عادل إمام .. للصبر حدود
بقلم: محمود حسونة
عادل إمام، قصة حب غير مسبوقة ولا ملحوقة، حب متبادل بين جمهور ونجم، جمهور اختاره زعيماً على عرش الفن وملكاً على مملكة الكوميديا، وتوجوه بنياشين أعماله التي شكلت وجدانهم وسكنت قلوبهم، وتوارثت الأجيال عشق أعماله ليكون الأول نجاحاً وإبداعاً وتألقاً في السينما والمسرح والتليفزيون على مدى نصف قرن من الزمان.
البعض سأل عن سر حب الناس له، والبعض حقد واستكثر عليه جماهيريته، والبعض حاول عرقلته، وكل هؤلاء لم يستوعبوا أن السر عند الله تعالى وأن هذا النجاح لم يأت من فراغ، ولكنه نتاج تعب وجهد وتفكير وبحث وسعي لإسعاد الناس والتعبير عن همومهم، وهم أيضاً لا يدركون أنه جسد على الشاشة معظم الأنماط البشرية، وأنه انحاز للبسطاء في جميع أعماله وانتقد بكل جرأة مصاصي الدماء.
بقدر ما أحب الناس عادل إمام، كرهه أعضاء حزب (أعداء الحياة).. وبقدر ما نجحت أعماله انتقدها المتربصون والمتخصصون في هدم الكبار.. وبقدر ما فضحت أعماله الفساد قالوا عنه أنه سبب انتشار الفساد.. وبقدر ما تحدى الإرهاب استهدفه الإرهابيون بالتهديد والوعيد وبالويل والثبور وعظائم الأمور.
منذ عقود وتجار الدين يضعونه على قوائم الاغتيالات، ومراراً وتكراراً يطلقون عنه الشائعات، ومنها شائعات الاعتزال والمرض وصولاً إلى شائعات الوفاة؛ وبعد أن زاد الأمر عن الحد تكلم الزعيم الأسبوع الماضي مستنكراً الشائعات الجديدة، قائلاً: (ظهرنا مش عاجب اختفينا مش عاجب أروح أموت بجد عشان ترتاحوا).
كلام النجم الكبير يحمل سخريته المعهودة بجانب بعض الانزعاج بعد أن زادت الأمور عن الحد المحتمل، كلام يحمل غضباً من نجم أصبح كلام الناس بالنسبة له لغزاً، فهم كما يقول المثل (لا يعجبهم العجب)، فإذا اختفى سيكون المجال خصباً للشائعات، ولو اعتزل سيكثر القيل والقال، ولو عمل ينزعجون ويحقدون ويغتاظون، وليس هناك من حل سوى إغلاق الآذان وتركهم يكلمون أنفسهم بلا أمل في أن يخفف ذلك من غلهم، علماً أن عادل إمام احتمل كثيراً وصبر كثيراً، والكل يعي أن (للصبر حدود).
عادل إمام، فنان يتنفس فناً وينعشه هواء الاستوديو، وتمتعه كلمة “أكشن” وتريحه الأضواء وملاحقة الكاميرا له، وتشغله تفاصيل التفاصيل في البلاتوه وأداء المشاركين له، ولا يتوانى عن تقديم النصح والإرشاد للمواهب الشابة مرشداً إياهم إلى طريق النجاح والابداع، وفنان بهذه المواصفات لا بد أن يكون نجم النجوم، ولا يمكن أن يعيش بعيداً عن الاستوديو؛ لذلك، ليت المنتظرين اعتزاله يتوقفون عن انتظار شيء لن يتحقق، لأن نجمنا الكبير لن يعتزل ما دام حياً وليمت المغتاظين بغيظهم.
أما من يشيعون من حين لآخر وفاته، فجميعنا نعلم أن حياته تزعجهم وأعماله تقف في حلوقهم كما اللقمة في الزور، وسيظل فاضحاً لهم بالفن وستظل أعماله سيفاً مسلطاً على رقابهم، ورغم كل ذلك فمن الطبيعي أن تزعجه ملاحقتهم إياه بالشائعات ليخرج عن المألوف ويقول لهم (أروح أموت بجد عشان ترتاحوا)، رغم أننا نعلم أن موته لن يريحهم، لأن أعماله ستظل خالدة وباقية تلاحقهم وتفضحهم سنوات وسنوات، والمبدع الحقيقي لا يموت أبداً.
عادل إمام لا يعادي أحداً لأسباب شخصية، ولَم يقدم عملاً ضد شخص بعينه، ولكنه قدم أعمالاً ضد ظواهر وأنماط أكلت قوت الناس وسرقت أرزاقهم وسطت على حقوقهم وسلبتهم استقرارهم وأمانهم وأرهبتهم وكفرتهم وجعلت من نفسها ولياً عليهم ووصياً على عقيدتهم التي لا تقبل وسيطاً بين العبد وربه.
ومن يتابع عادل إمام منذ انطلاقته في الستينات من القرن الماضي وحتى مسلسله الأخير (فالنتينو) يجد أن كل عمل فيها يفضح إحدى الظواهر أو الشخصيات سالفة الذكر، وعبر مراحل حياته الفنية المختلفة انحاز نجم نجومنا إلى البسطاء واستعرض مشاكلهم وهجا مستغليهم وارتدى ملابسهم وتحدث لغتهم، ولذا كان من الطبيعي أن يظل نجماً فوق القمة على مدى نصف قرن، وأن يسكن القلوب ويتوج ملكاً للضحك وزعيماً لجمهورية التمثيل بلا منافس طوال هذه السنوات.
عادل إمام سيظل جبلاً لا تهزه شائعات المغرضين ولا تهديدات الحاقدين ولا أمنيات الفاسدين والإرهابيين، وستظل أعماله سكيناً على رقابهم، وسيظل قيمة عظيمة في حياتنا ورمزاً نعتز به ونقدر عطاءه ونعي أنه ابن هذه الأرض الذي اصطبغ بلونها وعاش هموم أبنائها، وحلم أن تستعيد حضارتها ومجد السابقين من أهلها وتتربع على القمة التي تليق بها.
بارك الله في عمر الزعيم وأعطاه من الصحة ما يمكنه من إمتاعنا سنوات وسنوات قادمة.