( محمد محمود شعبان) وقام ببطولته الفنان الكبير حسن البارودي، وحكى خلاله البارودى يوميات الجوارى والقيان وليالى القصور وكواليس دسائس الحكام والحاشية وأشهر مغنيات ومطربى العصرين الأموى والعباسي.
اكتشاف العمالقة
عن النجوم الذين أكتشفهم (أحمد صدقي) فى مشواره قال فى حديث إذاعي: يكفيني فخرا إنني اكتشفت ثلاثة من أكبر الشعراء الموجودين حاليا وهم (عبدالفتاح مصطفى، مرسي جميل عزيز وصلاح جاهين) حيث كنت أزور صديقي مذيع الإذاعة والشاعر (عبدالرحمن سامي) في أحد الأيام في شارع الشريفين، ففوجئت بطالب صغير عرفني بنفسه أنه اسمه (عبدالفتاح مصطفى) وأعطاني كلام يقول: (كلفة قميصك قصب يا بنت عمدتنا) فأعجبت جدا بالكلمات، ولحنتها، بعد هذا تعاونت معه في البرنامج الشهير (راوية)، وبرنامج (فرحة رمضان) وغيرها الكثير.
وفى أحد الأيام فى منتصف الأربعينات كنت في مأمورية تبع مصلحة الآثار، فى محافظة الشرقية وتحديدا في الزقازيق فقابلت شاب صغير يهوى كتابة الشعر الغنائي، وأعطاني كلمات (ناوى على عندي) و(جميل جميل) وأعجبت بهما وقمت بتلحينهما، وتوالت بيننا الأغنيات من أبرزها (بصعب على روحي، وعشان بدك تراضيني تقول بحب عنيك) وبرامج (يم الساجية، وقطر الندى) وغيرها.
الثالث هو الشاعر (صلاح جاهين)، فى أحد الأيام كنت أسكن فى الجيزة، ففوجئت في أحد الأيام بجرس الباب يدق، ففتحت فوجد تلميذ صغير السن جدا (كلبوظ) يرتدى بنطلونا قصيرا، وطلب مقابلة الملحن (أحمد صدقي) وبعد أن تعارفنا طلب مني أن ألحن له كلمات تقول (الفيل فيفى خرج متهيأ ومورنش جسمه) فضحكت جدا لأن جسد (جاهين) فى هذا الوقت كان أقرب للفيل، وطلبت منه أن يعطيني كلمات أخرى لتلحينها، غاب فترة، وبعد شهور عاد وأعطاني الصورة الغنائية الرائعة (سوق بلادنا) التى كانت أول عمل له فى مجال الغناء وتوالت بيينا الأغنيات والصور الغنائية.
تنوع مصادره اللحنية
قضي (أحمد صدقي) 41 عاما فى قطاع الآثار، وكانت آخر وظيفة له كبير رسامي المتحف المصري التى ظل يمارسها حتى تقاعده على المعاش، وأتاحت له جولاته للتنقيب والبحث عن الآثار في قرى وصحراء مصر، أن يتعرف عن قرب على التراث والفلكلور المصري، ومنحته تلك الجولات فيما بعد نبعاً صافياً للألحان بكافة مشاربها، الشعبي، والبدوي، والوطني، والديني.
الرحيل
ذكرت لي مطربتنا الكبيرة (سعاد محمد) فى حوار معها أن الموسيقار الراحل (أحمد صدقي) كان يتميز بالطيبة الشديدة والأخلاق الكريمة، وفيه شيئ لله ــ على حد قولها ــ ولخبرته الكبيرة في التمييز بين المقامات الموسيقية، تولى (أحمد صدقي) رئاسة لجنة اختيار قراء القرآن الكريم بالإذاعة والتلفزيون قبل اعتمادهم، ونال من الرئيس (محمد أنور السادات) شهادة (الجدارة).
وتوفى هذا المبدع الكبير في 14 يناير عام 1987م عن عمر يناهز الواحد والسبعين، وقد اشتهر طوال حياته بتدينه واعتزازه بكرامته وتمسكه بالأخلاق والقيم المصرية، وإن كان رحل بجسده فأعماله باقية فى وجدان كل محب للنغم الطربي الأصيل.